فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى: الحلم (73)
نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 31-5-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3925
فى رحاب نجيب محفوظ
مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقية
(من 53 إلى 210)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (73)
وجدتنى فى البيت القديم بالعباسية، ويبدو أننى كنت متكدر المزاج فلم يسلم من نقدى شئ مثل طلاء الجدران وخشب الأرضية والأثاث حتى جاءنى صوت أمى من أقصى الشقة وهو يقول .. بنبرة باسمة.. لطيفة: إنه آن الأوان كى أبحث بنفسى عن شقة جديدة تعجبنى.
وانتقلت إلى مكان وزمان آخرين فوجدتنى فى بهو متعدد الحجرات والأشخاص، يوحى منظره بأنه مصلحة حكومية. وأكد ذلك مجئ زميلى المرحوم ح .أ ليخبرنى بأن الوزير أرسل فى طلبى، وذهبت من فورى إلى حجرة الوزير واستأذنا ودخلت. ورأيت الوزير على غير عادته من البشاشة وقال لى أنه علم بنقدى للثورة وزعيمها فساءه ذلك فقلت له إنى أعتبر نفسى متيَّماً بمبادئ الثورة ولم أكن من رافضيها غير أنى تمنيت دائما لها الكمال وتجنب العثرات والنكسات.
وانتقلت إلى مكان وزمان آخرين فوجدتنى صبيا يتجول فى ميدان بيت القاضى، وجاءنى صديق فى مثل سنى يدعونى لحضور حفل زفاف شقيقه الأكبر، وقال إن شقيقه دعا سعد زغلول ليشرف الفرح ويباركه وأنه قبل الدعوة ووعد بالحضور. فدهشت دهشة كبرى وقلت له بأن سعد زغلول هو زعيم الأمة فضلا عن أنه اليوم رئيس وزرائها. وأنتم لستم من أقربائه ولا من زملائه فى جهاده، فقال إن سعد هو زعيم الأمة حقا ويخص البسطاء بوافر الحب وإننى سوف أرى.
وفى الميعاد ذهبت إلى الحفل فى درب قرمز ومضى بى صديقى إلى حجرة فرأيت فى الصدر سعد زغلول فى بدلة التشريفة يجلس معه ويتبسط معهما فى الحديث ويشاركهما الضحك، بهرت بما رأيت انبهارا استقر فى أعماقى.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
… تقدمت نحوه وأنا فى حال لا أكاد أصدق، قلبى يكاد يطير من صدرى، لا أتصور أن القدر سيسمح لى أن ألمس أطراف أصابعه. لا أعرف كيف لمحنى بين الحضور، والأغرب أننى لا أعرف كيف عرف اسمى حتى نادانى به، وهو يشير إلىّ أن أقدم. رحت أقفز بين الموائد وأنا أقرص نفسى لأتأكد أننى لست فى حلم، وحين وصلت إلى حيث يجلس فوجئت أنه اختفى وحل محله النحاس باشا؛ غمرتنى فرحة أخرى فأنا أحب الرجلين، لكن لكل حب طعم مغاير، وما كدت أمد يدى للسلام حتى وجدت يدا غير اليد، فرفعت رأسى فإذا به مكرم عبيد. ما غمرنى هذه المرة هو احترام أكثر منه حب. وهل هناك فرق؟
بعد أن وقف لى يصافحنى وقبل أن تلتقى يدى بيده أحسست بقبضة تطبق على كتفى، فالتفت ورائى وإذا بضابط شرطة على كتفه علامات لامعة كثيرة، ينظر إلىّ باستعلاء قائلا:
“أنت متَّهم بقتل أمك”،
فزعت لموت أمى أكثر مما فزعت لاتهامى بقتلها.
فتح علىّ الشرطى الزنزانة وأخبرنى أن الرئيس يطلبنى شخصيا، وأنه حدث خطأ فى الأسماء. وأن اسمى من بين المرشحين للوزارة، فظننت بعقل الشرطى الظنون، لكنه أطلق سراحى فعلا، فانطلقت إلى الفضاء كأنى أطير، ولم يخطر على بالى إلا محاولة التمادى فى الخلاص، وكنت قد نسيت تماما رسالة الرئيس والوعد بالوزارة.
2018-05-31