نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 21-3-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3854
الأربعاء الحر:
أحوال وأهوال (67)
من رواية “الواقعة”
……..
……..
…….. خرجتُ إلى الشرفة ووجدتـُنـِى أستنشق الهواء بعمق طال شوقى إليه. لعلى كنت أتأكد أنى طليق بعد إزاحة هذه الأحجار الملونة عن خلايا مخي. رحت أرى العربات فى الشارع وكأنى أشاهد لعب الأطفال تتصارع للوصول إلى هدف غامض. أحس بخلايا جسدى تتحرك تحت جلدى فى يقظة حديثة لاذعة، لا أكاد أعرف لنشاطها هدفا معينا. يبدو أن مجرد محاولة البحث عن هدف هو شئ سخيف ليس أسخف منه إلا محاولة البحث عن معنى. ماذا يقول لى هذا الإحساس الجسمى تحت جلدي؟. لا شئ إلا أنه يشعرنى بالحياة “كما هي”.. ربما دون هدف، تـرى هل كل هؤلاء الذين يتحركون فى الشارع يشعرون بهذا الشعور الخاص؟. وإذا لم يشعروا بشعور الحياة هذا فهل هم أحياء؟. وكيف؟.
تحول نظرى إلى الشرفة المقابلة فلمحتها:” أماني”. عصفورتى وروح قلبي. لوحت لها بيدى، كادت تقفز من الشرفة وهى تلوح لى هى الأخرى بعينيها ووجهها.. وصدرها.. وكلها. تذكرت مرة أخرى ذلك الإحساس القريب مما أنا فيه والذى غمر جسدى قبيل إعلان الرجولة. ذلك الإحساس اليقظ الذى يعطى نسمة الهواء معنى، ربما كنت فى سن أمانى ولكنى لا أعلم متى وكيف اختفى هذا الشعور، ثم إنى لا أعلم أكثر لم عاد هذه الأيام. لماذا أشعر أنى فى سنها وربما أصغر؟. لماذا أحس بنبض كل خلية فى جسدى وعقلى حتى أظافر رجلى؟. يبدو أن هناك ما ينبغى أن يسمي”لغة الخلايا”وهى أعظم وأصدق وأبهج من لغة العيون أو لغة القلوب، ناهيك عن تلك الألفاظ التى دخلت قاموس الإنسان لتفصـل بين عواطفه وعقله وجسده. ربما كان هذا الشعور الكامل هو الذى أشعرنى أن أمانى تلوح لى “بـِكـُلـِّها”. خلاياها تقفز من تحت جلدها وخلاياى كذلك، لم تعد مثل ابنتى الصغيرة. أحس أن خلايانا يمكن أن تلعب سويا، تقفز الحبل، تتدحرج على الشاطئ، تطير فى السماء، تذوب فى البحر. لم تعد أمانى ابنتى، ماذا أصبحت لي؟. حبيبتي؟.. أختي؟ أمي؟ صديقتي؟ لا. هل هى “أنا “؟. يجوز.
مقتطف من رواية الواقعة، الفصل الرابع، اللهو الخفى ص 76
الجزء الأول من ثلاثية “المشى على الصراط”
الحائز على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980