الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (4 من 4)

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (4 من 4)

“نشرة” الإنسان والتطور

31-12-2008

السنة الثانية

العدد: 488

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (4 من 4)

حالة “سامح”: تعقيب على المقابلة

مقدمة:

أنهينا نشرة أمس  بتساؤل يقول:

ماذا يمكن أن تثيره حالة  هذا الصبى –هكذا-  فى نفسك (خاصة لو كنت طبيبا أو معالجا) ؟

  • أن تشفق عليه وعلى ما آل إليه شفقة حقيقية بلا حدود؟
  • أن تحبه لأنك تقدر ظروفه وتشعر بمأزقه جدا جدا ؟
  • أن توصى به أهله أكثر ليزيدوه رعاية وعطفا لأنه يحتاج ذلك؟
  • أن تسارع بوضع لافتة تشخيصية لأن العرض الفلانى مع العرض العلانى يبرران ذلك؟
  • أن يستتبع ذلك أن تعطيه ما يحتاجه من مهدئات عظيمة (نيورولبتات) لتهدئة داخله (قديمه- بديله) الذى تحرك فى الاتجاه الخاطئ، ثم قفز فجأة يفرض نفسه فيحيله  مريضا بعيدا عن الواقع، تعطيه ما تيسر من ذلك لتهمده حتى تزول الأعراض، ويزول معها ما يزول؟
  • أن تحاول البحث عن بداية جديدة تمنحه “الاعتراف” وأنت تكابد محاولة صادقة لقبوله “بما هو”، بما فى ذلك ما آل إليه فى هذه المرحلة باللجوء إلى الحل المرضى بعد المسار المنحرف ؟

(ربما تكون هذه المحاولة الأخيرة – كبداية-   هى ما أسميناه  الاحترام)

أما كيف يكون ذلك ؟ فهذا ما سوف نحاول بيان بعض جوانبه  من خلال التعليق على بعض مقتطفات المقابلة مع المريض التى نشرت بكاملها يوم الأربعاء الماضى

مقتطفات من المقابلة مع سامح

( دخل سامح نحيفا باهتا مهملا ملابسه قليلا، حانى الظهر وينظر للأرض بشكل ثابت  واضح )

د.يحيى:  سامح

سامح: نعم

د.يحيى: أقعد ياحبيبى على الكرسى،  صباح الخير

سامح: صباح النور

( يصافح الدكتور يحيى بعد أن يهم الأخير من على الكرسى لتسهيل المصافحة عبر المكتب، خاصة وأن  سامح ظل مطأطئا رأسه )

د.يحيى: إزيك يا  سامح

سامح: أنا كويس الحمد لله

…….

د.يحيى: كتر خيرك،  الدكتورة  داليا بنت طيبة

سامح: آه ، قوى قوى، بنت حلال

د.يحيى: الحمد لله رب العالمين، ربنا يبارك لها، إنت عارف إنها متجوزة وهى صغنطوطة كده؟  عارف إنها متجوزة ولا ما قالتش لك؟

سامح: لأ

د.يحيى: (للدكتورة داليا،) إنت مخبية عليه ليه؟ ورّى له الدبلة ياشيخة،  طلعى إيدك على المكتب إنتِ مكسوفة؟ هوّا  الجواز عيب؟

د.داليا: وإيه المشكلة ؟ ما انا قاعده معاه بقالى كام يوم

سامح: أنا شفت الدبلة حضرتـَك

د.يحيى: طيب امال بتقول لسه ما اتجوزتْشى ليه ؟ 

سامح: ما خدتش بالى وانا بارُدّ

د.يحيى: يبقى متجوزة ولا مش متجوزة ؟ لأ وإيه !! دبلة إيه !! دبلة  فيها ألماظ

سامح:  الحمد لله

…………….

التعقيب:

تركنا هذا المقتطف مطولا هكذا، برغم وروده مفصلا فى نشرة الأربعاء 17-12-2008، لنعرض أن الاحترام الذى سنحاول أن نتكشف أبعاده، والذى بدا من خلال التساؤلات أنه الطريق إلى بدايةٍ ما، لا يتأتى بإعلان الاحترام بالألفاظ ابتداء، بقدر ما يمكن أن تحقق بعضه بمثل هذه البدايات التى ترفع الكلفة ، وتعامل المريض بالمثل، وتتكلم فى خصوصيات حميمة، فى حدود المتاح .

أثناء المقابلة فى الأسبوع الماضى، حاول الأستاذ أن يفهم الزميلة مقدمة الحالة ألا تكتفى لتقييم  مستوى تعليم مريض أو حتى محو أميته على فصله الدراسى، أو حتى على حصوله على شهادة عامة، نظرا لما آل إليه حال التعليم فى مصر، ولاختبار ذلك عند سامح، قام الأستاذ بطلب أن يكتب  سامح شيئا ما، وكان المقصود هو التحقق مما حصله حتى الإعدادية بعد الشك السالف الذكر، لكن هذا الطلب تفتق عن ظاهرة لها دلالات إكلينيكية نعقب عليها بعد عرض مقتطف منها  على الوجه التالى:

المقتطف:

(مع الاعتذار للتكرار لأنه لا يمكن التعقيب عليه إذا كتب بأكمله)

د.يحيى: ياللا يا سامح ورينا كده إكتب أى حاجة

(يعطيه ورقة وقلما)

سامح: بس خطى…

د.يحيى: إستنى بس،  خطك إيه وبتاع إيه، هوا احنا بنحسّن الخط؟  ياراجل اكتب هنا

سامح: ماشى أكتب إيه يادكتور

د.يحيى: أى حاجة

سامح: أكتب قرآن؟

د.يحيى: زى ما انت عايز، (يكتب سامح فينظر الدكتور فيما كتب ….) باسم الله ، ما شاء الله، والله خطك أحسن من خط الدكتورة داليا، طب اكتب اسمها بالكامل

سامح: ما اعرفوش

د.يحيى: إسألها يا أخى

سامح: طيب يادكتورة داليا حضرتك إسمك الدكتورة داليا إيه

د.داليا  الشافعى: داليا  الشافعى

د.يحيى: داليا إيه؟

سامح: داليا الشافعى

ينتقل طلب الكتابة  بأن يطلب من سامح أن يتجاوز مجرد كتابة أسماء، بل جملة مفيدة (يمكن الرجوع إلى التفاصيل فى نشرة يوم الأربعاء الماضى)

سامح: (يكتب)  “سامح يشرب اللبن”

ثم بعد إلحاح …………………

سامحسامح يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق

د.يحيى: ويمشى فى الأسواق؟  ياولد !!! ده النبى عليه الصلاة والسلام هو اللى كان بيمشى فى الأسواق، أكتب جملة فيها داليا

سامح: حاضر

…………

سامح: (يكتب والأستاذ يتابعه) داليا

د.يحيى: ………

سامح: تشرب

د.يحيى: (متدخلا)  لأه خليها تشرب حاجة تانية، دى متجوزة

سامح: (يكتب) داليا تشرب الببسى

 ………..

د.يحيى:  يا سامح…يا بنى،  الكلام اللى انت كاتبه ده يكتبه طفل عنده  سبع سنين، إكتب كلام كبير بقى بتاع واحد عنده 17 سنة، مثلا كلام فيه حب وحاجات كده

سامح: حب وحاجات كده ؟ ؟

د.يحيى: يعنى..:  قصه مثلا ؟

(سامح يكتب كلمة ” قصة ” )

د.يحيى: جرى إيه يا جدع انت، الدكاترة حايقولوا عليك ….. (كلام من بتاعهم) ،  يا واد  اكتب  حدوتة، يعنى راحَ، ذهَبَ، خَرَجَ،  ثم وجدها  ثم قبـّلها فى عينيها،  فقالت له: بلاش تبوسنى فى عينيـّا  دى البوسة فى العين تفرّق ، كلام من ده،

 (سامح كتبَ ثم رفع رأسه)

د. يحيى: إقرا اللى كتبته

سامح:   خرج ثم عاد إلى البيت

د.يحيى: هوه مين اللى خرج وعاد قوام كده؟

سامح:  سامح

د.يحيى: أنا كنت متوقع كده برضه

سامح:  خلاص ؟

د.يحيى: خلصت القصة بقى كده خلاص ؟

سامح: ايوه خلصت

د.يحيى: أحسن حاجه والله، بلا وجع دماغ،  خرج ثم عاد إلى البيت، باقول لك انا كنت متوقع كده بصراحة، ياللا سوا نكمل القصه بس نخلى  سامح يخرج ومايعودش إلى البيت، ونشوف حايروح فين

سامح: مين

د.يحيى:  سامح

سامح: (بالكلام وليس بالكتابة) خرج ثم عاد إلى البيت

د.يحيى: ما خلاص ماهو عاد مرتين،  هو حايفضل يعود يعود ؟ مش كفاية مرتين؟  شوف خرج وما ترجعهوش البيت، وكمل الحكاية من غير “عاد إلى البيت”

سامح: بعد كده حايروح فين؟

د.يحيى: أنا مالى، هو خرج وبس، وانا مانعـُه إنه يرجع البيت، إنت تكمل بقى وشوف حايروح فى أنهى حتة، ياللا امال ورينا 

سامح: بس،  ثم خرج تانى

د.يحيى: ماهو خرج وماعدش إلى البيت، حا يخرج تانى من الخروج، الله !!!
………………

(ينظر د. يحيى  فى الورقة، ويقرأ صامتا)  ياخبر !!! إنت بتهبب إيه تانى؟ إنت بتكتب إيه؟  إنت رجـّعته البيت تانى؟  إنت عارف إنت كتبت إيه؟ كتبت  سامح خرج ثم عاد إلى البيت ثم عاد إلى البيت من غير مايخرج،  الله يخيبك، مش احنا إتفقنا إنه عاد إلى البيت، ومن ساعتها بنخرّج فيه مش قادرين،  رحت انت  كاتبها ثم عاد إلى البيت، ثم عاد إلى البيت، مش ده اللى انت بتعمله بالضبط بعياك ؟

التعقيب:

بالرغم من أن هذا المقطع كان لمعرفة مستواه الدراسى ، وهل هو يجيد الكتابة والقراءة، إلا أنه يبدو أن هذه التجربة يمكن أن تكون قد أظهرت ظاهرة مهمة، فى هذه الحالة وعموما، فبجانب ما يمكن أن نستنتجه من احتمال ما يسمى “فقرالأفكار”، ولو أن هذا ليس مؤكدا لصعوبة الموقف ، فإنها أظهرت درجة ما من “النكوص”، وأيضا هذ احتمال ليس هو الأهم،

 تصورت شخصيا أن هذا التصرف كتابة يمكن أن يكون رمزا لما نسميه “برنامج الدخول والخروج” In and out program  وهو برنامج نمائى مهم، سبق أن أشرنا إليه فى يوميات سابقة، (وقد يكون هنا مكررا لكننا نراه مناسبا) فالنمو لا يسير فى خط مضطرد، وإنما هو يسير متبعا هذا البرنامج (وغيره)، بمعنى أنه يتراجع ليتقدم، ويكون النمو إيجابيا حين يكون ضلع التقدم للأمام (للواقع، للآخر، لليقظة) أكبر من ضلع الرجوع (الرحم، الانغلاق فى الذات، النوم)، فإذا حدث العكس، فإننا نعتبر ذلك بداية فى العد التنازلى نحو كهولة أو تدهور ما، أما إذا تساوى الضلعان طول الوقت، فهو توقف النمو الذى يظهر عادة فيما يسمى “اضطراب الشخصية”، إذ تصبح الحياة مجرد “سكربت مُعَادْ”،

هذه التجربة، التى ظهرت بالصدفة، أظهرت لنا كيف أن ثم نزوع فى هذه الحالة إلى تغليب ضلع الرجوع بشكل لحوح، فهو بمجرد أن سمح – فى كتابته- لسامح أن يخرج، حتى أعاده إلى البيت فورا، حتى أنه أعاده ذات مرة دون أن يخرج أصلا، فإذا رجعنا إلى المشاهدة الأولى ، الثلاثاء 16-12-2008، وجدنا أن انطواءه داخل حجرته ليل نهار، يرجح تفسير ما ذهبنا إليه من خلال هذه التجربة التى جاءت بالمصادفة بشكل ما .

المقتطف:

تتابعت المقابلة بعد ذلك حتى وصلنا إلى منطقة الحديث عن خبرة القهر المنحرفة التى أشرنا إليها سالفا، وهنا طلب سامح أن ينهى المقابلة بزعم أنه يريد أن يذهب ليتناول إفطاره (كانت الساعة لم تتجاوز الثامنة صباحا)، وقد شكك الأستاذ فى هذه الرغبة، كما يلى:

…………………………..

د.يحيى: طيب اختار بقى،  إنت عاوز تروح تفطر، بتقول يعنى كده،  نعمل إيه؟ نصدقك وتصدق نفسك، ولا نشوف إيه اللى خلاك تقول كده (فى اللحظة دى بالذات)؟  يعنى من كتر أكلك ياخىْ،  إنت مابتاكلش يا  سامح خالص، إنت خاسس جدا (ينظر  سامح إلى الأرض أكثر فأكثر)،  إنت مابتبصليش ليه يا سامح

سامح: ماهو أنا باصص  لحضرتك أهه (دون أن يرفع رأسه)

د.يحيى: إنت فى أول الكلام  كنت بتبص وزى الفل، إنت ليه مابتبصليش دلوقتى؟ إيه اللى حصل ؟

………………..
ثم ينتقل الحوار إلى تناول طبيعة العلاقة التى وصفت “بالاحترام” تحديدا

…………………

د.يحيى: عارف يا سامح  يعنى إيه “احترام” ؟؟

سامح: آه

د.يحيى: أنا قلت لك كلمنى علشان نحترم بعض،  ويمكن نحب بعض وهما الاثنين عندى زى بعض، الحب والاحترام، ما فيش واحد من غير التانى، إيه رأيك ؟

سامح: حاضر يادكتور

د.يحيى: الله يحضرلك الخير،  يعنى إيه بقى اللى انا باقوله ده، يعنى إيه نحترم بعض

سامح: يعنى أنا أحترم حضرتك علشان حضرتك أكبر منى

د.يحيى: طيب وهو أنا حاحترمك ازاى مع إنك أصغر منى؟  ينفع؟

سامح: لأه

د.يحيى: أنا برضه كنت متوقع إنك حاتربط الإحترام بالسن ويمكن بالمركز

سامح: آه بالمركز

د.يحيى: وانت صغير وماعندكش مركز ، يبقى  ما احترمكشى بقى ولا إيه ؟

سامح: آه

د.يحيى: آه ازاى؟ ازاى مااحترمكشى، وليه ؟

سامح: لأه ، طبعا ما تحترمنيش

د.يحيى: يعنى  أستنَّـى كام عشر سنين كده  لما تبقى تكبر ويبقى عندك مركز عشان احترمك

سامح: ماهو أنا حاخد الدبلومة

د.يحيى: من غير ما تاخذ الدبلومة،  ماتبقاش محترم؟

سامح: آه من غير ما آخذ الدبلومة مابقاش محترم

د.يحيى: ما ينفعشى، دا  مجرد إن ربنا خلقك تبقى محترم ؟

التعقيب:

أتعامل مع الاحترام هنا (وعموما) ليس باعتباره سمة أخلاقية، وإنما باعتباره (وجدانا أساسيا)، تتمحور حوله ما نسميه “العلاقة بالآخر”، وأحيانا “الحب” بالمعنى الناضج المسئول، وقد وجدت صعوبة شديدة فى أن أربط ما يسمى الحب، بما أقصده بالاحترام، إذ أننى بمجرد أن أذكر كلمة “احترام” يقفز إلى وعى المتلقى (كما حدث ويحدث مع سامح) مفهوم أخلاقى فوقى عادة . الاحترام الذى أعنيه هنا، والذى أتصور أنه ذخيرة علاجية خصوصا فى حالة مثل حالة سامح ، يشمل القبول الكلى، والمعاملة بالمثل، (العدل)، والوعى باللحظة، والقدرة على الترك، وحضور هذا “الآخر” فى وعيك بشكل ما ، “محترما”  له كل هذه الحقوق، حالة كونه غائبا عن ناظريك هنا والآن،  كل هذا يحدث بشكل تلقائى معا، بحيث لا يمكن تحليله إلى مفرداته كما فعلت أنا هنا حالا مضطرا (على ما يبدو)، من هنا يخلو الاحترام من الفوقية، والفرجة، والاستعمال، والشفقة، والتضحية، وربما من بعض أنواع الحب الساخن.

أنا آسف ، لكنه استطراد عفوى، يبدو شديد الصعوبة، مع أننى تصورت أنه قد يكون قد وصل لسامح بشكل ما ، دعونا نرى:

 المقتطف:

سامح: ما هو أنا لو اسيب الدبلوم  واشتغل، … بس الجيش حايطبّ عليا

(يضع يده على رأسه قرب عينيه وهو مطأطئ، وكأنه يخفى بها عينيه)

د.يحيى: ..هوه انت حاتحط لى إيدك على راسك ليه؟ هو فيه شمس؟ كنا بنقول: هوه ماينفعش أحترمك من غير دبلومه؟

سامح: مافيه  ناس بتشتغل وبتبقى فى الشارع…

د.يحيى: رد علىّ الأول، هوه ما ينفعش أحترمك علشان ربنا خلقك زى ما خلقنى؟

سامح: لأه ينفع

د.يحيى: طيب نبتدى كده وبعدين تـُفرج،  ربنا خلقك وخلقنى،  وانت ليك حق ما دام اتخلقنا، وانا لى حق زيك، نبتدى كده، وبعدين نشوف

سامح: إنت حضرتك ليك حق تاخذه منى، إنما أنا مالياش حق عند حد أكبر منى

د.يحيى: إزاى ده  بقى ؟! دا  الصغيرّ هو اللى ليه حق عند الكبير إن الكبير ياخد باله منه،  إزاى مالكش حق يابنى؟

التعقيب:

نحن نتكلم كثيرا عن حقوق الإنسان، ونركز على المواثيق المكتوبة، ثم حين نتكلم عن حقوق الطفل نركز أيضا على التعليم والصحة والحماية وما إلى ذلك. اكتشفت بعد هذه المناقشة عند سامح، وهو يؤكد وهو فى عز مرضه أنه “أنا ما ليش حق عند حد أكبر منى” تصورت أن هذه هى القاعدة عند كثير من أطفالنا، إن الشعور بأن لك حق، لا ينبغى أن يلغيه أنك لا تحصل عليه، طفلا أو ناضجا، إن حرمانك من تفعيل واقعى لما يتطلبه حقك إنما يؤكد حقك هذا، لا ينفيه، أعتقد أن هذه طبيعة بشرية، تبدأ مع الطفولة، ولكنها لا تصل إلى الوعى بسهولة، إنها نقطة بداية أن تكون بشرا، فلم يقطع الكائن الإنسانى هذا التاريخ الطويل هباء، وإنما ليكون إنسانا كما أراد له الحق تبارك وتعالى ، وربما هذا الموقف هو ما يكمن وراء تأكيديى لسامح طول الوقت أن حق الاحترام هو قائم لمجرد أننا ، هو وأنا، خلقة ربنا.

لعلك لا حظت كيف ربطت بين تلك الخبرة البشعة وبين “الاعتراف”، حتى هذه الخبرات تحمل وظيفة اعتراف مشبوه مع أو بدون وظيفة اللذة، لست متأكدا، لكن ربما هذا ما جعل كلمة “الاعتراف” تقفز لى وأنا أفسر طول مدة الممارسة واحتمال اشتراكه فى الموافقة الخفية،  حين تقمصت الأطفال وأنا أكتب لهم أراجيز الفطرة ، أكدت على حقوقهم على لسانهم فى أرجوزة الحقوق الحقيقية، وقد سبق نشرها فى الدستور يوم3-10-2007  ، فأقتطف منها ما هو مناسب لحالة سامح:

حقى انا بحق وحقيق: إنىِّ خلقة ربنا

يبقى مش من حقى أفرّط  فى اللى خلانى: أنا

بس ده مش حقى وحدى

ما هو عندك زى عندى

***

آنا حقى ، وانت برضه ، مثلي خالص

إنى اكون ويّاكْ وفاهمْ،

… وانت باصِصْ

***

حقى إنى أعيش كما شاء ربنا

يعنى بنى آدم ضعيفْ،    

لكن قوى بينا كلنا

***

 

أنا حقى أكون ياخويا محترم

ماتْسِجِنْشى جوّا شكلى واترِسِمْ

***

حقى كل ما اخلـّص انى أبتدى

حقى إنى لمّا أغلط  أهتدى

***

أنا حقى آخذ الفرصة واعـبّر

أنا حقى أعيدْ نَظَرْ، وارجعْ أفكّر

***

“فهمى أسباب ما حصل”،  يمكن يفيد،

… بس يفضل حقى  أبدأ من جديد

***

حقى إنى أكون بنى آدم وبس

حقى إنى زى ما بافكّر،  أحس

***

حقى إن يكون صحيح “أنا ليّا حق”

مش هبهْ من حد أو حتة  ورقْ

المقتطف:

نرجع إلى سامح، فنعيد آخر جملتين ثم نكمل 

سامح: إنت حضرتك ليك حق تاخذه منى، إنما أنا مالياش حق عند حد أكبر منى

د.يحيى: إزاى ده  بقى ؟! دا  الصغيـّر هو اللى ليه حق عند الكبير إن الكبير ياخد باله منه،  إزاى مالكش حق يابنى؟

سامح: ما هو كده بقى وخلاص

د.يحيى: كده وخلاص إزاى؟  الناس تكبر إزاى وتتربى إزاى؟

سامح: طيب بعد إذنك يادكتور علشان حاروح أكمل فطار

د.يحيى: ماتجيب الفطار هنا

سامح: لأه

د.يحيى: لأه ليه

سامح: علشان أنا قاعد محروج

د.يحيى: قاعد محروج !! آه ، قول كده بقى،  أول ما بيزيد الحرج، هُـبْ: تقول عاوز أفطر،  يادْ  أنا فاقسك، إنت عاوز تقعد معايا،  بس محروج،  مش كده؟

سامح: أيوه أنا عاوز أقعد مع حضرتك

د.يحيى: ما أنا عارف، فا بتقول عاوز افطر وتتحجج بأى حجه كده

سامح: صح

د.يحيى: صح ؟  والله لو قاصدها تبقى  جميل

سامح: ده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

د.يحيى: عليه الصلاة والسلام ، سيدنا محمد ماله؟

سامح: لأه ده هو اللى فيه الصفات ديه

د.يحيى: صفات إيه اللى قلناها ديه فى سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام

سامح: هو اللى جميل شوية

د.يحيى: … هو جميل شوية؟   دا جميل كتير، بس انت  جميل برضه

سامح: لأه لأه،  مش حابقى أحسن من حضرتك

د.يحيى: وهو أنا جميل

سامح: آه

التعقيب:

نلاحظ هنا بدايات متنوعة للعلاقة العلاجية ، وبمجرد أن بدأت شعر بخطر الاقتراب، وطلب الذهاب ليتناول إفطاره، لكن استمرار الحوار كشف كيف تواكب هذا الاستئذان  للمغادرة ، مع رغبته أن تستمر المقابلة

تعبير “الجمال” هنا له وضع خاص، فغالبا هو لا يشير إلى الشكل،  وإنما يشير إلى هارمونية الكل، ونوع الحضور، نعيد آخر سطرين ثم نكمل

المقتطف:

سامح: لأه لأه مش حابقى أحسن من حضرتك

د.يحيى: وهو أنا جميل ؟

سامح: آه

د.يحيى: طيب متشكرين يارب يخليك ، ( ينظر سامح فى الأرض ، وينحنى أكثر)  لأه ماتغطسشى تانى الله يخليك،  إحنا ماصدقنا بصينا لبعضينا،  أعزم عليك عزومة بس صعبة

سامح: علىّ انا ؟!!

د.يحيى: حاعزم عليك إنك تخف

سامح: علىّ انا ؟!!

التعقيب:

نلاحظ أن تكراره التساؤل التعجبى “علىّ انا” يؤكد مدى رؤيته لعدمية وجوده، وكأنه ليس من حقه أن يشارك فى أخذ رأيه حتى فيما يخص أهم ما هو حاضر من أجله

المقتطف:

د.يحيى: حاعزم عليك إنك تخف

سامح: ماشى

التعقيب:

سرعة الموافقة هنا مشبوهة، لكن لا يمكن أن ترفض لمجرد الشبهة، إن احترام إرادة المرض (المشاركة فى اختيار الحل المرضى بواسطة مستوى ما من مستويات الوجود) هو الذى يبرر ويسمح بقبول المشاركة فى إرادة الشفاء، هكذا وبهذه المباشرة، والتنبيه التالى بأن اختيار الشفاء صعب بهذه السرعة يحاول كشف هذه الشبهة

المقتطف:

د.يحيى: باقول لك صعبة

سامح: صعبة إنى أنا أخف ؟؟

د.يحيى: آه طبعاً ، تخف يعنى حاتلاقى نفسك يا  بتروح المدرسه علشان الجيش يبقى سنتين بس، يابتروح تشتغل،  وانت لاعاوز ده ولا ده،  إنت عاوز ترضع وتقعد فى البيت، ومع ذلك  لا بترضع ولا بتاكل، ولا  بتتنيل، أنا  عاوز أعزم عليك إن المرض ده مانـْـفـِعْـشِى، فياللا  نشوف حاجة تنفع مع الدكتورة الحلوه دى،

التعقيب:

الأسلوب المتبع فى معظم الحالات التى تتوثق فيها العلاقة العلاجية ، (ولو من أول مقابلة) وتحتد البصيرة، يمكن أن يعلن من خلاله فشل الحل المرضى حتى إذا كان قد حقق بعض أهدافه من الانسحاب أو التخلى ، أو بعض الأهداف الإيجابية من الاحتجاج أو التوقف عن انحرافات لم تعد ممكنة (مثل هذه الحالة)، أقول إن كشف فشل الحل المرضى هكذا بطريقة مباشرة، هو الذى يسمح بهذه المباشرة، أعنى دعوة المريض لاتخاذ قرار العلاج نحو الشفاء “عزومة الخففان”، وهذا قد يفسر استجابة المريض مع رؤيته الصعوبة.

==

ثم ينتقل الحوار إلى المنطقة الحرجة بشأن القهر المزدوج (من الداخل والخارج)

المقتطف:

د.يحيى: …بصراحة  يابنى الدكتورة داليا قالت لنا شوية حاجات كده صعبة ، لقيت نفسى صعبان عليّ من اللى حصل  ده، صعبان علىّ  اللى ولاد الكلب دول عملوه فيك،  بقلة الأدب ديه،  صعبان علىّ بجد

سامح: آه..، آه…

د.يحيى: عاوز اقف معاك يا أخى، من دلوقتى، إنت ما تقدرشى تمسح كل د ه لوحدك ؟

سامح: أيوه صح بس هما فيه ناس منهم شغالة فى المدرسه دلوقتى ،… هما مش عاوزين حد ينفع، مش عاوزين أى حد ينفع إلا هما، …..

د.يحيى: يا سامح

سامح: نعم

د.يحيى: أنا موجوع من الحكايه دى  أوى

سامح: موجوع ؟

د.يحيى: آه

سامح: لأه ألف سلامه

التعقيب:

لم يصدق سامح أن الطبيب يمكن أن يتألم معه أو له ، وربما تصور أن الطبيب  يشير إلى ألمه الخاص، فبادر أنه “ألف سلامة”، لكن الطبيب أكمل:

المقتطف:

د.يحيى: عارف ليه موجوع، أنا خايف أضايقك أكتر من كده، إنما حاقول لك، واللى يحصل يحصل، مايمكن يا سامح  عندهم نسخه تانية من الفيلم ده، دول  ولاد كلب

سامح: آه صح

د.يحيى: مافكرتش فى الحكايه دى؟

سامح: لأه أنا فكرت فى الحكايه دى  قبل كده وأنا فى الحمام باعمل حمام،  حسيت إن فيه حاجه كده فى بطنى

د.يحيى: حاجة إيه ؟

سامح: حسيت إن فيه حاجة كده حاتيجى بس مفيش حاجه جت

د.يحيى: حاجة إيه اللى حاتيجى

سامح: حاجه زى ولد مثلاً أو أى حاجه

د.يحيى: ولد إيه منين

سامح: ولد منهم هما الإثنين

د.يحيى: حايجيلك فى الحمام

……….

سامح: آه،… حايجيلى فى الحمام ده وأنا باعمل حمام

د.يحيى: حسيت إن حاجه حاتيجى منين؟  من بطنك؟

سامح: أيوه

د.يحيى: حاتولد يعنى؟

سامح: آه

د.يحيى: هو كان بيحصل الحاجات دى (مع الأولاد دول) كاملة يابنى ؟ 

سامح: آه

د.يحيى: كل مرة ؟ كل مرة؟

سامح: آه

د.يحيى: ماكانشى بيوجع

سامح: كان بيوجع ساعات

د.يحيى: كنت عاوزها  ساعات ساعات

سامح: لأه

د.يحيى: ساعات ساعات يعنى

سامح: ده غصب عنى

د.يحيى: ساعات ساعات

سامح: ساعات ساعات إيه حضرتك

د.يحيى: كنت عاوز

سامح: ساعات حضرتك آه،  كان برضايا الأول قبل مايقولوا الصور فى الكاميرا والكاميرا فيها 36

التعقيب:

لأول مرة يقر سامح أن المسألة كانت برضاه، ولو أنه حدد هذا الرضا فى المرحلة الأولى فقط، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه هى الحقيقة، وحتى لو كانت حقيقة فليس من المحتم أن تكون قد وصلت إلى وعيه ظاهرا، فقد يكون الرضا والرغبة قد اختفيا بعد ذلك فى داخله، ومن ثم أصبحا يثيران ما أسميناه القهر الداخلى الذى كان عليه أن يقاومه جنبا إلى جنب مع القهر الخارجى.

المقتطف:

د.يحيى: باقولك إيه

سامح: نعم

د.يحيى: عاوزين نربط الكلام اللى احنا بنقوله ده  بالإحترام، هوا انا  أقدر أحترمك، حتى لو كنت ساعات كنت عاوز الحاجات دى، غصبن عنك يعنى ؟

سامح: آه

د.يحيى: يا ريت يابنى ده يوصل لك بصحيح،  ما هو ما إذا كنت انا باحاول اقبلك أو أصاحبك، لازم اعمل كده (اقبلك واصاحبك) وانا عارف كل ده، ومع ذلك أدينى باحاول  اهه  يا بنى قدامك إننا نتصاحب،  أنا باحترمك وموجوع معاك، مش مسألة صعبانية، أنا شخصيا مش فاهم إزاى باتكلم بالشكل ده، حتى بصراحة وانا باتكلم باحاول اصدق نفسى، وعايزك تصدقنى، إنت مصدقنى؟

سامح: لأه

التعقيب:

واضح أن الكلام المباشر (مثل: “باحاول اقبلك، أو اصاحبك”، أو..” أنا باحترمك وموجوع معاك”) ، هو مخاطرة قد تفقد الكلام قدرا من فاعليته، لكن أن يعترف الطبيب أنها مسألة صعبة، حتى أنه نفسه وهو الذى يقولها لا يكاد يصدق احتمال صدقها أو تحقيقها، ربما تكون هذه المصارحة هى التى سمحت لسامح بمواكبة الحوار، حتى أنه رفض تصديق الطبيب، سواء تصديق محاولته، أو تصديق أنه يحاول أن يصدق نفسه.

ليس من المفروض أن يبدو الطبيب أمام مريضه أنه متأكد من كل شىء (أبو العريف ) إن إعلان الحيرة والصعوبة والعجز بصدق يسمح للمريض بالحركة والمشاركة بدلا من التلقى والطاعة من سلطة تبدو واثقة طول الوقت من كل شىء، حتى لو كانت علمية.

ثم يستمر الحوار:

المقتطف:

د.يحيى: طيب ماشى، أنا مصدق إنك مش مصدقنى، إنما اللى حصل إن وصلنى إنك  محترم أعمل فى ده  إيه ؟

سامح: لأه أنا مصدق حضرتك

د.يحيى: مصدقنى إن إيه

سامح: إن حضرتك محترمنى

د.يحيى: حتى لو انت كنت عاوز اللى حصل، برضه باحترمك، واللى عاجبه، (يغطس بوجهه إلى الأرض أكثر)  دقيقة واحدة الله يخليك، والنبى يا  سامح الله يخليك ما تبعدش،  دقيقه واحده علشان تصدق يمكن إذا ما صدقتشى كلامى، تصدق وشى

التعقيب:

هذا الطلب من المريض أن ينظر فى وجه الطبيب وهو يعلن بالألفاظ أمورا صعبة، يصلح أكثر مع المرضى الذهانيين وربما صغار السن، إن التواصل فى هذه المناطق الصعبة (الاحترام، والتصديق، والاعتراف، والاقتراب) يحتاج أكثر من قناة تواصل فى نفس الوقت، وتبادل النظر وقراءة الوجه بعض ذلك

المقتطف:

سامح: آه صح،  حتى حصل..

  (ربما كان يشير إلى تساؤل الطبيب المحرج بقوله ” حتى لو انت كنت عاوز اللى حصل، ……….”

د.يحيى: خلاص اللى حصل حصل،  إنت محترم وخلاص، محترم غصبن عنك، إيه رأيك؟

   تعبير محترم غصبن عنك، يحتاج وقفة هنا

التعقيب:

يبدأ الاحترام بالاعتراف من مصدر خارجى يمثل كيانا راعيا حازما، لكنه سرعان ما يحتاج إلى أن يحترم الشخص نفسه، أن يعتز بحقه فى الوجود، فى الاعتراف، فإذا تنازل الشخص عن ذلك مرغما –عادة- فى البداية، ثم تنازل بالتعود، ثم تنازل للصعوبة ثم تنازل عقابا للذات كما نفترض فى هذه الحالة ، فهو يحتاج أن يبدأ استعادة الاحترام من خارجه كما يحاول الطبيب هنا، وقول الطبيب “إنت محترم” ، هو نقلة من “أنا أحترمك”، ليصبح الاحترام هو حق وصفة المريض الآنية (غير المشروطة فى هذا السياق) بموقف الطبيب وحدة

ثم يؤكد الطبيب الجانب المحتمل أن يحل بوعى سامح إذ كيف يكون محترما، وكيف يمكن أن يحترمه الطبيب برغم ما حدث، وبرغم اعترافه الضمنى أنه كان مشاركا، ويبدو أن الطبيب قد التقط هذا الظن فأكمل

المقتطف:

د.يحيى: حتى لو انت كنت عاوز اللى حصل، برضه باحترمك

(ثم)  خلى بالك ، الحكاية مش صُعبانية

التعقيب:

التنبيه هنا للتفرقة بين الصعبانية (الشفقة) والاحترام، هو صعب أيضا، وربما يكون صعبا أصلا على الطبيب أو المعالج، ولا يكفى توضيح الفرق بالألفاظ هكذا، وإنما يمكن ممارسة الفرق بالحرص على معاملة المثل، ومواصلة الحورا بشكل أو بآخر ، الطبيب هنا يتكلم عن “الحكاية” أى عن العلاقة التى تتكون بينه وبين سامح ، لكن سامح أخذ الحكاية على أنها الخبرة الممرضة السالفة الذكر فقال:

المقتطف:

سامح: الحكايه انتهت من زمان ؟

د.يحيى: لأ ما انتهتش ولا حاجه، الحكاية لسه جواك، …… زى الخراج المدود

سامح: وانا ؟

د.يحيى: إنت موجوع ؟

سامح: جوايه فى بطنى؟

د.يحيى: لأ أنا مش باتكلم على اللى بطنك، ده حا نرجع له بعدين، أنا ما باتكلمشى عن  الولد اللى خفت لينزل وانت بتحزق. 

سامح: ليه ؟ هو أنا فيـّا ولد؟

د.يحيى: مش  أنت اللى بتقول؟  ما دام قلت يبقى نصدق،

التعقيب:

عادة، وعند معظم الأطباء، تعامل مثل هذه المعتقدات بالنفى ، (لا دا ما فيش حاجة فى بطنك ، ده انت بيتهيأ لك ..إلخ)، لكن الأسلوب الذى ننتهجه هنا (وفى غير هنا) هو أن نبدأ بالإقرار (ليس: أن نأخذ المريض على قدر عقله) حتى لو كان المريض هنا جاهز لقبول الإقناع الظاهرى، ذلك لأن ما يشعر به المريض هو ما يشعر به، وهى لغة جسدية هنا، وترجمتها أو حقيقتها هى أنه يشعر بها، ولهذا أصر الطبيب بأن يعترف بحقيقيتها، ثم يركنها على جنب كما قال

المقتطف:

سامح: حاضر يا دكتور

د.يحيى: يا رب حضَّرك الخير يا ابنى،  الخبره اللى بتوصفها دى مش هزار، إنت حاتألف ليه؟ يبقى  لازم نصدقها ونشوف لها حل،  جت منين، جه، جه الإحساس ده يعنى وانت بتحزق،  ماجاش من إنهم لما ناموا معاك فبقى جواك ولد ، يمكن جته من المخ، ولاّ حاجة. 

سامح: صح

د.يحيى: حانشوف لها حل سوا، بس انت عمال تقول صح صح، هوا إيه اللى صح ؟

سامح: حانشوف لها حل ؟،

د.يحيى: سوا، باقول سوا،  أنا وانت وداليا، قصدى إنت وداليا وانا

سامح: آه حانشوف لها حل سوا

د.يحيى: مش عايزين بقى حكاية  محروج وعاوز افطر  وبتاع، مش كل ما نقرب تبعد، وتقول عايز افطر.

د. يحيى: ………. وعشان ماكذبش عليك ، الحكاية صعبة قوى

التعقيب:

بديهى ألا نأخذ موافقة سامح هكذا كأنها موافقة حقيقية، موضوعية، ربما هو يوافق لعدم الفهم، وربما هو يوافق من باب الطاعة، وربما هو يوافق بحدسه الذهانى الأقوى، وربما هو يوافق للحرص على استمرار العلاقة البادئة، لهذا، فإن تدارك الطبيب بالتأكيد على صعوبة المشورا جاء هنا للتنبية على احتمال أن تكون الموافقة سطحية أو لعلها موافقة على شىء آخر، ثم إن المبادرة بتوضيح الصعوبة برغم موافقة سامح، هى لتؤكد أن المهمة ليست مهمته وحده، ولا هى مهمة الأطباء فقط، لكنها مهمة مشتركة، وكل هذا يشير إلى هذا النوع من العلاج الذى يشترك فيه المريض إيجابيا، ومن البداية،

ثم يتواصل الحورا من سامح معلقا على أن “الحكاية صعبة قوى ” 

المقتطف:

سامح: هوّا أنا  صعب ؟

د.يحيى:لا إنت مش صعب، اللى احنا بنعمله  ده هوه اللى صعب صعب

سامح: صعب أوى، صعب أوى أوى ؟

د.يحيى: أوى

سامح: يعنى ممكن مايخلصْشى على طول؟  ياخد وقت؟  طب ياخد وقت يعنى أنا أقعد فى المستشفى كتير؟

د.يحيى: لا لأ مش المسألة المستشفى؟  الصحوبيه والاحترام هما اللى صعب، اللى بنقوله ده بياخد وقت على ما نصدقه،  وعلى ما نستحمله، وعلى ما نستفيد منه،  بياخد وقت يا  سامح،

التعقيب:

التأكيد على الوقت والتوقيت هنا شديد الأهمية حتى لا تصبح المسألة مناقشة وإقناع، العلاج هو عملية إعادة تشكيل وليس  فقط إعادة تأهيل، هو بداية لرحلة نمو جديدة، وكل نمو يحتاج لوقت ممتد.

…………….

……………

المقتطف:

سامح: أنا حاقول للدكتورة داليا إيه

د.يحيى: قول لها أى حاجة ،  بس تبص لها زى ما بتبص لى،  ولما تيجى تكلمنى تبصلى،  ولما تيجى تكلمها تبص لها،  يبقى بتحرك راسك ما بينى وما بينها، ناحية اللى بتكلمه، يبقى ابتدينـا،

سامح: ما انا مش عارف أقول إيه للدكتوره داليا

د.يحيى: أنكشيه يا دكتورة داليا،  زى ما انا بانكشه، هو انا صعب إن أنا أحرّك فيكى الاحترام اللى باحكى عنه ده، مع إنه (حاجة طبيعية) خلقة ربنا، أصل أخاف أطلبه منك يطلع لى حب ماللى بدأتى بيه، وصعبانية وشفقة وكلام من ده، مش ده اللى  سامح محتاجه بصراحة، أنا مش رافض المشاعر دى، بس مش هى اللى هيه هنا ودلوقتى،  انا  كل شويه أشك فى نفسى، واخاف لاكون باكذب وإنى مش قد الكلام ده، عارف يا  سامح أنا باحترمك ليه، عشان: أول حاجة خلقة ربنا، وتانى حاجة عشان إنت مكافح.

التعقيب:

فى التدريب، لا ينبغى أن ينبه المتدرب على نوع المشاعر الأصلح للعلاج، لأنها لا تستدعى بالأمر، ولا هى موقف أخلاقى، وهذا التنبيه من الأستاذ للزميلة الأصغر يتضمن اعتراف الأستاذ بشكه حتى فى تلقائية مشاعره هو، مما قد  يشجع الزميلة المتدربة ألا تبادر بالتقمص أو الزعم – لا شعوريا- بما لا تعيشه فعلا، ثم إن الطبيب قد التفت إلى المريض مباشرة دون أن ينتظر تعليقا من المريض، لشرح أكثر لما وصله من محاولة سامح مقاومة القهر الخارجى، والداخلى ، بالمرض.

المقتطف:

د. يحيى: ……… عارف يا  سامح أنا باحترمك ليه، عشان: أول حاجة خلقة ربنا، وتانى حاجة عشان إنت مكافح.

سامح: أنا مكافح ؟؟!!!

د.يحيى: إنت صحيح  خايب فى المدرسة،  وخايب فى الشغل

سامح: امال  مكافح في إيه بقى؟

د.يحيى: بصراحة فى إنك عييت، يعنى بعد الإهانات دى واللى حصل، والرغبة،  والرعب، والتهديد، قمت رافضها كلها حتى بالعيا .

سامح: آه

د.يحيى: أه إيه يا شيخ، هوا الحكاية إيه، دانا باقول الكلام ده،  زى ما اكون أنا نفسى مش فاهم قوى، تقوم تقول آه ؟

التعقيب:

اعتراف آخر من جانب الطبيب بالحيرة، وتحفظ معلن خوفا من الموافقة السطحية من المريض، دون رفض احتمال موافقته الفعلية

المقتطف:

سامح: يعنى أستمر فى الحكايه اللى أنا فيها دى

د.يحيى: لأه الحكايه الوسخة، لأ،  طبعا، ما انت ما اقدرتش تستمر، فيه ناس بيستمروا، وما بيعيوش

سامح: آه

د.يحيى: إنت رحت عيان،  فبيتهيأ لى العيا ده هو اللى أنقذك، تبقى مكافح ولاّ لأه؟  بس الحكاية تبقى صحيح كفاح لو كملنا سوا سوا، إنت  مكافح عملت حاجه جوه وبره،  جوه وبره، قعدت تحارب جامد، وبعدين تعبت اتكسرت، إنما مااستسلمتش، لا للى جوه، ولا للى بره.

التعقيب:

مرة أخرى: يُظهر هذا المقطع أسلوب المواجهة بطرح فروض الإمراضية (السيكوباثولوجى) على المريض مباشرة، وبالألفاظ، وهو أمر غير مضمون النتيجة، ولا نعرف قدر ما يصل منه للمريض، لكنه عموما لا يضر، وقد يصل بعضه، أو ينفع مؤخرا حين نعود إليه، تساؤل سامح التالى يدل على أنه لم يلتقط حكاية “بره و جوّه”، فسأل:

المقتطف:

سامح: جوه وبره فى الشارع ؟

………………

…………….

يستمر  الحوار حتى يعيد الطبيب شرح ما يقصده من جديد قائلا: 

…………..

د.يحيى: بصراحة (يا سامح إنت مكافح) فى إنك عييت، يعنى بعد  الإهانات دى واللى حصل، والرغبة،  والرعب ، والتهديد، قمت رافضها كلها حتى بالعيا .

…………

ثم يتطور الحوار حتى يتساءل سامح عن السبيل للخروج من ورطة المرض:

سامح: ياه بس أنا أطلع منها ازاى؟  ده أنا على كده ممكن ماطلعش؟

د.يحيى: لأه، عندك، ما دام ربنا موجود، وعايزنا زى ما خلقنا، يبقى حاتطلع ونص،  يبقى لازم حاتطلع ميه  ميه،  أصل ربنا ده بيحب الخير، وإننا نرجع زى ما خلقنا

سامح: ربنا يقول للشئ كن فيكون

د.يحيى: بس بيهيأ الأسباب، واحنا أسباب، مش كده ولا إيه؟

سامح: آه بيهيأ الأسباب،  يعنى واحد زى حضرتك يكون سبب لشفايا والدكتورة داليا والدكتور عمرو ودكتور أسامة تقريباً وكل الدكاتره الموجودين

د.يحيى: وانت وانت، إنت  تكون سبب فى شفاك

سامح: أنا أكون سبب فى شفايا؟

د.يحيى: بس كده بقينا فرقة، خمسة اهم باسم الله ماشاء الله، رايح فين بقى ما دام ربنا بيحب الخير وبيهيأ الأسباب بقينا خمسة، مش واحد ولا اتنين،  يبقى ما تقدرشى ترقد فى الخط بقى. 

سامح: ما اقدرشى

د.يحيى: حمد الله عاالسلامة

(برجاء – لمن شاء – قراءة نهاية الحوار مع سامح، حيث كانت هذه الجملة الأخيرة نوعا من محاولة تثبيت أى قدر يعلن “بداية” رحلة الشفاء)

وبعد

فى الحلقة الأخيرة (الثلاثاء القادم) سوف نعرض لبعض ما جاء فى المناقشة التى دارت بعد المقابلة

ثم التعقيب العام

كما نرجو أن نربط بين جانب من هذه الحالة وبين حالة التدريب عن بعد التى عرضناها الأسبوع الماضى الأحد 28-12-2008

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *