الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (6) : الحلقة الأخيرة (إن شاء الله!!)

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (6) : الحلقة الأخيرة (إن شاء الله!!)

“نشرة” الإنسان والتطور

14-1-2009

السنة الثانية

العدد: 502

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (6)

الحلقة الأخيرة (إن شاء الله!!)

عزيزى…

مرة أخرى، نأمل أن تكون قد قرأت النشرات التى قدمنا فيها هذه الحالة، قبل قراءة هذه النشرة:

16- 12 – 2008  ،  17-12-2008،   30-12- 2008، 31-12-2008  

وسوف نعرض مقتطفات دالة مما سبق نشره، قد يطول بعضها بتكرار قد يبدو مملا لأصحاب الذاكرة الحادة، وقد يبدو ضروريا لمن يأخذها  على محمل التأكيد والتوضيح الضروريين.

شكرا

مقتطفات من تاريخ  الحالة

…. سامح طول عمره خجول، مالوش اصحاب كتير، بيحب يقعد فى البيت أكثر الأوقات، بيصلى ويصوم من صغره

……. حكى عن خبرات جنسية صعبة، فهو يقول أن اثنين من زملاء المدرسة، أكبر منه مارسا معه الجنس فى ظروف يستحسن أن نعيد حكيها بألفاظه:

…. فيه اثنين زمايلى فى اعدادى كانوا بيجبرونى على كده، كانوا يدونى مواعيد ولازم أروح فيها، وكنت باقول لأهلى انى رايح اذاكر مع صحابى، يمكن لوْ  والدى شد علىَّ ماكنتش رحت، لو رفضت كانوا بيهددونى، واحد منهم قالى إنه مصورنى 36 صورة، وكان بيهددنى انه حايوريهم لأمى، كان كل مرة باحرق صورة لحد لما خلصوا، كانوا يقولوا لى  لو ماجتش حا نجرسك بالفضيحة،  كنت باحس انهم عاملين فىّ حاجة غلط، كنت خايف اخلـّـف، كنت حاسس إن انا فى بطنى  ولد وخايف ينزل، كنت عايش فى رعب، بطلت الحاجات دى لما دخلت الدبلوم

مقتطف من المناقشة مع مقدمة الحالة: د. داليا

يحيى:

 …..، و الظاهر إن الحواديت (وعلاقتها بالأساطير وثيقة) انتبهت لكلمة “بز”،  وإنها كلمة أنثوية أكتر،  فالظاهر إنهم اعتبروا إن “بز” رجل الراجل علامة الأنوثة إللى فى الراجل، “رمز” يعنى، مجرد رمزعشان كلمة “بز”، فالشعور بالحمل اللى قاله الولد  الغلبان ده مش تخريف كله، ده شعور إنسانى، أنثوى فى المقام الأول، ممكن الخبرة السخيفة دى اللى ابتدت بدرى كده، ممكن تكون حرّكت ،……،  جانب داخلى جداً فى تركيبه الأساسى،هو لمّا قال لك أنا كنت حاسس إن فى بطنى عيل ماكانش مجرد بيتخيل، لا دا يمكن كان بيعبّر عن استقباله الداخلى  للجانب اللى اتحرك ده، ويمكن حتى ترحيبه به، مرة تانية ده مجرد فرض يمكن يساعدنا، يعنى انا رأيى إن الخبرة ابتدت حب استطلاع، واستمرت بدرجات متفاوته من القهر والرضا، فحرّكت اللى حركته فى الواد الغلبان ده، فبقى هو مضطر لتنشيط قهر داخلى من نوع آخر (دون أن يدرى طبعا)  عشان يسكّت اللى اتحرك جواه ده، يعنى يكتـّم على الحتة اللى استثيرت بالشكل ده، ومش بس استثيرت عشان تحقق لذة مؤقتة مشكوك فيها، لا، دا يمكن أثارت معاها الجزء الأنثوى المتعلق بحتة الأمومة اللى فيه،

 طبعا كل ده محاولة منى للفهم لا أكثر، ييجى يا عينى الولد ده يبقى عليه إنه يقاوم القهر الخارجى، وبرضه  القهر الداخلى إللى بيظبّط بيه الحتة دى اللى اتحركت فيه غصبن عنه، وهو ناشئ دلوعة، وآخر العنقود،

مقتطف من التعليق الأخير

،……، لما  تجيب طفل يحصل على لذة من كوب فيه  سكر مسموم، ويلاقى إن  ده مصدر لذته، وفى نفس الوقت يلاقى إن الناس بتقول له من بعيد لبعيد، من غير منع حقيقى، حاسب  ده فيه سم، وبرضه يلاقيهم بيغصبوا  عليه إنه يشرب منه، قال إيه  عشان يسمحوا له يفضل معاهم مثلا، تلاقى الحكاية بقت مش مفهومة، يكبر شوية يلاقيها عيبة كبيرة اللى بيعمله ده، سامح اتزنق، ييجى يحاول يقول للعيال السفلة دول “لأه”  يلاقى جواه بيقول آه،  يتلكك ويقول ده تهديد ما هو غصبن عنى،

 طب إيه بقى اللى خلاه يبطل فى الآخر؟ فى الغالب  “اللأه”  كبرت، كبرت، كبرت، بس ما وصلتشى للوعى العادى اللى بنستعمل فيه الإرادة الظاهرة ونمتنع عن اللى احنا اكتشفنا إنه مش عايزينه قوى كده، أو تمنه غالى جدا، إنما فيه وعى تانى برضه وصلته نفس “اللأه” بحجمها المتزايد ده، فراح الوعى الخفى ده، وباين عليه إنه وعى قوى جدا ومستبيع، راح قايلها ومعممها، فطلعت “لأه” للى جارى ده، وبعدين بقت “لأه”، لكل حاجة، زى ما يكون شاف إن الاحتياط واجب، بقت  “لأه”  لأى رغبة، “لأه”  لأى لذة، “لأه”  لأى بنى آدم يبص له، “لأه”   لأى أكل، “لأه”   لأى حركة، 

“…… أنا باقدر أحترم النوع ده من الوجود من غير منظرة ولا فوقية، حاجة كده لها علاقة بخلقة ربنا اللى انا شاورت له عليها، ما هو مش معقول ربنا يخلق واحد مش محترم، تبقى مش صعبانية، إنت بتعدى التشويه وتبص وراه تلاقى خلقة ربنا موجودة مستخبية مستنياك تشوفها، آدى كل الحكاية.

…. ثم إنه وصلنى إنه فعلا مكافح زى ما قلت له، وهوا استغرب، فين الكفاح ده؟ قال لى: أنا مكافح؟ أنا كان قصدى إن اللى ما قدرش يعمله بوعى الصحة، لأن أهله ما مرنوش الوعى الظاهرى بتاعه إنه يقول آه ولأه، دا إذا كانو سمحوا من أصله إنه يبقى له وعى ظاهرى، قصدى “ذات” خصوصية، يعنى “سامح”، أعتقد إن سامح اللى اتكون قرب المراهقة بعد ما اتنسى قبل كده اتكون بالزفت ده اللى أذاه بالشكل ده، جه وعى المرض نجح فى اللى فشل فيه وعى الصحة، بس التمن كان المرض الشديد قوى ده.  أظن أنا قلت له إنت كافحت بالأعراض المرضية  إللى ما قدرتش تعمله بالإرادة العادية.

مقتطفات من حالة التدريب عن بعد

الإشراف على العلاج النفسى (28)

د. مصطفى مدحت: عندى عيان عنده 29 سنة، غير متزوج، من محافظة فى الوجه البحرى، موظف فى شركة الصبح وبعد الظهر بيشتغل مؤذن فى الأوقاف..،………..، هوّه جالى يشتكى بأفكار بتلح عليه إن عنده الزهرى، وتغيير فى حجم العضو التناسلى، وإنه خايف إنه ممكن يتقلب ست.

د.يحيى: ليه الزهرى “بالذات”؟ ماعادش حد بيتكلم عنه دلوقتى.

د. مصطفى مدحت: .،…..،  هوَّ كان عنده أعراض اكتئاب برضه، يعنى: قلة النوم، وقلة الأكل، عدم الانتظام فى العمل، وكده،…………….،  فى الجلسة الثالثة .حكى لى  تاريخ جنسى مليان، بدأ بانتهاك، واستعمال، وهوّا عنده خمس سنوات من أحد الجيران (واحد سنه 18 سنة) لكن ده حصل مرة واحدة، وبعدين العيان بيقول إنه بدأ العادة السرية وهو عنده خمس سنوات برضه،،…………………، وبعد كده ألعاب جنسية خفيفة من الظاهر مع عيال قده، ولما بقى عنده عشر سنوات بدأ ممارسة مع الحيوانات، وبالذات القطط

د.يحيى: اشمعنى القطط يعنى؟ دى أصعب حيوانات فى الحكاية دى؟ تفتكر تفرق؟ المهم، إنت عارف إن فى الأرياف حكاية الحيوانات دى كتير لدرجة إنها ساعات تبقى مرحلة عادية وهى يمكن لها علاقة باللى بيشوفوه بين الحيوانات، فيه حاجة تانية؟

د. مصطفى مدحت: أيوه، هوّا برضه عمل مع طفل عنده تسع سنوات بس مش كتير.

د.يحيى: هه، وبعدين؟

د. مصطفى مدحت: ابتداءَ من عند 16 سنة بدأ ممارسة مثلية بالتبادل مع أولاد فى سنه

د.يحيى: يعنى من سن 5 لحدّ سن 21 سنة عمال يتنقل بالشكل ده، مابطلشى

د. مصطفى مدحت: بالنسبة للتعب اللى بدأ من 8 سنين كانت زادت ممارسته للعادة السرية، وفى مرة أثناء ما بيعملها حس بكرشة نَفَس، وألم فى منطقة الشرج، ودى كانت بداية التغير.

د.يحيى: إنت بتقول انه شغال مؤذن.. هل بيؤم الناس فى الصلاة؟

د. مصطفى مدحت: لأ.. ما حصلش.. هو بيأذن وبيقوم بأعمال النظافة بَسْ.

د.يحيى: بقاله قد ايه متعين مؤذن؟

د. مصطفى مدحت: تقريباً 10 سنين

د.يحيى: يعنى قبل بداية العيا بسنتين.

د. مصطفى مدحت: لما كلمته عن شغلانة المؤذن دى .. قال لى: هو ممكن يبطل أى شغلانه إلا الشغلانه دى.

د.يحيى: سألته ليه؟

د. مصطفى مدحت: قال إنها بتقربه اكتر من ربنا، بيحس إنه فيها بيلاقى نفسه

د.يحيى: مش فيه تناقض برضه بين الشغلة دى والتاريخ ده؟

د. مصطفى مدحت: أيوه، بس هوّا ما جابشى سيرة لأى علاقة بين ده، وده،

د.يحيى: السؤال بقى.. السؤال بالنسبة للعلاج النفسى، دى حالة زحمة قوى

د. مصطفى مدحت: أنا مستغرب إن فى الفترة القصيرة دى “7 جلسات” بس، رحت شايف إن العيان اتلمّ بسرعة اكتر من اللى كنت متوقعها من أعراضه، ومن تاريخه المليان ده، فبقيت قلقان من اللى حصل كده يعنى مثلا ماكانش عنده أمل إنه يتزوج خالص وماكانش منتظم فى الشغل لدرجة انه كان عايز يبطله، بعد شهر واحد لقيت أن العيان بدأ “يتحرك”، ويعمل حاجات ماكانش بيعملها: يصلح حاجات فى البيت، يعامل الناس كويس، بينتظم فى الشغل، بيفكر فى مستقبله، وفى جوازه أنا استغربت.

د.يحيى: تقصد العيان مش بس اتحسن بالنسبة للأعراض، دا كمان بقى يبادر فى حاجات، من غير ما حد يقول له، إنت زعلان ليه بقى؟

د. مصطفى مدحت: هل ممكن يحصل ده كله فى فترة قصيرة زى دى؟

د.يحيى: البركة فيك يا أخى،

………..، بس أنا مش متأكد إن كل اللى قاله، هل ناخده على إنه حقيقة، ولا خيال؟ يجوز كله صح أو جزء منه صح، مثلا حكاية القطط دى مش مألوفة فى الفلاحين، زى ما يكون المسألة عايزة مراجعة، هوّا عموما فى الفلاحين الحكايات دى عندهم عادية، وبتعدى المسألة من مرحلة لمرحلة، وما بتعلقشى كتير، لكن مش بالكثرة دى ولا التعدد ده، ولا بالتنوع ده، أنا مش متأكد، وبعدين بالنسبة للعادة السرية مثلا اللى بدأت عند سن 5 سنين هل كان فيه “ذروة” (أورجازم)، طبعا مافيش قذف فى السن دى، إنما فى البنات الصغيرات ساعات يبقى فيه “ذروة”، فى الأولاد مش متأكد.

د. مصطفى مدحت: كان فيه انتصاب من غير قذف، إنما هوّا بيقول كان فيه “ذروة”

د. يحيى: الانتصاب ممكن، بس الذروة واسعة شوية، ثم إن الكلام ده بداية من سن خمسة، دى الفترة اللى فرويد بيقول فيها إنها فترة كمون، إنما الجدع ده ما بطلشى، حسب كلامه، وزى ما يكون الجنس عنده قعد نشط طول الوقت بدرجات متفاوتة لكن مش لدرجات وأنواع الانحراف اللى هوّا حكاها، وبرضه يمكن ده خلاّه قعد يكبر من غير استقطاب بين هوية ذكورية وبين هوية أنثوية، فقعد مِمَشى نفسه يا إما بالخيال يا إما بشوية واقع، لحد ما بدأت الوساوس والرهابات تنبهه إنه كده ما ينفعش.

د. مصطفى مدحت: أيوه مع بداية العيا هوه بطل كل ده

د. يحيى: والله ما انا عارف بطل ممارسة ولا بطل تخيل، الظاهر إن النمو الجنسى بتاعه مِشِى متوازى فى كل الاتجاهات، ومش بس النمو الجنسى دا باين نمو القيم أيضا، يعنى هو مؤذن وبيلاقى نفسه فى شغلته الدينية دى اللى بتخليه “يقرب من ربنا”، وفى نفس الوقت هو موظف بعد الضهر فى شركة، ولا عمره ربط  مشاعره، ولا الحكاوى اللى بيحكيها بشغلة المؤذن، أو بصورته وهوّا على المأذنة بيأذن، أو بيقيم الصلاة، ولا عمره حكى لك عن شعور بالذنب وهو عمال بيأذن ولا هوه همّه.

سواء كان اللى حكاه ده حقيقى، أو جزء منه حقيقى، فالظاهر إنه قعد كده لحد سن 21، أنا شايف إنه ما دخلشى مع نفسه معارك وصراعات وكلام من ده، الحكايات مشيت جنب بعضها لحد ما لقاها كفاية كده بقى، قام حاول يلم نفسه ما قدرش، فظهرت الأعراض النفسية قلق واكتئاب ووساوس ورهابات وكلام من ده، أنا بافترض إنها ظهرت علشان يساعد نفسه إنه يمتنع، راح لجأ لأقرب حاجة تمنعه من الممارسات دى. فخّوف نفسه من إنه يمرض بالزهرى، وبعدين لما انت طمنته على حكاية الزهرى دى، نقل على الإيدز.

زى ما يكون هوه راح عامل ضمير أو والد من خلال المرض، (يعنى من خلال  خوفه من الزهرى، وبعدين من الإيدز لما انت شرحت له طب)، عمل كده  عشان يحوش نفسه، ويحوش خيالاته برضه، يعنى استعمل المرض كمرحلة، وبعدين ما صدّق لقى العلاج النفسى معاك، شبط فيه، لأن المرحلة مرحلة، عشان كده انت تلاحظ رغبته فى العلاج، وإنه بيجيلك بانتظام من محافظة عايزة  سفر ساعتين كل أسبوع، يعنى المرض هنا عمل عنده دور إيجابى، وبعدين لما جالك وشعر بالسماح، إنك ما حكمتش عليه فاتلّمّ أكتر وراح عاملها وخافف، فانت اتخضيت.

د. مصطفى مدحت: أيوه استغربت

د. يحيى:………….يا إما يكون نموه كان بيتحرك طول الوقت، وانحرافاته ما كاتش تثبيت ووقفة، زى ما تكون كانت تجريب وتْعدّى، فهو جالك جاهز وكانت حركية النمو عنده لسه نشطة، فلما اطمأن لك وصدّق سماحك، راح عاملها وقال لك يا واد ما فيه سكة أمان أهه، واختار العلاج وإنه يكمل نموه، بدل كل الهيصة دى، وبدل الحل بالمرض برضه.

التعقيب الحالى: (بعد اضطرارى للإعادة كما سبق التنويه)

نلاحظ هنا بالمقارنة بين الحالتين ما يلى:

1- إن سامح عنده 17 سنة فى حين أن عبد الرحمن(1) عنده 28 سنة (بفارق 11 سنة)، وبالتالى لا نستطيع أن نعرف كيف سوف تكون حالة سامح بعد 11 سنة، حتى لو أخذ العلاج مسارا جيدا.

2- إن سامح لم يدخل الحياة أصلا، لم يدرس، لم يعمل، من حيث واقع الانجاز، لم يعترف به أبوه أو أمه إلا بقدر الاستجابة لطلباته (ثم ركنوه  بجوار الحائط = جنب الحيط = ناسيين  إنه موجود) فى حين أن عبد الرحمن دخل الحياة، والتزم بعملين، وتمسك بهما، ووجد فى العمل المتداخل مع الدين ما أرضاه أكثر، دون أن يشعر بالذنب أو حتى بالتناقض، وحين خيّر – نظريا- بين عمله فى الشركة وعمله كمقيم شعائر اختار الأخير!!

3- إن سامح لم يتدرج فى نموه الجنسى مثل عبد الرحمن، فأول معلومة عن الجنس كانت فى سن 11 سنة، وبلغ سن 14 سنة،  وعرف إنه بلغ من الاستحلام (أثناء النوم) وليس من العادة السرية، وبعدها بدأ العادة السرية، وفى نفس الوقت تقريبا بدأت خبرة الممارسة المثلية السالفة الذكر،

4- أما عبد الرحمن فقد بدأ ممارسة فعلية  فى سن خمس سنوات حين استعمله من الظاهر أحد الجيران (18) سنة، ثم قال إنه بدأ العادة السرية وهو عنده خمس سنوات أيضا، وزعم إنه كان يصل للذروة (كما قال) كما مارس الجنس مع حيوانات متنوعة منذ ما يقرب من ذلك، ثم من سن 16 سنة مارس  جنسية مثلية متعددة متبادلة مع أقرانه حتى سن 21 سنة، ثم توقف عن هذه الممارسات واستمرت العادة السرية حتى زادت مع بداية التعب الذى أدى إلى الاستشارة الطبية

5- توقف سامح عن هذه الممارسات قبل سنة  واحدة – على حد قوله- من بداية المرض، وكانت وظيفة المرض كما افترضنا أنه  قال “لا” لهذا الموقف الشديد الصعوبة، قالها المرض برفض كل شىء معا، اللذة، والقهر، والناس، والأكل، والحركة، والحياة

6- توقف عبد الرحمن عن هذه الممارساات الأخيرة مع بداية المرض، وذلك بفضل المرض أيضا الذى أرعبه من الزهرى (فالإيدز) حتى امتد الرعب لمجرد الاحتكاك فى الأتوبيس، ولم يحتج أن يصاب بذهان مجمِّد مثل تلك االصورة التى أعجزت سامح، وظل يواصل العملين معا، وجاء يشكو من أعراض الرهاب من المرض التناسلى فقط

7- بمجرد أن تقبـّل زميلنا المعالج البادئ مريضه عبد الرحمن، بما أسميناه الجهل الجميل، وشرح له صعوبة أو استحالة إصابته بالزهرى هكذا، وحتى بعد أن استبدل عبدالرحمن الإيدز بالزهرى لفترة ما، بمجرد أن اطمأن عبد الرحمن أن معالجا طيبا سمحا قد استوعب تاريخه، وعاونه فى أن يواصل حياته دون نصائح مباشرة، أو لوم أخلاقى، جمع عبد الرحمن نفسه، واستمد المنع المسامح فى نفس الوقت من المعالج، واستغنى عن الأعراض وتحسن خلال أسابيع، فأصبح أكثر مبادأة، والتزاما فى البيت والعمل، وتوجه نحو قرار الزواج برغبة وجدية

8- سامح بسنه الأصغر، ونموه المغلق المشوَّه، وصلته محاولة الطبيب الكبير أنه “مكافح”، بمعنى أنه  استعمل المرض ليرفض ما لم  يستطع رفضه أثناء صحته وهو بكل ذلك  الضعف وتلك الهشاشة أمام  كل هذا القهر واحتمال مشاركته فى القبول تعوداً على اللذة، وقد بدا حرصه على الشفاء أثناء المقابلة، فكان مظهرا آخر لمحاولاته المكافحة لإنقاذ نفسه، كما أنه تقبل محاولة الطبيب احترامه أيضا بشكل لم نتوقعه، وإن كنا استبعدنا تصديق أن هذه الرسالة الصعبة، (الاحترام) قد وصلته كما بدا من المناقشة الحوارية، بالقدر الذى قد يعينه على بداية جديدة لاستمرار نموه

الخلاصة وملامح فروض جديدة

يبدو من هذه المقارنة السريعة ما يلى:

إن النمو الجنسى لا ينفصل عن النمو عامة، وبالذات نمو “العلاقة بالآخر”، وتشكيل الذات

إن البداية المبكرة للتعرف على الجسد، فالجنس، ولو حتى كانت بدايات سيئة أو خطأ بشكل محدود، لا يحبس الجنس مستقلا عن بقية مسارات النمو .

وهذا ليس مرادفا للشائع عن الدعوة إلى التربية الجنسية، إن ما يسمى تعليم الجنس فى المدارس دون جو ثقافى عام، يتصف بالمسامية والحركة والنور والحوار، قد يكون تلقينا تحفيظيا يقوم به من لم يعرف جوهر ولا روعة ولا وظيفة الجنس البشرى بعد أن قطع هذا المشوار التطورى الطويل

*   إن جرعات مناسبة من السماح بالمعرفة، والتفاهم فى النور، ولا نعنى بذلك السماح التمادى فى الظلام، هو أمر وارد وقد تكون لها  آثار إيجابية

هناك شكل من التساهل يبدو وكأنه السماح،  مع أنه عكسه تماما فى النهاية، وهو  الإغفال بالإنكار، والتجاهل، والثقة المفرطة فى غير محلها، وهو ما حدث غالبا بالنسبة لسامح. السماح لا يعنى غفلة الوالدين، بل إنه العكس تماما، هو النتيجة الطبيعية لجو عام من الحرية والحركة، يتيح  الفرصة لنمو طبيعى، بالقدر الذى يتيح التراجع والتعلم.

قد يأتى السماح ليس من تراخى قبضة السلطة، بل من إحكامها الواعى، لكن دون قهر جاهز وترهيب متواصل، كما قد يأتى – كما فى حالة عبد الرحمن- من تواتر الممارسات التجريبية العابرة بشكل عام فى سن النمو الباكر، الأمر الذى قد يترتب عليه سماح ذاتى بالدخول والخروج –من التجارب واقعا أو خيالا- بشكل يساهم فى النمو لا يعوقه

حتى لو جاء السماح بشكل عام نتيجة  لتواتر الممارسة بين معظم من هم فى سن معينة، أو جاء من خلال مجال تربوى مسامّى متفاهم، فإنه يتيح الفرصة أن تمر مثل  هذه التجارب ضمن تجارب النمو، بل وقد تترك آثارا إيجابية فى نهاية النهاية إذا تم استيعابها فى ظروف مناسبة

*   إن هذا السماح، أو التفهم، فى النور، أو كل ذلك معا، ليس له علاقة مباشرة بما ذهب إليه فرويد عن “الجنسية الرضيعية”، ولا عن عقدة أوديب وما شابه، فهو أقرب إلى تجليات محدودة من عينات من التاريخ البيولوجى والجنسى والأسطورى لنمو الإنسان عامة، تتطور الواحدة  تلو الأخرى فى تداخل سلس ما استمر النمو فى التوجه الصحيح

النمو الجنسى وبقية مسارات النمو

لا توجد وظيفة بشرية (أو حيوية بصفة عامة) تنمو منفردة تماما، لكن توجد ظروف غير طبيعية تعوق إحدى الوظائف عن النمو الطبيعى جنبا إلى جنب مع سائر الوظائف، يحدث هذا النمو المتواكب فى الحيوان مثلما يحدث فى الإنسان، لكن الأمور فى الإنسان أعقد وأروع، وذلك بمعنى أن النمو المعرفى، والنمو الوجدانى، والنمو العلاقاتى (العلاقة بالآخر) وكل نواحى النمو الأخرى، تسير جنبا إلى جنب فى خطى متوازية متكاملة فى نفس الوقت، بل وهذا أيضا – من وجهة نظرى الخاصة – هو ما يتم بالنسبة لنمو العلاقة المتناسفة مع الأكوان الممتدة إلى وجه الحق تعالى، وهى العلاقة التى تنظمها أصول الأديان قبل أن تشوه .

يبدو أن الذى حدث مع عبد الرحمن أنه قد سمحت له ظروف ثقافة طبقته الاجتماعية، فى بيئته الجغرافية، أن تنطلق مسارات النمو فى مجالات مختلفة بدرجة متوازنة – نسبيا- فى  مساحة رحبة، وبحركية، تسمح بالإقدام بقدر ما تسمح بالتراجع تعلما وغير ذلك،

ربما هذا هو ما يفسر عدم شعوره بالذنب من ناحية، وافتقار المعالج والمشرف إلى فهم عدم تناقضه ما بين عمله (الذى يقربه من ربنا) وبين ممارساته المتنوعة المتعددة المتنقلة،

فى نفس الوقت، حين وصل الأمر أن تتواصل بعض هذه الممارسات (التى رجحنا أن بعضها أو ربما كثيرا منها كان تخيلا لا واقعا، علما بأن التخيل قد يؤدى نفس الوظيفة، فهو وعى آخر) أقول حين وصل الأمر عند عبد الرحمن أن تمادت بعض هذه الممارسات أطول مما تحتاجه خطوات النمو، ووجد نفسه غير قادر على أن يضع لها حدا، ظهر المرض يخوّفه، بالوساوس والرهابات، فتوقف، إلى أن وجد طبيبا يتمتع بجهل جميل، قبـٍلَـه كله على بعضه، فجمع تجاربه، واطمأن إلى طبيبه وشفى فى سبع أسابيع (على الأرجح) كما لاحظنا

أما ما حدث لسامح فيبدو أنه عكس ذلك تمام، كل ما وصله من  دين هو تعليمات سطحية عابرة دون ممارسة أو قدوة، وصله ذلك ومثله  من أبوين تخلوا عن مسئوليتهم بطيبة هى للأسف غفلة، فانطوى على نفسه، ولم يجد حتى تعويضا فى دراسة منتظمة، أو عمل ملزم، 

لم يعترف به أحد تلميذا أو عاملا أو حتى إبنا، وحين وجد من يعترف به جاءه الاعتراف ملوثا قاهرا، لكن عمقا فى داخله استقبله بشقيه: اللذة والاعتراف معا، فكان ما كان.

لم نلاحظ عند سامح أية  معالم للحركة، والمثابرة، والتجربة والخطأ، اختزل كل وجوده فى هذه الزاوية الشائهة والمشوهة،  فلا موضوع، ولا إنجاز، ولا دين، ولا شىء إلا هذا المزيج المتداخل من القهر واللذة،

لم تقم كل هذه الممارسات القامعة بدور نمائى، بل بالعكس أدت إلى هذا النكوص الذى عرى الثنائية الجنسية من جهة، وفاقم المأزق الذى جعل  فرصة رفض الجارى بإرادة واعية،  حتى يطلق مسار النمو، ومستحيلة، فظهر المرض ليؤدى وظيفة الرفض الشامل بهذه الصورة الخطيرة (2)

* * * *

ملحق النشرة:

وصلتنى من د. أميمة رفعت هذه الرسالة تعقيبا على ما كان قد نشر من حلقات حول هذا الموضوع أنشرها فيما يلى – بديلا عن نشرها فى  “بريد الجمعة” أو فى “باب استشارات مهنية” حتى لا أضطر للإعادة للمرة الكذا هناك، أنشرها مع تعقيب محدود، يلحقه مقتطفات مما سبق ذكره.

“……  عن إحتمال الربط بين حالة سامح وحالة الإشراف عن بعد”

من نص الرسالة

عندى حالة أعالجها منذ ما يقرب من شهر هى مزيج من الحالتين . مريضة لديها 32 سنة إبنة إمام مسجد فى إحدى المحافظات، تم نقله إلى الإسكندرية منذ 18 سنة تقريبا. المريضة هى الأخت الوسطى لستة إخوة و أخوات، ولها نشاط جنسى مستمر منذ سن 11عاما حتى 22عاما . بدأ بإساءة الأخ الأكبر لها جنسيا هى والأخت الصغرى، ثم إساءتها هى نفسها لإبن الجيران الأصغر جنسيا، ثم الممارسات الجنسية المتعددة ( تجارب ليست كاملة ) مع شباب مختلف بدافع التجربة والفضول كما تقول ،

التعليق

  …. شكرا، على إعطائنا هذه الفرصة

ذلك لأن هذه البداية ليس لها علاقة  بما أشرت إليه حالا بالنسبة لحالة سامح، والأهم لحالة عبد الرحمن أساسا، بل إنها تتيح لى الفرصة أن أوضح أنها تمثل العكس تقريبا،

إن السماح الباكر، فى ظل الانفتاح والمسامية والصراحة والإحاطة، للتراجع، هو الذى يتيح فرصة لنمو الوظائف النفسية والبيولوجية فى مسارها الطبيعى ومن بينها الوظيفة الجنسية بشقيها اللذى والتواصلى، أما البداية هنا فى هذه الحالة فهى تبدو متأخرة، وأنا لست متأكدا إن كان لها علاقة بوظيفة الوالد الفاضل أم لا، خاصة أنه وجه إلى التعليم الأزهرى تحديدا،

هذه البداية لا تثبت أبدا  الفرض الذى افترضته فى آخر حلقة (وأنت معذورة، فأنت لم  تكونى قد قرأتيها بعد يا د. أميمة) ولا هى تشير إلى نفس احتمالات الخيال والتنقل والتجربة بالمراجعة للاستفادة، التى مارسها عبد الرحمن (والتى شرحناها حالا فى الفرض الأساسى).

 يبدو أنها بداية تواكبت مع سن بلوغ هذه الفتاة، بعد فترة لا نعرف ماذا جرى للوظيفة الجنسية فيها من حيث الاحترام والاعتراف والسماح والحوار، فبدت مثل هذه البداية بمثابة  قفزة تعويضية شاطحة شائهة  هكذا.

ثم إنها كانت بداية جاءت من خارج المريضة، من الأخ، الذى لا أعرف سنه آنذاك، والذى لم يتوان أن يمتد نشاطه المحارمى إلى الأخت الأصغر،

ثم إن مريضتنا  “لم تقصر بدورها!!”، فبدأت مع إبن الجيران الذى لا أعرف عمره،

هذا، وأنا لم أعرف تحديدا ماذا تقصدين بتعبير “أساءت هى نفسها” ويبدو أنك تقصدين abuse، وأنا أتحفظ فى استعمال  هذا التعبير هنا، إلا بعد أن أعرف  سن إبن الجيران وما تم تحديدا

ثم تأتى بعد ذلك ممارساتها الجنسية المتعددة مع شباب مختلف، فتصلنى غير ممارسة عبد الرحمن التجريبية (الخيالية جزئيا) تلك الممارسات السلسة التى مر بها عبد الرحمن حتى مع الحيوانات، الممارسات هنا أغرب وأبعد توقعا  وهى بنت، ووالدها هو ما ذكرت، فأتساءل عن حجم الخيال أيضا فى ذلك، وهذا يمكن معرفته – ولو جزئيا – من السؤال عن التفاصيل: المكان، الأعمار، اختلاف التجربة، المدى.

ولا يكفى أن توصف بأنها ممارسات ليست كاملة، فلهذه أيضا درجات، أما أن توصف هذه الممارسات، ونحن لا نعرف عددها تحديدا، توصف بالفضول وحب الاستطلاع من سن 11- حتى 22 فهى مدة تتجاوز حب الاستطلاع كثيرا،

هذا كلام المريضة، نسمعه ونحترمه، ثم نفحصه.

من نص الرسالة

…………….. حتى كانت آخر تجاربها  أكثر تطورا ولكن ليست ممارسة كاملة أيضا  مع خطيب لها أجبرها أبوها على الإرتباط به بعد أن ظل يرفض من اختارته هى لمدة 8 سنوات لم تكف خلالها عن ممارساتها معه هو أيضا . بعد التجربة الأخيرة إنكسرت و دخلت المستشفى بحالة هوس منذ  6 سنوات على ما اعتقد

التعقيب

مع هذه الفتاة، ينبغى الحذر من احتمال إسهام الخيال فى نسج هذه الحكايات، خاصة بعد أن تبين أنها معرضة لذهان الهوس لاحقا.

 لا يمكن الجزم بطبيعة ومنطق سبب رفض والدها لهذا الذى اختارته، وظل يلح عليها طوال ست سنوات، فينبغى أخذ هذه المعلومات بحذر وتدقيق، فهل كان هذا الخطيب من بين من كانت تمارس معهم نشاطها من باب حب الاستطلاع؟؟  وإلى أى مدى كان جادا؟ ما أسباب الرفض تفصيلا، المرة تلو المرة؟ ثم من هذا الذى أجبرها والدها على الارتباط به، وهل ظلت تمارس الجنس مع الذى اختارته ست سنوات، أم مع خطيبها.

ثم ما  هى تلك التجربة الأخير التى كسرتها، أهى الممارسة (غير الكاملة)  مع واحد مفروض عليها، لم يتزوجها بعد، أم مع من اختاره قلبها قبله؟؟!!

أنا لا ألومك يا د. أميمة لنقص المعلومات، فكل حالات الإشراف عن بعد لا نناقش فيها إلا المعلومات المطروحة، وهى ناقصة عادة (مثل حالة عبد الرحمن)، وهذا عكس الأمر فى باب “حالات وأحوال” (مثل حالة سامح التى استغرقت ست نشرات كما ترين)، لكن المسألة فى حالة مريضتك هنا غامضة غموضا يحتاج إلى وقفة، وقد نشرتُها كلها برغم هذا النقص لأنها – بحضورها العكسى هكذا – توضح جانبا من “فروضى” أنا وخشيت أن يفهمه المتلقى بغير ما قصدت،

حالتك هذه يا د. أميمة تبين نوعا من الممارسة المتعددة الباكرة، التى تشوه وتقزم وتجهض أى نمو حقيقى لوظيفة بيولوجية رائعة تحتاج أن تتواكب فيها الوظائف معا بحركة مرنة، وتجارب فى النور، تسمح بالحوار والتراجع والتعلم .

 إن لك الفضل أن ترينا أنه حتى لو كان الأب الفاضل بهذه الصورة الملتزمة الآمرة بالمعروف، الناهية عن المنكر، فإن الافتقار إلى مجال النمو الصحيح لا يمنع من ممارسات يكون الكبت (الصحى والصحيح) أفضل منها.

ثم إن إصابتها بالهوس بالذات، قد يرجعنا إلى التفكير فى احتمال أن يكون سلوكها منذ البداية هو درجة أقل من الهوس بشكل أو بآخر، (بالإضافة إلى خيالات خصبة) الأمر الذى يحتاج معلومات أكثر وخاصة عن تاريخ المرض النفسى فى الأسرة وغير ذلك.

من نص الرسالة

….. (ثم) جاءتنى وهى تلبس قناع الواعظ، لا تكف عن قراءة الآيات القرآنية والأحاديث، وهو يسير بالنسبة إليها فهى خريجة كلية ازهرية، وتتهم الجميع بعدم الطاعة وتأثم  كل من حولها و كأنها تسقط كل خطاياها على الآخرين،  ثم تحاول إصلاحها .

التعقيب

أعتقد أن ذلك يؤكد احتمال أن تجاربها الجنسية الأولى لم تكن تجارب نمائية أصلا، وإنما الأرجح أنها  كانت نشازا  بدائيا، مختلطا بخيال جامح ها هى تحاول أن تغطيه بقناع الوعظ الذى استمدته من دراستها وربما من أبيها (دون لوم على أيهما  بشكل مباشر)

من نص الرسالة

بعد أن بنينا علاقة سويا ( بصعوبة شديدة ) حكت لى قصتها، ثم سألتنى بحدة وتأنيب: \” إنتى مشمئزة منى ؟ \”  أجبت بالنفى، فقالت بنبرة أكثر حدة: \” يجب أن تشمئزى منى، كل إللى حكيتهولك قرف و حرام \” . الحقيقة أننى إرتبكت فى هذه اللحظة، وسألت نفسى نفس سؤالها، ما السبب الذى يجعلنى لا أشمئز منها ؟ لم يكن لدىَ فرصة للتفكير فرددت بما جاء فى بالى فى هذه اللحظة: \” و بعد أن أشمئز منك، إيه الخطوة الجاية ؟ \” كنت أكلم نفسى أكثر مما أكلمها  ووجدت أننى لسبب ما لا أريد أن أتركها، وهى أيضا تقبلت إجابتى لأنها لا تريدنى أن أتركها

تذكرت هذا الحوار و أنا أقرا تعليقك على حالة سامح، بان قبول المريض بما هو عليه، واحترام إنسانيته ووجوده برغم إنحرافه  عن المسار هو من قبيل الإحترام وليس الشفقة، وربما يجيب هذا على سؤال المريضة وبالتالى سؤالى لنفسى \” لماذا لم أشمئز منها ؟”

التعقيب

أذكرك يا د. أميمة أننا لم نرفض مثل هذا الشعور من جانب المعالج منذ بدأنا باب التدريب عن بعد، ثم باب استشارات مهنية بالذات، ولعلك تذكرين أول حالة أرسلت تستشرينى فيها، ففتحت لنا هذا الباب، وكيف أنك كرهت مريضتك، فشاركناك حقك فى ذلك، أقول إننى أذكّـرك أننا لا نرفض حتى الاشمئزاز من مريض كبداية، فنحن بشر، ونعالج المرضى – كما كررنا مرارا – بما هو “نحن”، لا أكثر ولا اقل، فالاشمئزاز ومثله، مسموح به، لأنه وارد بما هو نحن بشرا من حقنا أن نشمئز، الفرق هو أننا لا نتوقف عنده، وفى نفس الوقت لا نخدع أنفسنا ونسرع بالإبدال (الميكانزمى) بأن نمارس الشفقة  على مرضانا من أعلى وكأننا نسامحهم من موقع حكمى، الذى يستطيع أن يحمل مسئولية  اشمئزازه بين يديه، ثم يتقدم بالرغم من ذلك فى محاولة احتواء نفسه ومريضه فى إطار أشمل واحدة واحدة، هو الذى يمكن أن يعايش ما أسميناه “احتراما  الذى هو جوهر الحب البناء الذى نعنيه، وعلى فكرة هو ليس حبا باردا ولا عقلانيا، بل لعله سوف يثبت أنه الذى يستأهل كلمة “حب” دون غيره.

من نص الرسالة

التشابه الثانى هو مع حالة الإشراف عن بعد، وهو تغير الدفاعات فجأة و إن كانت لم تلجأ لشبه الصحة، ففى يوم وليلة قٌررت المريضة  التخلى عن دور الواعظ وأن تظهر وجهها القبيح للجميع، فأخذت تمارس العادة السرية بجنون أمام التمريض وتعلن ما تفعل أمامى وهى تطلب منى أن أكرهها. أعتقد أنها كانت تريد أن تعاقب نفسها ولم تكتف بذلك بل رفضت تماما تناول أى دواء و كأنها لا تريد أن تشفى و تريد أن نراها دائما على حقيقتها

التعقيب

لا أذكر أننى ذكرت أن الدفاعات تغيرت فجأة عند عبد الرحمن حتى إلى ما يشبه الصحة،

 لقد طرحت هذا الاحتمال لأميز بين التحسن الزائف، الذى علينا أن نقبله أيضا إذا استمر ناجحا، وبين التحسن الحقيقى الدال على أن العلاج قد أكمل مشوارا نمائيا كان المريض يقوم به وحده قبل أن يسألنا  النصح،

وهذا الاحتمال الأخير هو ما رجح لدىّ فبينته خاصة فى يومية أمس واليوم، (ومعك عذرك إذ أنك لم تقرئى بعد لا هذه ولا تلك)

أما ما حدث لمريضتك من انهيار الدفاعات فهو حدث فى الاتجاه العكسى تماما، وقد تجلى المرض الأصلى من النوع المختلط،(الهوسى الاكتئابى معا) وهو يشير إلى انهيار الكبت (العادة السرية علانية) وفى نفس الوقت إلى الخلف “كحيلة انسحابية هروبية” بالعزوف عن الأكل والعلاج، لكننى لم أر فى هذا أو ذاك أى عقاب للذات،

من نص الرسالة

 أمرت لها بالعلاج بالصدمات وسنرى ماذا سيحدث…

يا د. أميمة، يا د. أميمة: لقد سبق أن شرحتُ لك تفصيلا الآلية التى أستخدم بها هذا العلاج العظيم،  يا د. أميمة لا أنا – ولا أنت، المفروض يعنى – نعطى المرضى صدمات من أصله، هذه ليست صدمات، وإنما هى علاج تنظيم إيقاع المخ، Rhythm Restoring Therapy وهو بمثابة أعادة تشغيل الحاسوب، ونتيجته تتوقف على كفاءة الحاسوب ونوع عطله، ولذلك فمن المهم جدا فى كل حالة أن نحسن “الإعداد” و”التوقيت” لهذا العلاج الرائع، حتى يأتى بأفضل النتائج ولا أظن أن هذه المريضة قد أعدّت – فى حدود ما ذكرت إعدادا كافيا، ولا أن هذا وقته، ولكن هذا لا يمنع من اعطائها “تنظيماية” (جلسة واحدة) ولا تعطى الثانية إلا إذا كانت الاستجابة إيجابية، فقد تكون قد أعُدت لها من خلال إخلاصكم وتحملكم واحترامكم لها، حتى لو تغلف باشمئزازك المشروع.

من نص الرسالة

ولكننى أجد صعوبة دائما فى التعامل مع شعور المرضى بالذنب ،

التعقيب:

بدا لى أن هذه المريضة – فى كل المراحل التى شرحتيها لنا – لم يتكون لديها  كيان داخلى  حقيقى يمكن أن يُشعرها بالذنب (علما بأننى لا أعتبر الشعور بالذنب مزية أو ميكانزما بنّاء أصلا)، ما حدث مؤخرا هكذا  هو  نكسة حادة، تدل على تفاقم الحالة من جهة، وعلى أنه لم يصلها من كل الجهود الجيدة التى بذلتيها أنت وزملائك ما يكفى لكى تصدق أنها يمكن أن تستحق الاحترام، وهذا ليس ذنبكم (ولا ذنبها بشكل مباشر)

وبعـد

نذكر القارئ الصديق بالعودة إلى نشرة أمس بالذات فيما يخص محاولة شرح هذا الوجدان المعرفى الفاعلى الذى اسميناه الاحترام (عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام 5-6) وأيضا، برغم ما أوصيناه به فى البداية أن يرجع إلى نشرة (عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام 2-6) التى حاورنا فيها المريض حول الاحترام.

شكرا وعذرا

****

 

[1] – سوف نسميه بهذا الاسم ابتداعا، علما بأن  الطبيب المعالج لم يذكر اسمه أصلا، كما هو المتبع فى باب “التدريب عن بعد”.

[2] – ملحوظة: حين كتبت أطروحتى عن “الوظيفة الجنسية من التكاثر إلى التواصل” لم تخطر لى تفاصيل ارتباطها بالاعتراف بالوجود، ثم العلاقة بالآخر بهذه الصورة، وأنا أعترف أننى أحتاج إلى مراجعتها من خلال هذه الفروض الجديدة التى نعايشها معا، ولسوف أفعل إن كان فى العمر بقية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *