الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / سلسلة فقه العلاقات البشرية: (2) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟) (13) الفصل الثانى: (اللوحات) اللوحة السابعة “حمام الزاجل”

سلسلة فقه العلاقات البشرية: (2) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟) (13) الفصل الثانى: (اللوحات) اللوحة السابعة “حمام الزاجل”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 10-6-2023

السنة السادسة عشر

العدد:  5761

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(2)[1]

عبر ديوان “أغوار النفس”

الكتاب الثانى:

هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات) (14)

الفصل الثانى:  (اللوحات: من 1 – 7)

اللوحة السابعة: [2]

  حمام‏ ‏الزاجل

  

لا توجد كلمة شائعة الاستعمال، سهلة التناول، مقدسة أحيانا، وملتبسة كثيرا، مثل كلمة “الحب”، نحن نتداول هذه الكلمة بإفراط شديد طول العمر، طول الوقت، ربما يسمعها الرضيع قبل أن يسمع “بابا” و”ماما”، ثم خذ عندك: بمجرد أن يكبر وينتبه إلى ما يقال حتى يواجَه بسيل من العبارات كلها تحمل كلمة الحب بشكل أو بآخر، فهى إما تعبير عن الحب، أو دعوة للحب، أوسؤال عن الحب (بتحب ماما أكتر ولا بابا؟ باحبهم الاتنين!!)، ثم خذ عندك ادعاء حب المدرسة، ثم حب الصديق والصديقة، ثم الحب الذى هو حب، والحب الذى كنظام الحب، ثم يتدخل الجذب الجنسى فى الموضوع، فيصبح الحب غراما وهياما، مع الإضافات المناسبة من الخيال والرومانسية والأحلام، وهات يا حب، ثم خذ أيضا حب الوطن (فرض عليّا)، وحب النادى الأهلى، وحب النبى وأهل بيته، ومحبة السيدة العذراء، وحب النفس، ولا مؤاخذة “الأنانية” (وهى غير حب النفس)، وحب الناس، والحب فى الله، والموت حبا، فى المحبوب أو بسبب المحبوب، أو مع المحبوب (بالمرة).

طيب بالله عليكم كيف نتناول هذه الكلمة، هذا المفهوم، هذه القضية، وهى هكذا، كيف نتناولها فى سياق العلاج النفسى؟

حين وصلت إلىَّ هذه القصيدة، هذه الحالة، وجدت أنها تمثل نموذجا له أهميته الخاصة لما تتناوله من مقارنة بين نوعين على الأقل من أنواع الحب، رحت أقلب فيما سبق وفيما لحق من قصائد هذا الديوان، فوجدت أن معظم القصائد، إن لم يكن كلها إنما تتناول قضية الحب أيضا بشكل أو بآخر، فهى تتناول قضية العلاقة البشرية عامة، حتى أننى – كما ذكرت –  أطلقت على نشر هذا الشرح مسلسلا فى نشرات الإنسان والتطور (أصل هذا الكتاب) عنوانا شاملا هو “فقه العلاقات البشرية” ثم احتفظت بها عنوانا لهذه السلسلة بأجزائها المتتالية.

القصيدة الحالية تعرّى الحب الثنائى، وبالذات فى علاقة المؤسسة الزواجية باعتبارها المثال الشائع الأعم لما هو “عقد جامع مانع”، يشترط امتلاكا “جامعا” للطرفين، وأحياناً لطرف واحد،  و”مانعا” لأى آخر عادة، وهذا الشرط الأخير “المانع” يعنى ضمنا الحدّ من اختبار القدرة على الحب التى هى أصل الحب طبعا، وهل يستطيع أحد أن يمارس أى حياة جملة وتفصيلا: إلا من خلال قدرته على ذلك؟!!

ثم نبدأ كالعادة بالمتن:

‏(1)‏

عايزين‏ ‏إيه‏ ‏منـِّى؟

أنا‏ ‏مالِى؟

أنا‏ ‏عايزهْ‏ ‏أعيشْ‏،‏

زىّ ‏الباقْيِـيِـن‏،‏

يبقَى ‏لى ‏عشّ ‏صغيّر‏، ‏وعْيالْ.‏

ولـَفَندى ‏بتاعِى (‏أيوه‏ ‏بتاعى ‏ملكى‏)،‏

يرجعلِـى ‏تملّى‏..‏ زىّ ‏حمام‏ ‏الزاجل‏.ْ

يحضنّى ‏أنا‏ ‏وعيالِى،‏

يطوينٍى ‏تحت‏ ‏جناحُهْ‏، ‏

وراح‏ ‏اربُطْ‏ ‏رجلُهْ‏ ‏بـْـفتــلَةْ‏ ‏لـَيْـــطير‏.‏

‏(2)‏

أنا‏ ‏مالى ‏بْكلّ‏ ‏الناسْ؟

ما‏ ‏تحبّــــوهُـمْ

هوّا‏ ‏انا‏ ‏قلتلكُو‏ ‏انَا‏ ‏باكْرَهْ‏ ‏حَدّ؟

حـِبُّوهم‏ ‏بكلامْكُمْ‏ ‏يعنى،‏

مش‏ ‏حا‏ ‏يخسّــرْ‏.‏

ما‏ ‏انا‏ ‏بَرْضُهْ‏ ‏باحِبّ‏ ‏انِّى ‏اتكلِّم‏،‏

لكنّى ‏مِشْ‏ ‏قــدّ‏ ‏كَلاَمِى

دا‏ ‏كَلام‏ ‏كِدَا ‏ ‏بسْ

ولا‏ ‏عايزهْ ‏أصلّحْ‏ ‏حَدْ،‏

ولاّ ‏واخْدةْ ‏كَـلاْمْكم‏ ‏جَدّ،‏

ولاّ ‏نـِفسِى ‏أعدّل‏ ‏فى ‏الكونْ‏،‏

ولا‏ ‏شَايْلَه‏ ‏هَمّ ‏المطحـُون‏،‏

ولا ‏قادره‏ ‏أصاحب‏ ‏المجنونْ

ولاّ‏ ‏نَاوية‏ ‏أبطَّل‏ ‏لــتّ‏ ‏ورَصْ‏.‏

‏                 ‏واهُو‏ ‏كُلُه‏ ‏كَلاَمْ‏.‏

‏(3)‏

أنـــا‏ ‏عايزة‏ ‏حد‏ ‏يعوزْنِى،‏

وأعوزْ‏ ‏عَوَزَانُهْ‏،‏

إشمـِعـْنى ‏حسـَن‏ ‏ونعيمَا؟ْ

إشمعنى ‏بتوع‏ ‏السِّيمَا؟

 

أنا‏ ‏مشْ ‏قدّ‏ ‏الحب‏ ‏التانِى

وانْ‏ ‏كان‏ ‏لازم‏ ‏نتــــــّـــطـــّور‏؟…..  ….. نتطوّرْ،‏!!

                                               ما‏ ‏يـْضــــــُرّشْ.‏

بس‏ ‏ارجع‏ ‏تانى ‏لْعشّى،‏

ولـَفـَنـْدى ‏بتاعى،‏ أيوه بتاعى مـِلـْكـِى :

يطوينى ‏تحت‏ ‏جناحهْ‏،‏

وانا‏ ‏ماسكه‏ ‏الخيط‏ ‏بالجامدْ‏،

تعبانة وبرضه باعـَانـِدْ

ما هو لو سبته حـَيـْطير

وانا مش قد التغيير

والآن:

ما العمل؟

ما هو الأفضل؟

 أن نسميه حبا، ويذهب المتلقى إلى ما يذهب إليه بمجرد أن يسمع كلمة “حب”؟ أم نسميه العلاقات البشرية فنمسخه ونحن نهرب من مسئولية التحديد والتفنيد، ونتكلم عنه وكأننا نتكلم عن معادلة رياضية فاترة؟

هل أجمع من الديوان القصائد التى تناولت تشكيلات الحب بشكل مباشر، ثم أخرج منها بمنظومة نتعلم منها ما هو الحب وكيف يتجلى فى مختلف صوره، فلا ألزم نفسى بقصيدة بذاتها تقدم الموضوع مخنوقا منفصلا، أم أتناول الموضوع من خلال كل قصيدة بحسب ترتيبها، ثم نجمع الخلاصة لاحقا؟

قصيدتان قفزتا إلىّ وأنا أواجه هذا المأزق، قصيدة “الترعة سابت فى الغيطان“، وقصيدة “دراكيولا([3]).

الأولى:الترعة سابت فى الغيطان” تعرى نوعا من الحب فيه سهولة وعطاء ودماثة وصدق وإخلاص، بلا شروط ولا معاناة ولا مقابل (يعنى) ولا.. ولا.. وبالتالى بلا “آخـَر”، بلا موضوع حقيقى متميز (انظر بعد)!!

 والثانية: “دراكيولا” تجلى فيه ما سـُمـِّىَ حبا بشكل التهامى احتوائى قاتل، كأنه موت يقتات بموت، ويغذيه، “بكره حا تحتاج موتى يا موت، ونموت جمعا” (انظر بعد).

المهم، هذه القصيدة الحالية تتيح لنا – على لسان صاحبتها – النظر فى ثلاثة مستويات من الحب:

 الأول: الحب الامتلاكى (ويشمل الخصوصية والأمان والاطمئنان السرى الاعتمادى).

الثانى: الحب الجوع الاحتياج، فاحتياج الاحتياج (ويشمل شرب الماء المالح، والاستعمال المتبادل أحيانا).

والثالث: الإشارة إلى صعوبة النقلة إلى الحب: “القدرة على الحب” الممتد إلى الدوائر الأوسع. (ويشمل الاستعداد للحب والقدرة على توليده وتوجيهه وتحويله وتحمل مسئوليته وطول النفس الملازم له).

هذه القصيدة تتناول النوع الأول، وبعض الثانى، كما تحذر من احتمال مثالية أو عقلنة النوع الثالث.

(المتن):

عايزين‏ ‏إيه‏ ‏منـِّى؟

أنا‏ ‏مالِى؟

أنا‏ ‏عايزهْ‏ ‏أعيشْ‏،‏

زىّ ‏الباقْيِـيِـن‏،‏

يبقَى ‏لى ‏عشّ ‏صغيّر‏، ‏وعْيالْ.‏

ولـَفَندى ‏بتاعِى (‏أيوه‏ ‏بتاعى ‏ملكى‏)،‏

يرجعلِـى ‏تملّى‏..‏ زىّ ‏حمام‏ ‏الزاجل‏.ْ

يحضنّى ‏أنا‏ ‏وعيالِى،‏

يطوينٍى ‏تحت‏ ‏جناحُهْ‏، ‏

وراح‏ ‏اربُطْ‏ ‏رجلُهْ‏ ‏بـْـفتــلَةْ‏ ‏لـَيْـــطير‏.‏

تعبـِّرُ هذه الفقرة عن أكثر أنواع الحب شيوعا “زى الباقيين“، وهو الذى يتصف بما يلى (وغير ما يلى):

1- الخصوصية “يبقى لى عش صغير

2- والملكية: لفندى بتاعى (أيوه بتاعى ملكى)

3- وتصور الأمان: يرجع لى تملى، يطوينى تحت جناحه

4- والأسرة الصغيرة (غالبا فى المؤسسة الزواجية) يحضنّى أنا وعيالى

5- وضمانات ضد اللاأمان: وراح اربط رجله بفتلة،…….

هذا النوع من الحب الثنائى الخصوصى الامتلاكى يظل فاعلا مفيدا طالما سكنت حركة طـَـرَفـَـيـَهْ، وهو يغذى نوعا من العلاقة التكميلية (التكافلية) وهى ما تسمى أحيانا “علاقة القفل بالمفتاح” ([4])، ويظل الطرفان يتبادلان – من خلال هذه العلاقة – الأمان، والتأمين، فى مقابل (وعلى شرط) “أن يستمر الحال على ما هو عليه”، لأطول مدة ممكنة.

فى حالات كثيرة، مع استمرار نمو كل من الطرفين، كل بطريقته وحسب ظروفه، تهتز هذه العلاقة لأنها تكاد تحول دون نمو طرف واحد أو كلا طرفيها، فتظهر الأعراض، إما عند أحد الطرفين، وإما فيما يسمى “مرض العلاقة ذاتها” أى أن كلا من الطرفين بعيدا عن الآخر لا يعانى من أعراض بذاتها، وإنما إذا ما تفاعل الطرفان معا، تظهر الصعوبة فى العلاقة، وربما التهديد، وربما الفشل الذى يعلن مباشره أو عن طريق ظهور الأعراض.

حين يعلن هذا المأزق فى العلاج النفسى، يحتاج الأمر إلى وقفة فاحصة ناقدة، تغرى الطبيب، أو تضطره، فى كثير من الأحيان، أن يتقدم نحو ما يسمى “إعادة التعاقد” بمعنى أن يعتبر أن العقد الثنائى السابق قد استنفد أغراضه فى ظروفه التى كانت حتى الآن، وأن الأمر يحتاج إعادة التعاقد على مستوى آخر حسب مرحلة مسيرة النضج، ويمكن إيجاز بعض ذلك كما يلى:

يسمح الطبيب أن تتخلخل العلاقة، ولو مرحليا، لإعطاء الفرصة للانتقال إلى مستوى آخر من الحب، وهو مستوى “القدرة على الحب”: حب الآخرين أيضا، وليس فقط الحب الاستبعادى إلا لواحد، لا يعود هذا المحبوب محبوبا بديلا عن كل الناس، بل يصبح ممثلا لكل الناس، وهو ما عبرتُ عنه ذات مرة ، بأن المرأة – مثلا – تحب زوجها بالأصالة عن نفسه والنيابة عن حب كل الرجال، بل كل الناس (وقس على ذلك). هنا تصبح المسألة أقل احتكارا وأكثر حركية وحرية، إذْ تنتقل حركية “التواجد الاستبعادى” “معا”:

من: “أنا أحبك دون غيرك” (انت وبس اللى حبيبى)”، إلى:

 “أنا أستطيع أن أحب الجدير بحبى (كل الناس حلوين، فى عنيىّ حلوين)“، لكننى أمارس الحب معك لأنك أقرب وأطيب، وتقوم لى بنفس ما أقوم به لك، أو على الأقل أنا أتوقع منك ذلك، وأعمل على تحقيق ذلك، وأنت كذلك، تقوم به بدورك معى.

(وكلام من هذا، وهو الذى تعرّض للتعرية من خلال هذه القصيدة!) .

هذا النوع الأخير “القدرة على الحب مع الالتزام بتخصيص يتطلبه الواقع“، – مهما زعم المحبون أنه مقبول من حيث المبدأ – هو مرفوض من داخلهم، إلا نادرا، إذ يبدو الأمر لكل المحبين والخائفين والمحتاجين والجائعين أنه مبنى على أمل بعيد، ومنطق خائب فاتر مرفوض غالبا فى داخلنا مهما بدا علينا الحماس نحوه، وعلينا أن نعترف بأن النقلة من تخصيص الحب وتركيزه على فرد واحد طول الوقت، إلى القدرة على الحب، تبدو أكبر من قدرات أغلب الناس، ثم إنها قد تختلط بنقلة إلى الخلف نكوصا بما يسمح بالتعدد دون التزام ودون عدل.

نشأت المؤسسة الزواجية (وهى الممثلة الأكثر شيوعا للحب الثنائى، فالأسرى)، كحركة تطورية لتنظيم الجنس، وتربية الأولاد، وتكوين المجتمع الأحدث، وقد أدت وما زالت تؤدى، وظيفة اجتماعية، وعلاقاتية، شديدة الأهمية، كما لم يوجد بديل لها أثبت قدرته على الاستمرار والنجاح بشكل يبرر تجاوزها أو إزاحتها أو الاستغناء عنها حتى الآن، من هنا نفهم مشروعية منطق هذه الحالة فى هذه القصيدة وهى تصر على حقها فى الحفاظ على الاستمرار فى هذه المؤسسة، الأكثر أمانا، حتى لو لم تكن الأكثر إبداعا، أو الأكثر امتدادا فى الآخرين، حتى لو كانت مبنية على مبدأ الاحتياج المتبادل بعد التعديل!! بمعنى أن يحتاج طرف طرفا آخر، فيسعد هذا الطرف بهذا الاحتياج الذى أشعره بأن له وجودا ما، فيحتاج هذا الاحتياج أكثر مما يحتاج صاحبه الذى احتاجه، وهذا ما يعبر عنه المتن بشكل مباشر فى النص السابق الاستشهاد به:

“أنا نِفـْسِى حد يعوزنى، وأعوز عوزانه

الاحتياج غير مرفوض فى ذاته، ولكن أن يظل هو الذى يحافظ طول الوقت على العلاقة، فهذا ما ننبه إلى عدم كفايته، فهو أعجز من ذلك عادة.

 الطبيب النفسى المعالج ‏لا‏ ‏يملك‏ – ‏ولا هو‏ ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏عمله‏ ‏– ‏أن يتصدى ‏ليرفض ابتداء هذا‏ ‏النوع البسيط الشائع من الحب، فبرغم أنه ليس غاية المراد، إلا أنه يعلن بوضوح أن هذه هى المرحلة التى يعيشها أغلب الناس حاليا، تلك المرحلة‏ ‏التى ‏تعلن‏ ‏نقص‏ ‏الإنسان‏ ‏حين يلح عليه احتياجه فيتبادله مع آخر فى حدود المسموح به، ولكن يبدو أن لهذا النوع عمره الافتراضى المتوسط أو القصير، خاصة إذا اضطرد نمو أحد الطرفين دون -أو أسرع من- الآخر، فتتخلخل العلاقة، وتظهر الأعراض على أحد أو كلا الطرفين، فيجد الطبيب نفسه فى مأزق جديد من حيث أن عليه أن يصحح وضعا انكسر فعلا، وهو ينتبه إلى أنه بين أمرين (كالعادة):

  • إما أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه دون إعادة تشكيل فيصبح أكثر عرضة للكسر من جديد، أو أكثر دفاعية وجمودا.

  • وإما أن يعرض، من خلال العلاج عامة، والعلاج الجمعى خاصة، (أو تنظيم الخبرة الحياتية خارج سياق العلاج) يعرض تجاوز هذه المرحلة من الحب الثنائى السكونى المستقل إلى القدرة على الحب مع التنظيم الضرورى.

إن دفع الشخص أو المريض فى اتجاه هذا النموذج الأكثر نضجا يهدد الشريك (الأكثر اعتمادية بالذات، وقد يهدد الشريكين) بالتخلى عن نوع من العلاقة، كان يقوم بوظيفته بكفاءة ما، وبضمان معقول مضمون، برغم فشله الأخير، ومن هنا تبدأ المقاومة لأى احتمال آخر، حتى لو لاح أنه نموذج للحب أكثر نضجا وأطول عمرا، لكن “إيش ضمّنى”، هذا ما تقوله القصيدة، ‏

المقاومة‏ ‏هنا‏ ‏تبدأ‏ ‏بإعلان‏ ‏التمسك‏ ‏بالقيم‏ ‏السائدة‏ عند كل الناس:

أنا عايزة أعيش

“زىّ ‏الباقْيِـيِـن “

 ‏حتى ‏ولو‏ ‏فشلت‏ ‏هذه‏ ‏القيم برغم أنها ‏السائدة عند أغلب الناس، وأنها قد أعلن فشلها بظهور‏ ‏الأعراض‏ عند هذين الشريكين بوجه خاص، فإن الدفاعات – فى البداية على الأقل – لا تطلب إلا الرجوع “كما كنت”، “مثل الباقيين”!!‏

الإشكال أن هذه النقلة، من الحب الخصوصى المنغلق “عليهما”، إلى القدرة على الحب فى سياق جماعة (علاجية أو غير علاجية)، قد تـُـعلن من بعض أفراد المجموعة بشكل متواتر، وأيضا فى العلاج الفردى، وهى قد تعلن من أحد الشريكين (مع احتمال أن يكون هو الأقل نضجا)، وعادة ما تصدر مزاعم النضج المعلنة هذه من أبعد أفراد المجموعة عن النضج، فيزعمون أنهم “فاهمون” و”قادرون” وكلام من هذا، وقد يصل الأمر ببعضهم أن يزعموا أنهم فعلوها بالفعل، وينتظرون، أو يطلبون، من شريكهم أن يلحقهم. الإشكال يصبح أكثر وأصعب حين يكون المعالج نفسه هو هذا الشخص الدفاعى المعقلِن، بمعنى أن تكون درجة نضجه أقل بقليل أو كثير من هذه النقلة، وربما من مرحلة نضج بعض مرضاه، وهنا تصبح المقاومة التى ترد على “لسان حال” راوية هذه القصيدة فى محلها، ونستطيع أن نفهم سخريتها اللاذعة، مِنْ مَن يزعم تجاوز مأزق النقلة إلى موقف أقرب إلى مثالية “لم تـُـخــْـتـَـبر”،

يقول النص فى ذلك:

‏(2)‏

أنا‏ ‏مالى ‏بْكلّ‏ ‏الناسْ؟

ما‏ ‏تحبّــــوهُـمْ

هوّا‏ ‏انا‏ ‏قلتلكُو‏ ‏انَا‏ ‏باكْرَهْ‏ ‏حَدّ؟

حـِبُّوهم‏ ‏بكلامْكُمْ‏ ‏يعنى،‏

مش‏ ‏حا‏ ‏يخسّــرْ‏.‏

ما‏ ‏انا‏ ‏بَرْضُهْ‏ ‏باحِبّ‏ ‏انِّى ‏اتكلِّم‏،‏

لكنّى ‏مِشْ‏ ‏قــدّ‏ ‏كَلاَمِى

دا‏ ‏كَلام‏ ‏كِدَا ‏ ‏بسْ

ولا‏ ‏عايزهْ ‏أصلّحْ‏ ‏حَدْ،‏

ولاّ ‏واخْدةْ ‏كَـلاْمْكم‏ ‏جَدّ،‏

ولاّ ‏نـِفسِى ‏أعدّل‏ ‏فى ‏الكونْ‏،‏

ولا‏ ‏شَايْلَه‏ ‏هَمّ ‏المطحـُون‏،‏

ولا ‏قادره‏ ‏أصاحب‏ ‏المجنونْ

ولاّ‏ ‏نَاوية‏ ‏أبطَّل‏ ‏لــتّ‏ ‏ورَصْ‏.‏

‏                 ‏واهُو‏ ‏كُلُه‏ ‏كَلاَمْ‏.‏

‏ادعاء – أو تصور – النمو يتواصل بمجرد إطلاق الكلمات الرنانة التى تعلنه أو تصفه هو ادعاء شائع فى كثير من الممارسات الناقصة فى العلاج النفسى عامة، والعلاج الجمعى بوجه خاص، وأيضا فى الحياة العامة، وتنبيه الحالة هنا فى القصيدة، للمعالج، وللمشاركين فى نفس الوقت، هو تنبيه مشروع ومهم، ويشير إلى بصيرة جيدة مهما كان تبرير التوقف، وهو تحذير من أن تصبح المسألة “مـَـكـْـلـَـمة”  مثالية لم تُختبر، مكلمة تتمادى على حساب هدم مؤسسات فى مأزق حقيقى، مثل المؤسسة الزواجية التى لم يجد لها الإنسان بديلا أفضل حتى تاريخه.

تعلن هذه الحالة أيضا أسلوبا آخر للمقاومة، وهو الاستمرار الصورى مع الحذر المتمادى،

“ما‏ ‏انا‏ ‏بَرْضُهْ‏ ‏باحِبّ‏ ‏انِّى ‏اتكلِّم‏،‏

لكنّى ‏مِشْ‏ ‏قــدّ‏ ‏كَلاَمِى

دا‏ ‏كَلام‏ ‏كِدَا ‏ ‏بسْ”

لا يحتاج الأمر إلى التذكرة بأن هناك أكثر من صوت تتكلم به هذه الإنسانة، أو أن هذه القصيدة إنما تترجم لسان حالها داخلها وليس خطابها الظاهر فحسب مثل كل – أو معظم – قصائد الديوان.

‏كانت صاحبتنا‏ ‏هنا‏ ‏شديدة‏ ‏الحماس‏ ‏للكلام‏ ‏عن‏ ‏الناس‏ ‏والمطلق‏ ‏والحرية، ‏وحين‏ ‏دخلت‏ ‏الاختبار‏ ‏الحقيقى ‏هربت‏ ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏عندها‏ ‏من‏ ‏قوة، ‏وكان‏ ‏لسان‏ ‏حالها‏ ‏يردد‏ ‏هذا‏ ‏المنطق‏ ‏أن‏ ‏الكلام‏ يمكن ‏أن‏ ‏نساير‏ ‏به‏ ‏الشائع، بما فى ذلك أن نزعم ‏اهتمامنا بالكل وحبنا لهم على حد سواء، وأننا تخلينا، أو قادرون على التخلى ‏عن‏ ‏الامتلاك‏ ‏والخصوصية‏… إلخ‏ ‏ولا‏ ‏يهم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏نحقق‏ ‏شيئا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏أبدا. ‏

‏(3)‏

أنـــا‏ ‏عايزة‏ ‏حد‏ ‏يعوزْنِى،‏

وأعوزْ‏ ‏عَوَزَانُهْ‏،‏

إشمـِعـْنى ‏حسـَن‏ ‏ونعيمَا؟ْ

إشمعنى ‏بتوع‏ ‏السِّيمَا؟

أنا‏ ‏مشْ ‏قدّ‏ ‏الحب‏ ‏التانِى

وانْ‏ ‏كان‏ ‏لازم‏ ‏نتـــّـطـــّور‏؟…..  ….. نتطوّرْ،‏!!

ما‏ ‏يـْضــــــُرّشْ.‏

بس‏ ‏ارجع‏ ‏تانى ‏لْعشّى،‏

ولـَفـَنـْدى ‏بتاعى،‏ أيوه بتاعى مـِلـْكـِى :

يطوينى ‏تحت‏ ‏جناحهْ‏،‏

وانا‏ ‏ماسكه‏ ‏الخيط‏ ‏بالجامدْ‏،

تعبانة وبرضه باعـَانـِدْ

ما هو لو سبته حـَيـْطير

وانا مش قد التغيير

‏لهجة السخرية هنا، برغم قسوتها تقوم بوظيفة التعرية المأمول الاستفادة منها بأكبر قدر من المسئولية، هذا المقطع “أنا عيزة حد يعوزنى، وأعوز عوزانه” وهو الذى استشهدنا به فى البداية، هو مفتاح سر الأمر الواقع، وهو برغم واقعيته ليس مقبولا ولا ناجحا على المدى الطويل، خاصة فى الحالات التى واجهت الصعوبة بأمانة حتى الألم أو الشقاء أو الفشل أو المرض، ومع ذلك، ونظرا لصعوبة النقلة، يمكن قبول الدفاعات – التى تتعرى بهذه السخرية هنا –  كمرحلة على الأقل.

‏إن‏ القدرة على ‏حب‏ ‏الجميع (الصنف كله) هى أمر صعب فعلاً، وهو ‏الذى تسخر منه صاحبة هذه القصيدة بصدق صادق، فهو أمر واقعى – حتى لو كان نادرا – ومهما بلغت السخرية أو التعرية، ‏فإنها لا تكفى لكنها تفتح الباب أمام تنمية ‏القدرة‏ ‏على ‏الحب‏ ‏الشامل‏ (‏مركزا‏ ‏فى ‏أفراد‏ ‏من‏ ‏لحم‏ ‏ودم‏) ‏ثم‏ ‏فى ‏ممارسة‏ ‏هذا‏ ‏الحب‏ ‏الشامل‏ ‏مع‏ ‏من‏ ‏تتعامل‏ ‏معهم‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏اليومية‏ (‏ممثـِّـلـِـين‏ ‏لسائر‏ ‏البشر)، ‏وهو نقيض التقديس والذوبان والاعتمادية الرضيعية، وأيضا نقيض التسيب والتعدد بلا رابط أو رادع، الأمر الذى يحتاج إلى درجة ‏ ‏من‏ ‏المسئولية‏ ‏والرفض‏ الواعى، ‏بقدر‏ ‏ما يتجلى فيه ما ينبغى‏ من ‏الود‏ ‏والتراحم والشوفان‏، ‏هذا النوع الذى يطرح على المريض (وعلى الطبيب) هو حب أيضا، بل لعله الحب القادر على الاستمرار ‏باستمرار‏ ‏المحاولة‏ ‏والالتزام‏، وهو‏ مرحلة ‏فعلا‏ ‏صعبة‏ ‏إلى ‏أبعد‏ ‏الحدود‏ لكنها تستأهل.

 ‏من‏ ‏أصدق‏ ‏خبراتى ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏أن‏ ‏يعلن‏ ‏أحدهم‏ ‏انسحابه‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المحاولة‏ (مواصلة النضج)، ‏لأنها‏ ‏أكبر‏ ‏منه‏ (‏مثل‏ ‏صديقتنا‏ ‏هنا‏). ‏ولكن هذا لا يبرر التنازل عن الأمل فيه، والسعى لتحقيق ولو درجة منه، فأكبر فأكبر طول الوقت، إن مجرد السعى إلى إمكانية تحقيقه، ولو ‏على ‏المدى ‏الطويل‏ ‏هو حركية علاقاتية وعلاجية واردة، مع احترام الوقت اللازم حتى تكون المسألة جدا.

لا مفر من أن نشير إلى بعض المحكات التى تبين أن هذا الصعب هو شىء عادى برغم ندرته، واحتمال تشوهه، وما دمنا مضطرين إلى المضى قدما فى طرق بابه، فعلينا أن نتعلم كيف نقيس مصداقيته أولا بأول، مثل أن يقاس:

  • بالقدرة‏ ‏على ‏الابتعاد‏ ‏الاختيارى عن نفس‏ ‏الشريك‏ ‏للاقتراب‏ ‏منه‏ ‏عل‏ ‏مستوى ‏أنضج ‏ ‏باستمرار “برنامج الدخول والخروج” ([5]).

  • ‏ثم بالتغير النوعى لطبيعة العلاقة ومسارها وإيقاعها.

  • ثم باختبار القدرة على معايشة توجه المشاعر نحو “موضوع” (آخر) مع اختلاف ظروف التنفيذ الواقعى.

  • ثم بمدى تواجد الآخرين المحيطين المحبين حول أصحاب ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏الثنائية،‏ بما يمارسونه شخصيا فى مجالاتهم وعلاقاتهم الموازية، وأيضا بمباركتهم وتكافلهم واحترامهم المتبادل…. إلخ.

 ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى (‏الجمعى ‏خاصة‏)، ‏وفى ‏الروايات‏ ‏وفى ‏الأفلام‏، ‏وفى ‏النظريات‏ ‏الباهرة‏، ‏يكثر‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏التطور‏ – ‏كما‏ ‏أفعل‏ ‏الآن حالا وكثيرا – وقد لا ينتبه المحاورون أن وفرة الحديث عن التطور هو ضد التطور (مثلما أن الحديث عن الجدل، هو ضد الجدل)، السخرية فى المتن من هذه العقلنة هنا شديدة الدلالة.

وانْ‏ ‏كان‏ ‏لازم‏ ‏نتـّطـور؟  ….. نتطوّرْ،‏!! ما‏ ‏يـْضــــــُرّشْ.‏

هذا النوع من السخرية ليس مرفوضا على طول الخط، وقد واجهتُ فى خبرتى مثل ذلك وأقسى من مـَـرْضـَـى ينبهون بعض زملائهم الذين يتحدثون عن التطور وكأنه فنجان شاى، أو نزهة ترفيهية، دون حركة أو ألم، وأحيانا ما ينبهون المعالج، أو ينبههم المعالج إلى ما فى هذا الموقف من “طق حنك”!!! كما أشرتُ من قبل أنه قد قال أحدهم ذات مرة ما يوازى سخرية هذه الحالة، حين راح ينبه زميله ساخرا أن المسألة – كما ذكرنا – ليست بمثابة:‏ “‏ادينى ‏واحد‏ ‏تطوّر‏ ‏وصلّـحه‏..‏”.

حين‏ ‏تتعمق‏ ‏مرحلة‏ ‏النمو‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏وتلوح‏ ‏صعوبة‏ ‏التطور‏ ‏وما‏ ‏يصاحبه‏ ‏من‏ ‏مخاطر‏ ‏مرعبة، ‏أتذكر فأعلن لنفسى إعادة اكتشاف أنه “‏لن‏ ‏يتطور‏ ‏إنسان‏ ‏باختياره‏”، ‏وإنما‏ ‏بإلزام‏ ‏داخلى، نتيجة حركة مضطردة، و ورطة موضوعية تجعل الرجوع إلى الحالة السابقة مستحيلا.

 اعتدت فى مثل هذه المآزق أن ‏ ‏أوجه‏ ‏المريض‏ – ونفسى – بأن‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يراجع‏ ‏نفسه‏ ‏ولا‏ ‏يسير‏ ‏فى ‏الزحمة‏ ‏والسلام‏، يحدث هذا التوجيه غالبا بطريق ضمنىّ غير مباشر، وهو يعرض بشكل خفى.

  • ‏إما‏ ‏أن‏ ‏يتحمل‏ المريض ‏آلام رحلة العلاج بما فى ذلك‏ ‏ثم مصاعب النمو، وإما أن يخبئ الأعراض ‏بمعرفته‏: بالتسكين‏ ‏أو‏ ‏بالتنازل‏ ‏عن‏ ‏أية‏ ‏آمال‏ ‏إنسانية أنضج ‏أو‏ ‏باليأس‏، فتختفى الأعراض دفاعيا، ولا مانع من هذا الاحتمال ما دام هذا هو المتاح مرحليا!!!

  • ‏وإما‏ ‏أن‏ ‏يضطر‏ ‏لمحاولة‏ ‏طرق باب الطريق الآخر، الأندر، والأكثر نضجا لأن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏عرْضا‏ (‏أو‏ ‏عزومة‏)، بما أن الفشل قد أعلن بالمرض، أو المعاناة، أو الشقاء، فهو إعلان لانتهاء العمر الافتراضى لمرحلة لم تعد تصلح، ولنوع من التواصل فشل برغم نجاحه النسبى لفترة ما، ثم يمكن أن ينتقل بكل جدية ومعاناة إلى تنمية القدرة على الحب الحقيقية، ليست على حساب الصدق، والعدل، والأسرة، وإنما باتساع دائرة التعاقد على مستوى أرقى فأرقى ، فتمثل الأسرة لبنة فى مجتمع نابض، وليست مهربا بعيدا عنه.

****

انتهى الكتاب،

ونبدأ الأسبوع القادم بتقديم الكتاب الثالث من سلسلة “فقه العلاقات البشرية” (عبر ديوان “أغوار النفس”)

بعنوان: “قراءة فى عيون الناس” (خمس عشرة لوحة)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية” (2) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات)”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى – القاهرة.

[2] – كما أشرت سابقا فى الكتاب الأول وفى هامش (3)، كان اسم هذه اللوحات “جنازات“، وكان المقصود بها أن أقدم كيف يمكن أن يساء فهم العلاج النفسى على أنه تفسير وتبرير وتسكين، وكيف أن هذا بمثابة وقف النمو بما يمكن أن يقابل “الموت النفسى“، إلا أننى وجدت نفورا من الاسم، ومبالغة فى التصوير، ففضلت مصطلح “لوحات” تصف كل هذه الأحوال (لا الحالات) التى أوحت لى بعطاء هذا العمل.

[3] – أنظر الكتاب الثالث: “قراءة فى عيون الناس” فى هذه السلسلة “فقه العلاقات البشرية”

[4] – Key – and – Lock relation

[5] – In and out Program

 

تعليق واحد

  1. حلو جدا المقال فكره ارتباط التطوير بالحركه والالم وان كل شىء لازم ياخد وقته مريحه ومطمئنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *