الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى النفس البشرية (من واقع ثقافتنا الشعبية) الفصل الثالث: ‏‏فصل‏ ‏فى: بعض ‏تشكيلات ‏الأخلاق‏ ‏ وأنواعها‏، ‏واختراقها‏ ‏بما‏ ‏يستأهل

قراءة فى النفس البشرية (من واقع ثقافتنا الشعبية) الفصل الثالث: ‏‏فصل‏ ‏فى: بعض ‏تشكيلات ‏الأخلاق‏ ‏ وأنواعها‏، ‏واختراقها‏ ‏بما‏ ‏يستأهل

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 14-4-2019

السنة الثانية عشرة

العدد:  4243

مقتطف من كتاب:

قراءة فى النفس البشرية

(من واقع ثقافتنا الشعبية)  (1)

    الفصل الثالث:

‏‏فصل‏ ‏فى: بعض ‏تشكيلات ‏الأخلاق‏ ‏

وأنواعها‏، ‏واختراقها‏ ‏بما‏ ‏يستأهل (2)

نشرة 14-4-2019

المثل الرئيس:

“إن‏ ‏سرقت‏  ‏اسرق‏  ‏جمل‏ ‏

وان‏  ‏عشقت‏  ‏اعشق‏  ‏قمر”‏

****

 “إن‏ ‏سرقت‏  ‏اسرق‏  ‏جمل‏ ‏

وان‏  ‏عشقت‏  ‏اعشق‏  ‏قمر”‏

يبدو هذا المثل وكأنه‏ ‏أعرف‏ ‏بدخائل‏ ‏النفس‏ ‏وطبيعتها‏، إلا أن  ‏فى ‏المثل‏ ‏قدرا‏ ‏كبيرا ‏من‏ النفعية ‏الواقعية‏، ‏نفصِّــلهما‏ ‏بعد‏ ‏قليل‏.

وهو مثل لا يدعو إلى السرقة، ولكن إذا كنتَ لابد فاعلها فاعملها بما تستحق، وحين نقرأ المثل لأول وهلة يمكن  أن يصلنا أنه ‏يـَضرب‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أخلاق‏ ‏بشكل ما، ولكن علينا أن نتذكر أن إشكالة تحديد ماهية ‏الأخلاق‏ ما‏ ‏زالت‏ ‏مشكلة‏  ‏لم‏ ‏تحل‏ ‏حلا‏ ‏يرضى ‏الجميع‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏تتفق‏ ‏عليه‏ ‏الغالبية‏،‏

‏* ‏فثمَّة ‏ ‏أخلاق‏ ‏العبيد‏.. ‏حيث‏ ‏تعلو‏ ‏القيمة‏ ‏الخلقية‏ ‏بقدر‏ ‏الطاعة‏ ‏والإذعان‏.‏

‏* ‏وثمَّ ‏ ‏أخلاق‏ ‏التجار‏ ‏حيث‏ ‏يُحسب‏ ‏رصيد‏ ‏الأخلاق‏ ‏ضمن‏ ‏حسابات‏ ‏الأرباح‏ ‏وميزانيات‏ ‏العام‏، ‏أو‏ ‏ميزانيات‏ ‏العمر‏، ‏حتى ‏فى تصور حسابات ‏الآخرة‏.‏

‏* ‏وثمَّة ‏ ‏أخلاق‏ ‏الكلمات البراقة‏: ‏حيث‏ ‏الأخلاق‏ ‏ألفاظ‏ ‏شيقة‏ ‏مرصوصة‏، ‏ومثاليات‏ ‏حالمة‏ ‏مكتوبة‏ (‏لم‏ ‏تــُخـْـتبر‏).‏

‏* ‏ وثمَّة ‏ ‏أخلاق معظم‏ ‏الخطباء‏ ‏وأغلب الساسة‏: ‏حيث‏ ‏الأخلاق‏ ‏صفقات‏ ‏معلنة‏، ‏ووعود‏ ‏مشروطة‏، ‏ورشاو‏ ‏محسوبة‏، ‏وتأجيل‏ ‏هروبـى، حتى لو بدا ذلك انتظارا لقضاء الله:

“‏على ‏ما‏ ‏يـِنـْقطِع‏ ‏الجريد‏ ‏يفعل‏  ‏الله‏ ‏ما‏ ‏يريد”.‏

‏* ‏وثمَّة ‏ ‏أخلاق‏ ‏الجبن‏ ‏والسلامة‏: ‏وأنه‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ “‏لا‏ ‏تفعل” “‏تـَسـْـلـَم”..‏الخ‏..‏الخ‏.‏

و …”فين الهرب … يا عرب”

فأى ‏أخلاق‏ ‏يضربها‏ ‏هذا‏ ‏المثل؟

دعنا‏ ‏ننطلق‏ ‏ابتداء من ترجيح  ‏أن‏:‏ “‏الأخلاق‏: ‏هى  ‏الفطرة‏  ‏فى‏  ‏جدل‏  ‏مبدع”‏

فإذا‏ ‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏، ‏فهذا‏ ‏المثل البداية‏ ‏لا‏ ‏يضرب‏ ‏الأخلاق‏، ‏ولا‏ ‏يدعو‏ ‏إلى ‏السرقة‏، ‏ولكنه‏ ‏يكشف‏ ‏الخبىء‏، ‏ويعرى ‏للمواجهة‏، ‏فكأنه‏ ‏يقول‏:‏

‏إن‏ ‏كنت قد ضبطت نفسك متلبسا بالرغبة فى امتلاك ما ليس لك، وبررت ذلك لنفسك‏ ‏فلتتقدم‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يحمل‏ ‏قرارك‏ ‏من‏ ‏مسئولية‏ ‏المخاطرة‏.‏

‏ ‏وإن‏ ‏كنت‏ ‏ولابد‏ ‏عاشقا‏ (‏بالمعنى‏ ‏الموازى‏ ‏للسرقة‏ وما تحمل من مغامرة واختراق‏، ‏وتخط ٍّ ‏للحواجز‏، ‏وتدبير‏ ‏للوصال‏..‏الخ‏) ‏فلتفعلها‏  مع من يستحق هذه المغامرة الجسور وهو المحبوب الذى يستأهلها‏.

هكذا ‏يـَضْـرِبُ‏ هذا ‏المثـُل‏ ‏التردد‏ ‏ولا‏ ‏يـضرب‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أخلاق‏ دون تحفظ، ‏فهو‏ ‏يحفز‏ ‏على ‏المخاطرة‏ ‏ما‏ ‏دام‏ ‏الوعى ‏يـِقـظـًـا‏، ‏فيقول‏ ‏لنا‏: ‏تحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏قرارك‏، ‏وعمق‏ ‏فعل‏ ‏إرادتك‏، ‏وحدد‏ ‏أبعاد‏ ‏فعلك‏ ‏حتى ‏تستبين‏ ‏أين‏ ‏أنت‏، ‏وإلى ‏أين‏، ‏ولماذا‏، ‏فإذا‏ ‏دفعت‏ ‏ثمن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏فليكن‏ ‏الثمن‏ ‏على ‏قدر‏ ‏البضاعة‏، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏سارقا‏ ‏سريا‏ ‏مدعيا‏ ‏العفة‏ ‏فيسرق ‏”لاشعورك” ولو سرقة تافهة ‏وأنت‏ ‏ترفع‏ ‏شعارات‏ ‏الفضيلة‏، ‏أو‏ ‏تكون‏ ‏عاشقا‏ ‏متسولا تضغط على نفسك لقبول مَـنْ تـَقـَبــَك حتى تتغافل عن ما ترفضه فيها‏، ‏فسوف‏ ‏تدفع‏ ‏ثمنا‏ ‏غاليا‏ ‏دون‏ ‏مقابل‏، ‏وسوف‏ ‏تخدع‏ ‏نفسك‏ ‏مغتربا‏ ‏غير‏ ‏فاضل‏ ‏ولا‏ ‏واع‏ ‏بدخيلة‏ ‏خبثك‏، ‏ولا‏ ‏مسيطر‏ ‏على ‏ناتج‏ ‏فعلك‏.‏

السرقة‏ ‏الخفية‏ ‏أبشع‏ ‏أنواع‏ ‏السرقة‏، ‏تجدها‏ ‏فى ‏إعلانات‏ ‏السياسة‏، ‏كما‏ ‏تجدها‏ ‏فى بعض ‏مناهج‏ ‏البحث‏ ‏العلمى،  ‏وتجدها‏ ‏فى ‏رشاوى ‏مسطـِّحى ‏الأديان‏، ‏كذلك‏ ‏تجدها‏ ‏فى ‏العقاقير‏ ‏المزركشة‏ ‏المصقولة‏ ‏لشركات‏ ‏الأدوية‏ ‏القوية‏، ‏والذى ‏يـُخفى ‏لافتة‏ “‏حرامي” ‏من‏ ‏فوق‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏النشاطات‏ ‏ثلاثة‏ ‏أمور‏:

الأول‏: ‏لبس‏ ‏ثوب‏ ‏العصرية‏ ‏والتحلى ‏بأرقام‏ ‏الإحصاء‏ ‏والتكنولوجيا‏.

 ‏الثانى‏: ‏أن‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏بها‏ ‏هم‏ ‏غالبية‏ ‏بشكل‏ ‏يصعب‏ ‏تصورهم‏ ‏جميعا‏ ‏لصوصا‏.

الثالث‏: ‏إذعان‏ ‏المجنى ‏عليهم‏ ‏واستسلامهم‏ ‏فى ‏تخدير‏ غبى لا يخلو من إعجاب أحيانا ‏منبهر‏.

‏وأكاد‏ ‏أتصور‏ ‏أن‏ ‏المثل المقدم اليوم‏ ‏أصدق‏ ‏وأصرح‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏إذ‏ ‏يسمى ‏الأشياء‏ ‏بأسمائها‏، ‏فالسرقة‏ ‏فيه‏ ‏سرقة‏، ‏ليست‏ ‏اقتباسا‏، ‏ولا‏ ‏شركة‏ ‏توظيف‏ ‏أموال‏، ‏ولا‏ ‏بنك‏ ‏استثمار‏،…‏الخ‏، ‏والجمل‏ ‏فيه‏ ‏جمل‏ ‏ظاهر‏ ‏للعيان‏، ‏وكأنه‏ ‏يقول‏:‏

فلنكن‏ ‏صرحاء‏ ‏ونعلنها‏، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏لكى ‏نجعل‏ ‏المخاطرة‏ “‏تساوي”، ‏ولكن‏ ‏أيضا‏ ‏وقبلا‏ ‏لنجعل‏ ‏الأمور أوضح ونسمى الأشياء بأسمائها ونتحمل مسئولية أفعالنا‏.‏

وثمَّ ‏ ‏مثل‏ ‏آخر‏ ‏لا‏ ‏يكتفى ‏بأن‏ ‏يعلى ‏من‏ ‏شأن‏ ‏السرقة‏ ‏المعلنة‏ ‏مقارنة‏ ‏بالسرقة‏ ‏الخفية‏، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يحفز‏ ‏على ‏التـَّحــَدَّى ‏الصعب‏، ‏حين‏ ‏يـَتهم‏ ‏الناس‏ ‏إنسانا‏ ‏شريفا‏ ‏بأنه‏ ‏ليس‏ ‏كذلك‏، ‏فينتقم‏ ‏منهم‏ (‏ومن‏ ‏نفسه‏) ‏بأن‏ ‏يكون‏ ‏عند‏ ‏سوء‏ ‏ظنهم‏ (‏واللى ‏عاجبه‏):‏

إن‏ ‏سـَمـُّوكْ‏ ‏حرامى،  ‏شـَرْشـَر مَنـْجـَـلـَـك‏

وهذا‏ ‏حثٌّ ايضا إلى ‏التمادى ‏فى ‏الأمر‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏خطأ ً ‏بـُعدا‏ ‏عن‏ ‏الميوعة‏، ‏وقـُبولا للتحدى: ثم نرى.

وقفة‏ ‏من‏ ‏بـُـعـْدٍ‏ ‏آخر‏ ‏تجاه‏ ‏الشطر‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏المثل‏ ‏تنبهنا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الدعوة‏ ‏إلى ‏عشق‏ ‏من‏ ‏هى “‏كالقمر” ‏بحيث‏ ‏تستأهل‏ ‏ما‏ ‏يبذله‏ ‏العاشق‏ ‏فى ‏سبيلها‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏القاعدة‏ ‏دائما‏ ‏فى ‏الحس‏ ‏الشعبى، ‏فالجمال‏ ‏وحده‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏مؤهلات‏ ‏الحب‏ ‏دائما‏ ‏أبدا‏، ‏فالحب‏ ‏أينما‏ ‏توجـَّه‏، ‏يبرر‏ ‏نفسه‏ ‏بنفسه‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏المحبوب‏ ‏فيه‏ ‏ما‏ ‏يبهر‏ ‏من‏ ‏ظاهر‏ ‏ما‏ ‏يلفت‏ ‏الانتباه‏، ‏وفى ‏هذا‏ ‏يقول‏ ‏المثل‏:‏

حبيبك‏  ‏حـِبّ‏،  ‏ولو‏  ‏كان‏  ‏دب

وما إن يغريك هذا المثل الأخير بقبول الواقع ما دامت العواطف أمرت،  يردَّنا مثل آخر إلى التوصية بالأجمل والأفضل، وإلا فلا داعى للتقريب والتبرير، هذا المثل يقول:

إعشق غزال، ولا فضّها

وهو أقرب وأقوى وأجمل مما بدأنا به “وإن عشقت اعشق قمر”

[1] –  المقتطف: من الفصل الثالث: فصل فى: “بعض تشكيلات الأخلاق وأنواعها واختراقها بما يستأهل”  (ص: 37) كتاب (“قراءة فى النفس البشرية” من واقع ثقافتنا الشعبية) (الطبعة الأولى 2017)، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – مجلة الإنسان والتطور، عدد أكتوبر 1985، “مثل وموال: اختراق الحدود الأخلاقية: بما يستاهل”

 

admin-ajax (4)admin-ajax (5)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *