الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (179) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (179) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 4-12-2014

السنة الثامنة

العدد: 2652

mahfouz 2

ص 179 من الكراسة الأولى

4-12-2014بسم الله الرحمن الرحين
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
       ـــــــ
وذهبت إلى المحطة بهدف الزواج،
 كانت الرغبة فى الزواج قرينة
 الرغبة فى كسر حاجز الوحدة، ووجدت
أكثر من رجل على استعداد لمشاركتها
 ولكن اعترض عند كل واحد عائق لا
يستهان به، فهناك الشقة  وتكاليف
الزواج وما يلحق بذلك من نثريات
 فعادت مقررة الرهبنة، وتدثرت
 برداء الحزن الذى خرجت معه
         7/8     نجيب محفوظ 

 

القراءة:

بالرغم من أن هذه الصفحة (179) قد حققت الفرض الذى افترضته – حتى الآن – ، وهو أننا أمام احتمال نقلة حدثت فى طبيعة ما يكتب شيخنا من التداعى الحر فى التدريبات، ربما تمهيدا  لمشروع أحلام النقاهة، إلا أننى وددت لو أعفيت نفسى من قراءتها لأسباب خاصة بى.

هذه الصفحة تدعم فكرة احتمال نقلة إلى كلام متكامل، بديلا عما اعتدنا عليه من تداعيات غير مترابطة بفكرة محورية واحدة، إلا أنها لم تصلنى على أنها “جنين إبداع” كما فى النشرتين السابقتين، (نشرة صفحة 178)،(نشرة صفحة 177) ومع ذلك فقد حققت لى عدة فروض أخرى،

 فالمبدع ليس مفروضا أن يواصل بسط إبداعه على نفس المستوى، ثم إن شيخنا لم يقصد الإبداع فى هذه التدريبات حتى نحاسبه عليه، وأخيرا فإنها تكاد تعتبر مقالا صغيرا، مؤلما، طبيعيا، طيبا، رحيما، يقول:

“…وذهبتْ إلى المحطة بهدف الزواج، كانت الرغبة فى الزواج قرينة الرغبة فى كسر حاجز الوحدة، ووجدت أكثر من رجل على استعداد لمشاركتها ، ولكن اعترض عند كل واحد عائق لا يستهان به، فهناك الشقة  وتكاليف الزواج وما يلحق بذلك من نثريات، فعادت مقررة الرهبنة، وتدثرت برداء الحزن الذى خرجت معه”

الذى استوقفنى مما يوحى بملامح إرهاصات تتجاوز إخبارية الرأى أو  المقال القصير، هو أول الفقرة وآخرها، أما عن آخرها فقد توقفت عند تعبير “تدثرت برداء الحزن الذى خرجت معه” إذ لاحظت استعمال “معه”، وليست “به”، وأن تتدثر الفتاة التى تأخر عليها  قطار الزواج بالحزن، بل مع الحزن، غير أن نصفها بأنها حزينة، لعل هذا التعبير يوصل لنا رقة العواطف التى رأت الحزن رفيقا لهذه الحسناء تتدثر معه فى ألم إنسانى شفيف.

ثم أعود إلى بداية الفقرة، وأقرأ من جديد: “ذهبت إلى المحطة..”، أية محطة تلك التى تذهب إليها الفتيات فى انتظار صاحب النصيب؟ أهى كناية عن أن قطار الزواج الذى فاتها أو كاد يفوتها، مازال به مكان لها؟ عموما فقد فهمت فهما لا يخرج بالمقال القصير إلى مرتبة الإبداع، فحين تحضر إلىّ فتاة لاستشارتى فى العيادة، ويُدخلها إلىّ الممرض ويعطينى  ورقة مبدئية مكتوب فيها اسمها وسنها وعملها (كالعادة للتعرف المبدئي) وألمح  أن سنها قد قارب الثلاثين أو تجاوزها، ثم ألاحظ –أحيانا-  امام خانة العمل أنه مكتوب – مثلا-  “دراسات عليا”، أضع يدى على قلبى، وأشعر بمسئولية أبوية عنها، فالدراسات العليا ليست عملا، وأرجح فى هذه الحالات أنها مهربا، فتلبسنى مشاعر أبوة (ريفية)، وهى جزء من مهنة الطبيب عموما خصوصا فى مصر، ثم أنظر لأصابع يديها فأفتقد ما أبحث عنه، فأبدأ بالتركيز على أن تعمل، وأن العمل علاج، وأنه له مواصفات محددة ليكون علاجا، وهى: (1) ساعة (مواعيد). و(2) رئيس (اللى مالوش كبير يشتري له كبير). و(3)عائد (مرتب). و(4) ناتج (إنجاز). و(5) مجتمع، (الزملاء والزميلات ومن هم أعلى وأدنى)، ووجود العمل كمجتمع هو ما يهمنى أكثر بالنسبة لدعوتى لها للعمل، ولعل تعبير”ذهبت إلى المحطة…” يشير هنا إلى  ما يوازى بعض ذلك.

 كما يحضرنى قياس مشابه قد لا يعرفه شيخى، وهو جزء  من موال (أو مثل) عندنا فى الفلاحين: وهو الذى يقول “يا للى معاك البنات بدّر وروح السوق…” وأنا أكره بقيته فأعزف عن كتابتها الآن، وأتمنى ألا يكون أحد من القراء فلاحا مثلى، فيعرفها، فإن عرَفها، فأتمنى أن يكرهها مثلى

وأخيرا يحضرنى والدى وهو يروى لى بيت شعر يمثل هذا الألم الحيِىّ الذى يغطى وجه الفتاة المليحة التى تأخر عنها موعد القطار إياه، أذكر أن ذلك كان فى معرض أنه يعلمنى ما يسمى تشبيه التمثيل، وربما لينشّط تذوقى لكل من جمال الطبيبعة وجمال الحسناء فى آن: نقل  لى والدى رحمه الله عن شاعر عربى صورة بديعة لموقف فتاة فائقة الجمال (كمُلت محاسنها) لكن تأخر نصيبها فى الزواج، فهى تقف أمام المرآة وتتهد فتخرج أنفاسها لتغطى بعض سطح المرآة – ويبدو أن الجو كان باردا – فيتكثف بخار أنفاسها على المرآة متموجا وقد راح وجهها الجميل يطل من خلف هذا التكثيف يظهر ويختفى، فشبَّه الشاعر العربى الجميل هذا المنظر بالشمس وهى تطل من وراء سحاب رقيق متقطع، ثم تختفى فى ثنياته، قائلا بلغتنا العبقرية

“والشمس بين تفرُّجٍ وتبلّج.. (1)  كتنفس الحسْـناءِ فى المرآة إنْ كملت محاسنها ولم تتزوج.

ثم وأنا أكتب هذه الحكاية من الذاكرة يحضرنى سؤال عن أول شطر فى البيت الأول، ولا أذكر أن والدى حكاه لى، وأفرح وقد فتح الله علىّ وأنا فى هذه السن بعمنا “جوجل” بكل جاهزيته وكرمه، فأذهب وأستشيره فإذا بالبيت الأول غير ما ذكر لى والدى فهو شعر للشاعر أبو بكر محمد، وكان شاعرا من شعراء سيف الدولة الحمدانى أما أصل البيتين كما جاءا فى سيرته فهو كما يلى:

البدر منتقب بغيمٍ أبيضِ          هو فيه بين تخفر وتبرجِ 

كتنفس الحسناء فى المرآة إذ      كَمُلَتْ محاسنها ولم تتزوجِ

عذرا يا والدى

أنا آسف يا شيخى العزيز،

 أنا آسف

ويا ترى الصفحة القادمة سوف تكون جنين إبداع

أم تداعيات حرة كما كنا

أم مقال قصير مثل هذا

أهلا منك بكل شىء.


[1]- (بَلَجَ الصبح بلوجا: أسفر فأنار، ويقال”بلج الحق)

فَرَجَ: بين الشيئين – فرجا، قال تعالى “وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *