اليوم السابع
الاثنين 23-9-2013
سوء وخطورة استعمال الأبجدية النفسية فى السياسة
بينت أمس كيف يهان المريض النفسى حين توصف تصرفات وجرائم مثل التى نعيشها هذه الأيام، أعنى جرائم القتل، والخيانة العظمى، والسحل، واستعمال الأطفال، وتلويث الكرامة البشرية، توصف بأنها مرض نفسى، أو هوس مرضى، واليوم أواصل نقطة أخرى جاءت فى آخر التعليق وهى احتمال أن يترتب على ذلك أن يـُـوحَى للقارئ أو السامع أن يلتمس لهم العذر، لأنهم مرضى، أو كما قلت بالنص: “احتمال إعفاء المجرم من مسؤولية إجرامه (مجنون بقى ولا مؤاخذة!!)”
سوف أقتطف أمثلة من افتتاحية واحدة صدرت أمس (الأحد) فى صحيفة معارضة، مع تقديرى لحسن نية كاتبها فهو صديق بالغ الحماس، صادق النوايا، قال (1) “.. إن كل ما يصرح به الإخوان هو إما هوس مرضى،….”، (2) “..هم مختلون طبعا ..” (3) “..هم مرضى بالكراهية…”، (4) (ثم للمـُغرَّر بهم) : “…أنهم مجموعة مصرية كانت مريضة وشفيت من فكر ضال…”، (5) “..قيادات هذه الجماعة، فكلهم واحد: مرضى بالأخونة…”، (6) وأخيرا هذان (ذكرَ اسميـْن) أكثر الناس مرَضا..”.
لكن – والحق يقال– أنهى الكاتب الفاضل افتتاحيته قائلا “الحقيقة أنه لا حقيقة إلا أن الإخوان جماعة خائنة”، ولأننى أحترم الكاتب وأقدر حماسه وأرجح حسن نيته فقد اعتبرت هذه النهاية نَسْخا لما قبلها، أى أن وصْـفهم بالخيانة، يجـُـبّ نعتهم بكل هذه الأمراض هكذا، وبرغم أن الاتهام بالخيانة ليس أقل خطرا من لصق لافتة المرض على مواطن لم يصدر ضده أحكام نهائية بالخيانة، إلا أنه اجتهاد مسموح به من غير المختص فى حدود الاتهام، وليس فى حدود فصل الخطاب، أما الاتهام بالمرض فهو خطأ مزدوج، لو سمحتم.
هناك تجاوزٌ آخر يقع فيه بعض المختصين من الزملاء المجتهدين الأفاضل، أكثر مما يقع فيه الهواة، وهو وصف الشعب كله بصفات مرضية صريحة، مثل الحديث عن “الفصام الذى أصاب الشعب”، يعنى بذلك ما يرصده من تناقض الرأى، أو تناقض السلوك لمجموعة متخبطة متذبذة أو مثل أن ينعت أحدهم الشعب كله بأنه مصاب “باكتئاب قومى”، وربما هو يلتمس له العذر للناس لما أصابهم من إحباط ويأس، أو مثل أن يوصف فكر جماعة بأكملها بالضلال الدينى، فمن ناحية: إن ما يسرى على الفرد لا يسرى بصفة تلقائية على الجماعة، ثم ماذا يفيد أن أصف شعبا بالاكتئاب أو بالفصام، هل هذا يتضمن أن أعطى “الشعب” مضادا لهذا أو ذاك، حتى تتحسن كآبته أو يتجمع تفسخه، أم أننى أعطيه مبررا بمثل هذا التصنيف شبه العلمى مبررا للانسحاب إلى رفاهية اليأس والتبرير السلبى غالبا، وبالتالى أحرمه من دافعية الألم الخلاّق بدلا من التبرير بالاكتئاب، أو أحرمه من حق التفكك تمهيدا للإبداع الثورى بدلا من التوصيف بالتفسخ الفصامى، ثم كيف يمكن أن يسمى فكر جماعات (أو شعوب من ملايين) بأنها ضلالات، وفكرها يتفق مع ثقافة وتاريخ جماعتهم الخاصة جدا، وأيديولوجيتها المتميزة لهم وبهم طول الوقت.
على من يستعمل لغة من غير اختصاصه أن يرجع لأصولها، كما أنه على من يستعمل لغة اختصاصه فى غير موضعها، ألا يستسهل القياس أو التعميم، يكفينا ما نحن فيه من مصائب سياسية واقتصادية وتخريبية لا تحتاج إلى دعم من أية لغة أخرى من خارجها لها أبجدية مختلفة، تـُستعمل فى سياقات مختلفة.