الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / سلسلة فقه العلاقات البشرية: (2) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟) (12) الفصل الثانى: (اللوحات) اللوحة الخامسة “لله‏ ‏يـا سْيادى……!!!!”

سلسلة فقه العلاقات البشرية: (2) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟) (12) الفصل الثانى: (اللوحات) اللوحة الخامسة “لله‏ ‏يـا سْيادى……!!!!”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 27-5-2023

السنة السادسة عشر

العدد:  5747

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(2)[1]

عبر ديوان “أغوار النفس”

الكتاب الثانى:

هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات) (12)

الفصل الثانى:

 (اللوحات: من 1 – 7)

اللوحة الخامسة: [2]

لله‏ ‏يـاسْيادى……!!!!

  

أحيانا يبلغ من سوء فهم، أو سوء استخدام العلاج النفسى أن ‏يصبح‏ ‏مجرد‏ ‏مجال‏ ‏لاستدرار‏ ‏العطف‏ ‏والشفقة‏ ‏واستجداء‏ ‏التقبل‏ ‏بلا‏ ‏شروط‏، هذا الموقف ينبغى التنبيه على مدى سلبيته، خاصة فى ثقافتنا نحن التى تدعم الاعتمادية بشكل أو بآخر، سواء الاعتمادية على رئيس أو كبير أو سلطة، أو الاعتمادية على رمز أو مقام أو فكرة، صحيح أننا نؤكد أيضا رفضنا للمبالغة فى التأكيد على الاستقلال الباكر والبالغ والممتد، وهو ما تتصف به ثقافات أخرى ومجتمعات أخرى، لكن لا يصح أن يصل السماح بالاعتمادية إلى هذه الصورة الواردة بالمتن.

فى مجال العلاج النفسى يعتبر تمادى هذا الموقف الاعتمادى مسئولية كل من المعالج والمريض على حد سواء، بل إنه مسئولية المعالج أكثر. هذه الاعتمادية قد تتمادى أكثر فأكثر لتصبح بمثابة النكوص، فالسكون، ومن ثمَّ: الموت النفسى الذى أشبعناه شرحا وتفصيلا فى الحالات السابقة، النكوص هنا طفلىّ يتأرجح ملتذا، وإن كان المتن قد عرّاه ليعلن أن الأرجوحة قد صارت نعشا.

ولكن دعونا أولا نقرأ المتن مجتمعا:

(1)‏

لله‏ ‏ياسيادى‏..،‏

عَـيـّل‏ ‏غلبانْ‏…،‏

مسكينْ‏ ‏تعبانْ‏.‏

يستاهل‏ ‏العطفِ‏ ‏والشفقهْ‏، ‏وشويـّةْ ‏حبْ.‏

(2)‏

نفسى ‏اتمرجح‏، ‏وارجع‏ ‏تانى ‏أرضعْ‏ ‏مالْبِـزْ‏،‏

‏ ‏واتلـــذّ.‏

عاْيز‏ ‏ابقى ‏معاكمْ‏، ‏شايـْلِنـِّى ‏شيلْ‏،‏

‏ ‏حتى ‏على ‏خشبة‏ ‏نعْشْ‏.‏

هيلاَ‏ ‏بيلا‏، ‏يا‏ ‏حَلـُـلّى‏.‏

 (3)‏

خلّينا‏ ‏مع‏ ‏بعض‏: ‏نتونّسْ‏، ‏

                           ‏وندَرْدِشْ‏.‏

‏ ‏بس‏ ‏ما‏ ‏نـِمـْشيش‏ ‏قدّام‏.‏

وحانمشى ‏ليه؟‏ ‏

ما‏ ‏تبص‏ ‏يا‏ ‏بيه‏: ‏

دا‏ ‏الكلب‏ ‏بيجرى ‏ورا‏ ‏ديله‏، ‏نهاره‏ ‏وْليـــلُـــهْ‏،‏

وانا‏ ‏ديلى ‏لافِــفْ‏ ‏جوّايـــــــا‏،‏

ولا‏ ‏حدّ‏ ‏منكم‏ ‏ويــّـاىَ‏.‏

(4)‏

مش‏ ‏نـِعْـقل‏ ‏ونبطـّل‏ ‏نحــلـمْ‏. ‏

واذا‏ ‏كنتـُو‏ ‏مُصرّين‏ ‏قالْ‏ ‏يعنى،‏

‏ ‏هاتوا‏ ‏حتــَّة‏.‏

خايف‏ ‏اقـَـرَّب‏، ‏ولاَّ‏ ‏أجرّب‏ ‏

‏ ‏خليها‏ ‏مَـسـْتورهْ ‏أنا‏ ‏فْ ‏عرضـَكْ.‏

ثـُـم انطلاقا من المتن:

(1)‏

لله‏ ‏ياسيادى‏..،‏

عَـيـّل‏ ‏غلبانْ‏…،‏

مسكينْ‏ ‏تعبانْ‏.‏

يستاهل‏ ‏العطفِ‏ ‏والشفقهْ‏، ‏وشويـّةْ ‏حبْ.‏

(2)‏

نفسى ‏اتمرجح‏، ‏وارجع‏ ‏تانى ‏أرضعْ‏ ‏مالْبِـزْ‏،‏

‏ ‏واتلـــذّ.‏

عاْيز‏ ‏ابقى ‏معاكمْ‏، ‏شايـْلِنـِّى ‏شيلْ‏،‏

‏ ‏حتى ‏على ‏خشبة‏ ‏نعْشْ‏.‏

هيلاَ‏ ‏بيلا‏، ‏يا‏ ‏حَلـُـلّى‏.‏

العلاج الجمعى المَكْلَمةْ الدافئة “معاً”:

إذا كان النكوص المتأرجح حتى الموت وارد فى العلاج الفردى حيث الطبيب يمثل رمزاً كبيرا خليقا بأن يُعتمد عليه إلى كل مدى، فهل هو أيضا كذلك فى العلاج الجمعى؟ بصراحة: نعم، لكن إلى درجة أقل، صعب أن يتعمق هذا النوع من الاعتماد فى “مجموعة من المرضى والمعالجين، تنبض بحركية النمو

(3)‏

خلّينا‏ ‏مع‏ ‏بعض‏: ‏نتونّسْ‏، ‏

                           ‏وندَرْدِشْ‏.‏

‏ ‏بس‏ ‏ما‏ ‏نـِمـْشيش‏ ‏قدّام‏.‏

وحانمشى ‏ليه؟‏ ‏

ما‏ ‏تبص‏ ‏يا‏ ‏بيه‏: ‏

دا‏ ‏الكلب‏ ‏بيجرى ‏ورا‏ ‏ديله‏، ‏نهاره‏ ‏وْليـــلُـــهْ‏،‏

وانا‏ ‏ديلى ‏لافِــفْ‏ ‏جوّايـــــــا‏،‏

ولا‏ ‏حدّ‏ ‏منكم‏ ‏ويــّـاىَ‏.‏

لكن هناك نوع من (أو احتمال لـ..) سوء استعمال العلاج الجمعى فى هذا الاتجاه إذا طالت مدته، وكذلك إذا غلب الحكى فيه على فعل التفاعل، وخاصة إذا انفصلت المجموعة باعتماد أفرادها على بعضهم البعض أكثر فأكثر دون سائر المجتمع، أقول هناك احتمال أن تدور المجموعة بكاملها فى دائرة مفرغة (مثل تلك التى ذكرناها فى الحالات السابقة)، فيتوقف النمو “بس ما نمشيش قدام“، ويتواصل اللّف فى المحل،

 التشبيه هذه المرة بالكلب الذى يحاول أن يمسك ذيلة فيلف حول نفسه بلا توقف أو نهاية.

“دا الكلب بيجرى ورا ديله، نهاره وليلهْ” فما بالك إذا كان هذا اللّف هو داخلىّ وخفىّ فى بؤرة وحدة جافة وعزلة مغلقة برغم التواجد الجسدى فى المجموعة “وانا ديلى لافف جوايا، ولا حدّ منكم ويايا”

(4)‏

مش‏ ‏نـِعْـقل‏ ‏ونبطـّل‏ ‏نحــلـمْ‏. ‏

واذا‏ ‏كنتـُو‏ ‏مُصرّين‏ ‏قالْ‏ ‏يعنى،‏

‏ ‏هاتوا‏ ‏حتــَّة‏.‏

خايف‏ ‏اقـَـرَّب‏، ‏ولاَّ‏ ‏أجرّب‏ ‏

‏ ‏خليها‏ ‏مَـسـْتورهْ ‏أنا‏ ‏فْ ‏عرضـَكْ.‏

الخوف من التمادى فى “حلم العلاج” التطورى

من مضاعفات العلاج الجمعى (خاصة النوع الذى نمارسه هنا) أن تنفصل المجموعة ولو مؤقتا عن الواقع، حتى تبدو المسألة أقرب إلى الحلم، وأن الفرض القائل بأن ظهور الأعراض هو إعلان ضمنى لاحتمال تحريك مسيرة النمو (فالتطور) هو أيضا فرض أقرب إلى الحلم.

“وان كنتو مصرين قال يعنى، هاتوا حته”،

يتم إعلان هذا الموقف بأمانة فعلية، وليس بالكلام – عادة – من لسان حال بعض المشاركين صراحة، وذلك فى صورة الإصرار على الحفاظ على مسافة بعيدا عن الآخر، والتمسك بحق الدفاعات العامية .

‏(4)‏

مش‏ ‏نـِعْـقل‏ ‏ونبطـّل‏ ‏نحــلـمْ‏. ‏

واذا‏ ‏كنتـُو‏ ‏مُصرّين‏ ‏قالْ‏ ‏يعنى،‏

‏ ‏هاتوا‏ ‏حتــَّة‏.‏

…….

خايف‏ ‏اقـَـرَّب‏، ‏

ولاَّ‏ ‏أجرّب‏ ‏

‏ ‏خليها‏ ‏مَـسـْتورهْ ‏أنا‏ ‏فْ ‏عرضـَكْ.‏

وهكذا ينتهى المتن بهذا التنبيه الساخر، الذى يعلن صاحبه اعتمادية من نوع آخر، كأنه يقول: “اعملوها انتم واحتفظوا لى بنصيبى[3].

وبعد

هذه مضاعفة من مضاعفة العلاج الجمعى ينبغى تجنبها، سواء بالنسبة للمجموعة ككل، أو بالنسبة لبعض أفرادها إذا أمكن رصدها والتفاعل معها بالأسلوب المناسب، في الوقت المناسب، أولا بأول، وباستمرار.

…………………

…………………

ونواصل الأسبوع القادم بعرض اللوحة السادسة  “قبر رخام”

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية” (2) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات)”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى – القاهرة.

[2] – كما أشرت سابقا فى الكتاب الأول وفى هامش (3)، كان اسم هذه اللوحات “جنازات“، وكان المقصود بها أن أقدم كيف يمكن أن يساء فهم العلاج النفسى على أنه تفسير وتبرير وتسكين، وكيف أن هذا بمثابة وقف النمو بما يمكن أن يقابل “الموت النفسى“، إلا أننى وجدت نفورا من الاسم، ومبالغة فى التصوير، ففضلت مصطلح “لوحات” تصف كل هذه الأحوال (لا الحالات) التى أوحت لى بعطاء هذا العمل.

[3] – قارن لوحة “حمام الزاجل” (ص127).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *