الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (198) من الكراسة الأولى (6)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (198) من الكراسة الأولى (6)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 28 – 5 – 2015

السنة الثامنة

العدد: 2827 

mahfouz 2

مازلنا فى نفس صفحة 198 من الكراسة الأولى (6)

28-5-2015

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

الأصدقاء الأعداء المسيح يصلب من جديد

الشيخ والبحر، الصخب والعنف، فرانسوا

ساجان، عن الحرب والسلام، الأخوة كرامازوف

اللصوص، يوسف واخوته، البحث عن

الزمن المفقود، القلعة، الحكمة،

(ك.غ)(1) ، الجريمة والعقاب، لمن تدق الأجراس، أحلام شهر زاد،

 سليمان الحكيم، أهل الكهف، سارة، إبراهيم   

الكاتب، زينب، ماجدولين

                     نجيب محفوظ

                      27/8/1995

   القراءة:

أنهيت تداعياتى على هذه الصفحة الأسبوع الماضى بأننى: “….لم أعرج بعدُ إلى أحلام شهر زاد لطه حسين…، وأيضا جاء فى المتن لمحة عن نقدى لنقد عز الدين اسماعيل لمسرحية سر شهر زاد لعلى أحمد باكثير…الخ، فبلغنى الآن أن شيخى يلومنى أن أنقد النقد دون الرجوع مباشرة إلى أصل المتن، وأيضا أنه يُلْزِمنى بأن أقرأ أحلام شهرزاد لطه حسين قبل أن أخط حرفا عنها، فسمعت وأطعت وقرأت العملين فى نفس واحد، بناء على توصيته.

أبدأ “بأحلام شهرزاد”: طه حسين:

لم أقرأ طه حسين روائيا أبدا، كان – ومازال- بالنسبة لى عقلا فذا، وثائرا شجاعا، ومحدِّثا جميلا، ومفكرا بصيراً، أما أن يخطر لى أن أتعامل معه روائيا أو قاصا، فهذا هو ما لم يخطر لى أصلا، لا أعرف لماذا؟ كنت أحب أن اسمع أحاديثه وهو ينطق اللغة العربية بإتقان وحب شديدين، كان يصلنى كم هو فخور بها منتمٍ إليها، كانت وقفاته أثناء أحاديثه تبلغنى رسائل لا تقل عن ما ينطق به، وكان إذا ما جاء ذكره مع شيخى محفوظ وصلنى عنه احترام وتقدير وعرفان يليق بهما، وقد حكى لنا شيخى عن التسجيل الذى تم فى منزله مع بعض مريديه ومحبيه بترتيب أنيس منصور وكان شيخى أحد حضوره، وقد أشرت إليه سالفاً (نشرة: 9-12-2010، ونشرة 16-9-2010) مما لا داعى لذكره الآن، فقد تغير المقام.

ثم ها هو شيخى يدعونى للتعرف على ما كان ينبغى أعرفه من زمن، بل لقد شعرت أنه يأمرنى أو يلومنى، شكراً يا شيخى الغالى، سمعا وطاعة.

فرحت بهذه الفرصة فعلا: “أحلام شهرزاد”، يا ترى ماذا سوف تضيف؟ إنها من منشورات سلسلة “اقرأ” دار المعارف(2)، وهى السلسلة التى تابعت بعضها منذ كنت فى الثانوى فى الأربعينيات، ثم دعانى إلى طرق بابها كاتباً المرحوم الشاعر العالم المترجم البديع المرحوم أ.د. أحمد مستجير، فنشرت لى منذ سنوات كتابى “تنوعات فى لغات المعرفة”، وكانت مفاجأة طيبة، وعلاقة جديدة، من مدخل آخر.

المهم، جاء فى تصدير طه حسين لهذه السلسلة، كما ظهر فى بداية هذا الكتيب الرواية تحت عنوان “تقدمة” (وليس مقدمة!!) ما يلى:

 “…..بهذا الفعل القصير الخطير “إقرأ” بدأ تنزيل القرآن، فكان أول ما خوطب به النبى (ص)،… إلى أن قال: … وليس كل ما ينتجه العقل الإنسانى يفسَّر للناس…” فلابد إذن من أن يرتفعوا إليه شيئا، ومن أن يهبط هو إليهم شيئا، حتى يكون هذا اللقاء الخصيب”

 واستمرت المقدمة على هذا المنوال بأسلوبه العذب المميز.

المهم حين قرأت العمل كله فى نفٍس واحد لم أعرف هل حاولت أن أعرف هل أنا الذى  “ارتفعت إليه” أم أن صاحبه هو الذى تواضع وحاول أن يهبط إلىّ، عرّفنى هذا العمل بطه حسين آخر، غير طه حسين الذى طوال عمرى أحترمه وأحبه، وأخشاه أحيانا، فشكرت لشيخى محفوظ وهو يأخذى بيدى إلى هذا الكنز الثمين برغم قرصِهِ أذنى، لجهلى أو تقصيرى، أو كليهما.

تبدأ الرواية “فى الليلة التاسعة بعد الألف” وتنتهى بعد الليلة الرابعة عشر بعد الألف..، فهى تستغرق ست ليال، حلم فيها شهريار ما سمح به إبداع الكاتب وتشكيلاته الجسور، وأنا لن أحاول أن أقارن الآن بين ليالى شهر زاد الأصلية، وبين أعمال أخرى مهمة استلهمت الليالى الأصل بما فيها “ليالى” شيخى.

ما وصلنى من رواية أحلام شهر زاد هذه هو أنها أحلام شهريار وليست أحلام شهرزاد، صحيح أن الأحلام كانت لا تأتيه إلا وهو فى حجرتها، حين يغيب فى مجلس (مقعد كبير وثير) بالقرب من مخدعها، وهى نائمة جميلة هادئة حبيبة، لكنها شخصا لم يكن لها علاقة بأحلامه هذه فى تلك الليالى الست بعد الألف، كان يجلس ويستعد وينادى فى صمت نقلة الوعى وهو يلتحف بغطاء النوم، ثم تنطلق الأحلام، وقد تأكد بعد أن تكرر الموقف وتحدد الموقع أنه عرف مهبط وحى الحلم الإبداع فى مجلس معين، فى وعىٍ بذاته، وليس معنى ذلك أنها كانت أحلام يقظة أو نسج خيال شبه يقظ، فقد وصلنى أنها إبداع يكاد يقترب من أحلام نقاهة محفوظ(3) من حيث المبدأ لا من حيث الشكل أو المحتوى، أما نسبتها فى العنوان إلى أنها أحلام شهرزاد فهى تصح فقط باعتبار أنه كان وهو فى حالة الوعى الخاص الآخر هذه يتقمص الحبيبة الأميرة النائمة، فيصل ما انقطع بعد الليلة الواحدة بعد الألف، فيحلم وكأنها هى التى تحكى، فأسماها كذلك، فهى أحلام شهرزاد باعتبارها قد قبعت بداخله بالبصم والحب والتعلم، أما حقيقة الجارى أنه هو الذى يحلم وبالتالى فهى “أحلام شهريار”.

هذه الأحلام لم تستغرق سوى ست ليالى: من الليلة التاسعة بعد الألف حتى الليلة الرابعة عشر، ومع ذلك فقد شغلت آلاف السنين بكل ثرائها وحركتها مع دسامة تكثيفها وروعة تشكيلها.

وهكذا قدم لنا طه حسين نصا داخل النص، ووعيا ينبثق من وعى متجنبا أى ربط سيئ أو اختزال خطى.

لم أتتبع العمل بشوق المستطلع للأحداث بقدر ما تتبعته بعين المتأمل فى اللوحات التشكيلية المتتابعة، وكأنى أزور معرض فنان تشكيلى وقد علق لوحاته بجوار بعضها بحيث يمكن للزائر المتلقى أن ينتقل بينها ذهابا وجيئة يتملى فيها المرة بعد المرة لتصله رسائل الإبداع بما تستحق وهى تملؤ وعيه بما أريد بها، وله.

أستاذنك يا شيخى الغالى أن انتهزها فرصة فأقدم هذه المقدمة النقدية التى قد تستغرق أكثر من نشرة، ولك الفضل فى استثارة حاستى النقدية إلى ما لم يخطر لى، وهو يستحق، ودعنى أتصور الآن أن تشمل هذه المقدمة مايلى (بصفة مبدئية):

أولاً: لوحات تشكيلية للطبيعة الحية وكيف رسمتها ريشة طه حسين وبه  ما به من صعوبة حسية فيزيقية وصلتنى كأنها نعمة لا إعاقة.

ثانياً: جولات إبداعية داخل النفس البشرية تظهر عمق رؤية الكاتب لجدل تشكيلات الوجدان، وتناقضه، وتحمّل الغموض وتداخله، وتعدد المشاعر وتكثيفها ثم حركية هذا الجدل بما يمكن أن يكون إضاءة نفسية لا يعرفها النفسيون بهذه الصورة ولا بهذا الجمال، ولا بهذه الدقة، بل قد لا ينتبه إليها أصلا كثير منهم، (وهى تكاد تقع ضمن فروضى عن “التفسير الأدبى للنفس”)(4).

ثالثاً: دراسة لطبيعة الأحلام وتصنيفها شعرا يقتحم المألوف ويتجاوز الواقع وهو يعزف ألحان الترحال وشطحات الخيال وتداخل الأزمنة.

رابعاً: تحفظ على بعض المواقف الخطابية المباشرة التى كشفت عن عمق انتماء الكاتب لعامة الناس وفقرائهم وحرافيشهم، وعن تقديسه للعدل على كل المستويات، وكراهيته للطغيان، فظهرت جرعة “مثالية” أحيانا وخطابية نادرا، فوصلنى سببا فى خفوت نبض الإبداع مع التماسى العذر المناسب.

وكل هذا قد أرجع إليه فى نشرات تالية إذا سنحت الفرصة، وسمح الوقت.

[1] – كلمة غير مقروءة من الجائز أن تكون “ريبيكا”

[2] – صدر أول عدد فى سلسلة اقرأ عام 1943، وكتب طه حسين هذا العمل ما بين القدس 1 سبتمبر 1942 والاسكندرية 1943، إذن فقد كان من أول من شرفوا السلسلة، إلا أننى لاحظت أن النسخة التى بيدى قد سجل تاريخ إيداعها هذه سنة 2004، مع أنه حمل رقم (1) حتى حسبته لأول وهلة باكورة صدورها (ولعله كذلك)، ولم أستطع أن أتأكد هل هذه طبعة أخرى غير التى ظهرت فى أول عدد أم ماذا؟ علما بأن رقم الايداع كان 1770/1997، وكان التاريخ ومكان الكتابة هو القدس- الاسكندرية 1943.

بالله عليكم ماذا يمكن أن يصل القارئ منذ ذلك تحديدا؟؟!

[3] – قارن للكاتب علاقة إبداع أحلام فترة النقاهة بكل من أحلام اليقظة وأحلام النوم وأحلام الإبداع- (“أحلام نجيب محفوظ تعد من قبيل المنامات أم هى أحلام يقظة”؟ مجلة إبداع العدد الأول – الثالث يناير – مارس(2002)

[4] – التفسير الأدبى للنفس- (إشكالية العلوم النفسية والنقد الأدبى – مجلة فصول: (المجلد الرابع-العدد الاول-1983)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *