قصة قصيرة: مزاح

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 20-8-2014

السنة السابعة

العدد: 2546

           قصة قصيرة

مزاح

-1-

كان يحتاج إلى أى مخلوق يدرك ما به دون تدخل، لكنه تمنى ألا يجدها فى الصالة وهو يفتح الباب بمفتاحه الخاص، ماذا لو رأتْ  ولم تشعر؟ ماذا لو لم تر أصلا؟ لم يكن يحاول أن يخفى دموعه هذه المرة، هى حقه دون منازع، ولكن لماذا هنا؟ الآن؟ لم يحاول أن يتمادى، ولمَ يتردد فى الدخول، ولم يتصنع الثبات.

-2-

كانت تجلس منتظرة فى غير لهفة أو توقع، لم يكن هذا موعد عودته، لكنها كانت هناك، حمد الله وقلبه يخفق وجلاً، لعلها لاحظت فتجاهلتْ، أو لعلها لم تصدق فسمحت بفرصة لإعادة الاختباء، شكر ترحيبها الطيب، وصمتها السمح، فرح حين تبيّن من  نظرتها أن دموعه كانت سِرّىة لم تنسب على خديه؟ مضى إلى الحمام ينظر ليتأكد، فوجدها، فحمد الله أنها لم ترها، كيف ؟

-3-

سوف يقول لها أنه  فى أشد الحاجة لمن يشاركه، وهى لن تسخر منه، الخبر منشور فى الصفحة الأولى على غير العادة، ثم إن التفاصيل فى صفحة الحوادث، ثم إنها تقرأ صفحة الحوادث يوميا قبل أى صفحة أخرى. ذلك الشاب الطيار الوسيم كما ظهرت صورته فى الصحيفة، لم تمض على تخرجه سوى بضعة أسابيع، سقطت به طائرة التدريب . هو أكبر إخوته، خاطب، عرسه بعد أيام، لا بد أن له أب مكافح ، وأم محجبة تدعو له ولمن مثله طول الوقت، لماذا لم يستجب الله لها فيحفظه؟  وجه الشاب أقرب إلى وجه أمه، مع أنهم لم ينشروا صورة أمه الثكلى. خيّل إليه أنه ـ شخصياً ـ مسئول عن سقوط طائرة هذا الشاب العريس بشكل ما، ومع ذلك فإن الأم الثكلى لا تعايره بالاستمرار فى الحياة دون ابنها، كان هو الأوْلى فعلا، مهما بلغ حزنه على الشاب المخطوف، فهو يشعر أنه لم يحزن بالقدر الكافى؟ بالقدر الذى يسمح له بحق الاستمرار من بعدهم، تُخايله أشلاؤهم داخل المخيمات، وعلى سفوح الجبال، وفى جوف الأنهار وبين كثبان الثلج، لكنّها سرعان ما  تتلاشى فى طبقات وعيه المخدَّر ليمضى، كما أن أيا من هذا لم يحدث هكذا؟

 نظر إليها فوجدها مازالت جالسة تنتظر منه ردّ تحية العودة، فهَّم أن يجاملها بردٍّ ما، وقبل أن ينطق سألته:

 ـ  مالك؟

حاول التملص بأن سألها عن طبيخ اليوم فأجابتْ، فبدا مندهشا، فاستفسرتْ، فأجاب أن كل شىء لا بد أن يتغيّر ما دام الأمركذلك، وحين لم تفهم أكثر حوّل الحديث إلى نوع الطعام ، وتفوّق الأولاد، قالت:

 ـ  جاء ابننا بالشهادة، وهو أول فصله هذه الفترة.

قال، و صوته يتصاعد حتى بدا كأنه يصيح، رغم أنه لم يكن يوجه كلامه إليها :

 ـ  أى شرف أن نفعـل نفس الأعمال؟! مع أنهم يموتون بلا منطق، ونحن نظل أحياء بلا مبرر.

كادت تقفز فزعا، لكنها تماسكت، وتساءلت عما يعنى

قال:

 ـ أمزح.

قالت:

 أَخـَفْــتـَنِى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *