فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى: الحلم (63)
نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 22-3-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3855
فى رحاب نجيب محفوظ
مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقية
(من 53 إلى 210)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (63)
هذه أرض خضراء يحيط بها سور متوسط الارتفاع لكنه كاف لإخفاء ما يجرى داخله عمن فى الخارج، وتنطلق من وسطها مسلة طويلة فى رأسها علم، أما سطحها فيمرح بالشباب والحركة. خلت بادئ الأمر أننى فى ناد رياضى. ولكن بعد أن أمعنت البصر غلب على ظنى أننى فى سيرك، فهنا جماعة تسير على أربع. وهنا فريق يتبادل أفراده الصياح والركل. وفريق آخر يتعاقب الحركة…. الشتائم، أما البقية من الشباب فتشدو بألحان لم يسمع مثلها. وأردت أن أزداد علما فوجدتنى خارج السور فى مدينة كبيرة يشقها شارع عملاق تتكتل الجماهير على جانبيه خارج السور وهى تهتف متطلعة إلى العلم فى رأس المسلة. وأخيرا فتح الباب الكبير. وتهادى منه الموكب، عربة إثر عربة. وفى كل عربة شاب يجلس جلسة ملوكية، ينظر إلى الناس من عل. ويرد تحياتهم باستعلاء واستكبار.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
رحت أنقل بصرى بين الجماهير الهاتفة، وأتابع فى غيظ الشاب تلو الشاب فى كل عربة، وكل عربة تالية فى جلسته الملوكية المتكبرة المتغطرسة، وخوفا من أن أقدم على ما لا أعرف كيف أضبطه عرجتُ إلى أقرب حارة متفرعة من الشارع العملاق، فإذا بى أُسْتدرج من حارة إلى حارة حتى تنتهى إلى “حارة سدّ”، فأعود أدراجى إلى حارات جانبية أخرى، ورائحة كريهة تحيط بى وهى تزداد عفونة ونتنا كلما أوغلت في الحوارى، وحْلٌ هذا نزحوه من مصرف مهجور؟ أم فضلات بشرية تلك التى تغوص فيها قدماى؟ حل الظلام فجأة وكأننا لم نكن الظهر منذ قليل، وسمعت صوت تـَعـِنـْيـَة وحزق بجوار حائط متهدم، فاقتربت من الصوت لعله يحتاج مساعدة ما، وتبينت وجها لشاب بجوار الحائط وقد بدأ يتقيأ ويتألم متأوها، وإذا بى ألاحظ أنه أحد الوجوه التى كانت فى الموكب تنظر للجماهير باستعلاء واستكبار، ومع ذلك غلبتنى الشفقة عليه وسألته عن معاناته وهل يحتاج مساعدة، فرفع رأسه وتصورت أنه يستنقذنى أو يشكرنى، وما إن اقتربت من وجهه ليصله صوتى أوضح: حتى بصق فى وجهى قبل أن أنتبه. فانصرفت فزعا وأنا أمسح بصقته مرددا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
فى طريق رجوعى وعلى مسافات متساوية وبجوار نفس الحائط وجدت كل الشباب المتغطرسين الذين كانوا يركبون العربات واحدة تلو الأخرى على مسافات متساوية تقريبا، وهم يجلسون نفس الجلسة، يعانون نفس المعاناة، فأعددت نفسى للمباغته بهجمات دفاعية استباقية، وكلما اقتربت من أحدهم سبقت وبصقت فى وجهه قبل أن أسأله عن حاجته لمساعدتى.