الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (64): كشف الطبيعة البشرية لاحتوائها وتنشيط جدل النمو (2)

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (64): كشف الطبيعة البشرية لاحتوائها وتنشيط جدل النمو (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 22-9-2013

السنة السابعة

العدد: 2214

 الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (64)

كشف الطبيعة البشرية لاحتوائها وتنشيط جدل النمو (2)

نبذة: تقديم ماهية حركية “الجدل” لاحتواء مرحلة تناقض الحب والكراهية – كمثال –  تمهيدا للتطبيق فى العلاج الجمعى: الخبرة أولا، وعجز التنظير

جاء فى نشرة الإثنين الاسبوع الماضى أنه من:

“… الأفضل أن أواصل التعريف بما عرفت، بنفس الطريقة التى عرفته بها (ما أمكن ذلك)، بمعنى: أن أنشر ما تيسر من خبرات وممارسات  وتجارب وملاحظات أولا، وأحيانا جنبا إلى جنب مع ما يلزم من تنظير تدعيمى أو لاحق.

ثم إنى رجعت اليوم إلى العشرة بنود المتبقية من الفروض الأساسية التى طرحناها الأسبوع السابق، وأعدت اثباتها مع إضافة ما يوضحها ولو ببضعة أسطر أسوة بما فعلت سابقا كتجربة لا أعتقد أنها نجحت للأسف،

واليوم أواصل هذه التجربة التى ما زلت أشك فى نجاحها، وأنصح من يتابعنا بالبدء بالرجوع إلى العشرة الافتراضات الأولى المنشورة فى (نشرة 16/9/2013 “كشف الطبيعة البشرية لاحتوائها وتنشيط جدل النمو “1”).

الافتراضات المتبقية:

(11)  إن قبول فتحمل اجتماع الكراهية مع الحب تجاه شخص بذاته دون تذبذب سريع، أو تناقض مُشِلّ (1)، هو الضمان لحب “الآخر” ككل غير مجزأ (الصفقة على بعضها).(2)

فى التعقيب على الافتراض العاشر (آخر افتراض نشر الأسبوع الماضى)   أشرنا إلى آلية :” الانتقال بما هو وجدان إلى ما هو وعى” كبداية لاستيعاب بعض معالم الجدل، مع التذكرة ان الكتابة عن الجدل هى “ضد الجدل” ومع ذلك، ففكرة أن ينقلب الوجدان وعيا التى جاءت فى هذا الافتراض قد تسهل علينا الاقتراب من العملية بطبيعتها البيولوجية، أعمق من التجريد والترميز، ولهذا ما يبرره فمن ناحية: لم يعد استعمال كلمات العاطفة والانفعال والمشاعر تصلح للتعامل مع هذا البعد المعرفى الاشمل المسمى “الوجدان” والذى اهتدينا إليه من نبض وتاريخ لغتنا العربية العريقة، فإذا أضفنا إلى ذلك تحديات التعرف على ما هو “وعى” (دع جانبا الآن كلمتى “شعور”، و “لاشعور”) يمكن أن نتصور أنه كلما اتسعت أبعاد وأعماق (وليس فقط دائرة) الوعى، أمكن احتواء الضدين فى كل حركى جديد (3).

 (12)  إن تحمل هذا التناقض مع استمرار حركية العلاقة بين اثنين على مستوى نضج متقارب، وهما يمارسان نفس المسئولية مشاركة، هو الوسيلة القادرة على تحفيز ارتقاء علاقة ما فى الاتجاه التطورى (النمائى) الواعد.

لا يكفى أن يحتوى الوعى الضدان لتسنح الفرصة لحركية التوليف ما لم تنشط هذه الحركية على مدى البعد الطولى أيضا، هذا البعد يسمح لنا أن لا نقصر الحديث على مستوى واحد للوعى، وبالذات المستوى الظاهر، وإنما هو يوجهنا إلى ضرورة الانتباه إلى طبيعة استمرارية حركية النمو بدوام النبض، وباضطراد النمو، والاستمرار عكس الاستقرار، وهو ليس استمرارا خطيا كما توحى الكلمة لأول وهلة، وإنما هو استمرار نابض كما سيأتى فى افتراض “الإيقاع الحيوى”.

(13)  إن فرصة تحمل هذا التناقض فى العلاج الجمعى (كمثال لأية جماعة نمائية تسير فى الاتجاه الصحيح) هى أكبر من فرصة تحمل الغموض فى العلاقة الثنائية المغلقة.

مع نمو المجموعة، واضطراد تخليق الوعى الجمعى، يمتد الوعى الفردى (بحركية البرامج الثلاثة السالفة الذكر) (نشرة 26-5- 2013 (4) من العزلة وتشكيلات الارتباط الثنائى إلى تخليق الوعى الجمعى) إلى أن يصبح متعدد التجلى، والطبقات، وبالتالى يعاد ترتيب الوجدانات التى تبدو متناقضة فى الوعى الفردى، على مساحة أرحب داخل الوعى الجمعى، مما يسمح أكثر فأكثر بتحمل التناقض مع درجات أقل من “الاستقطاب”، أو “المواجهة فى المحل”،  وبقدر امتداد الوعى الجمعى إلى الوعى الكونى إلى وجه الله، يتضاءل التناقض لحساب الولاف مع استمرار نبض النمو.

(14)  لا يوجد أمل قريب فى أن يلتحم الحب بالكراهية ليصبحا وجدانا جديدا لا نعرف له اسما ولا شكلا فى الوقت الحالى لتصور الانسان المعاصر، وإن كان الاحتمال واردا على امتداد مسيرة التطور.

إن من عاش خبرة النمو فى العلاج الجمعى، أو من خلال أية خبرة إبداعية أخرى، يمارس هذا الاحتمال دون تسمية عادة، والأرجح عندى أن النصوص الدينية الإيمانية التى توصى بحب العدو (5) ، ليست نصوصا تدعو لتسامح فوقىّ، أو سلبية تعمى عن الجانب الآخر للموضوع، بقدر ما هى توجه السهم إلى استيعاب هذا التكامل للمتناقضات فى رحاب أكبر، وليس أكبر من رحاب التفاعل معا سعيا إلى تشكيل وجه الوعى المطلق نحو الله.

(15)  إن الإصرار على فصل الكراهية عن الحب حتى يصبحا عكس بعضهما هو ميكانزم جاهز، ومثل كل الميكانزمات، لابد أن له دور دفاعى تكيـّفى مناسب، فلا معنى لرفضه تشنجا (أو منظرة!) من حيث المبدأ، لكن هذا لا يبرر التوقف عنده.

(بالمراجعة الآن أجد أن هذا الافتراض لم يضف جديدا عما جاء ذكره فى الافتراضين السابقين، وغالبا سوف يندمج الثلاثة فى واحد فى الصياغة النهائية، أو حسب متطلبات السياق العام).

(16)  إن التوقف عند  هذا الميكانزم وتضخيمه – ميكانزم الاستقطاب- مثل التوقف عند أى ميكانزم – هو إعاقة أكيدة لو استمر وأصبح هو الحل الدائم.

نفس التعليق على الافتراض السابق

(17)  إن تفكيك هذا الميكانزم (الاستقطاب)، مثل أى ميكانزم، المفروض أنه يتم دوريا من خلال حركية الإيقاع الحيوى (تبادل البسط والامتلاء لاستيعاب التضاد وحفز الجدل)، فضلا عن أهميته  فى  حفز فرص  النمو المستمر.

ربما تكون إضافة حركية الإيقاع الحيوى لما هو جدل هى الحل الأمثل الذى يسمح أن يحل بعض المشاكل الصعبة (فى الشرح أساسا) ربما من خلال ما يلى:

1- السماح بتجزىء متناه الصغر للتحولات النمائية الجدلية التى تتم مع كل نبضة من نبضات الإيقاع الحيوى من أول إيقاع النوم والحلم، امتدادا إلى إيقاع القانون الحيوى (نظرية الاستعادة (6) مع ماتم من استلهامها فى النظرية الإيقاعية التطورية للكاتب (7)

2- السماح بالعودة فى كل نبضة لاستكمال أو تصحيح ما تم فى النبضة السابقة إذا ما استمرت عمليات التوليف الجدلى فى اتجاهها النمائى الطبيعى

3- تجنب الاضطرار إلى تسمية العناصر المتواجهة بالنقائض طالما هى فى حركة نابضة معا بانتظام

4- السماح بأن تجرى أغلب (أو كل) هذه العمليات بعيدا عن بؤرة الدراية (8)  وعن الإرادة الظاهرة

(18&19&20): (18) إن الألفاظ الدالة على الكراهية عاجزة عن استيعاب حقيقة أبعادها. (19)  إن تناول مناقشة القضية بالألفاظ والنظريات والإقناع والإثبات (ربما مثلما أفعل الآن) أقل قدرة على كشف الحقيقة مما لو غامرنا بالمعايشة الخبراتية مع وعى مشارك(كما نحاول بطرق باب هذه المحاولة فى العلاج الجمعى). (20) إنه ليس مطلوبا حسم هذه القضية فى أى اتجاه، بقدر ما هو ضرورى (أو مفيد) إبقاء الملف مفتوحا.

بدا لى عند المراجعة الآن أن هذه الافتراضات الثلاث الأخيرة هى متداخلة ومتكاملة معا، بحيث يمكن إدماجها فى افتراض واحد، وهو ليس افتراضا بالمعنى الحرفى، وإنما هو تأكيد لما بدأنا به من إشارة إلى عجز الاسم (أو بلغة مولانا النفرى: الحرف) عن استيعاب الظاهرات التى تتعلق بالوعى، وبالجدل، وبالنمو (وأحيانا بالإيمان)، وبالتالى ضرورة التأكيد – من جديد- على أولوية الممارسة، وأيضا التنبيه إلى أن هذا العجز يتفاقم حين تنفصل الثقافة عن اللغة، ونعتمد على الترجمة من ثقافات أخرى، وبالذات بالنسبة للوجدان، والوعى، وأيضا حين يسبق التنظير الممارسة، وخاصة إذا كان تنظيرا أيديولوجيا محكما، وليس فرضيا استنتاجيا عاملا.

وبعد

ما دام الأمر كذلك، فدعونا غدا نعود  إلى عرض مزيد من الخبرة والتعليق عليها، ما لم يقفز لنا استطراد معطل آخر.

 [1] – تيجى تحب تكره تيجى تكره تحب، وهذا ما يسمى تناقض الوجدان  Ambivalence وليست تحمل الضدّان وقبولهما معا.

[2] – Package Bargain

[3] – وأنا مصمم على تعبير”كلٍّ حركىّ” حتى لا يختلط مع التسوية   compromise أو الحلـْوسط الساكن

[4] – برامج: “الدخول والخروج” و “الإيقاع الحيوى” و “الجدل”.

[5] –  “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ”، وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ”،  أو “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”،

[6] – نظرية الاستعادة، القانون الحيوى Recapitulation Theory = Biogenic Law

[7] – النظرية الإيقاعية التطورىEvolutionary Rhythmic Theory    

[8] – awareness

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *