… حين انقشع الظلام وتوقف المطر – وجدنا أننا قد قسمنا إلى فريقين متميزين، الأحياء فى ناحية والأموات فى ناحية ولم أجد نفسى بين أى من الفريقين، واحتج الأموات وعلت الأصوات وميزت بينها صوتاً يقول: لقد حوسبنا مرة، فكيف نحاسب من جديد!! فجاء رد ميت آخر: أنه كان علينا أن نحذر أن نختلط بهؤلاء الأحياء إذ يبدو أنهم خدعونا وحمّلونا ذنوبهم فقال ميت ثالث: لو كنت أعرف أن المسألة هكذا كنت أقررت بكل ذنوبى، وارتحت، وأخذ الأحياء يستمعون إلى هذا الحوار فى عجب وعدم فهم بالغين.
بلغت بى الحيرة حَداً لم أعد أحتمله، وعزمت أن أنضم إلى فريقى. لكننى لم أعرف أحقية انتمائى إلى أى من الفريقين، فقرصت فخذى فتألمت فعرفت أننى من الأحياء؛ فاندسست بينهم. لكن أحدا منهم لم يتعرف علىّ مع أنهم أصدقاء العمر، فشككت فى نفسى، فتسحبت إلى حيث الفريق الآخر، وقرصت أحد أصدقائى الموتى فجأة وبشدة، فإذا به يقفز من فرط الألم، وحين استدار ورآنى تعرف علىّ، وتصورت أنه سيأخذنى بالحضن يعوّضنى عن تنكر الأصدقاء الأحياء، وإذا به يصفعنى حتى صفرت أذنى مثل بوق عربة بوليس النجدة، فراح يقبل رأسى وهو يعتذر ويتأسف وهو يزعم أنه لم يتحقق من أننى “أنا” هو أنا فعلاً.
صدقته وقلت له بتوسل جاد: ما دمت عرفتنى هكذا، فهل يمكن أن تخبرنى هل أنا منكم أم منهم؟