الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 27 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 27 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

30-6-2011

السنة الرابعة

العدد: 1399

Mafouz & Yehia (1)

مقدمة:

أخشى ما أخشاه أن أضطر أن أكُرر إذا كَّرر، أو أن أزيد جرعة تداعياتى الشخصية عن إيماءات شخبطته الجميلة.

ليس عندى حل

فكرت أن أسبق الأحداث لأتأكد من حجم جرعة التكرار ثم عدلت بشكل حاسم، وكنت أنشر فى الدباية ما يثيره فىّ صفحتان فى كل مرة ثم عدلت – كما ترون – لأكتفى بصفحة واحدة.

هل هذا حل أم مهرب

الله أعلم

ولتحتملونى ونغامر معا واحدة واحدة، صفحة صفحة،

المكسب الذى لا جدال فيه هو أنه يحضر معى بكل معنى الكلمة كلما رجعت إلى خط يده هكذا وتلقائيته هكذا

فهل تحضرون معنا؟

احتملنا يا شيخنا كما احتملتنا دائما

 ص 27 من الكراسة الأولى

النص

30-6-2011

‏بسم الله الرحمن الرحيم

 ‏نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ

كيف‏ ‏مرت‏ ‏على هواك‏ ‏القلوب‏

 ‏النوم‏ ‏يداعب‏ ‏جفونى

هلت‏ ‏ليالى‏ ‏القمر

اراك‏ ‏عصى‏ ‏الدمع‏ شيمتك ‏الصبر

نجيب‏ ‏محفوظ

‏ 23/2/199

القراءة

لا عجب أن تحضر أم كلثوم  فى وعى نجيب محفوظ، فلا تنصرف، هذا ما ذكرته الأسبوع الماضى حين ألمحت أننى كنت أشعر أحيانا أنها تحضر معنا جلسة الحرافيش، وقد  شطح خيالى فتصورتها أهم فرد فى الحرافيش الأصليين، من حيث أنها تمثل ما وصلنى عن “ما هم” و”من هم” هؤلاء الحرافيش بوجه خاص، وليس حرافيش التاريخ، ولا حرافيش “ملحمة الحرافيش” (الرواية) وأنا لم اسأل الأستاذ لماذا اختار لهذه الرواية الملحمة: ملحمة الوجود: اسم “ملحمة الحرافيش” ،وقد سمعت من قبل عن تاريخ استعارة هذا الاسم لهذه الثلة، وأن أحمد مظهر هو الذى ابتدعه، وأنه رجع إلى التاريخ فوجد كذا وكيت، إلا أن خيرى شلبى (وهو ليس من هؤلاء الحرافيش) أرجع التسمية إلى محمد عفيفى، وخيرى يصفه بأنه “مجرد واحد من الزعر والحرافيش الذين كتب عنهم الجبرتي وابن إياس وهم غالبية الشعب المصري في ذلك الزمان، أو بمعني أدق هم أهل الشارع المصري الذين لا سلطة لديهم ولا جاه ولا مال ولا أبهة ولا نسب”، إلى أن قال خيرى: “… وعبر أحاديث كثيرة جرت بيني وبين معظم الحرافيش تبين لي أن محمد عفيفي هو الذي أطلق هذه التسمية علي هذه المجموعة من الأصدقاء، وان الاسم سرعان ما تلبسهم وخيم علي جمعهم الحميم برمزيته الحميمة، فهم حرافيش لأنهم – بادئ ذي بدء – ناس من عامة الشعب لا شأن لهم بالمعارك الدامية الدائرة بين الجبابرة من طلاب السلطة والجاه والمال، وبرغم عشرتى لمن تبقى من حرافيش محفوظ بضع سنين فأنا لم أتعمد أن أطيل فى السؤال عن تاريخهم، ولا حتى بينى وبين توفيق صالح، بل يبدو أننى تجنبت أن استقصى عن أحداث بذاتها، مرت بهم، كنت اسمع طرفها أحيانا حيث لم أشعر ابدا برغبة لمزيد من الكشف عن ما يسمحون لمثلى به برغم إصرار الأستاذ على صفتى الأصلية، لكننى لم أقتنع أبدا كما ذكرت “فى شرف صحبته” مرارا، كنت أفضل أن أشعر بهم، “هنا والآن” عن أن أزين بحكاويهم ذاكرتى (والآن أوراقى) وبرغم كل ذلك فإنه كان يصلنى حضور “أم كلثوم” فى وعى الأستاذ معظم الوقت دون أن يتكلم عنها، وعن حبه لها، حتى تسميته كريمته باسمها “أم كلثوم”: لم أتطرق إليه ولا إلى معنى ومغزى اسم الشهرة لهذه الابنة الفاضلة.

نرجع إلى تدريب اليوم فنجد الأستاذ مازال مفعما بحضور أم كلثوم فى وعيه حتى احتكرت التدريب لليوم التالى (22/2/95) ونحن نجد الوصلة واضحة حين يكرر أغنية من أغانى أمس “كيف مرت على هواك القلوب” ثم يلحقها بثلاث أغان لها دون غيرها: النوم يداعب جفون حبيبى، وهلت ليالى القمر، ثم أراك عصى الدمع.

لم أعتبرها مصادفة أنه بدأ بالأغنية التى وردت فى تدريب أمس “كيف مرت على هواك القلوب” وهذا قد نرجع إلى ما ذهبنا إليه حالا من أن أم كلثوم قد حلت فى وعيه حتى اليوم التالى، ثم لحقتها أغنية “النوم يداعب جفون حبيبى” (1)، فهل يا ترى ظلت ام كلثوم معه حتى استغرق فى النوم ليجدها تنتظر فى اليوم التالى فتكرر هذا المطلع الباقى من أمس، ربما.

أم كلثوم تغنى أغنية النوم بحنان ودفء بالغين وأتصور أحمد رامى وقد تقمصها وهو يكتب هذه الأغنية ليرسم لنا صورة بالغة الشاعرية والإبداع والجدة، صورة تبدو لنا غير مألوفة فعلا.

حين يسهر محبان ويتسامران ويتحابان يحرص كل منهما على ألا ينام حبيبه حتى يطول ويحلى السهر، يظهر هذا فى أغنية ألف ليلة لأم كلثوم أيضا.

واقول للشمس تعالى تعالى         بعد سنة مش قبل سنة(2)

ولم أكن أعلم هذا المقطع وأنا أكتب قصيدتى فى فقه الحب:

……..

مثل‏ ‏همس‏ ‏الليل‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏السحر

يا‏ ‏إلهى:‏ أجّل‏ ‏الفجر‏ ‏فقد‏ ‏طاب‏ ‏السهر

إننى ‏أخشى ‏على ‏سرّى ‏طلوع  الشمس‏ ‏أو‏ ‏لفح‏ ‏الهجير

لكن الصورة هنا فى أغنية النوم يداعب جفون حبيبى مختلفة فالحبيب يسمح لحبيبه أن يغفل ويتمتع بنوم جميل يتيح له فرصة التمادى فى تأمله، بل واحتسائه

يا ريته يغفل ويكون نصيبي

 تفضل تشاهده عيوني

أهيم فى حسنه واشرب بهاه

كيف يمكن أن تشرب بهاء الحبيب وهو قد غفى، والمفروض انه ابتعد فإذا به اقترب ليسمح بلقاء “طيفه” على مستوى آخر

.. وابعت بطيفى يسبح معاه

يشكى له حالى واللى جرالى طول الليالى

هل يا ترى حين كان بتدرب الاستاذ تحضره كل هذه الأجواء؟ الأرجح عندى أن: “نعم”

أما الأغنية الثالثة هلت ليالى القمر فقد اكتشفت أنها جاءتنى مع ذكريات الطفولة وأنا أكتب هذه التداعيات وليس عندى ما أضيفه أكثر مما قلته الأسبوع الماضى.

لم يبق إلا أغنية ابى فراس الحمدانى وهى من أجمل أغانى أم كلثوم بل ومن أدق المشاعر الإنسانية التى تذكرنا برقة هؤلاء الشعراء الفرسان بما تمثله من حضارة عربية، وأعجب كيف أننا تشوهنا حين ابتعدنا عن نبض تاريخ هذه اللغة الحضارة كما أتعجب كيف أن أبناءها قد انتهى بهم الحال إلى كل هذا الانفصال عنها، وعن أنفسهم بل والتنكر لها ولأنفسهم، ولتاريخهم.

المهم

يالجهلى! لأول مرة اكتشف أن أبا فراس الحمدانى معاصر للمتنبى

أكثر الله خيرك يا شيخى العزيز، هأنتذا تعلمنى عن أبى فراس الحمدانى ما لم يخطر على بالى، وأنه نشأ فى حضانه وعطف ابن عمّه سيف الدولة، وما أن قوى ساعده في الشعر حتى « يعجب سـيف الدولة بمحاسنه ، ويصطنعه لنفسه ، ويستصحبه في غزواته ، ويستخلفه على أعماله »

الجديد الذى أضافته لى تدريبات الأستاذ فى هذا المقام بعد استشارة الصديق “جوجل” هو أن أبا فراس كان معاصرا للمتنبى وسيف الدولة طبعا، وأنا لى تحفظاتى منذ شبابى الباكر على علاقة سيف الدولة بالمتنبى حتى وصل بى الأمر أن أتصور أن بها نوعا من التذلل المرفوض، وربما أشرت إلى ذلك فى مناقشاتى مع الأستاذ عن المتنبى وشعره، ودهشتى من فرط إعجاب معظم النقاد والشعراء بما فى ذلك الشاعر “عادل عزت” من أصدقاء الأستاذ يوم الأثنين (سوفتيل المطار) وحتى الأستاذ نفسه يحترم المتنبى ويحبه، ولعلى ذكرت مثل ذلك أيضا “فى شرف صحبته”، وكيف أن قصيدته الميمية كانت مقررة علينا فى شهادة الثقافة العامة (ما يقابل الثانية الثانوية الآن) وهى التى مطلعها:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ       وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

ومازلت أذكر إعجابى ببيت فى هذه القصيدة ظللت استشهد به طوال نصف قرن وهو الذى يقول:

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً          أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وبقدر إعجابى بهذا البيت كان رفضى للتذلل فى نفس القصيدة والمتنبى يقول:

ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدى    وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

وربطت بين هذا البيت المهين (من وجهة نظرى حتى الآن) وبين بيت  آخر ليس فى نفس القصيدة يقول فيه المتنبى لسيف الدولة أيضا:

كفى بجسمى نحولا أنني رجل …. لولا مخاطبي إياك لم ترنى(3)

أما بالنسبة لهذه القصيدة بوجه خاص، وأم كلثوم تجسدها بكل جلجلة صوتها وحضور ألفاظها نبضا حيا خالصا:

.. إذا مت عطشانا فما نزل القطر”

رفضت المعنى، برغم طربى للنهاية ومعايشة الكلمات، وتذكرت بيتا لأبى العلاء المعرى وهو يرفض أن تختص أرضه دون سائر البلاد بالمطر وهو يقول:

فلا هطلت علىّ ولا بأرضى         سحائب ليس تنتظم البلادا

فحضرتنى نهاية قصيدتى “فى فقه الحب” واكتشفت أننى كنت أكثر تحيزا لموقف أبى العلاء حين قلت:

يا‏ ‏فتاتى

إنها‏ ‏تمضى ‏بنا‏:‏

وسط‏ ‏نبض‏ ‏الناس‏ ‏جـمْـعا

إنها‏ ‏ليست‏ ‏لنا‏ ‏دون‏ ‏سوانا‏ ‏

نرضع‏ ‏الأطفال، ‏حتى ‏لو ‏عطاشى

ما‏ ‏علينا‏ ‏لو‏ ‏نموت‏ ‏ويرتعون

“‏إذا‏  ‏متُّ‏ ‏ظمآنا‏..،‏

فقد‏ ‏نزل‏ ‏المطرْ

التفت إلى مقطع آخر فى نفس قصيدتى:

إنما‏ ‏أحيا‏ ‏بأنفاس‏ ‏البشر

مثل‏ ‏همس‏ ‏الليل‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏السحر

يا‏ ‏إلهى:‏ أجّل‏ ‏الفجر‏ ‏فقد‏ ‏طاب‏ ‏السهر

إننى ‏أخشى ‏على ‏سرّى ‏طلوع  الشمس‏ ‏أو‏ ‏لفح‏ ‏الهجير

فأكتشف الآن أنه يبدو أننى كنت متاثرا بأم كلثوم أيضا فى قصيدة ألف ليلة وهى تقول للشمس:

وأقول للشمس تعالى تعالى     بعد سنة، مش قبل سنة .. إلخ

ما كل هذا يا شيخنا؟

ما كل هذا؟

شكرا بلا حدود.

 

[1] – أغنية “النوم يداعب جفونى” غناء:  أم كلثوم – تأليف: أحمد رامى – ألحان: رياض السنباطى

[2] – أغنية “ألف ليلة وليلة” غناء:  أم كلثوم – تأليف مرسى جميل عزيز – ألحان: بليغ حمدى

[3] –  (ملحوظة: أكتب من الذاكرة وأعتقد أن احتفاظى بهذه الأبيات بهذا الوضوح هو مرتبط بغيظى من أبى المتنبى،

ونوع علاقته بسبق الدولة، حتى أننى فرحت والأستاذ يعلمنى من خلال تدريباته، حين عرفت عن أبى فراس بكل فروسيته وشجاعته وإباءه وبأسه، كيف أنه كان يذاكر الشعراء ، وينافس الأدباء ، وقيل إنّه كان يُظهر سرقات المتنبي الشعرية ، فلا يجرؤ المتنبي على مباراته).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *