الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 31 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 31 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

4-8-2011

السنة الرابعة

العدد: 1434

Mafouz & yehia

النص:

ص 31 من الكراسة الأولى

4-8-2011بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ

ولد‏ ‏الهدى‏ ‏فالكائنات‏ ‏ضياء‏

بشرى لنا نلنا المنى

‏يا سماء‏ ‏ما‏ ‏علتـك‏ ‏سماء

اللهم‏ ‏احفظنا

نجيب‏ ‏محفوظ

 27/2/1995

 

القراءة:

لم أستطع أن أقرأ وحدى السطر الخامس فى هذا التدريب وكتبت مقدمة أعتذر فيها عن ذلك، وأسمح لنفسى أن أفوّت بعض ما لا أتمكن من فك شفرته، لكن صديقى أحمد السيد تفضل للمرة الثانية باكتشاف الشفرة وبين ما كتبه الأستاذ فى هذا السطر هكذا:

 “بشرى لنا  نلنا المنى”

 وبرغم أننى لم أعرف من هو قائل ذلك الرجز، إلا أننى فرحت به فرحا شديدا، ورجحت أنه طقطوقة فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، فتصبح كل التداعيات اليوم فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونبدأ بالطقطوقة:

بشرى لنا نلنا المنى = زال العنا وافى الهنا

يا نفس طيبى باللقا = يا نفس قرّى أعينا

هذا جمال المصطفى = أنواره لاحت لنا

يا طيبة ماذا نقول = وفيك قد حلّ الرسول

وكلنا يرجو الوصول = لمحمد نبينا

………………

إلى أن تقول:

وبالحبيب المصطفى = صفا وطاب عيشنا

صلى عليه دائما = فى كل حين ربّنا

وآله وصحبه = أهل المعانى والثنا

أنا أتعجب من هذا الرجل، شيخنا هذا، وددت لو ملكت نورا على نور: أضىء به خلايا مخه حتى أرى كيف تتواتر المعانى والأنغام هكذا بهذه الطريقة، تدريب اليوم كله يدور حول حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بدأه بهمزية أحمد شوقى: “ولد الهدى فالكائنات ضياء”، فتقفز إليه هذه الأرجوزة الخفيفة الظريفة التى كدت أتجاوزها لولا صديقى أحمد السيد، حين قرأت الشطر الثانى من أول بيت ولم أكن أعرف أنها أرجوزة فى مدح المصطفى، استبشرت خيرا وقلت يبدو أن الأستاذ كان يستشعر قرب الشفاء وتخفيف الآلام “زال العنا وافى الهنا”، ولم أتراجع عن ذلك، لكننى أضفت إلى هذا الاحتمال أنه تمَّ فى رحاب هذا الحضور الجميل لسيدنا رسول الله.

فى قراءة هذه التدريبات – وفى غيرها – ناقشت ما وصلنى عن مدى حب نجيب محفوظ لصوت وغناء كوكب الشرق أم كلثوم، وكيف أن همزية أحمد شوقى قد جرجرت ما شاءت من أغنياتها الجميلة القديمة فى يوم تدريب سابق (نشرة 23/6/2011 “قراءة فى كراسات التدريب لنجيب محفوظ الصفحة “26”)

نلاحظ هنا أن همزية شوقى قد استدعت همزية البوصيرى وهى من أطول قصائده فى المديح النبوى ، وعدد أبياتها: خمسمائة وسبعة عشر بيتاً، ومنها:

كيف ترقى رقيّك الأنبياء              يا سماءً ما طاولتها سماءُ

لم يساووك فى عُلاك وقد            حال سنى منك دونهم وسنـاءُ

حب نجيب محفوظ لربنا، وحب ربنا له وصلنى حبا خالصا طيبا طاهرا مباركا فيه لا يوصف، أما حب الأستاذ لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقد وصلنى ممتزجا بالإعجاب والاحترام والامتنان والتقدير، يبدو أن تداعيات هذه الصفحة استدعت الهمزية الأصل وهى همزية البوصيرى فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. بعد أن رقصت مع الأرجوزة التى فشلت أن أجد قائلها او مغنيها، استعوضت عن ذلك بالبحث عن الأمام البوصيرى، ففضلت أن أكتب نبذة عنه حيث علمت – لأول مرة – أنه مصرى صعيدى ولد بقرية “دلاص” إحدى قرى بنى سويف من صعيد مصر، فى (أول شوال 608هـ = 7 من مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة “صنهاجة” إحدى قبائل البربر، التى استوطنت الصحراء جنوبى المغرب الأقصى، ونشأ بقرية “بوصير” القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب، واتجه البوصيرى بعد رحلة مع الشعر والحياة إلى شعر مدح الرسول، وتعد قصيدته “البردة” من أعظم المدائح النبوية، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة “كعب بن زهير” الشهيرة “بانت سعاد”. وله أيضا هذه “الهمزية” فى مدح النبى (صلى الله عليه وسلم)، وهى لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة، ومنها ما سطر الأستاذ اليوم:

ما وصلنى من الأستاذ فى هذه المنطقة، إثر تصريحه بعد حصوله على نوبل أنه ينتمى إلى حضارتين الحضارة المصرية وحضارة الإسلام، وقد علق بعض محبيه من الذين لا يعرفون عمق علاقته الخاصة جدا بالإسلام ونبيه وبالله سبحانه، تعليقات بعضها سلبى، وأقتطف هنا ما كتبته فى عملى السابق “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”، حين حكيت للأستاذ كيف امتعض أحد الزملاء فى لجنة الثقافة العلمية على ما صرح به للأهرام وكان فيه تأكيد لهذا الانتماء وأذكر أن الأستاذ حين نقلت له هذا التحفظ علق تعليقا لم أعتده أثبته اقتطافا (فى شرف صحبة نجيب محفوظ) فيما يلى:

الأحد 8/1/1995

………

………

 استفسرت‏ ‏منه‏ ‏عن‏ ‏رأى ‏قرأته‏ ‏له‏، ‏وهو‏ ‏الرأى ‏الذى ‏أرسله‏ ‏لندوة‏ – “نحو‏ ‏مشروع‏ ‏قومى ‏حضاري” ‏والذى ‏عقد‏ ‏بالأهرام‏ ‏يقول‏ ‏فيه‏ ‏إن‏ ‏السبيل‏ ‏إلى ‏نهضتا‏ ‏هو‏ ‏الإسلام‏، ‏فقال‏ ‏لى ‏إنه‏ ‏قال‏ ‏ذلك‏ ‏رابطا‏ ‏إياه‏ ‏بأن‏ ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏حوار‏ ‏مع‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏والآراء‏ ‏الأخرى، ‏

………

ثم أضاف:

“… ‏إنه‏ ‏قال‏ ‏ذلك‏ ‏رابطا‏ ‏إياه‏ ‏بأن‏ ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏حوار‏ ‏مع‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏والآراء‏ ‏الأخرى..”

………

………

 “..وسألنى بدوره ‏وهل‏ ‏كنت‏ ‏مشاركا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الندوة؟ ‏فأجبت‏ ‏بالنفى، ‏لكننى ‏أردفت‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏المشاركين‏ ‏قد‏ ‏التقيتهم‏ ‏مساء‏ ‏نفس‏ ‏اليوم‏ فى المجلس الأعلى للثقافة ‏وسألتهم‏ ‏عن‏ ‏كلمته‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تنشر‏ ‏فقال‏ ‏لى ‏د‏. ‏ميلاد‏ ‏حنا‏ (‏وكان‏ ‏أحد‏ ‏حضور‏ ‏الندوة‏) ‏ماطا‏ ‏شفتيه‏ ‏أن‏ ‏الكلمة‏ ‏كانت‏ ‏ماسخة‏، ‏وأنك‏ ‏لم‏ ‏تقل‏ ‏فيها‏ ‏إلا‏ “أنك‏ ‏مسلم”، وكأنك تتحفظ متراجعا، وذكرتُ‏ ‏له‏ ‏شعورى ‏الرافض‏ ‏لهذا‏ ‏الاختزال‏، ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏قرأت‏ ‏تفاصيل‏ ‏الكلمات‏ ‏فى ‏أهرام‏ ‏الجمعة‏ ‏التالي، ومن بينها كلمته الشاملة، وهى غير هذا الاختزال المخل‏ الذى أبلغنى إياه د. ميلاد،‏ تعجب‏ ‏الأستاذ‏، ‏وصمت‏ ‏كما‏ ‏يفعل‏ ‏حين‏ ‏يفاجأ‏ ‏بما‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تفكير‏، ‏وقال “ماذا‏ ‏يريدون؟‏ ‏وكأن‏ ‏الأقلية‏ ‏تريد‏ – ‏لكى ‏تشعر‏ ‏بالأمان‏- ‏أن‏ ‏تكفر‏ ‏أربع‏ ‏وخمسين‏ ‏مليون‏ ‏بنى ‏آدم‏، ‏إنهم‏ ‏رغم‏ ‏ذكائهم‏ ‏أغبياء‏، ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يتصورونه‏ ‏سبيلا‏ ‏لأمانهم‏، ‏إن‏ ‏الأمان‏ ‏لا‏ ‏يأتى ‏إلا‏ ‏حين‏ ‏يمارس‏ ‏الناس‏ ‏ما‏ “هم”، ‏وأغلب‏ ‏الناس‏ ‏فى مصر مسلمون‏، ‏فليمارسوا‏ ‏إسلامهم‏، ‏وحين‏ ‏يمارسونه‏ ‏بطريقة‏ ‏صحيحة‏، ‏فإن‏ ‏الأمان‏ ‏سيعم‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الأغلبية‏ ‏والأقلية‏، ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏سبيل‏ ‏آخر”.‏

 الأرجح عندى أن الأستاذ قادر على حب الله  وعلى تلقى حبه بثقة ورضا بالغين، لكننى تصورت أنه يحب رسوله بطريقة أخرى، طريقة بشرية رقيقة نابضة، قارنت بين قصائد الإمام البوصيرى فى مدح الرسول وسألت نفسى هل لو كتب الأستاذ حبه للرسول بنفس الطريقة التى كتب بها البوصيرى مدائحه هل كان سيصلنى ما وصلنى، وجاءتنى الإجابة بالنفى، الأستاذ يحب الرسول ويحب طاغور ويحب أم كلثوم ويحب محمد أقبال، لكن البوصيرى يعشق الرسول (ص) ويتغزل فيه ويكتب مئات الأبيات تمجيدا وتعظيما هذا شئ آخر الأستاذ لا يحتاج إليه.

حين حضر بيت الشعر هذا فى تدريبات محفوظ اليوم تغيرت كلمة واحدة عن الأصل الذى وجدته فى قصيدة البوصيرى وهى “عَلَتْكَ” والأصل “طاوَلَتكَ”، وهذا وارد  مع التداعى للتدريب طبعا، وقد وصلتنى عَلَتْكَ أقرب، لست أدرى لماذا، ربما لأنها تعبير بسيط عن ما هو بسيط و”فوق”، أما “طاولتك” فهى تشير إلى السماوات الأخرى (الأنبياء) وهم يحاولون أن يطاولوا نبينا فى سمائه، ما كتبه محفوظ اقرب إلى ما يصلنى من التنزيل الكريم “لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”

ثم يختم الأستاذ فى تدريبه دعاء ألتقطُه مختلفا وأربط بينه وبين ما تواتر فى وعيه، يقول خاتما “اللهم احفظنا” وصلنى الحفظ هنا مختلطا بنوع من الرضا وكأنه يدعو بين يدىْ حضور رسول الله فى وعيه بكل هذا الحب، يدعو أن يحفظ الله عليه ما تبقى من صحته، وأنه راض حتى بهذا القليل، فهو يدعو العلى القدير أن يحفظ عليه، ولو ما وصل إليه، وما زاد عن ذلك فقد المحنا إليه فى موقفه الآمِل فى النشرة السابقة “إن بعد العسر يسرا”. (نشرة 28/7/2011 “قراءة فى كراسات التدريب لنجيب محفوظ الصفحة “30” الجزء الثانى).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *