الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ – ص 158 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ – ص 158 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  19-6- 2014

السنة السابعة

العدد: 2484  

 mahfouz 2

ص 158 من الكراسة الأولى

19-6-2014

أعوذ‏ ‏بالله‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏الرجيم

بسم‏ ‏الله‏ ‏الرحمن‏ ‏الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

الورد‏ ‏جميل‏ ‏جميل‏ ‏الورد

على‏ ‏بلد‏ ‏المحبوب‏ ‏وديني‏ ‏

يا‏ ‏ميت‏ ‏ندامة‏ ‏علي‏ ‏اللي‏ ‏حب‏ ‏ولا‏ ‏طالشي

علي‏ ‏الترعة‏ ‏الحليوة‏ ‏قابلني

شوفوا العجب حبيت فلاحة

اسمر‏ ‏وحليوه باغنى

‏…‏………….. ؟؟؟؟؟

عندما‏ ‏يأتي‏ ‏المساء

نجيب‏ ‏محفوظ

القراءة:

فجأة، عاد الطرب كله، وعاد نفس الترتيب الذى بدأنا به وكأننا فى الصفحات الأولى جدا، الاستعاذة أولا ثم البسملة ثم اسمه ثم اسمى كريمتيه ثم هات يا أغانى، وردت بعضها فيما سبق(1)،  إلا أننى فوجئت أن أغنية “على بلد المحبوب ودّينى” لم ترد قبلا، وكنت حسب ذاكرتى أتصور أنها وردت، فهى لأحمد رامى وأم كلثوم والسنباطى، لكننى لم أعثر عليها فى تدريبات الصفحات السابقة، وبالرجوع إليها احترت فى مكان هذا المحبوب فهل هو يعنى ببلد المحبوب “مصر” الوطن، أم “مصر” القاهرة، (كما يسميها أغلب المصريين إلا بعض أهل الصعيد) وقد وصلتنى الكلمات أقرب إلى أنها كلمات عامل مصرى عاشق مغترب لأكل الرزق، تلك الهجرة البطولة التضحية الداعمة لاقتصاد مصر فى السر والعلن، ويرجح هذا الاحتمال حين يتأكد الشوق إلى “بحر النيل” حيث الخليل فى مصر، “أنا ليا فى مصر خليل”.

أما الجديد من الأغانى فله العجب فى هذه الصفحة:

 شيخى ليس فلاحا ولا يعرف الريف وحين سألته من قبل عن المبدع والروائى المصرى الذى نجح أن يكتب عن الفلاحين المصريين، ذكّـرنى بهذا الرائع خيرى شلبى ولم أكن بعد قد كتبت نقدى له فى “لحس العتب”، واتفقنا على أن شيخى ليس له خلفية ريفية كافية تسمح له بالكتابة عن الفلاح المصرى، وحين قلبوا رواية “حكاية بلا بداية وبلا نهاية” إلى مسلسل بنفس الاسم جعلوا الأحداث تجرى فى الريف بين الفلاحين تعجب شيخنا وصمت وإليكم ما أثبته بهذا الصدد.

………………

” ذات أمسية فاتحت شيخى نجيب محفوظ: ألم يفكر أن يكتب عن القرية أو عن الفلاح، أظن أن ذلك كان بمناسبة مسلسل اقتبسوه من قصته “حكاية بلا بداية ولا نهاية”، حيث بلغنى أنهم جعلوا أحداث القصة فى المسلسل تدور فى قرية ما،  فقال لى بأمانة نعلمها عنه جميعا أنه قاهرى صرف، وفهمت منه أنه لا يكتب عن مكان أو إنسان أو يستلهم هذا أو ذاك إلا إذا اختلط بوعيه حتى النخاع، ثم تطرق الحديث إلى المبدعين الذين كتبوا عن الفلاح المصرى بما هو، وجاء ذكر رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوى، وترددت قبل أن اقول له رأيى فى أنها لم تصلنى منها صورة الفلاح المصرى كما أعرفها، وأنا أدعى أننى فلاح جدا، قلت له رأيى بحذر وأنا أعلم مدى تقديره لعبد الرحمن الشرقاوى، فخيل إلى أنه وافقنى حين أضاف: أنه يبدو أن الشرقاوى قدم لنا فلاحا مستوردا من الكتلة الشرقية أكثر منه الفلاح المصرى بجذوره الضاربة فى التاريخ الممتدة من الأرض إلى كل السماوات، تشجعت ورحت أسأله عن الروائى الذى نجح فى تجسيد الفلاح المصرى بكل كثافته وتناقضاته وحيله وطيبته وكرمه وحرصه وإصراره ولؤمه وصبره، وذكرت له ملامح من نقدى لرواية عبد الحكيم قاسم “أيام الإنسان السبعة”، فذكرنى هو بخيرى شلبى، وتحدث عنه بكل إعجاب واحترام، ولم أكن قد قراته بما يكفى”.

(انتهى المقتطف):

حين حضرتنى الآن كل هذه الذكريات تعجبت من هاتين الأغنتين وكيف حضرتا إلى سطح وعيه ليثبتهما وراء بعضهما هكذا، رحت أبحث عنها الواحدة تلو الأخرى فى أكثر من موقع ولم أعثر على أى منهما.

نبدأ بالأغنية الأولى وما جـَلبته إلىّ من تداعيات عن “ترعة الطويل” فى بلدنا، (وإن كنت لا أستطيع أن أفصل الأغنيتين عن بعضهما البعض).

الترعة لمن نشأ فى الريف، أو انتمَى إليه، كما حدث لى فى كل الأجازات الصيفية حتى أنهيت الجامعة، هى “نيل” “الفلاح المصرى”، وشط الترعة هو مكان تترعرع فيه العواطف وتتم أرق اللقاءات، بصراحة لم أكن صبيا صغيرا أحب الترعة بل أننى كنت أرتجف حين سماع لفظها، لأننى تعرفت عليها من حواديت الفلاحات عن “النداهة” وكيف كانت الجنية المختفية فيها تسحب الرجال إلى قاعها فى غير رحمة، فما بالك بالأطفال! فأرعب رعبا هائلا، لكننى حين بدأت آنس لدوراتها وهى تمتلئ وتفرغ، وأتابع فرحة المزارعين بقدوم “الدور” الذى يحيى زراعاتهم، فأفرح معهم وهى تمتلئ وتفرغ بنظام رائع، بدأت أصاحبها، تصالحت معها وإن لم أتعرف على شطآنها مرتعا للقاء المحبين إلا بعد سنوات.

حضرتنى الآن دفعة من الأغانى معا: بعضها جاء فيه ذكر “الترعة” نصا، ولكن بعضها الآخر، حضرنى نتيجة لخيالات خاصة ابتدعتـُها دون قصد.

 أبدأ بهذه الأخيرة وقد ارتبطت الترعة بالطرقات إليها، كانت طرق بلدتنا ومدقـّاتها تؤدى عادة إلى الترعة، وتتميز بموقعها منها، وكان بعض الأثرياء حين يقلبون مزارعهم حدائق للفاكهة تشغل مساحات متسعة من الأفدنه تغير على هذه الطرق بشكل أو بآخر، فارتبط إنشاء الحدائق بمحو الطرق وربما الحيلولة بين لقاء المحبين هذا ما وصلنى من الأغنية: (لاحظ أن “نين” تعنى “منين” أى “من أين” ولكنها تنطق “نين” للوزن) تقول الأغنية:

نين يا بـِرَاهيم؟ نشو الجنانين ونمشى منين يا بـِرَاهـِيمْ؟

لو كنت تتلف لا لـِفـّكْ فى جوز بطاطين

واشيل المشنة أقول حلو وعسل يا تين

ثم

…نين يا بـِركات؟ نشو الجانين ونمشى منين يا بركات؟

لوكنت تتلف لالفك فى جوز مَـلَـَساتْ (2)

واشيل المشنة وأقول حلو وصابح يامْهَات

فتذكرنى هذه الأغنية بدورها حرص الفلاحة المحبة على تـَخْـبـِـئـَـة حبيبها عن أعين الناس، لا أعرف هل خوفا من الحسد؟ أم حرصا على السرية؟ أم ماذا؟ كما ترد فى الاغنية الاخرى

لا احُطك فى عينى واتكحَّل عليك

وان جـُم يسألونى ما اقولشى عليك

واقول دا غريب يا خواتى وما هوش من هنا

وكذلك:

 لا احطك فى شعرى واتضفر عليك

وان جم يسألونى ما قلش عليك

 واقول دا غريب يا خواتى وما هوش مـِنْ هنا

هذه الأغانى الحميمة التى تجعل الحبيبة تخبئ حبيها فى البطاطين أو المـَلـَسات أو تجعلها تضعه فى شعرها وتتضفر عليه أو تضعه فى عينها وتتكحل عليه هى هى التى حضرت إلىّ من خلال تلك الأغنية التى أوردها شيخى هكذا، لست أدرى من أين؟

أما الأغانى التى ورد فيها لفظ “الترعة” فقد حضرتنى أيضا بتواتر ملاحق:

 أولها أغنية تعلن قوة الزوجة الواثقة من امتلاكها لقلب زوجها وعدم اهتمامها بتهديده لها بالطلاق إذا نزلت الترعة، ربما وهو يخاف من نزولها الترعة أن يلتقطها الواد الوِْلعة:

تقول الأغنية:

آه يا واد يا ولعة

خدها ونزل الترعة

…..

ﻃﻟﻌت  ابطـَّطْ ﺍﻟرُّﻗﺎﻕْ

نـِزِلـْتْ ابطـَّطْ ﺍﻟرُّﻗﺎﻕْ

حلف عليا بالطلاق، ما نى نازلة الترعة

وبرضه نزلت الترعة!!

…. ….

طلعت ابطـَّطْ العجين

نزلت ابطـَّطْ العجين

حلف علىّ باليمين

مانى نازلة الترعة

وبرضه نزلت الترعة

( ثم خذ عندك)

 حضرتنى الأغنية الساخرة الأشهر “ياللى ع الترعة حوِّد ع المالح” وفيها غمز ولمز:

إيدى بتوجعنى….، من إيه

إيدى بتوجعنى…، من إيه

إيدى بتوجعنى من ضرب إمبارح… الخ

كله كوم والمفاجأة التالية كوم آخر وهى ما تخص الأغنية الثانية التى تقول “شوف العجب حبيت فلاحة”

من عجب أننى تذكرت من بعيد أنها ربما تكون قد وردت فى “ثرثرة فوق النيل” رحت أبحث عنها وأنا غير متأكد وإذا بى أجد ما يلى: (صفحة 72)

نظر (أنيس زكى) إلى الليل فرأى مصابيح الشاطئ الآخر تنساب فى باطن النهر كأعمدة من نور، ومن عوامة بعيدة عن مجال البحر حمل النسيم أنغام غناء وموسيقى فلعله عرس كما غنى محمد العربى ليلة دخلتك:شوفوا العجب حبيت فلاحة، وقال العم فليحفظك الله وليعمر بيتك بالذرية الصالحة ولكن خذ بالك فلم يبق إلا فدانان … “

يا خبر: عدت أتأكد هل هو محمد العربى أم محمد العزبى لعله خطأ مطبعى، بحثت فى أغانى محمد العزبى فلم أجد هذه الأغنية.

ما هذا يا شيخنا ربنا يخليك؟

لستَ فلاحا، ومع ذلك تتجول كل هذه الجولة بالطول والعرض فى عز الريف وتجرجرنى وراءك هكذا؟

ربنا يطول عمرك.

[1] – * الورد‏ ‏جميل‏ ‏جميل‏ ‏الورد: ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (155)  نشرة: 22-5-2014

* يا‏ ‏ميت‏ ‏ندامة‏ ‏علي‏ ‏اللي‏ ‏حب‏ ‏ولا‏ ‏طالشي ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (145) نشرة: 13-3-2014

* اسمر‏ ‏وحليوه با غنى: ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) نشرة: 22-11-2012

* عندما يأتى المساء”: ورد هذا النص فى صفحة (62) نشرة 23-2-2012، وفى صفحة التدريب (119) نشرة 8-8-2013، وأيضا صفحة التدريب (ص 136) نشرة: بتاريخ: 2-1-2014

[2] – الملس لباس أرحب من الملاية اللف وربما هو ما يقابل الإسدال الآن، لكنه ليس ثوبا فهو أقرب إلى العيادة الرقيقة الحالكة السواد تلبسها المرأة فوق ملابسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *