الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فصامى يعلمنا (5): استعادة “الفرض” وإضافة محدودة إليه

فصامى يعلمنا (5): استعادة “الفرض” وإضافة محدودة إليه

نشرة “الإنسان والتطور”

5-5-2009

السنة الثانية

العدد: 613

فصامى يعلمنا (5):

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

 

استعادة “الفرض” وإضافة محدودة إليه

مقابلة رشاد 26-3-2009

أنتهينا  فى الفقرة الأخيرة من الحلقة (4) بهذا الحوار:

د.ملك: هو حا يجى الأسبوع الجاى يا دكتور؟

د.يحيى: طبعا حايجى اللى جاى، واللى بعده، واللى بعده، لو ما سافرشى.

وحضر الأسبوع التالى للمتابعة فكانت هذه المقابلة القصيرة الهامة التى تظهر اليوم كيف سنفحص أقواله بدلا من الإسراع بترجمتها إلى رموز وأعراض، وأسماء أمراض.

 ثم نقطعها لنعيد التذكرة، لنتعرف بالفرض الأساسى، لأنه هو الذى قد يفسر أقوال رشاد أولا بأول،

ثم نلحقها بجزء من المقابلة التالية،

 وسوف نكمل هذه المقابلة القصيرة غداً.

رشاد: السلامو عليكواد.يحيي: أهلاً وحشتنا أقعد أنا موافق (1)

رشاد: على إيه؟

د.يحيي: مش على السفر (1) على إنك تخف الأول

رشاد: البدايه جديده شويه

د.يحيي: احتياطى، مش أنا صنايعى يا بنى!

رشاد: صنايعى ازاى؟

د.يحيي: صنايعى فى شغلتى زيك يا أخى، مش انت صنايعى؟

رشاد: أه

 

د.يحيي: أهو أنا صنايعى زيك (2)

رشاد: مظبوط

د.يحيي: بس صنعتى بتقول كده، إنك مش مشغول إلا بالسفر، إنما أنا مشغول بإنك تخف

رشاد: هو انا لازم أخف من إيه؟

د.يحيي: من إيه؟!!

رشاد: هو اللى عندى ده مرض؟

د.يحيي: (ساخرا) لأ والله، دلع!!

رشاد: أنا شاكك انه مش مرض

د.يحيي: يعنى دلع يعنى؟

رشاد: لأه مش دلع

د.يحيي: ما هو المرض ممكن يبقى لعبة كده، شبه الدلع(3)

رشاد: أنا ماعرفش إيه هو الدلع الأول

د.يحيي: إيه؟!!

رشاد: يعنى إيه دلع؟

د.يحيي: ماتسمعشى عن “الدلع المِرِق اللى كل ما يمشى يدّلق”

 

 

 

 

 

 

 

رشاد: ده شاى ده ولا إيه اللى يدّلق؟ (4)

د.يحيي: إيه؟

رشاد: شاى ده؟

د.يحيي: المهم، بعد الهيصه دى كلها تقول لى هو اللى عندى مرض؟ أصوات وكلام واضطهاد وقلة شغل وتقول مش مرض، الله يخرب بيتك، أمال حايكون إيه يا شيخ؟

رشاد: هو انا شاكك بصراحة

د.يحيي: أنا مش شاكك بقى، دى شغلتى وأنا باقول لك من خلالها إنه مرض.

رشاد: إزاى يعنى

د.يحيي: مش انت سواق وحاجات كتير تانية، خلينا فى السواقة إنت لما تروح لواحد ميكانيكى وتقوله أنا مسافر مرسى مطروح بالعربية دى، والعربية فيها حاجة مش كويسة، مش بيقول لك لأ ما تسافرش؟

رشاد: هو لو عنده ضمير حا يقول لأه

د.يحيي: وأنا ماعنديش ضمير يعنى؟

رشاد: لأ ما أقصدش حاجة والله

د.يحيي: طب خلاص ما أنا باقول لك أهه: ما تسافرشى

رشاد: ما هو مستقبلى برضك

د.يحيي: ما أنا عارف، بس نحسبها سوى

رشاد: نحسبها

د.يحيي: كل شئ وله أوانه، وكل وقت وله أدان

رشاد: بس السفر بقى ضرورى ضرورى

د.يحيي: يمكن فعلا، بس ده مش وقته خصوصاً بعد ما قلت النهاردة “هو أنا عندى مرض”؟ أنا اتخضيت إنك ما تشوفش خطورة اللى عندك، خفت من العَمَى ده، تقوم عايز تسافر، وانت بالعمى ده (5) وانت لوحدك!! صعب يا ابنى، لو مفتح كفاية كنت أقول لك روح واستحمل، واحنا مع بعضينا حتى وانت بعيد، تقدر تكلم الدكتوره ملك مثلا، إنما بالشكل ده تقول لى “هو اللى عندى ده مرض”، واسيبك لوحدك؟ دى مسئولية، لو هو مش مرض إمال هو اللى عندك أيه؟!

رشاد: مرض

د.يحيي: حاترجع فى كلامك عشان أقول لك سافر، لأه ما تستعجلش، رزقك حايجيلك لحد عندك إنشالله، وحاتسافر وكله فى الوقت المناسب

رشاد: أصله مستقبلى برضك

د.يحيي: يا حبيبى يا ابنى أنا فاهم، ما ينفعش دلوقتى، أنا صنايعى زى الميكانيكى باقول لك العربيه لسه مش مضمونة، العربية فى التليين لسه لما بتليّن العربية كده، مش بتكتب يافطة على العربية مكتوب عليها: “العربية فى التليين”، عشان العربيات التانية تاخد بالها؟!

رشاد: أه بتمشى براحتها

د.يحيي: أيوااه، بتمشى براحتها، فا إنت دلوقتى فى التليين لسه، وبعدين أنت كنت بتقول عاوز أقابل الدكتور يحيي عشان كده، ولا عشان حاجة تانية؟!

رشاد: لأه عشان السفر يعنى

د.يحيي: أه شفت بقى أنا عرفت إزاى من غير ما تقول

رشاد: لأ طبعاً مش كده وبس، قصدى عشان السفر، وبرضه عشان حاجة تانية

د.يحيي: أيه هى الحاجة التانية دى بقى؟

رشاد: يعنى عشان أشوف إيه اللى عندى

د.يحيي: طيب، ولما تشوف إيه اللى عندك ونقول إسمه كذا، حا تعمل إيه؟ مش الأحسن تشوف حا نعمل إيه فيه، حانتصرف إزاى؟ هو احنا حندوّر على نمرة العربية ولاّ على إنها تنفع تسافر مرسى مطروح، يعنى هو أنهو الأهم؟ نسأل المرض ده اسمه إيه (6)، ولا نشوف حانعمل إيه، انت اللى عندك مش شوية يا رشاد يا ابنى.

رشاد: أروح العباسيه بقى؟

 

د.يحيي: إنت تطول!! يا راجل حمد الله على السلامة(7)

رشاد: الله يسلمك

د.يحيي: يعنى باختصار مافيش سفر

رشاد: لأه صعب

د.يحيي: طيب مافيش سفر دلوقتى، يعنى ممكن بعد جمعه تختلف الأمور، ولاّ بعد جمعتين، إنت خليك على أتصال بالدكتوره ملك وحا نشتغل هنا لحد ما تشوف الفرص ونشوف الفيزه ونشوف الكفيل ونشوف الكلام ده، واحنا اللى نقرر سوا، أنا وانت وملك.

رشاد: بعد كل الخطوات دى كلها ممكن يبقى فيه قرار تانى؟

د.يحيي: أيوه، هى مش مسئولية ولا إيه؟

رشاد: يعنى حاتوافق حضرتك على السفر؟

د.يحيي: ما أنا ماعرفش إيه اللى حايجدّ

رشاد: لأه، إنت تدلنى على الطريق الصح

 

د.يحيي: الطريق الصح دلوقتى إنك ما تسافرشى، لكن بعد جمعه يمكن يبقى فى الأمور أمور (7 َ)

رشاد: خلاص ماشى

د.يحيي: خلى بالك أنا عارف  أكل العيش يعنى إيه دلوقتى، بس صنعتى بتقول لى لأه مش دلوقتى، لما يخلص التليين، تبقى تعمل اللى انت عاوزه، دلوقتى خلينا ماشين على ستين وثمانين لما يخلص التليين تمشى على 140 إنت حر، وبرضه يبقى فيه خطر، يمكن تعمل حادثة تموت فيها

رشاد: ما حدش حا يعيش يا دكتور

د.يحيي: طيب ومستعجل ليه بقى

رشاد: خلاص كده؟

د.يحيي: أه طبعاً

رشاد: لأ بجد؟

د.يحيي: أه والله ايه عاوز حاجة تانية؟

رشاد: لأ يعنى، قصدى بس كفاية القعدة جنب حضرتك يعنى

د.يحيي: متشكرين، إحنا نشوفك الجمعة الجاية، ويمكن نخصص المقابلة كلها لك، عشان نعرف أكتر، ونقرر أحسن.

 (1) البداية تبدو هنا نوعاً من إجهاض ما تصوره الطبيب سبب اللقاء الدافع الذى أتى بالمريض، فقد رجح الطبيب أن رشاد لم يأت للمتابعة والعلاج، وإنما لأخذ الموافقة على السفر وفى ذلك ما فيه من مخاطرة، فقد يصيب، وقد يخيب مثل هذا الحدْس، لكنها مخاطرة إن صحّت فإنها تقرب المسافة بين الطبيب والمريض وتسرع بالمواجهة المطلوبة.

 

(2) أكرر ذكر اعتزازى بهذه الصفة “صنايعى” للمرضى ولزملائى المتدربين على حدٍّ سواء، وأفخر بها لأنها تحمل رسالة أننى أمارس “فن اللأمْ” وفن “المداواة” وهو ما يقابل ما أعنيه بصفة “صنايعى”.

 

 

 

 

 

 (3) كثيرا ما يأتى المريض فى بداية الذهان وبعد أن يشكو شكواه التى قد يتعجب هو منها قبل الطبيب، ثم يلحق ذلك بقوله “الظاهر يا دكتور أنا بتدلع” ويكون صادقاً فى نقده لذاته، لأنه حينذاك يشعر أن ما تحرك بداخله هو “أنا” آخر (طفل أو بدائى) يريد أن يستسهل، ويتراجع، ويحصل على مكاسب أوليه وثانوية، بالمرض. هذا ليس اعترافاً بالدلع أو التمارض وإنما هو إعلان أن المرض (بما فى ذلك الجنون) اختيار على مستوى ما من وعىٍ ما كما كررنا مرارا.

 

 (4) هذه إما لمحة لتفكير عيانىConcrete thinking عجز عن تجريد “المثل العامى”، وإما جهل شديد بالمثل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(5) فقد البصيرة يشار إليه هنا بـ “العمى”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(6) يمكن الرجوع إلى أول حديثنا عن الفصام وعن التشخيص أيضا.

 

(7)  “انت تطول“!! ربما تشير إلى أنه لم يستطع أن يتمادى فى أن يتفسخ ويتدهور حتى يصل إلى درجة خطيرة، وهو المعنى الذى يعنيه العامة عادة بـ “تروح العباسية” وتعبير “انت تطول”يشير أيضا إلى أن هذا المرض حين يتمادى يصبح أقل إرهاقا للمريض لأن مواجهته لداخله وخارجه تكون أقل شدة وتحديا.

أما الحاق ذلك بتعبير “حمد الله على السلامة” فهو أسلوب أتبعه (مثلما أشكر رشاد على تحسنه) أؤكد به مشاركته فى إيقاف مسار المرض، أو التعاون على طريق الشفاء.

 (7 َ) ..وفعلا، حدثت فى الأمور أمور سوف يعرفها القارئ مع تتبّع الحالة، لكننا نذكر هنا أن تدخل الطبيب المباشر هكذا فى قـرارات رشاد – وهو ما سبق أن شرحنا تفسيره وتبريراته– هو أمر متعلق بثقافتنا بشكل خاص تماما.

 

 

 

 

 

 

 

ثم تم لقاء آخر فى الأسبوع التالى 2/4/2009 نعرض بدايته على الوجه التالى:

دخول رشاد

2-4-2009

د.يحيى: أقعد يا رشاد، يا رشاد أنا محتاج منك ساعة بحالها، ولاّ يمكن أكثر يا ابنى عشان نفسر الكلام اللى انت قلته للدكتورة ملك، إنت سلمت عليَّا إمبارح وأنا بامرّ فى القسم، وأنا سألت عليك الأسبوع اللى فات بس ماكانش فيه فرصة نقعد كفايةالمريض: تمام، أنا مع حضرتك (8)

د.يحيى: حاناخد وندى النهاردة فى الكلام اللى قلته للدكتورة ملك

المريض: ماشى بس كان عندى سؤالين بصراحة

د.يحيى: نعم؟

المريض: عندى سؤالين محيرنّى شوية

د.يحيى: حاضر عنيا الاتنين، أسألهم الأول عشان نخلص منهم، السؤال لازم يكون أوله اداة استفهام وآخره علامة أستفهام (9) أداة أستفهام زى ما علمونا زمان “هل” و”كم” و”كيف” وكده، لو قلت السؤالين من غير “هل” و”كم” و”لماذا” ما ينفعش السؤال، أنا تحت أمرك

المريض: طب بلاش سؤال انا طالب من حضرتك طلب

د.يحيى: لأ مفيش طلب دلوقتى، السؤال الأول؟ فين السؤال؟

المريض: هوا اللى أنا فيه ده انا مش حاسس إنه مرض بصراحه، هوّه مرض صحيح؟

د.يحيى: ما هو أنا مقابلك النهاردة عشان أجاوب على السؤال ده، عشان نعرف يعنى إيه مرض ويعنى إيه مش مرض، إنت بتقول كلام كله مرض، بتوصف المرض 100%، وشكلك إن مافيش مرض، علشان كده عمالين نقلّب، ونقول ونعيد، ونزيد، عشان نشوف سوا سوا

المريض: ما هو لازم أعرف الأول، هل ينفع إن أنا أمشى فى طريق مش عارفه

د.يحيى: ساعات ينفع، لما الدنيا تكون ملخبطة، لازم نتأنى شوية، مش كفاية نعرف اسم الشارع، بس لازم نشوف إحنا رايحين فين، رايحين أنهى ناحية، يعنى ساعات ينفع تمشى فى طريق مانتش عارفه أو عارفه نص نص بس الناحية الصح، ودا بدال ما توقف خالص تستهجى فى يافطة اسم الشارع لحد ما عربية تصدمك.

المريض: يعنى أمشى فى طريق شاكك فيه؟

د.يحيى: أيوه، بس متونس باللى معاك، وبيقولوا أنهم عارفينه اكتر شوية، الدكاترة الصغيرين دول علّموهم بالشقلوب، قصدى يعنى علموهم بطريقة تانية، قالو لهم لازم يعرفوا كل حاجة الأول وبعدين يمشوا، طب وافرض ما عرفناش، نسيب العيان يمشى لوحده لحد ما يعرف أو يروح فى داهية؟، إحنا نمشى ونعرف النتيجة أول بأول، وبعدين نكمل واحنا بنصْحَّحْ أول بأول برضه. (10)

المريض: عايز أريح بالى بس يادكتور يحيى

د.يحيى: أنا مش مريّحاتى، انا طبيب باعالج، وانت جاى تتعالج، مش كده؟

المريض: اتفضل يادكتور

د.يحيى: تعيش، إنت قلت كلام للدكتورة ملك ماتناقشناش فيه كفاية، أصل أنا زى ما انت شايف باصدق العيانين، وبعد ما أصدقهم نختلف فى التفسير بقى زى ما احنا عايزين، يعنى نقعد نفحص سوَا: يا ترى ده معناه ايه، وده معناه إيه، إنت لما قلت مثلاً من الأول خالص “انا حاسس إنى متغير، أنا مش فاهم أنا إيه فيّا دلوقتى” وبتقول “إزاى أمشى فى طريق ماعرفوش”، وبرضه إنت بتقول “إن فيه حاجات غريبة فى عقلى، وإن عقلى مقفول، وإنى انا عايز أعرف الحقيقة”، كل ده نحترمه، فاكر؟

المريض: فاكر

د.يحيى: الحمد لله، حتى كلمة أنا عايز أعرف الحقيقة كنا شاورنا عليها فى أول مقابلة، وقلنا أنهى حقيقة؟ حقيقتك ولا حقيقة الحياة ولا حقيقة ربنا ولا حقيقة الموت أنهى حقيقة (11)، ولاّ لما قلت “عقلى مقفول“، أنا بقى حقول لك على كام حاجة كده قبل ما تخرج، يعنى حانتكلم فى جملة جملة، قل لى بقى: يعنى أيه عقلى مقفول أنا مش عايز موضوع إنشا، أنت تقول اللى يخطر على بالك وبس، يعنى إيه عقلى مقفول مثلا؟

 

 

 

المريض: يعنى باحس إن عقلى مثلاً فيه زى ما تقول أُوَضْ معينة مفتوحة؟ (12)

د.يحيى: أوض معينة مقفولة ولا مفتوحة

المريض: مفتوحة

د.يحيى: بس انت بتقول عقلى مقفول، ودلوقتى بتقول أوض مفتوحة

المريض: باحس إن قبل القفل، إنها مفتوحة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

د.يحيى: ما انت برضه قلت للدكتوره بعد كده وهى بتسألك، قلت “مخى صندوق مليان مش قادر أقفله” (13)

المريض: أيوه

د.يحيى: زى ما يكون بتحاول تقفل شنطة سفر بعد ما كبستها هدوم، فما بتتقفلش؟

المريض: حاجة كده

د.يحيى: يعنى إيه بقى؟ قصدك إيه؟

المريض: أنا باحس إنه مقفول، زى ما تقول إنه شىء متمسك فى بعضه

د.يحيى: متمسك فى بعضه؟ آه!! هى وصلتنى كده تقريبا.

……..

……..

 

 

 

 

(8)  من هنا، وحتى نهاية اللقاء، لاحظ تماسك حديثه أثناء الحوار بدرجة تكاد تفوق الشخص العادى.

 

(9) هذا الأسلوب أتبعة مؤخرا مع كثير من مرضاى، وأهلهم أيضا، كوسيلة لتحديد الحوار منعا للاسترسال المغترب الذى غلب على معظم المرضى، والأهل، نتيجة سوء فهمهم لفكرة التحليل النفسى والعلاج النفسى، هذا الأسلوب هو أيضا جزء من أسلوب التركيز فى “هنا – والآن” مع تحديد “المهمة المعنية”، سواء فى العلاج الفردى أم العلاج الجمعى.

 

 

 

 

 

 

 

 

(10) كل هذا له علاقة مباشرة بالتأكيد على أن الطب ممارسة “إمبريقية” أساسا، وليس تطبيقا مباشراً لمعلومات نظرية.

 

 

 

 

 

 

 

(11) نوقشت بعض هذه الأقوال معه فى النشرات السابقة، وبالذات فى نشرة22-4-2009 “الوضوح الغامض”

 

 

(12) من هنا أرجو من المتتبع أن يأخذ كل ما يقوله رشاد (والطبيب) مأخذ الجد، فى سعينا إلى فحص فرض الحالة الذى يفترض أن “ثمة حاسَّة داخلية” تسهيلا: “اسميناها العين الداخلية وهو الاسم الذى صكه سيمزSims” تستطيع أن ترصد الخلل التركيبى، وباللغة المتاحة، الحسية غالبا وغير الحسية أحيانا، وأن هذا الوصف لا ينبغى أن يترجم إلى أعراض معينة قبل الأوان ولا أن يوصف بالغموض النسبى أو المطلق لمجرد أننا عجزنا عن فهمه فى إطار ما لدينا من معلومات.

 

 

(13) برجاء إعادة قراءة هذه الفقرة وما حولها بعد قراءة تطور الفرض فى نهاية النشرة (إن شئت).

 

 

وقفة:

سوف أتوقف هنا فجأة لأسباب حقيقية (ظروف خاصة) وأسباب تبريرية تقول:

– إن غرابة الفرض الذى نعرض من أجله هذه الحالة هكذا، تحتاج إلى أن تكون الجرعات مجزأة،  حتى يمكن استيعابها بالتدريج .

– إننا نحتاج فى هذه المرحلة أن نعيد التذكرة بالفرض الأساسى هكذا:

إن ثمة عين داخلية (آلة حس لها علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم، عبر التطور، تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة  REM“ريم”)، كما تنشط فى بداية الذهان خاصة، وقادرة على أن ترصد الداخل “بما هو” فى حالة اليقظة فى بداية الذهان خاصة، كما قد تتعامل معه حين يحاول رشاد وصفها بآليات معرفية متنوعة أحدث مثل الخيال، واللغة، والتفكير، والذاكرة،…الخ.

 فى هذه الحالة التى نقدمها، تَمَّ رصد عملية الانشقاق (الفصم)، وأيضا عملية الصعوبة التى لحقت آلية “فعلنة المعلومات” حتى أصبحت كأنها ترى بالعرض البطىء

 الفروض الفرعية:

(أ) إن داخل البشر حقيقة موضوعية (واقع موضوعى) وليس مجرد ذكريات أو نفى  لما هو “شعور”، “لا” شعور.

(ب) إن رصد التفكك بواسطة رشاد لا يترتب عليه تلقائيا حدوث التفكك سلوكيا وأعراضاً.

(جـ) إن تصديق المريض فى مثل هذه الحالات، قبل ترجمة خبرته إلى أعراض وقبل تسميته باسم مرض بذاته، هو مفيد علميا وعلاجيا.

(د) إن هذا المنهج قد يحل إشكالة التفسيرات العشوائية التى تمارسها العلاجات الشعبية، وأيضا قد يساعد فى الاستفادة من الفهم الإمراضى لصالح إعادة التشكيل الصحى للمريض.

(هـ) إنه يمكن التحاور مع المريض الذهانى (بما فى ذلك الفصامى) على مستوى عال من التماسك والتفاهم.

تطويرا لهذا الفرض الأساسى بعد ما عرضنا من هذه الحالة حتى الآن، نقدم فروضا فرعية أكثر اتصالا بإشكالة الفصام:

(1) فى الفصام تختل عملية “فعلنة المعلومات” Information Processing فى مراحلها المختلفة، الإدخال، والفعلنة، والإخراج Input – Processing – Output.

(2) فى الفصام ينقطع (بدرجات مختلفة، التواصل التكاملى (الجدلى فى حالة الإبداع بين النصفين الكرويين).

(3) مع تمادى الانشقاق (الوظيفى) بين النصفين الكرويين تصبح عملية فعلنة المعلومات منقسمة أو بطيئة أو معطلة أو عشوائية ، أو كل ذلك، حسب درجة الفصام (وأحيانا حسب نوعه).

(4) فى الفصام البادئ Incipient وأحيانا فى الفصام المتماسك، وأحيانا أيضا ليست نادرة، فى أنواع تبدو متدهورة من الفصام، يمكن للمريض أن يصف هذا الخلل الذى حدث كأنه يراه رأى العين، وبالسرعة البطيئة.

(5) يختلف الوصف باختلاف ثقافة المريض، ولغته، وطلاقته، وأيضا باختلاف درجة سماح المتلقى (الطبيب المعالج أساسا)، وصبره ومحاولة استيعابه.

(6) هذا الخلل كله أو أغلبه ليس خللا أوليا، وإنما هو مترتب على إمراضية أساسية، تتمثل فى تنشيط غائى لمستويات أقدم من مستويات الوعى (المقابلة لمستويات الدماغ المرتبة هيراركيا تطوريا، وغائيا)،

(7) هذه المستويات الأقدم التى استعادت نشاطها حتى السيطرة النسبية، جعلتها تحفز الانسحاب والنكوص، وبالتالى هى تحتاج إلى قدر من الطاقة الحيوية الضرورية للتكامل (فى فعلنة المعلومات وغيرها)،

(8) يترتب على سحب الطاقة من المخ الأحدث أن يفتقر إلى مرونة التماسك وجدلية الفعلنة.

(9) يترتب على ذلك أيضا أن تنشق “واحدية Oneness” الدماغ ربما أولا، فيعبر عنها أحيانا انها انشقت إلى نصفين، كما فى حالة رشاد.

(10) كما تنفصل وحدات وظائفه عن بعضها البعض، وقد يحدث ذلك دون المرور بمرحلة الشق إلى نصفين التى سماها رشاد هنا (المِجْرى، ثم الأوض) وتصبح الحركة فيما بينهما دفقية (من الدفقة) متقطعة وأيضا مشتتة بشكل أو بآخر.

(11)  هكذا يفقد المخ البشرى “الكل” واحديته، وكذلك يفقد تمحوره حول فكرة غائية، (ليس بمعنى الفكرة التى تستعمل فى التفكير)، وإنما بمعنى التوجه الغائى الضام لكل واحدات الوعى والدماغ والوجدان على كل المستويات.

(12) يترتب على ذلك أن تدخل المعلومات إلى هذه القطاعات مجزأة أو متدفقة، وبدلا من “الفعلنة” للتمثل والامتزاج قد تسلك مسارات مستقلة أو متعارضة، أو عشوائية فى بعض الأحيان.

(13) فى أطوار معينة من المرض، يمكن للمريض أن يرصد كل ذلك أو أغلب ذلك، بدرجة أو بأخرى، باللغة المتاحة له حسب تركيبه وثقافته وحسب درجة تماسكه (حسب الفرض المطروح).

وهذا هو ما سوف نحاول أن نقدمه من خلال هذه الحالة

(وحالة (وحالات) أخرى بمشيئة الله!!)

وبعد                    

نكمل غدًا ما تيسر من  ذلك وغير ذلك،

 من خلال تطور الحوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *