الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ – ص 156 من الكراسة الأولى ( 1 من 2)

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ – ص 156 من الكراسة الأولى ( 1 من 2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس 29-5- 2014

السنة السابعة

العدد: 2463

mahfouz 2 (1)

ص 156 من الكراسة الأولى ( 1 من 2)

29-5-2014

القراءة:

هذه الصفحة علمتنى أشياء جديدة، فرحت لها وبها وكنت فى أشد الحاجة إلى الفرح، فقد فقدت صديقا عزيزا أول أمس هو المرحوم سعد هجرس، فحل ثقلٌ بداخلى أخذ يغوص ببطء إلى قاعى حتى كدت أغرق منقبضا مختنقا، هذا فقدٌ مختلف، وكأنى أنا الذى ذهبت، أما غياب شيخى فقد كان ومازال يجدد حضورى حاضرا هكذا.

هذه الصفحة بها مفاجأت جديدة جميلة، خففت عنى هذا الثقل الأسود الغائص حتى أعماقى، أحزان هذه الأيام مرتبطة بانشغالى على أحوال مصر والمصريين، وأيضا بعجزى عن الإسهام بأكثر مما أسهمم به “رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ”

–  كالعادة نذكر ما ورد فى النشرات السابقة بالهامش (1)

أما الجديد:

أولاً:  عادت‏ ‏ليالي‏ ‏الهنا والقلب نال المنى:

هذه الأغنية : “عادت ليالي الهنا” مثل كثيرات سبقتها من كلمات أحمد رامى،  ألحان: زكريا احمد   وغناء: أم كلثوم، تاريخ 1938، وهى – مرة أخرى – ما كانت لتعيش وتبقى لولا أن شـَدَتْ بها أم كلثوم، ومع أنها أغنية تعلن صلح الحبيبين بعد عذاب الهوى وليالى النوى.

– لما الحبيب جاد بالوصال وعيني داقت طعم النوم

ثم يبالغ رامى فيما لا أطيقه عن طول الجفاء وطلب رضا المحبوب، …الخ.

كان ليه عذاب الهوى كان ليه ليالي النوى

 ولا أظن أن شيخنا قد توقف عند الكلمات وإنما الذى أتصوره هو أنه كان طائرا مع الصوت اللؤلؤ الكونى، وألحان الشيخ زكريا.

ثانياً:  نور‏ ‏البيت‏ ‏بعودة‏ ‏الضياء‏ ‏اليه

قرأت “نور” على أنها نوَّر البيت بعودة الضياء إليه، وحسبت أنه كتب هذه الجملة عرضا، ربما حين قفزت إليه خبرة انقطاع للكهرباء، ثم فرحته الطفلية بعودتها، إلا أنى أيضا توقفت عند استعماله كلمة “الضياء” هنا لتحضرنى قصيدة شوقى حين أضاءت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكائنات “ولد الهدى فالكائنات ضياء” وأنا لم أنتبه من قبل – مع أننى سمعت الأغنية عشرات المرات – إلى كيف تكون الكائنات ضياء بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، لكن الذى أرجعنى إلى هذا الحضور هو طلاقة وعى شيخى، فرحت أبحث لأكتشف أن استعمال كلمة ضياء، وأضاء فى القرآن الكريم مقترن أساسا بضياء الشمس، “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً” وايضا هو مقترن بالفرقان “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ” وأخيرا أيضا “يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا” وأعتقد أن كل هذا قد ورد بشكل ما على وعى شيخنا وهو يفرح بعودة نور البيت ليعم الضياء،

 لكن ثم خاطر خاص قرآن به شخصيا هذه الجملة، وهو المعنى الذى حضرنى وأنا عائد به إلى بيته من مستشفى الشرطة بعد الحادث، وإذا الضياء يشرق به من حجرته كأنها الحياة تدب فى البيت من جديد، ذكرت هذه العودة بالتفصيل فى (نشرة 4/10/2007 فى ‏شرف‏ ‏صحبة نجيب‏ ‏محفوظ “شيخنا يعود إلى بيته، وتعود إليه – إلينا- ضحكته”).

ويقينى أنه لا يقصد أيا من هذا هنا الآن، لكنها مشاعرى أنا وقد عادتنى بهذه الذكرى العطرة.

ثالثاً: اللهم‏ ‏تمم‏ ‏بخير‏ ، مرحب ‏ ‏بحسن‏ ‏الختام‏ ‏

وصلتنى دعوته هذه بأن يتمم الله له ولنا شفاءه ومشاريعه وإبداعه بخير، ثم يلحقها بالدعوة الأشهر وهو يرحب بالنهاية فهو بدلا من أن يكرر الدعوة المألوفة “يالاّ حسن الختام يقلبها ترحيبا بهذا الختام” وهى دعوة حضرت دائما ونحن حوله، وخاصة بعد الحادث فى ظروف ضعف حواسه برغم استمرار حدة ودفء تواصله، وهى ليست دعوة مودع بقدر ما هى دعوة مؤمن يحب لقاء ربه، ومازلت أذكر حبه للقاء الله (الذى تجلى فى حديثى معى عن فرانسوا ميتران قرب نهايته (نشرة  14-1-2010   الحلقة السادسة فى شرف صحبة نجيب محفوظ الثلاثاء‏ 27/12/1994) وتصريحه المشهور بأنه يحب الحياة كما يحب الموت.

رابعاً: كن‏ ‏حكيما‏ ‏كن‏ ‏صبورا‏ ‏وكن‏ ‏عادلا

“الحكمة” التى وصلتنى منه هنا مقترنة “بالصبر” و”العدل”: لها مذاق خاص، ذكرتنى بموقفى من الحكمة التى ناقشتها وأنا استلهم مواقف مولانا النفرى السبت الماضى (نشرة24-5-2014) “من موقف قلوب العارفين” Link  وهى الحكمة العفوية من أفواه الغافلين (والعامدين أيضا) ولكن هنا حين تقترن الحكمة بالصبر ثم بالعدل فهذا ثالوث يجعل من يتمع به فى مرتبة إنسانية رائعة، وأنا لا أعرف إن كانت صيغة الأمر تعنى أنها تذكرة لنفسه، أى أنه يخاطب بها نفسه أن يكون كذلك وهو – غالبا – فى غير حاجة إلى هذه التذكرة، أم أنه كان يوجه الخطاب لناسه وإلينا نحن أصدقائه فى مقدمتهم، سواء كان هذا أم ذاك فليسمع كل من يحبه وصيتُه، وليحاول كل فى مجاله.

خامساً: ‏اعدل‏ ‏القضاة‏ ‏من‏ ‏حـَكـَم‏ ‏علي‏ ‏نفسه

هذه حكمة جديدة لم اسمعها من قبل،

احترام هذا الرجل للقضاء لا ينفصل عن تقديسه للعدل، وهو يعلم جيدا القصور البشرى وهو يحاول أن يحقق العدل الممكن، وقد سبق أن نبهنا كيف أن أمنيته أن “تحل المودة بين الناس محل القانون” (نشرة 14-1-2010 صفحة (5)  من كراسات التدريب)، وهو يستلهم رب العالمين الذى عين الإنسان قاضيا على نفسه “بَل الإنْسانُ على نَفْسِه بَصِيرَةٌ “، وأيضا جعله يقرأ كتابه بنفسه “اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا” ولم يترك فى الأمر مجالا للاستسهال حين قدم صورة تقول: ” يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ” فإذا وعينا كل هذا وأن الله هو العدل، يصلنا قول شيخنا الذى تركه لنا فى تدريباته اليوم “أعدل القضاة من حكم على نفسه”.

*****

بانتظار إسهامكم فى فك شفرة السطور الأخيرة (تأمل الأصل من فضلك).

نلتقى الأسبوع القادم.

[1] –  الحمد لله رب العالمين:  وردت  فى صفحة التدريب (7) بتاريخ: 21-1-2010، صفحة التدريب (16) بتاريخ: 25- 2 -2010، صفحة التدريب (36) بتاريخ: 8-9-2011، صفحة التدريب (44) بتاريخ: 17-11-2011، صفحة التدريب (49) بتاريخ: 15-12-2011، صفحة التدريب (55) بتاريخ: 26-1-2012، صفحة التدريب (61) بتاريخ: 16 – 2 – 2012، صفحة التدريب (67) بتاريخ: 29-3-2012، صفحة التدريب (44) بتاريخ: 17-11-2011، صفحة التدريب (49) بتاريخ: 15-12-2011، صفحة التدريب (113) بتاريخ: 27 – 6 -2013، صفحة التدريب (115) بتاريخ: 11-7-2013.

بشرى لنا نلنا المنى وافى الهنا: ورد هذه القصيدة من قبل فى صفحة التدريب (31) بتاريخ: 4-8-2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *