الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (183) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (183) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 1-1-2015  

السنة الثامنة

العدد: 2680  

mahfouz 2 (1)

ص 183 من الكراسة الأولى

1-1-2015بسم الله الرحمن الرحيم
لا إلا إلا الله محمد رسول الله
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
أراك عصى الدمع شيمتك الصبر
ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا
أهيم فى الوديان ليلا وأنام
فى الهواء تحت جذع شجرة
جاء رجل من أقصى المدينة يسعى
ما أفظع الشك فى الاجتهاد والعمل
عذاب النسيان لا مثيل له فى التاريخ
نجيب محفوظ
12/8/1995

 

 

   القراءة:

عدنا للنظام الأول:

ما جاء فى نشرات سابقة مثبت فى الهامش (1):

أما الجديد:

  • ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا.

هذا شطر بيت من قصيدة للشاعر ابن النبيه المصرى الذى عاش فى العصر الأيوبى وقد غنت له سيدة الغناء العربى قصيدتين: وهذه هى القصيدة الأولى غنتها بعنوان “أفديه إن حفظ الهوى”. وهى من ألحان أبو العلا محمد

وقد سجلتها أم كلثوم على عام 1928.

وتقول أولى كلمات الأبيات التى تغنت بها أم كلثوم:

أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا       ملك الفؤاد فما عسى أن اصنعا

من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه      حلواً فقد جهل المحبة وادّعا

يا أيها الوجه الجميل تدارك        العبد الجميل فقد عفى وتضعضعا

هل فى فؤادك رحمة لمتيم         ضمت جوانحه فؤاداً موجعا

وهى من قصيدة طويلة، بعنوان “الاشرفيات، نسبة إلى مدائح ابن النبيه للسلطان الأشرف موسى أحد سلاطين الدولة الأيوبية.

ابتداءًا أحببتُ الأغنية، وشيخى، وأم كلثوم: لكننى رفضت كلماتها فهذا النوع من الاستعطاف يملؤنى غيظا، فما بالك إن كان فى عشق رئيس أو سلطان.

وقد بدأ معى هذا الرفض منذ كانت قصيدة المتنبى “الميمية” فى مدح سيف الدولة مقررة علينا فى الثقافة العامة سنة 1949 وهى التى مطلعها:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ          وَمَنْ بجِسْمى وَحالى عِندَهُ سَقَمُ

ما لى أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدى      وَتَدّعى حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

وقد سبق أن أشرت إلى موقفى من المتبنى فى حوارى مع شيخى محفوظ بشأنه فى كلٍّ من نشرات “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” وهذه التداعيات:

مقتطف من نشرة 26-8-2010 من شرف صحبة محفوظ:

 الخميس 23/2/1995:

“…. وأذكر له قول المتنبى وهى يستدر عطف سيف الدولة وأن جسمه هزل (من فرط حبه لسيف الدولة!!) وهو يقول “كفى بجسمى نحولا أننى رجل، لولا مخاطبتى إياك لم ترنى”، وأضيف لأحمد مظهر منبها إياه لعزوفه عن مشاركتنا الطعام حتى بلغت نحافته مبلغا خفت عليه منها، وأننى لولا مخاطبته إيانا لا نكاد نراه مثل المتنبى، وأننى أحيانا أكاد أرى صوته وفكره أكثر مما أرى حضوره جسدا وهو بكل هذا الذبول، ويحترم مظهر ملاحظاتى، ويعدنى خيرا، ولا أثق فى وعوده مرة أخرى، إذ يبدو أن مخاوفه من الأكل، مع وحدته، مع فقد الشهية قد تضافروا عليه بلا رحمة”.

وفى تداعياتى على صفحة (27) من الكراسة الأولى: بتاريخ 30-6-2011:

قلت: “… أنا لى تحفظاتى منذ شبابى الباكر على علاقة سيف الدولة بالمتنبى حتى وصل بى الأمر أن أتصور أن بها نوعا من التذلل المرفوض،

 مثل الذى أرفضه الآن من “ابن النبيه المصرى”.

* * * *

ثم يفيقنا شيخنا بشاعريته وهو هيمان قائلا:

أهيم فى الوديان ليلا وأنام  فى الهواء تحت جذع الشجرة

أنا أعلم عنه حب السير فى شوارع القاهرة، وبين الناس، كما أعلم  ضعف علاقته المباشرة الشخصية بالريف المصرى، وحين اصطحبته مع توفيق صالح إلى مزرعتى الصغيرة فى ضواحى الجيزة كان سعيدا سعادة بادية وهو يستنشق الهواء كأنه يتعرف على نوع جديد من النسيم.

وحين استسلم هنا للهواء حتى غلبه النوم أغفى تحت جذع شجرة، فلاحظت أنه قال تحت جذع شجرة وليس بجوار أو لصق جذع شجرة، فوصلتنى رسالة أعمق، بصراحة دعونى أعترف أننى قرأتها لأول وهلة تحت “ظل” شجرة، ثم تذكرت ما لم ينسه هو، وهو أنه يهيم “ليلاً“، هذا الرجل لا يـَنـْسـَى.

* * * *

ثم يقول أخيراً:

  • ما أفظع الشك فى الاجتهاد والعمل

وهنا هو يتيح لنا فرصة أن نراجع حقنا فى الشك فى الآخرين، ومتى يكون الشك مقبولا، ومتى يكون مرفوضا أو بل فظيعا على حد قوله، فمن حقنا أن نشك فيمن لا نعرف، وأن نشك فى رسائل من غير ذى صفة، أو أن نشك فى احتمال أن مؤامرة تحاك، أما أن نشك فى الاجتهاد، ونشك فى العمل، فكيف ذلك؟.

لعله ينهبنا إلى فظاعة ذلك، فالعمل إذا أطلق لفظه دون أى توصيف لاحق هو “العمل” غير المغترب، وهو لبنات الوجود، ووقود الحياة، وفخر الحضارة، أما الاجتهاد فنحن نطلقه عادة على إعادة إبداع النص (أى نص حتى النص العلمى) ضد التسليم لتصنيم التفسير السابق، وحين نشك فى العمل بهذه المواصفات الإيجابية أو فى الاجتهاد وهو بهذه الضرورة، فنحن نساهم فى استمرار الجمود ومن حق شيخنا أن يستغرب ثم يستصعب وهو ينبهنا إلى هذا وذاك.

* * * *

وأخيرا:

  • عذاب النسيان لا مثيل له فى التاريخ

صدمة إفاقة أخرى:

فالمألوف أن تتكلم عن عذاب عدم النسيان، حين نضطر إلى تذكر ذكريات مؤلمة نعجز عن نسيانها ونسيان آثارها، ثم يتجدد الألم مع كل تذكر لها، ولكننا نادرا ما نتكلم عن النسيان وأن له عذاب، وأن هذا العذاب لا مثيل له فى التاريخ.

إن الإنسان ليس إلا مجُموع ذكرياته ولا أقصد بذكرياته ما نتذكره ونتصوره أنه شريط مسجل فى أدمغتنا ولكننى أقصد ما هو مجموع منطبعات ما نتكون منه.

 وقد وصلنى من هذا السطر نوعان من النسيان: أن أََنسى (بفتح الألف) وهذا عذابه خفى، وأن أُنْسى (بضم الألف) وهذا ما أتذكر أننى عقبت عليه بمناسبة ما جاء فى الصدى رقم (7) فى أصداء السيرة بعنوان: النسيان.

أبدا فى عرض ما خطر لى بالنسبة للعذاب الغائر الخفى: وهو أن أَنسى (بفتح الألف):

(أ)  يكون النسيان الذى عذابه لا مثيل له فى التاريخ ليس مجرد نسيان الأحداث، ولكنه محو للوجود الذاتى رغما عن صاحبه، ثم يأتى الشعور بالعذاب لذلك، ليس للعجز عن تذكر الأحباب والأصدقاء والمناسبات الطيبة والقلوب الدافئة، ولكن نتيجة العجز عن التعرف على الذات حين يمحوها الضمور بتهالك الشيخوخة مثلا.

(ب) أما النوع الآخر وهو أن ينساها الآخرون فهو غالبا مثل ما جاء فى الصدى رقم (7) الذى اثبته بحروفه مع نقدى له كالتالى مع ملاحظة أن ما جاء فى هذا الصدى شمل النوعين معا:

‏7 -‏ النسيان:

من‏ ‏هذا‏ ‏العجوز‏ ‏الذى ‏يغادر‏ ‏بيته‏ ‏كل‏ ‏صباح‏ ‏ليمارس‏ ‏رياضة‏ ‏المشى ‏ما‏ ‏استطاع‏ ‏إليها‏ ‏سبيلا؟‏ ‏إنه‏ ‏الشيخ‏ ‏مدرس‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏الذى ‏أحيل‏ ‏على ‏المعاش‏ ‏منذ‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏عشرين‏ ‏عاما‏.، ‏كلما‏ ‏أدركه‏ ‏التعب‏ ‏جلس‏ ‏على ‏الطوار‏ ‏أو‏ ‏السور‏ ‏الحجرى ‏لحديقة‏ ‏أى ‏بيت‏ ‏مرتكزا‏ ‏على ‏عصاه‏ ‏مجففا‏ ‏عرقه‏ ‏بطرف‏ ‏جلبابه‏ ‏الفضفاض‏، ‏الحى ‏يعرفه‏ ‏والناس‏ ‏يحبونه‏، ‏ولكن‏ ‏نادرا‏ ‏ما‏ ‏يحييه‏ ‏أحد‏ ‏لضعف‏ ‏ذاكرته‏ ‏وحواسه‏، ‏أما‏ ‏هو‏ ‏فقد‏ ‏نسى ‏الأهل‏ ‏والجيران‏ ‏والتلاميذ‏ ‏وقواعد‏ ‏النحو‏.

ثم أثبت تعقيبى عليه كما نشر فى “أصداء الأصداء” هكذا:‏

‏تتمادى ‏الأصداء‏ ‏تردد‏ ‏تجليات‏ ‏التذكر‏ ‏والنسيان‏، ‏وقد‏ ‏لعب‏ ‏بهما‏ ‏محفوظ‏ ‏كما‏ ‏شاء‏، ‏وتردد‏ ‏صدى ‏لعبته‏ ‏بهما‏ ‏فى ‏كل‏ ‏الأنحاء‏. ‏هنا‏ ‏نقابل‏ ‏مدرس‏ ‏العربى ‏الذى ‏لم‏ ‏تضعف‏ ‏ذاكرته‏ ‏فحسب‏ ‏بل‏ ‏وحواسه‏ ‏أيضا‏، ‏فينسى ‏الأهل‏ ‏والجيران‏ ‏والتلاميذ‏ ‏وقواعد‏ ‏النحو‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏يهون‏ ‏بجوار‏ ‏أن‏ ‏أحدا‏ ‏لايحييه‏ (‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏معرفتهم‏ ‏به‏، ‏قال‏، ‏وحبهم‏ ‏له‏)، ‏ومهما‏ ‏ضعفت‏ ‏الذاكره‏ ‏أو‏ ‏الحواس‏، ‏ومهما‏ ‏لم‏ ‏يستجب‏ ‏الشيخ‏ ‏ذو‏ ‏الثمانين‏ ‏عاما‏ ‏لتحية‏ ‏الناس‏ ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏، ‏فهو‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏ألا‏ ‏نستجيب‏ ‏لعدم‏ ‏استجابته‏ ‏بالكف‏ ‏عن‏ ‏تحيته‏، ‏ينسى ‏هو‏، ‏هذا‏ ‏قضاء‏ ‏الله‏، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏نهمله‏ ‏نحن‏ ‏حتى ‏نكف‏ ‏عن‏ ‏تحيته‏، ‏فننساه‏، ‏فيتمادى ‏هو‏ ‏فى ‏النسيان‏ ‏حتى ‏ينسى ‏قواعد‏ ‏النحو‏ ‏فلا‏، ‏وألف‏ ‏مرة‏ ‏لا‏.‏

[1] – أراك عصى الدمع شيمتك الصبر: وردت فى صفحة التدريب (3) نشرة 8-1-2010، وصفحة التدريب (27) نشرة 30-6-2011، وصفحة التدريب رقم (51) نشرة 29-12-2011، وصفحة التدريب (63) نشرة 1-3-2012، وصفحة التدريب (124) نشرة 12-9-2013، وصفحة التدريب (132) نشرة 7-11-2013، وصفحة التدريب (134) نشرة 21-11-2013.

 – جاء رجل من أقصى المدينة يسعى : ورد فى صفحة التدريب (172) نشرة 16-10-2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *