الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة الثانية والستون: الأربعاء: 24/5/1995

فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة الثانية والستون: الأربعاء: 24/5/1995

نشرة “الإنسان والتطور”

10-2-2011

السنة الرابعة

 العدد: 1259

Photo_Mafouz

الحلقة الثانية والستون

الأربعاء: 24/5/1995

من‏ ‏زمن‏ ‏وأنا‏ ‏لم‏ ‏أذهب‏ ‏إلى ‏سوفيتل‏ ‏المعادى يوم الأربعاء، ‏لم‏ ‏أجد‏ اليوم ‏مع‏ ‏الأستاذ‏ ‏إلا‏ ‏نعيم‏ ‏وزكى، ‏أين‏ ‏الآخرون؟ تصورت أن الذى يجمع هؤلاء الطيبين هو جذب الأستاذ وفضله، وليس شعورهم بالعرفان للإسهام فى تحقيق فكرة أن الناس هم الدواء الذى وصفته للأستاذ منذ أول لقائى به فى مستشفى الشرطة بعد الحادث مباشرة، حمدت ‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏وضعنى ‏هكذا‏ ‏فى ‏طريقه‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏تتحق‏ ‏مخاوفه‏ ‏التى ‏كتبها‏ ‏فى ‏القصة‏ ‏القصيرة‏ “‏اليوم‏ ‏الأخير”‏ (‏والتى ‏ظهرت‏ ‏فى ‏الأهرام‏ ‏بعنوان‏: ‏علّمنى ‏الدهر، وسبق أن أشرت عليها ورفضت تغيير العنوان‏)، ‏كان‏ ‏زكى ‏يقرأ‏ ‏للأستاذ‏ ‏مقالا‏ ‏فى ‏الأهالى ‏التى ‏بدا‏ ‏لى أنها‏ ‏تأممت هى الأخرى، وقلت‏ ‏للأستاذ‏ ‏تعليقا‏ ‏قرأته‏ ‏فى ‏مجلة‏ ‏كاريكاتير‏ ‏على ‏ما‏ ‏أذكر‏ ‏أنهم‏ ‏يقولون‏ ‏إن‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏أمم‏ ‏الصحف، ‏أما‏ ‏النظام‏ ‏الحالى ‏فقد‏ ‏أمم‏ ‏رؤساء‏ ‏تحرير‏ ‏الصحف، ‏فهو‏ ‏إذ‏ ‏يتيح‏ ‏لهم‏ ‏فرصة‏ ‏الظهور‏ ‏فى ‏برامج‏ ‏تليفزيونية‏ ‏مثلا‏ ‏هنا‏ ‏وهناك، ‏أو‏ ‏صحبة‏ ‏الرئيس‏ ‏فى ‏رحلات‏ ‏الخارج‏ ‏يفتر حماسهم‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏، وتتحول لهجتهم ‏حتى لا تكاد تفرق بين صحيفة معارضة وصحيفة قومية أحيانا لو أخفيت عنوان الصحيفة، ‏ويأتى ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏مقال‏ ‏عبد‏ ‏الستار‏ ‏الطويلة‏ ‏عن‏ ‏إبن‏ ‏الريس، ذلك‏ ‏المقال‏ ‏الذى ‏نشر‏ ‏فى ‏الأهالى ‏ثم‏ ‏تراجع‏ ‏عنه‏ ‏فى ‏العدد‏ ‏التالى ‏تراجعا‏ ‏أقبح‏ ‏من‏ ‏أى ‏دفاع‏ ‏بدئى، ‏أو‏ ‏إنكار‏ ‏مطلق، ‏ثم‏ ‏يذكر أحدهم ‏ ‏كيف‏ ‏تصدى ‏ثروت‏ ‏أباظة‏ ‏لهذا‏ ‏المقال‏ ‏ودافع‏ ‏عن‏ ‏الرئيس‏ ‏وإبنه‏ ‏بل‏ ‏عن‏ ‏أبناء‏ ‏كل‏ ‏المسئؤلين‏ ‏بلا‏ ‏استثناء، ‏ونبهت‏ ‏أننى ‏لا‏ ‏أميل‏ ‏إلى ‏تصديق‏ ‏الشائعات‏ ‏هكذا‏ ‏ابتداء، ‏لكن‏ ‏من‏ ‏حقنا‏ ‏أن‏ ‏نرصد‏ ‏عدة‏ ‏أمور‏ ‏بالنسبة‏ ‏لهذه‏ ‏الظاهرة، ‏فأولا‏: ‏معظم‏ ‏أولاد‏ ‏الساسة‏ ‏والثوار‏ ‏قد‏ ‏اختاروا مسار مستقبلهم كرجال أعمال، ‏وأثْروا‏ ‏من‏ ‏ذلك بما شاؤوا كيف شاؤوا، أفلا‏ ‏يشير‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏نوع‏ ‏القيم‏ ‏التى ‏تربوا‏ ‏عليها‏ ‏شعوريا‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏شعوريا‏ ‏رغم‏ ‏ثورية‏ ‏واشتراكية‏ ‏أغلب‏ ‏آبائهم؟‏ ‏وثانيا‏: ‏إن‏ ‏إبن‏ ‏المسئول‏ ليس بالضرورة له حظ أوفر بتوصية أبيه مثلا، لكنه ‏حتى ‏لو‏ ‏لم يقصد‏ ‏فهو‏ ‏سوف‏ ‏يأخذ‏ ‏فرصا‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏غيره، ‏فالعمل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏ ‏يعتمد‏ ‏إلى ‏جانب‏ ‏كبير‏ ‏على ‏الإيهام‏ ‏بالوصول‏ ‏والاتصال، ‏ومن‏ ‏ذا‏ ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يستبعد‏ ‏التسهيلات‏ ‏والتشهيلات‏ ‏التى ‏تتم‏ ‏بمجرد‏ ‏سماع‏ ‏إسم‏ ‏مسئول‏ ‏كبير‏ ‏مقرونا باسم والده المهم، ‏وأخيرا‏: ‏حتى ‏لو‏ ‏أراد‏ ‏المسئول‏ ‏أن‏ ‏يوقف‏ ‏إبنه‏ ‏عن‏ ‏المضى ‏فى ‏الكسب‏ ‏تلو‏ ‏الكسب، ‏ماذ‏ا ‏بيده‏ ‏قانونا‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏عمليا‏ ‏ليوقف‏ ‏هذه‏ ‏التجاوزات المحتملة، وماذا‏ ‏يقول‏ ‏لابنه‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏إبنه‏ ‏لا‏ ‏يسرق‏ ‏ولا‏ ‏يستغل‏ ‏اسمه‏ ‏مباشرة‏ وإنما “هم ” الذين يقومون بالواجب؟ ‏ويرد‏ ‏الأستاذ‏ على هذا التساؤل الأخير ‏بطيبة‏ ‏واثقة، “يقول‏ ‏له‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏يكسب‏ ‏أول‏ ‏صفقة، إن‏ ‏كانت‏ ‏كافية، يا‏ ‏إبنى ‏أبوك‏ ‏فى ‏السلطة، ‏يكفى ‏هذا”، ولا يبدو على الأستاذ أنه يمزح، وأذكر أن ذلك يجرى فى امتحانات كلية الطب أحيانا حتى لو لم يوص الأستاذ على ابنه، وأشير إلى خبرتى الشخصية ولى ولد وبنت مروا بذلك، أشرت إلى ذلك واعتذرت عن حكى التفاصيل، لكن الأستاذ يصر، فأحكى كيف أننى نبهت ابنتى فى امتحان البكالوريوس فى الطب الشرعى (وغيره) ألا تذكر اسمها كاملا، لكن الممتحن الخارجى فى هذه المادة اكتشف ذلك مصادفة، وأنه احترم ذلك، وأعطاها حقها (لست متأكدا حقها فقط أم حقها وزيادة، ولو برر هذه الزيادة أنها لصدقها فى تجنب ذكر اسمها بالكامل!!)، وأعترف أن هذه المسألة كانت تؤرقنى، وأننى لم أجد لها حلا واقعيا حتى الآن، وأننى دخلت تجربة خائبة فى تربيتى لأولادى، أعتقد أنها فشلت، ويسأل‏ ‏زكى ‏بلهفة‏ ‏عنها، ويصر بحب استطلاعه وطيبته معا، ‏فأعتذر‏ ‏ثانية، ‏لكن‏ ‏الأستاذ‏ ‏ينتبه‏ ‏فى ‏رفق، ‏وكأنه‏ ‏يدعونى ‏للحديث‏ ‏بطريقته‏ ‏فلا‏ ‏أملك‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏أوجز‏ ‏محاولاتى (الفاشلة) ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏ ‏منذ‏ ‏أن‏ ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أنقل‏ ‏لأولادى ‏أن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يصلهم‏ ‏منى ‏هو‏ ‏من‏ ‏حق‏ “‏نشر‏ ‏المعرفة”‏ “‏ونفع‏ ‏الناس”، ‏وأن‏ ‏أى ‏قرش‏ ‏لا‏ ‏يصب‏ ‏فى ‏هذين‏ ‏الرافدين‏ ‏هو‏ ‏حرام‏ ‏لو أنفق فى غيرهما، وبالتالى فهم‏ ليس‏ ‏من‏ ‏حقهم‏ ‏أن‏ ‏يصرفوه، ‏وأن‏ ‏أية ‏متعة‏ ‏يتمتعون بها‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏غيرهم، ‏هى ‏دين‏ ‏عليهم‏ ‏لغيرهم، وحين‏ ‏احتدت‏ ‏الرسالة‏ ‏لدرجة‏ ‏النكد‏ ‏بدا لى أنهم صاروا يكرهون ما يصلهم حتى من مكسبهم الشخصى (فإبنى الطبيب المدرس المساعد يكسب من هوايته الديكوراتيه أكثر مما أكسبه أنا فى الطب)، ثم إنهم لم يعودوا قادرين على التمتع الطليق بما تحت أيديهم نتيجة لهذا الذى نبهتهم إليه، حتى أن ابنى هذا قال لى يوما ‏ ‏فى ‏إحدى ‏المناقشات، إنك‏ ‏لو‏ ‏أعطيتنى ‏فى ‏اليوم‏ ‏ألف‏ ‏جنيه‏ ‏الآن‏ ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يمحو‏ (أو‏ ‏لا‏ ‏يغفر0 لا اذكر‏) ‏ما‏ ‏أصبتنى ‏به‏ ‏باكرا، ‏ولما‏ ‏سألته‏ ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏أضررته‏ ‏به‏ ‏باكرا، ‏لم‏ ‏يفصح‏ ‏كثيرا‏ ‏ورجحت استنتاجا أنه ربما يشير إلى ‏ ‏أننى ‏أشعرته‏ ‏بالذنب‏ ‏نحو‏ ‏كل‏ ‏متعة‏ ‏حتى ‏حرمته‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏الاستمتاع‏ ‏غير‏ ‏المشروط، ‏وفهمت كيف ‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏كان‏ ‏قاسيا‏ ‏فعلا‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏سنه‏ ‏الباكر، ‏ولكن‏ ‏حجتى ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏لزاما‏ ‏على ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏أمينا‏ ‏معهم‏ ‏منذ‏ ‏البداية، ‏وكان‏ ‏تبرير‏ ‏هذا‏ ‏الفرمان‏ ‏تلو‏ ‏الفرمان‏ ‏مرة‏ ‏مكتوبا، ‏ومرات‏ ‏مسجلا‏ ‏على ‏شريط، ‏أن‏ ‏المال‏ ‏أمانة، ‏وأن‏ ‏الميراث‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏يبرره‏ ‏فقط‏ ‏إذا قام بمهمة‏ ‏نقل مسئولية نقل الأمانة من المورِّث إلى الوارث، من حيث أنه هو الذى يحمل ‏من‏ ‏الصفات‏ ‏والدين‏ ‏والالتزام‏ ‏ما‏ ‏يجعله‏ ‏أقدر‏ ‏من‏ ‏غيره‏ ‏على ‏تسلم‏ ‏العهدة‏ ‏وحمل‏ ‏الأمانة، ‏وأن‏ ‏شيوع‏ ‏المال، ‏أو‏ ‏تولى ‏الدولة‏ ‏وحدها‏ ‏حمل‏ ‏هذه‏ ‏الأمانة‏ ‏ليس‏ ‏بديلا ‏جيدا أو مأمونا، لأنه ليس هناك ضمان أن الدولة هى أقدر على حمل الأمانة وكلام من هذا، ولم أنتبه كيف أن ذلك كله كان، وربما ما زال، عبئا على أولادى، فى الظروف الجارية، ‏خصوصا وأننى نبهت إلى أكثر من ذلك مما يتخطى الميراث، فقلت لهم أنه ‏حتى ‏المال‏ ‏اللذى ‏سيكسبوينه‏ ‏بعرق‏ ‏جبينهم‏ ‏هو أيضا‏ ‏أمانة، وأنهم‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏حقهم‏ ‏أن‏ ‏يتصرفوا‏ ‏فيه‏ ‏كيفما‏ ‏اتفق، ‏ويصر‏ ‏زكى ‏سالم‏ ‏أ‏ن‏ ‏أشرح‏ ‏له‏ ‏ماذا‏ ‏أقصد‏ “‏بنشر‏ ‏المعرفة”‏ “‏ونفع‏ ‏الناس”، ‏فأحدد‏ ‏له‏ ‏أننى ‏أقصد‏ ‏نشر‏ ‏ما‏ ‏ينير‏ ‏العقول‏ ‏ويوسع‏ ‏الوعى، ‏و‏‏أن‏ ‏ما‏ ‏ينفع‏ ‏الناس‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يساعدهم‏ ‏على ‏الحياة‏ ‏والمعرفة‏ ‏والوعى ‏والكرامة والإبداع، ‏ويسألنى ‏زكى ‏فلماذا‏ ‏تقول‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏خطأ‏ ‏أو‏ ‏فشل، ‏وأنك‏ ‏تراجعت، ‏وما‏ ‏الذى ‏جعلك‏ ‏تتراجع، ‏فأقول‏ ‏له‏ ‏إننى ‏لم‏ ‏أتراجع‏ ‏عن‏ ‏المبدأ‏ ‏أو‏ ‏عن‏ ‏صحة‏ ‏رأيى، ‏وإنما‏ ‏تراجعت‏ ‏عن‏ ‏فرض‏ ‏تطبيقه ‏ولو عاطفيا حتى ‏لا‏ ‏أضر‏ ‏أولادى ‏فيشذوا‏ ‏أو‏ ‏يُجَنّوا‏ ‏أو‏ ‏يبلبلوا‏ ‏وسط‏ ‏هذا‏ ‏المجتمع‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏شيئآ‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏المسائل، ثم‏ ‏إننى ‏وجدت ‏ ‏أنه‏ ‏حل‏ ‏فردى، ‏وأى ‏حل‏ ‏فردى- كما علمنى الأستاذ- ‏لا‏ ‏قيمة‏ ‏له، ‏وهو‏ ‏على ‏أحسن‏ ‏الفروض‏ ‏حل‏ ‏فنى، ‏وأخيرا‏ ‏فإننى ‏رغم‏ ‏تراجعى ‏عن‏ ‏التنفيذ‏ ‏الشخصى ‏وليس‏ ‏عن‏ ‏محتوى ‏المبدأ‏ ‏فإننى ‏أرى ‏أن توجّهى هذا‏ ‏وصل‏ ‏لأغلب‏ ‏أولادى ‏بقدر معقول، لكن ليس بالقدر‏ ‏الكافى، (أظن أن ذلك أصبح أقل فأقل فأقل فأقل مع مرور الأيام 2010) ‏ويقول‏ ‏الأستاذ‏ ‏”هل‏ ‏رأيت؟! إن‏ ‏كل‏ ‏المطلوب‏ ‏من‏ ‏المسئول‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يوصل‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الرسائل‏ ‏لأولاده‏ ‏كما‏ ‏يوصل‏ ‏لهم‏ ‏الجاه‏ ‏والاسم‏ ‏وفرص‏ ‏الإثراء”، ‏فأنبه‏ ‏الأستاذ‏ ‏بسرعة‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏غير‏ ‏مضمون، ‏وأننى ‏ذكرت من البداية ‏ ‏أنها‏ ‏تجربة‏ ‏لم‏ ‏تنجح معى شخصيا‏ ‏إلا‏ ‏قليلا، ‏وإن‏ ‏كنت‏ ‏آمل‏ ‏أن‏ ‏يتبقى ‏منها‏ ‏ما‏ ‏يفيد، ‏إلا‏ ‏أننى ‏أقر‏ ‏وأعترف‏ ‏بفشلى، ‏ثم‏ ‏إننى ‏لا‏ ‏أفهم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏وعندى ‏من‏ ‏الحسابات‏ ‏ما‏ ‏يضحك، ‏فمثلا‏ ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏أستطعم‏ ‏ولا‏ ‏أفهم‏ ‏أن‏ ‏أشترى ‏أرض‏ ‏بناء‏ ‏بخمسة‏ ‏جنيهات‏ ‏ثم‏ ‏أبيعها‏ ‏بعد‏ ‏عدة‏ ‏سنوات‏ ‏بمخمسمائة‏ ‏أو‏ ‏خمسة‏ ‏آلاف‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏أضع فيها‏ ‏حجرا‏ ‏أو ‏أنفع‏ ‏بها‏ ‏أحدا، ‏ماذا‏ ‏فعلت‏ ‏أنا‏ ‏لأستأهل‏ ‏هذا‏ ‏المال‏ ‏الجديد، ‏وحين‏ ‏كنت‏ ‏فى ‏الحج‏ ‏وعلمت‏ ‏أن‏ ‏الضحية‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏من‏ ‏مال‏ ‏طيب‏ ‏أخذت‏ ‏أسترجع‏ ‏أنواع‏ ‏ومصادر‏ ‏دخلى حتى ‏وجدت‏ ‏أن‏ ‏أطيب‏ ‏مال‏ ‏هو‏ ‏المقابل لما‏ ‏أبذله‏ ‏مع‏ ‏مرضاى ‏فى ‏العلاج‏ ‏الجمعى بالذات، ‏فاستحضرت‏ ‏المبلغ‏ فى وعيى، وفصلته فى ذهنى عن بقية دخلى بما فى ذلك مرتبى، ‏واشتريت‏ ‏الخروف‏ ‏وتوكلت‏ ‏على ‏الله، ‏سألنى ‏زكى ‏سالم‏: ‏وهل مرتبك‏ ‏من‏ ‏الجامعة‏ ‏لا‏ ‏يسرى ‏عليه‏ ‏تعريف‏ ‏”المال‏ ‏الطيب”؟، ‏فقلت‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏المرتب‏ ‏هو موضع شبهات بلا حصر، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏لأنى ‏لا‏ ‏أؤدى ‏به‏ ‏ما‏ ‏ينبغى، ‏وإنما‏ ‏لأن‏ ‏ما‏ ‏أؤديه‏ ‏مما‏ ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏مهمة‏ ‏أستاذ‏ ‏الجامعة‏ ‏هو‏ ‏مغترب‏ ‏وكثير منه لا‏ ‏فائدة‏ ‏منه، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏قد‏ ‏يضر‏ ‏حين يصل من خلاله تقديس لمنهج أنا أعتقد أنه يخنق المعرفة لا يفجرها، ‏ويتعجب‏ ‏الأستاذ‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الاعتراف، فأؤكد‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏الجامعة‏ ‏لم‏ ‏تصبح‏ ‏قيمة فى ذاتها، وأن‏ ‏ولدىّ، ‏و‏كل‏ ‏منهما‏ ‏مدرس‏ ‏مساعد‏ ‏فى ‏الجامعة، يحاولان‏ ‏إقناعى ‏يوميا‏ ‏بمشروعية‏ ‏استقالتهم، الأول‏ ‏ليتفرغ‏ ‏للزراعة، ‏والثانى ‏ليتفرغ‏ ‏للديكور‏ ‏والهندسة، ‏ويعجب‏ ‏الأستاذ‏ ‏لتغير‏ ‏القيم‏ ‏هكذا‏ ‏ولما‏ ‏أقوله‏ ‏عن‏ ‏تدهور‏ ‏الجامعات‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة ويقول:‏ “‏ولو، ‏فأنت‏ ‏حاولت‏ ‏مع‏ ‏أولادك‏ ‏أن‏ ‏توصل‏ ‏لهم‏ ‏قيمة‏ ‏الحلال‏ ‏والحرام‏ ‏مثلا، ‏فهل‏ ‏تطلب‏ ‏من‏ ‏المسئولين‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك”؟ ويقول‏ ‏زكى ‏سالم‏ ‏إن‏ ‏المسألة‏ ‏لا‏ ‏حل‏ ‏لها‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏تطبيق‏ ‏القانون‏ ‏بشكل‏ ‏جاد، ‏وخاصة‏ ‏مع‏ ‏المسئول‏ ‏وأولاده، من‏ ‏أين‏ ‏لك‏ ‏هذا، ‏والضرائب، وتهريب‏ ‏الثرو‏‏ة بكل دقة وصرامة مثلهم مثل غيرهم بالحرف الواحد، فأوافق جدا، لكننى أقول دون شرح “ولو ألقى معاذيره، ولو ألقى معاذيره”‏.‏

‏ ‏ثم‏ ‏نعود‏ ‏إلى ‏مقال‏ ‏ثروت‏ ‏أباظة‏ ‏وابن‏ ‏الريس، ‏وأقول‏ ‏للأستاذ‏ ‏أنا‏ ‏أعلم‏ ‏كم‏ ‏تحب الأستاذ ثروت، ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أعترض‏ ‏على ‏هجومه‏ ‏على ‏عبد‏ ‏الناصر، ‏وتصورى‏ ‏أنه‏ ‏هاجمه‏ ‏فى ‏قصصه، ‏ولكننى ‏أتعجب‏ ‏أن الأستاذ ثروت‏ ‏يذهب‏ ‏فى ‏الدفاع‏ ‏عن‏ ‏حسنى ‏مبارك‏ ‏وعن‏ ‏النظام‏ ‏أبعد‏ ‏مما‏ ‏يمكن‏ ‏تصوره‏ ‏لكاتب‏ حكومى ‏أو‏ ‏حتى ‏صحفى طيب، ‏ويهاجم‏ ‏زكى ‏الكاتب ساخرا، وأحاول‏ ‏التخفيف لعلمى بعاطفة الأستاذ نحوه،‏ ‏وأقول‏ ‏للأستاذ‏: “‏إننى ‏تعلمت‏ ‏منك‏ ‏أن‏ ‏أحترم‏ ‏الاختلاف‏ ‏حتى ‏ولو‏ ‏وصل‏ ‏الأمر‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏صديق لك‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الرأى ‏الذى ‏يمكن أن يوصف‏ ‏بالنفاق‏ ‏الصريح، ‏فمن‏ ‏حقك‏ (وبالتالى ‏من‏ ‏حقى) ‏أن‏ ‏أبحث‏ ‏عن‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏تبرره”، ‏وأذكّر‏ ‏الأستاذ‏ ‏بمقولته‏ ‏عن‏ ‏مدح‏ ‏ثروت‏ ‏أباظة‏ ‏بأنه‏ من مزاياه أنه ‏لم‏ ‏يتنكر لطبقته ‏ ‏لأنه‏ ‏من‏ ‏الصفوة‏ ‏ولم‏ ‏يقل‏ ‏مثل‏ ‏غيره‏ ” ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏إبن‏ ‏باشا‏ ‏ولا‏ ‏حاجة، ‏دانا‏ ‏إبن‏ ‏”قـ…..”، ‏فيضحك‏ ‏زكى ‏ويقول‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏يقلها‏ ‏وترك‏ ‏الناس‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏يقولونها، ‏وأتمنى ‏ألا‏ ‏يكون‏ ‏الأستاذ‏ ‏قد‏ ‏سمع‏ ‏تعليق‏ ‏زكي‏.‏

وينتقل‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏مسألة‏ ‏القدس، ‏وتوقيف‏ ‏الحكومة‏ ‏الإسرائيلية‏ ‏قرارها‏ ‏بشأن‏ ‏الاستيلاء‏ ‏على ‏الخسمين‏ ‏هكتارا‏ ‏بصفة‏ ‏مبدئية‏ ‏ثم‏ ‏تراجعها‏ ‏بناء‏ ‏على ‏تهديد‏ ‏النواب‏ ‏العرب‏ ‏فى ‏الكنيست‏ ‏بسحب‏ ‏الثقة، ‏وأقول‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏التراجع‏ ‏هو‏ ‏شهادة‏ ‏للديمقراطية، ‏ولكنه‏ ‏خطر‏ ‏أى ‏خطر‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏لأن‏ ‏معنى ‏ذلك‏ ‏إثبات‏ ‏صريح‏ ‏أن‏ ‏العرب‏ ‏بكل‏ ‏عشرات‏ ‏الملايين‏ ‏من‏ ‏المحيط‏ ‏إلى ‏الخليح‏ ‏لم‏ ‏يستطيعوا‏ ‏أن‏ ‏يفعلوا‏ ‏شيئآ‏ ‏فى ‏ظل‏ ‏الحكم‏ ‏الشمولى ‏الذى ‏يحكمون‏ ‏به، ‏وأن‏ ‏عددا‏ ‏على ‏أصابع‏ ‏اليدين‏ ‏من‏ ‏النواب‏ ‏العرب‏ ‏الإسرائليين‏ ‏استطاعوا‏ ‏أن‏ ‏يوقفوا‏ ‏القرار‏، أو على الأقل أن يؤجلوه ‏قليلا، ‏بفضل‏ ‏الحكم‏ ‏الديمقراطى ‏الذى ‏يظلهم، ‏وأذكّر‏ ‏الأستاذ‏ ‏بتساؤله‏ ‏كيف‏ ‏يصدر‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏القرار‏ ‏ولا‏ ‏تقوم‏ ‏المظاهرات‏ ‏فى ‏شوارع‏ ‏العالم‏ ‏العربى، ‏وأؤكد‏ ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏قد‏ ‏انفصلوا‏ ‏عن‏ ‏حكامهم، ‏وعن‏ ‏القرار، ‏وعن‏ ‏التفاعل، ‏وهم‏ ‏فى ‏حال‏ ‏انتظار‏ ‏مر، ‏وفرجة‏ ‏فاترة‏ ‏فى ‏طول‏ ‏العالم‏ ‏العربى ‏وعرضه، ‏ويقول‏ ‏زكى ‏إن‏ ‏عدم‏ ‏قيام‏ ‏مظاهرات‏ ‏هو‏ ‏نتيجة‏ ‏لقهر‏ ‏النظم، فيرد‏ ‏الأستاذ‏ ‏عليه:‏ “‏ومنذ‏ ‏متى ‏كانت‏ ‏المظاهرات‏ ‏تأخذ‏ ‏رأى ‏النظم‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏أو‏ ‏تستأذن‏ ‏الحكام”‏‏؟‏ ‏

ثم‏ ‏يجرى ‏تعقيب‏ ‏عابر‏ ‏عمآ‏ ‏يفعله‏ ‏السيد‏ ‏وزير‏ ‏التعليم‏ ‏من‏ ‏رشوة‏ ‏للناس‏ ‏بإعلان سهولة‏ ‏الامتحانات‏ ‏ناسيا‏ ‏أبسط‏ ‏منطق‏ ‏عن‏ ‏معنى ‏الامتحان‏ ‏واستحالة‏ ‏تسهيله‏ ‏إلا‏ ‏على ‏حساب‏ ‏قيمة‏ ‏الامتحان كأداة متدرجة الصعوبة، ‏وأن‏ ‏هذه‏ ‏الرشوة‏ ‏التسهيلية‏ ‏هى ‏رشوة‏ ‏زائفة، ‏لأن‏ ‏الأعداد‏ ‏هى ‏الأعداد، والتنافس‏ ‏هو‏ ‏التنافس، ‏وأن‏ ‏سهولة‏ ‏الامتحان‏ ‏لن‏ ‏تميز‏ ‏الطالب‏ ‏المتفوق، ‏وإنما‏ ‏قد‏ ‏تعطى ‏فرصة‏ ‏لظاهر‏ ‏الأداء، ‏أو‏ ‏صقل‏ ‏الشكل‏ ‏أن‏ ‏يتميز‏ ‏دون‏ ‏اختبار، ‏وأن‏ ‏الاتجاه‏ السائد ‏الآن‏ ‏إعلاميا وفعليا، أصبح سطحيا حتى أصبح مفخرة للمسئولين والوزراء أن يصرّحوا أن ‏الامتحان‏ ‏”من‏ ‏المقرر”،‏ ‏لا‏ ‏بمعنى ‏تحديد‏ ‏الموضوعات‏ ‏ولكن‏ ‏بمعنى ‏ألا ‏تحتاج‏ الاجابة ‏إلى ‏تفكير، ذلك‏ ‏أنه‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏التفكير‏ ‏الآن‏ ‏أصبح‏ بمثابة ‏خيانة‏ ‏قومية، أو‏ دليل‏ ‏على ‏العصيان‏ ‏بشكلٍ ما، فلماذا التفكير ما دامت كل‏ ‏الأمور‏ ‏أوضح‏ ‏وأبسط‏ ‏وأكثر‏ ‏مباشرة‏ ‏من‏ ‏أ‏ن ‏نفكر‏ ‏فيها، ‏كل‏ ‏الأمور‏ ‏بما‏ ‏ذلك‏ ‏أسئلة‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏!!!!‏

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *