الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : تعقيب على ص 25 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : تعقيب على ص 25 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

16-6-2011

السنة الرابعة

العدد: 1385

Mafouz & Yehia (1)

مقدمة:

لم تصلنى أية مشاركة بالنسبة لدعوة الأصدقاء للإدلاء بأرائهم عن ما كنت تصورته عن علاقة نجيب محفوظ برباعيات الخيام وعن حضور ثالوث “الحياة – الموت – القدر” فى إبداعهما معاً وحين حاولت أن أكمل ما بدأت وجدتُنى إزاء كتاب بأكمله مضيفا لهذا الثالوث تعريف اللذة والبهجة تحت بند الحب، فتراجعت مؤقتا، وأجلت احتراما.

كما لم تصلنى أية استجابة لدعوتى للأصدقاء بمحاولة البدء! بقراءة الصفحة (25) من كراسات التدريب إلا من د. مدحت منصور، وبصراحة بعد أن قرأت اصل دعوتى ونظرت فى الصورة أكتشفت أننى وضعت نقطا مكان كلمة واحدة لم أكن متأكدا من قراءتها فيبدو أنه قرأها من الأصل “وأنا أئن”، وبرجوعى الآن إلى ما خطه شيخى محفوظ لم أستطع أن أوافق د. مدحت على طول الخط وبدا لى أنها “وأنا ضيق” (أنظر الصورة).

****

ص 25 من الكراسة الأولى

 9-6-2011With-25

بسم الله الرحمن الرحيم

‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

يقول‏ ‏أبو‏ ‏سعده‏ ‏الزناتى

نجيب‏ ‏محفوظ

أنت تئن وأنا —- فكيف نتفق؟

نجيب‏ ‏محفوظ

يعطى‏ ‏الحلقة ‏لمن‏ ‏لا‏ ‏ودن‏ ‏له

نجيب‏ ‏محفوظ

21 فبراير 1995

 

المهم

 كتب د. مدحت:

“استخدم أستاذنا الكبير كلمة الأنين بما لها من إيحاء الشكوى مع الألم وأحسست أن ذلك الأنين يجعلنى وحدى ولا أسمعك كآخر فماذا إذا تألمت بدون أنين وكذلك أنت فى هذه الحالة ترى ألمى وأنا قد أرى ألمك فنحمله سويا وهناك فرصة أن تسمعنى وأسمعك”.

وقد التقطت كيف وصل الصديق د. مدحت أن الأنين يجهض الألم بشكل ما، وأنه يبعدنا عن بعضنا البعض، لأنه مصحوب، بشكل ما، بنوع من الشكوى، التى قد تتطور إلى نوعٍ من النعابة المُضجرة، وربما هذا يتفق مع قراءته للكلمة التى وضعت نقطا مكانها حتى أعود إليها، وهأنذا أقرأها الآن بأنها وأنا “ضيق”، فيكون المعنى هو وأنا اضيق بآنينك (لست متأكدا).

إجهاض الألم النفسى الرائع الصعب بالأنين أو بالتفريغ بالشكوى التى إذا تكررت تصل إلى النعابة يحرمنا من معايشة ما عبر عنه د. مدحت بـ “أرى ألمك فترى ألمى فنحمله سويا”، هذا النوع من الألم العميق دون فضفضة تفريغية نمارسه فى العلاج الجمعى حين نضطر لوقف التفاعل عند مرحلة التماع العيون بالدموع، أى عند مرحلة “اغرورقت عيناه” فقد لاحظت أنه بمجرد أن تنزل الدموع فى أغلب الأحيان يحدث نوع من الارتياح ليس فقط عند المتألم، وإنما أيضا لدى المحيطين فى المجموعة، وتنقلب المشاركة إلى عطف وشفقة وأحيانا طبطبة، وليس هذا هو المطلوب لحركية النمو وشحذ الوعى.

ثم عقب د. مدحت على الفقرة التالية كما يلى:

“يعطى‏ ‏الحلقة ‏لمن‏ ‏لا‏ ‏ودن‏ ‏له”

نقولها كسخرية من القدر ولا أدرى كيف وصلتنى من أستاذنا الكبير على أنها حكمة وليست سخرية ربما لأنه رآها مرات ومرات تتكرر أمامه، ربما لأنه كان أكثر حكمة من أن يسخر من القدر، ربما لأنه يعلم أن هذا ملكوت الله يصرفه كيف يشاء.

وقد قبلت تعقيب د. مدحت شاكرا، وهنا أشير إلى أننى لا أرفض أن يذكرنا بالأستاذ بهذا الموقف الشعبى الجميل، دون أن يكون فى ذلك دعوة إلى التمادى فى الاعتراض على القدر أو على مشيئة الله سبحانه، الناس عندنا فى بلدنا يعلقون على مثل هذا الموقف على درجات تبدأ بـ “هى للموعودين مش للحسابين”، ثم تتدرج إلى “يدى الحلق للى بلا ودان” وهى إشارة أكثر لعدم التناسب وليس لاستكثار الرزق، لأن من ليس له آذان لن يستعمل الحلق، ولكنه قد يحتفظ به أو حتى يبيعه، ويظل عدم التناسب قائما،

 وهناك مثل أقسى، يركز على الرزق نفسه وليس على من يعطى الرزق من يشاء ويمنعه عن من يشاء، يقول هذا المثل “آصل الرزق بيِسْتلْطَخ” وهو يعنى أن الرزق يذهب للطخ، واللطخ بالعامية المصرية هو الغبى الكسول والثقيل معا.

الذى لم يعقب عليه د. مدحت هو بداية التدريب والذى يعلن احتمال حضور رَيح الهلالية فى وعى الأستاذ وهو يثبت:

 “يقول ابو سعدة الزناتى..”

وكنت أود لو أرجع إلى الأبنودى، لكننى لم أستطع فهذه الرجعة قد تجرجرنى إلى دراسة أخرى قائمة بذاتها، فاكتفيت باستشارة سيدنا جوجل الذى افادنى بما أعاننى قليلا:

أولا: سعدة بنت الزناتى التى يلقبونه بها “أبو سعدة” هى من أشهر بنات الهلالية، سعدة بنت الزناتى خليفة وهى التى تنتسب إليها قبائل من أشجع القبائل وأكرمها (1) ويطلق عليهم جميعاً اسم قبائل السعادي، وانتقل هذا الانتساب – الذي أزاح غيره – من مجرد إشارة عرقية إلى مدعاة إلى الافتخار، بحيث أصبح اسم السعادي رمزاً للفروسية والبطولة والشرف والكرم، وبحيث استقام لهذا الاسم أمر صياغة الفعل (تسعدن) ليدل على التحلي بكل الصفات النبيلة.

ونتوقف هنا لنتذكر هذا الجانب المهمل عندنا من  إيجابيات حضور المرأة العربية بهذا الوضوح والاحترام حتى يكنّى الزناتى خليفة باسم ابنته التى تصبح صفة جامعة لكل هذه القبائل، (وكم اتهم محفوظ خطأ بتهميش المرأة والتهوين من شأنها فى إبداعه).

واختم القراءة بتذكرة بجمال وقوة وحضور زكريا أحمد فى وعى الأستاذ، فتذكره، وهو يغنى:

قولوا على أبا سعدة الزناتى خليفة

ابا سعدة فارس معدود

وعلى صيته بايت محسود

من سيرته شاب المولود

على شنابو يقفو صقرين

على دراعه يقفو سبعين

على كتافو يبنو قصرين

يا صلاة الزين على الأمرا

وبعـد:

أذكر أننى أشرت إلى علاقة شيخنا بزكريا أحمد، ووصفه لألحانه وأغانيه “بالتقلية” المصرية فى عملى الذى بعنوان “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”، والذى نشر تباعا فى زاوية نجيب محفوظ فى هذا الموقع، وسوف يظهر قريبا فى طبعة ورقية.

 ولست متأكدا طبعا ما الذى أحضر هذا الشطر فى وعى شيخى هذا اليوم أهو زكريا أحمد أم الهلالية.

[1] – مثل قبيلة الأفراد، قبيلة العجارمة، قبيلة طاهر، قبيلة هارون، قبيلة العزايم، قبيلة المغاورة، قبيلة الموامنة، قبيلة مرقيق، قبيلة وداد، قبيلة شرفاد، قبيلة دودان، قبيلة العجوز، قبيلة الجاهل، قبيلة زعير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *