فِـرِسْـكاَ

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 16-1-2021

السنة الرابعة عشر

العدد:   4886

فِـرِسْـكاَ (1)

 (1)

“إطلع بقى يابن الكلب”

ما هذا؟ يا فتاح ياعليم، الساعة لم تصل الثامنة صباحا، والهواء منعش برغم حر أمس، والشمس علت بأكثر مما توقعْ، الموج الناعم يتراقص فوق سطح البحيرة التى تصبح كل يوم أنظف فأنظف بعد أن اتسعت فتحاتها على البحر، فراح يغسلها كل صباح، ثم يظل يمشط شعرها بحنان طول النهار، ويعقصه بالليل. يداعبها ويحتويها، يأخذ منها، ويعطيها، فتثق فيه، موجُهُ  يتسرب إليها، لا يقتحمها دون استئذان، فتحتضن موجه بكلـّها، وهما يتبادلان الأدوار، لموجها المقتحِم زخم آخر، وطعم آخر.

“قلت لك اطلع كفاية كده يا وسخ انت واخوك”

ما هذا؟ هنا؟ هكذا؟ ما هذا  الصوت الخشن النشاز، التفت حوله فلم يجد إلا كومة من السواد يتحرك داخلها كيان بشرى غالبا؟، هل يمكن أن تكون هى مصدر ذلك الصوت؟ متأكد هو أنه صوت رجل، الطفلان اللذان كانا يلعبان فى الماء خرجا مبللين يعدوان نحو الكومة السوادء، ثم يتجاوزانها، هو يسمع عن مثل هذا التخفى المسهـِّل  لبعض شؤون الرجال، وأحيانا شؤون النساء، لا يوجد مبرر للتخفى هنا، من المؤكد أنها امرأة مهما خشُن صوتها، هو يعرف نساء صوتهن هكذا، كان ذلك هو سبب أن أمه كانت تسخر من صوت “خالتى زينب” حين تعود من السوق وتنادى عليها بصوتها الأجش أن تفتح، لعجزها عن أن تدق الباب لأن يديها مشغولتان بما اشترت.

 صحيح أن المكان غير مناسب لهؤلاء الناس، لكن هؤلاء الناس يحضرون مبكرا جدا، ويدفعون الرسوم. أصحاب المكان الذين استولوا عليه من الطبيعة لمجرد أنهم يملكون مبان حجبت الطبيعة عن الناس، لا يستيقظون قبل العصر، ولا يوجد قانون معلن هنا يمنع فرط التغطى، ولا فرط التعرى، ربما يصدر بعد قانون المرور إذا زادت الحوادث والضحايا، ضحايا ماذا؟ ضحايا كل الجارى.

 (2)

“سياسة هذه أم اقتصاد”؟

قفز السؤال إليه وهو يطالع عناوين صحف أمس بعد أن أخبره رجل الكشك أن الوقت مبكر بالنسبة لصحف اليوم. حمد الله أنه لا يفهم لا فى السياسة ولا فى الاقتصاد، إذن لماذا عاد  السؤال إلى ذهنه الآن؟ لا يوجد حوله ما يبرر ذلك، لكن ماذا يفعل وهو يحمل هم البلد عاجزا.

(3)

“ملك أم كتابة”؟

طيب، ما الذى جاء بهذا السؤال الآخر؟ القُـُرعة؟؟! طيب، قرعة على ماذا؟ على من يأخذ الجيش الأبيض على رقعة شطرنج الحزب الوطنى!! ما المناسبة؟ مباراة أمس لم تكن فى الشطرنج، كانت مباراة كوتشينة، مرابعة، الواد يقش، الورق بتلاتين والبصرة بعشرة، وقد كسب عشرتين متتاليتين، مع أنه تنازل عن أن يحسب بصرة الكومى بعشرين حين يبصّر به بسبعة سباتى، وحسبها بعشرة فقط، طيب هل التوريث بصرة لأنه لا توجد ورقة أخرى على الأرض؟؟ فيها ماذا؟ وعلى المتظلم أن يلجأ إلى الله؟

(4)

“نورس أم حدأة”؟

… ذلك الذى لاح بعيدا فى الأفق وكأنه وُلِدَ  للتو من رحم السماء، وهل هناك فرق بين النورس والحدأة؟ محصلة بعضها.

فجأة تذكر الحوار الذى التقطه أمس من تحت الشمسية المجاورة، وظل عالقا بوعيه، ثم ها هو يطل من ذاكرته دون استئذان، هى التى بدأت وقالت له:

 “يبدو أننى أحبك”،

 فرد بثقة، “بل أنت تحبيننى بلا أدنى شك”،

قالت له: “أنت مغرور غبى، إن قولى لك “يبدو” لهو أصدق ألف مرة من حكاية “بلا أدنى شك” “،

 نظر إليها بفرحة غير متوقعة، وقال وهو يكاد يحتويها بعينيه: “يبدو”  ذلك.

(5)

سارع ينادى على بائع الفرسكا محاولا ألا يسمع بقية الحوار، وحين اقترب البائع عدل عن الشراء، وسأله: كم الساعة؟ فرد البائع مغيظا أنه ليس معه ساعة، مع أن الساعة كانت تلمع فى يده، أما لماذا ناداه، ولماذا عدل عن الشراء،  فلأنه يحب الفرسكا، لكنه تذكر تلبك أمعائه أمس وقد عزت زوجته  ذلك إلى رمرمته التى أرجعتها على أصله، وتربيته!! ولم يسألها: هل فرسكا هى نسبة إلى الفـُرس، حسب حروفها الأولى خطْـفَا، أم إلى “أمِيرِكَا” حسب المقطع الأخير، ووقعها الموسيقى؟ طيب وهذا الذى يجرى علينا وحولنا وفينا: هل هو “فرسكا أمريكانى” وهى تخوفنا بفرسكا  فارسى إيرانى، وأين فرسكتنا نحن؟

أثناء عودته للمنزل، مرّ من جديد على كشك الصحف، ولم يخجل من بلل جسمه. وصلت صحف اليوم، نفس عناوين أمس، وفجأة جاءته الإجابة على السؤال المؤجل، فقال لنفسه بيقين:

“هى سياسة واقتصاد معا،

قال: وهل هناك فرق وقد خربوهما معا؟

ثم تساءل: طيب، ما الحل؟

 قال بصوت مرتفع ليصدق نفسه: الحل فى الفروسية وليس فى الفرسكا.

وابتسم للبحر،

فسمع هسيس الموج يقول له:

فوّت هذه!!

[1] – نشرت بالدستور بتاريخ: 30 – 7 – 2008

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *