الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى: الحلم‏ (71)

فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى: الحلم‏ (71)

نشرة “الإنسان والتطور”محفوظ

الخميس: 17-5-2018                      

السنة الحادية عشرة

العدد: 3911

فى رحاب نجيب محفوظ

مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقيةصورة نشرات محفوظ

 (من 53  إلى 210)

 

تقاسيم على اللحن الأساسى

نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)

الحلم‏ (71)

كان أجمل ما فى عهد شبابنا صديق نادر المثال. آية فى خفة الروح وحلاوة النكتة ورشاقة القفشة وبراعة القافية وثراء الحكايات، والنوادر وإلى ذلك كله لم يكن يضن علينا عند الطلب بالغناء والرقص وسائر فنون اللهو. هكذا أمتعنا دهرا حتى وقع عليه الاختيار لشغل وظيفة مرموقة عرفت فى بلادنا بالجلال والوقار. وتوجسنا خيفة، و سرعان ما تحقق تخوفنا فقال لنا وكأنه يرد عنا إنه قرر تغيير حياته من الألف إلى الياء ولم يراجعه أحد وسلمنا أمرنا لله.

وكان إذا قابلنا فى مناسبة حيانا بوقار شديد يعمق شعورنا بالغربة والأسى.

ووهنت العلاقة الحميمة وقاربت التلاشى، ولم نعد نسمع عنه إلا فى نشرة التنقلات والترقيات. وأخذنا نتناسى حتى نسيناه أو كدنا. وباعد الزمن بيننا وبينه حتى شاء القدر أن نلتقى على غير ميعاد ذلك عندما احتفلت البلاد بعيدها القومى الجديد. خرجنا للمشاركة والفرحة.

وعزفت الموسيقى النحاسية ودقت الطبول. وتقدمت فرقة من الجيش تبعتها فرقة من الشرطة تبعتها سيارات الصفوة وهنا طالعنا صديقنا القديم ولكن على حال لم تجئ لنا فى خاطر. رأيناه يمتطى حمارا. ويتجلى التناقض صارخا بين تفاهة موكبه وفخامة ملبسه. وكان يثير الضحك أينما ظهر. لكنه والحق يقال لم يلتفت يمنة ولا يسرة، ولا حاد شعرة عن وقاره.

التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)

…تابعت الموكب من بعيد دون شماتة، بل بدرجة من الأسى الغامض، وكأنى فهمت ما لا يُفُهم، لكن سرعان ما غمرتنى الدهشة المتوقعة، فرحت أتلفت حولى بين الحين والحين أحاول أن أبحث عن دهشة فى وجوه الناس مثل الدهشة التى اعترتنى، أو حتى عن دهشة أصدقائنا الذين نعرفهم معا، فلا أجد شيئا من ذلك، وكأن هذه الفقرة الغريبة وسط المهرجان المتكامل هى أمر طبيعى، أو كأننى الوحيد الذى لاحظتها بهذا الوضوح فالاستغراب الممتزج بالتوجس الذى حل محل الأسى الغامض.

 وبرغم علمى عن تغيره الطارد لأى اقتراب، تحاملت على نفسى وذهبت نحوه بعد انتهاء الموكب، فقال بنفس الصَّلف: ماذا تريد؟ قلت له: لا شئ، فقط أحببت أن أعرض عليك خدماتى بحق الصداقة القديمة وأربط الحمار بعيدا قليلا بعد انتهاء الاحتفال بعيدنا القومى الجديد، وعلمنا المتميز الجميل.

قال بنفس اللهجة: أى حمار تعنى؟ هل أصاب عقلك مس؟

فأمسكت بلجام الحمار وأنا أملس على رقبته غير مصدق وقلت: هذا الحمار.

فقال: لولا أننى احترم العشرة القديمة، لقلت لك إذهب عنى فلا يوجد حمار غيرك.

فانصرفت أتلفت وأنا أشك فى عقلى،

وأترحم على أيام النكتة والقفشة والقافية، والنوادر، والرقص والغناء.

النشرة التالية 1النشرة السابقة 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *