الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “فقه العلاقات البشرية” عبر ديوان “أغوار النفس” الكتاب الرابع: ”قراءة فى نقد النص البشرى للمُعـَالِج” الفصل الرابع: “عن “ماهية الحياة” لدى المعالج، فالمتعالج (3)

“فقه العلاقات البشرية” عبر ديوان “أغوار النفس” الكتاب الرابع: ”قراءة فى نقد النص البشرى للمُعـَالِج” الفصل الرابع: “عن “ماهية الحياة” لدى المعالج، فالمتعالج (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 23-12-2023

السنة السابعة عشر

العدد: 5957

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(4) [1] 

عبر ديوان “أغوار النفس”

الكتاب الرابع:

“قراءة فى نقد النص البشرى.. للمُعـَالِج”

الفصل الرابع

عن “ماهية الحياة” لدى المعالج، فالمتعالج (3)

 

……………..

……………..

مزيد عن الوعى الجمعى والعلاج الجمعى

–6–

الحياة هياّ الحياة

كل ما بالْقانِى ماشى: ما بَـنَاتـْـكُمْ، أنبِسطْ.

إيدى ماسكه فى إيديُكمْ،

بابقى خايف إن واحد ينفرطْ

يا حلاوه لو تكون الدنيا ديَّهْ

زى ما ربى خَلَقْهاَ: هِيـَّـا هيهْ

تبقى رايح نحوها، تلقاها جايَّه

مرة أخرى يرجع المتن إلى التأكيد على أن الحياة أساسا هى الحركة، لكن الإضافة فى أول هذه الفقرة تعتنى بالتنبيه على أن الحركة فى ذاتها، مهما صلح مسارها، وتحددت إيجابية الهدف منها، لا تكون إنسانية تليق بما وصل إليه الإنسان من كونه كائنا اجتماعيا متحضرا مبدعا، إلا إن كانت “حركة معا”، حركة البشر مع بعضهم!

كل ما بالْقانِى ماشى: ما بَـنَاتـْـكُمْ، أنبِسطْ.،

إيدى ماسكه فى إيديُكمْ، بابقى خايف إن واحد ينفرطْ

فى العلاج الجمعى يتم تنشيط هذا البعد بشكل منظم مضطرد، هذا ما أسميناه “تشكيل وعى الجماعة إلى الوعى الجمعى Collective Consciousness ” (وهو ما أشرنا إليه ونحن نتناول فكرة “التناصّ” البشرى)([2]).

 الخوف من هذا التنشيط تحت ضغط بهجة الدهشة، وحمّى الحماس، هو أن ينتهى هذا الوعى الجمعى المحدود (وعى المجموعة العلاجية)، إلى وعى “خاص” بها، من حيث إنه يختلف نوعيا عادة عن الوعى الجماعى السائد فى المجتمع، لكن حتى لو زعمنا أنه أرقى، وأنشط، وأكثر إبداعا، وأنه قصيدة بشرية تؤكد حيوية “التناص” الإنسانى، إلا أنه إذا انفصل عن الوعى العام، يصبح نقيصة أكثر منه تميزا إلى أن تختفى خصوصيته الفوقية وسط عامة الناس على أرض الواقع.

 ينجح العلاج الجمعى حين تصبح هذه “القصيدة” البشرية التى أبدعتها جماعة محدودة، جزءا من “ديوان الشعر” الحياتى الممتد، وهذا أمر لا يتم بقصد فردى أو حتى بتخطيط علاجى من أفراد المجموعة، وإلا انقلبت المسألة إلى فعل سياسى بشكل أو بآخر، لكنه يشير إلى أمل فى أن ثمة مجموعات فى الحياة العامة تنتظم بشكل تلقائى، وبدوافع بقائية، يمكن أن تحقق ما يحققه العلاج الجمعى أو أفضل منه، دون أن يكون الدافع مرضيا، ولا الإبداع علاجيا، وفى تصورى (أو حلمى) أن تكون هذه الوحدات قادرة على التواصل، ليس فقط عبر تسهيلات التواصل التقنية الأحدث، ولكن عبر الوعى البشرى الممتد، فتحافظ على بقاء النوع البشرى ضد كل ما يتورط فيه من ممارسات الانقراض والتدهور (ولهذا حديث لا ينقطع طول الوقت، ما أتيحت الفرصة).

الخوف من أن ينفصل عن الجماعة أحد أفرادها، سواء جماعة العلاج أم جماعات التطور التلقائية، هو أمر طبيعى، لكن لا ينبغى أن يكون مزعجا أو معيقا للمسيرة الجماعية.

إن التعامل مع انقطاع فرد من المجموعة العلاجية أثناء مسيرة العلاج له قواعده التى نتعامل بها مع هذا الحدث، فمن ناحية فإنه من حق المنقطع أن يفسخ عقد الاتفاق العلاجى – بانقطاعه – حين يصله ما يبرر ذلك، حتى لو كان انقطاعه يعنى ترجيح كفة أن يظل مريضا، ومن ناحية أخرى هو يعطى فرصة للمجموعة العلاجية أن تعيش خبرة الانفصال أو الفقد، وأن تقيـّم مسيرتها نحو من خرج منها أو خرج عنها، فهى مجموعة صحية بقدر ما تستطيع أن تحافظ على التواصل مع الحاضر والغائب معا، من حيث المبدأ على الأقل.

كثيرا ما نستحضر “من غاب” عن المجموعة تخيلا واقعيا، ونـُجـْلسه على كرسى خال بشكل رمزى ماثل، ونحاوره أحيانا، ونتحاور بلسانه (دراما صغيرة) أحيانا أخرى، أو غير ذلك، وهكذا.

 عشت ونعيش خبرة لا أظن أننى نجحت فى شرحها أو عرضها بالقدر الكافى: وهى أن الشخص الغائب لا يغيب إلا فى العالم الخارجى، وأنه يظل جزءا من وعينا بشكل أو بآخر مهما طال الزمن، فالخوف من “إن واحد ينفرط” ينبغى أن يكون خوفا مشروعا، لكنه خوف لا يمثل خطرا حقيقيا على تماسك المجموعة (العلاجية أو الحياتية الصحيحة).

نكرر فى العلاج الجمعى، وأحيانا الفردى – وعموما- تعبير “خلقة ربنا” وهو تعبير مصرى عامىّ تلقائى، ربما هو أهم وأدق من استعمال كلمة الفطرة، وهو ليس تعبيرا دينيا مانعا، حيث يمكن استعماله بلغة التطور أيضا، وهو أقرب إلى ترديد الصوفىّ ذكر الله بقوله “ربى كما خلقتنى”، “ربى كما خلقتنى“.

وهنا يقول المتن “زى ما ربى خلقها هيا هيا”

وهو ما يؤكد أن هذه الطبيعة التى خلقنا بها هى حركية متبادلة بيننا وبين الحياة، تقدم عليك بقدر ما تذهب أنت إليها.

“تبقى رايح نحوها تلقاها جيه”،

وبالعكس.

–7–

الحياة هيّا الحياة

الحياة الحلوة تِحلى بْكُلّنا، إنتَ وانَا،

كل واحدْ فينا هوّا بعضنا،

بس مش داخلين فى بعض وهربانين،

زى كتلةْ قَشّ ضايعةْ فْ بحر طينْ.

ايوه فعلاً: كل واحد هوّا نفسُه،

بس نفسُه هِـيّأ ّ برضه كلنا،

مالى وعيه بربّنا

أشعر أن هذه الفقرة هى من أصعب الفقرات من حيث تحديها للشرح، ذلك أنها تكاد ترفض أن يمسها أحد بالتوضيح، توضيح ماذا بالله عليكم؟؟!!  يحضرنى شعور متجدد أن شرحها سوف يفسدها ويقلل من تأثير الرسالة التى يمكن أن تحملها، (مثل معظم ورطة هذا العمل).

“كل واحد فينا هوا بعضنا”

هل هذا هو الكل فى واحد؟

 وما حكاية “بعضنا”، وفى نفس الوقت “مش داخلين فى بعض وهربانين”

يأتى بيان ذلك فيما يلحق به مباشرة.

كل واحد هو نفسه

بس نفسه هىَّ برضه كلنا

يا ترى كيف ذلك؟

 هل هذا هو ما أشرنا إليه ونحن نشرح العلاقة الثنائية المـُـمـَـثـِّـلـَـة لكل العلاقات ونحن نشير  إلى أن أية علاقة تستحق أن توصف بأنها بشرية إنما تتم مع إنسان فرد آخر “بالأصالة عن نفسه، والنيابة عن سائر البشر”؟

ربما نعم.

طيب، فما هى حكاية “كل واحد هو نفسه“، مع أننا أكدنا طول هذا العمل أنه لا أحد هو نفسه، لأن “نفسه” هى مجرد مشروع فى “تشكل مستمر”؟

 لا، عندك، بالرغم من أنها فى تشكـّـل مستمر إلا أنها هى هى ذاتٌ متفردة فاعلة قادرة فى حدس لحظة بذاتها، التى هى وجود بين عدمين (كما يقول روبنال أو باشلار).

أما نهاية الفقرة فدعونى أقسم بالله العلى العظيم ألا أقترب منها،

وعليك أن ترجع إليها بنفسك فحين يكون

“كل واحد هوه برضه كلنا”، ما لى وعيه بربنا

سوف تعرف أين يقع منك “حبل الوريد”

آمل هكذا أن تتضح الفقرة دون شرح، يا أخى

الله!!!!!!!

أنت مالك أنت؟

الله!!

–8–

الحياة هيّا الحياة

الحياة الحلوة حلوه

والحياة المُرّه برضه، لو تاخد بالك شوية

راح تشوف مرارتها حلوة

هيه صعبة لو لوحدك

بس تسهل لو معانا الناس يا ناس

مش مصدق؟!!

طب حاتخسر إيه لو انت سمعتنا؟!

مش يجوز تلقاك معانا كلنا

نبقى أكثر منّنا!!

يبدو أن هذه الفقرة العادية، قد جاءت فى الختام لتخفف مما قبلها.

السطر الأخير كاد ينقذ هذا الجزء من تواضع شاعريته “نبقى أكتر مننا”.

رجع بنا هذا السطر إلى فكرة تشكيل الوعى البشرى الجمعى فى أية جماعة، ثم فى البشر كافة، أو ربما فى أى نوع، ليكون الكل هو أكبر من مجموع الأفراد، ويكون الوعى الجماعى له كيان مستقل فاعل (معالج تلقائى مثلا) أكبر من مجموع كل فرد على حدة.

الأرجح أن هذا هو ما يحدث فى العلاج الجمعى حين يكتشف من ينضم إلى المجموعة أنه لم يعد فردا فى مجموعة، بل أصبح وحدة فى كيان أكبر من مجرد عدد أفراد المجموع، هذه المسألة لا تطرح أبدا باعتبارها يقينا واردا، وإنما باعتبارها احتمالا واعدا “مش يجوز”.

هذا هو ما يعطى المجموعة العلاجية (أو أى مجموعة أحياء – بما فى ذلك المجموعات البشرية) حركية حيويتها، من خلال السماح بالدخول والخروج منها، لتتم كل رحلة بمزيد من الانتماء إلى هذا الوعى الجماعى/الجمعى؟

ونختم بالقصيدة مكتملة كالعادة مع الاعتذار عن التكرار الذى لابد أنه أصبح مملا:

– 1 -‏

الحياة‏ ‏هى ‏الحياة‏.‏

أغلى ‏حاجة‏ ‏فيها‏ ‏هى: ‏إنى ‏عايش‏.‏

باترجف‏ ‏من‏ ‏خطوتى ‏الجاية‏، ‏ولكن‏:‏

باترعب‏ ‏أكتر‏ ‏لو‏ ‏انى ‏فضلت‏ ‏ساكن

كل‏ ‏ما‏ ‏أشك‏ ‏ف‏ ‏خطاى، ‏

ألتفت‏ ‏ما‏ ‏لقاش‏ ‏وراى ‏

إلا‏ ‏إنى،‏

‏ ‏وسط‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏باغـَـنـِّـى

 (2)

يعنى ‏بابـْـنـِـى، ‏

‏ ‏أنا‏ ‏وابـْــنـْـى‏.‏

واللى ‏مش‏ ‏ممكن‏ ‏حايخلص‏ ‏بــيهْ ‏وبـيّـا‏.‏

يبقى ‏غيرنا‏ ‏يـِكـَمـِّلـُهْ‏.‏

(3)

الحياة‏ ‏دى ‏مش‏ ‏كلام‏ ‏مرصوص‏ ‏على ‏صفحات‏ ‏جرايد‏،‏

‏ ‏أو‏ ‏حكاوى ‏فى ‏القهاوى ‏والدواوير‏ ‏والمقاعد‏،

أو‏ ‏شـلـل‏ ‏مرصوصة‏ ‏تعرف‏ ‏فى ‏الصياعة‏ ‏واللكــــاعة‏،‏

‏أو‏ ‏برامج‏ ‏فى ‏الإذاعة‏.‏

(4)

الحياة هى الحياة

الحياةْ مش هيصهْ سايبه منعكشهْ

الحياهْ حركة جميلةْ مُدهـِشـَه.

بس بتخوّف ساعاتْ

لما بنْعرِّى الحاجاتْ

(5)

الحياة هِيَّا الحياة

‏‏الحياة‏ ‏مش‏ ‏حلم‏ ‏ليلة‏ ‏صيف‏، ‏ولا‏ ‏إحساس‏ ‏يكركع‏ ‏

متـل‏ ‏قــلـّه ‏مايله‏ ‏تدلق‏ ‏مية‏ ‏المحاياة‏ ‏فى ‏صحرا‏ ‏مولعة،‏

لا‏ ‏الزرع‏ ‏يطلع‏ ‏فيها‏ ‏ولانارها‏ ‏فى ‏يوم‏ ‏راح‏ ‏تنطفى.‏

 (6)

الحياة هياّ الحياة

كل ما بالْقانِى ماشى: ما بَـنَاتـْـكُمْ، أنبِسطْ.

إيدى ماسكه فى إيديُكمْ،

بابقى خايف إن واحد ينفرطْ

يا حلاوه لو تكون الدنيا ديَّهْ

زى ما ربى خَلَقْهاَ: هِيـَّـا هيهْ

تبقى رايح نحوها، تلقاها جايَّه

(7)

الحياة هيّا الحياة

الحياة الحلوة تِحلى بْكُلّنا، إنتَ وانَا،

كل واحدْ فينا هوّا بعضنا،

بس مش داخلين فى بعض وهربانين،

زى كتلةْ قَشّ ضايعةْ فْ بحر طينْ.

ايوه فعلاً: كل واحد هوّا نفسُه،

بس نفسُه هِـيّأ ّ برضه كلنا،

مالى وعيه بربّنا

(8)

الحياة هيّا الحياة

الحياة الحلوة حلوه

والحياة المُرّه برضه، لو تاخد بالك شوية

راح تشوف مرارتها حلوة

هيه صعبة لو لوحدك

بس تسهل لو معانا الناس يا ناس

مش مصدق؟!!

طب حاتخسر إيه لو انت سمعتنا؟!

مش يجوز تلقاك معانا كلنا

نبقى أكثر منّنا!!

……………….

…………………

ونواصل الأسبوع القادم قراءة: “الخاتمة”

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى: (2018) سلسلة “فقه العلاقات البشرية” (4) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) قراءة فى نقد النص البشرى  للمُعـَالِج، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى – القاهرة.

[2]- نشرة الإنسان والتطور اليومية: ظاهرة التناص بين البشر، نشرتا 13-7-2010، 20-7-2010.

صار مفهوم التناصّ هو أصل كل الإبداع تقريبا وراح النقاد يتكلمون عن حتمية التناصّ إزاء كل نص، لدرجة القول الجامع الذى يقول: “إن كل نص هو تناصّ”.

 

3 تعليقات

  1. مولانا الحكيم كلما هممت باقتطاف مقتطف من الشرح أو مقتطف من القصيدة يستحوذ علي مقتطف آخر و بعد حيرة أخترت أن يكون تعليقي هو شعوري الذي انتابني اثر دهشتي بكل كلمة فى الشرح و فى المتن
    حسيت” خلقة ربنا ” و اطمأننت بسرها هذا السر القادر على وصل وعينا و تجميعنا ، يمكن نكون فى مدارات مختلفة لكن مفيش حد خارج المدار الكلي …… مش مهم أفهم إزاي دا بيتم لكن إحساسي به يكفي
    خايفة صياغة إحساسي يفسده لذا أكتفي ب ربي كما خلقتني مطمئنة أن الياء فى الدعاء تشمل النون ” ربنا كما خلقتنا “

  2. المقتطف :أما نهاية الفقرة فدعونى أقسم بالله العلى العظيم ألا أقترب منها،
    وعليك أن ترجع إليها بنفسك فحين يكون
    “كل واحد هوه برضه كلنا”، ما لى وعيه بربنا
    سوف تعرف أين يقع منك “حبل الوريد”
    آمل هكذا أن تتضح الفقرة دون شرح، يا أخى
    الله!!!!!!!
    أنت مالك أنت؟
    الله!!
    التعليق : أحسن برضو 😉

  3. كيف حالك يامولانا:
    المقتطف : فكرة تشكيل الوعى البشرى الجمعى فى أية جماعة، ثم فى البشر كافة، أو ربما فى أى نوع، ليكون الكل هو أكبر من مجموع الأفراد، ويكون الوعى الجماعى له كيان مستقل فاعل (معالج تلقائى مثلا) أكبر من مجموع كل فرد على حدة.
    التعليق : لعلى قرأت هذه الفكرة من قبل أن ألقاك ،وتعلمتها من غيرك ،لكنها وصلتنى منك فى حضرة ” الله أكبر ” ،معك شهدت بأن لا إله إلا الله ،وأن ” الله أكبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *