الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / رسالة عمرها 21 عاما- بعد لقاء عابر

رسالة عمرها 21 عاما- بعد لقاء عابر

“يوميا” الإنسان والتطور

19-9-2007

رسالة عمرها 21 عاما- بعد لقاء عابر

الحاقا بكلمة أمس:

خطاب إلى صديق لم أره إلا مرة واحدة، ثم لحظات التوديع!

الأخ الفاضل الأستاذ”………..” تحية من عند لله مباركة طيبة وبعد

فقد فكرت مرتين قبل أن أمسك القلم لأكتب لكم شاكرا …..، فهذا أمر رتيب أعتقد أنه ليس هو المقصد الأول من كتابتى هذه ..، ولكنى قررت أن يكون هذا هو مدخلى إليك لأقول ما أحسست به من خلال لقائك، وأنا أعلم ابتداء أنى قد لا ألقاك ثانية أبداً، مع أننى قد ألقاك كثيراً دون لقاء، فأنا أود أن أحافظ على هذا الانطباع الآمِل الذى غمرنى وأنا أتابع روحك وذكاءك وعلمك وتواضعك، وسوف اعتبر – دون استئذانك – أن لى صديقا فى مكان طيب، يأخذ الحياة بجدٍّ لائق، ويعلم مسالك الحقيقة فيستوعبها، دون أن تُفِقده اتزانه، بل هى تزيد أقدامه رسوخا وخطواته ثباتاً ..

أحس بوحدتك وسط هذا البحر المتلاطم من الأفواه الأبواق، والناس الدمى، والألوان الزائلة، والدقائق العجلى، وقد أحس بألمك وراء التفاؤل الهادئ على السطح وأنت ترد على السائل عن لونك (أحوالك) “ايش لونك” فتقول “ممتاز”، وقد أحس بيأسك وأنت تريد أن تسوى الأرض بما عليها من بنيان أقيم بلا أساس على شفى جرف هار، وقد لا أملك أمام هذا وذاك إلا أن أشاركك عن بعد كل هذه المشاعر، وأصر أن الغد – واليوم أيضا – هو مسئوليتنا المباشرة، فردا فردا، فالبناء الحضارى – على حد تصورى القاصر– هو  بناء يحتاج إلى الجهاد والصبر والنفس الطويل، قد تعلن بدايته ثورة، وقد تلهب سرعته حركة سياسية ذات طابع خاص، ولكن وعى الأفراد وعمق العمل وإتقانه هى اللبنات التى ستبقى بعد كل هذا وقبل كل هذا …، لذلك فقد  اعتبرت لقائى بك – الذى تم بمصادفة طيبة – هو ضرورة لم تكن تكتمل زيارتى لوطنكم إلا به ، إذْ كيف يكون الحال لو رجعُت وليس فى ذهنى إلا أشكال البداوة التقنية (أو البداوة التكنولوجية) إن صح التعبير؟…. ولله  الأمر من قبل ومن بعد

ولكن يا أخى تعال نقف قبل أن نأمل فى أن نسوى الأرض ليقوم بناء جديد، نقف لنتساءل: ماذا لو سويت الأرض ولم يقم بناء ولا يحزنون، بل ماذا لو سويت الأرض فأخذ البناء المنهار أهله معه، ولم تبق حياة بعد؟  إنى أعتقد أن الهدم والبناء لابد أن يسيرا جنبا إلى جنب وبذكاء حضارى خاص.

عندى أمل بشكل ما!

 أقول لك كيف؟

مجموعة من البشر ربما فى هذه البقعة من العالم، وربما فى مكان آخر، سوف يدركون مسئوليتهم الجديدة، وقد يتجمعون حتى دون أن يلتقوا – فى عمل ذى اتجاه محدد يعيد دورة الحياة إلى اتجاهها السليم، وهم يتكاتفون- دون معرفة- مع مجموعات  أخرى من كل اتجاه، وهذا كله يحتاج إلى نوع خاص جدا من الإيمان لعلك كنت تقصده حين أكدت مكرراً أن الإيمان هو الخير، وأن الخير هو ما ينفع الناس.

هناك – على ما أعتقد – اختلال فى اتجاه مسيرة البشر، جعل الضياع مَمَرّ اً لِزجاً، والعدم هدفا فى ذاته، والدائر حول نفسه سعيد بشقائه ساخر من السائرين نحو الناس، نحو الله، ولابد لإصلاح هذا الخلل من إعادة النظر فى كثير من الأمور لعل أهمها هو البحث عن “لغة جديدة” يفهمها الشباب خاصة والناس عامة، تبين تلك الأمور مجتمعة التى ما جاءت الأديان إلا لتؤكدها، ولعل الإسلام كان من أبسطها وأوضحها فى تقديم هذا المفهوم المباشر للحياة، بما هى، وبما يمكن أن تكون.

يا ترى، هل لى أن آمل أن يتعاون التاريخ برؤية خاصة، مع العلم الحديث… من خلال فلسفة عملية متجددة.. ليعطينا هذه اللغة الجديدة، التى نستطيع أن نقدم بها الحقيقة لمن يبحث عنها فى أسلوب جديد يخدم الهدف الجوهرى المشترك، وهو التكامل والاتزان الكونى الخلاّق؟ شاملا البشر ضمنه.

سيدى:

أرجو أن تقبل عذرى إن أنا شطحت هذه الشطحات إذْ كتبت لك أشكرك على شئ ما، وأرجو ألا تكلف خاطرك فترد علىّ، فأنا لا أحب أن أخذ من وقتك، كما لا انتظر منك خطاب مجاملة أو مجرد التزام، وكل ما أعدك به هو أنى لن أكتب ثانية حتى لا أشغلك أوْ أتطفل عليك، فلتغفر لى هذا الانفعال، ولتقبل منى هذه الشذرات المرسلة دون ترتيب، ولتبلغ تحياتى وأمنياتى إلى كل من عندك ممن تفضلتم بالسماح لى بلقائهم: ناصر وأم ناصر، وعبد العزيز، وماريا، وجميع من يحبونك وتحبهم.

ولتسمح لى أخيرا أن أذكرك فى تخيلى حين تضيق بىَ السبل، فأطمئن إلى وجودك مكافحا فى صمت، متقنا فى تواضع، مثابرا رغم رؤيتك لكل السلبيات.

تحياتى واعتذارى

وعليك السلام

يحيى الرخاوى

القاهرة فى 10/12/1976

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *