نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 12-7-2014
السنة السابعة
العدد: 2507
حوار مع مولانا النفّرى (88)
“موقف القوة” (2)
وقال مولانا النفرى فى “موقف القوة”
وقال لى:
إن ركبت القوة فأنت من أهل القوة،
وإن أخذتك القوة بيمينك وشمالك ألقيتها من وراء ظهرك.
وقال لى:
إن ركبت القوة نظرت بالقوة وإن ركبت القوة سمعت القوة،
وإن ركبت القوة تصرفت بالقوة.
فقلت لمولانا:
….. فالقوة شىء رائع وشرف ضرورى شريطة أن أركبها لا تركبنى، أن أستعملها لا تستعملنى، أن أتحمل مسئوليتها وأنا أحمل أمانتها لا أن اغتر بها وأظلم بها أول من أظلم نفسى، القوة يا مولانا لا تكون قوة إلا به، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه القوة تعمق علاقتى بالحياة، وهى تحمينى من اللا حياة، وليس من الموت، فالموت ليس هو اللا حياة، الحياة الحياة ليس ضدها الموت كما علمتنا يا مولانا أن العلم العلم ليس ضده الجهل، القوة هى شرط إرادة حمل الأمانة، الإنسان الذى حمل الأمانة دون أن ينتبه أن يركب القوة هو الذى كان ظلوما جهولا، أما الإنسان الذى حمل الأمانة بقوة فهو أهل لها ينظر بها فيرى الحق حقا ويتبعه، وتتكيف إدراكاته معها حتى يسمع بها ما يعينه على حمل الأمانة، وهو يتصرف واثقا بقدرته ما دام راكبها وليس ركوبتها.
حكى لى والدى – يا مولانا – رحمه الله أنه كان يقرأ “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ “، وقال لى: أننى حين سمعت هذه الآية، وكنت فى الرابعة من عمرى، حسْب روايته، قلت له: “طَبْ هَاتْ”، وظل يكرر لى ولعمّاتى هذه الحكاية وهو يضحك، وحين كبرت سألته كيف تلقَّى طلبى هذا، ولم يجبنى، وضحك من جديد، حين حضرتنى هذه الآية الكريمة الآن تذكرت أول التنزيل على نبينا صلوات الله عليه وسلم أن “إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” وشعرت أن ربنا كان يدعم نبيه عليه الصلاة والسلام بأدوات القوة، وأولهما المعرفة الحقة، ليواجه بها: “إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى”.
أهل هذه القوة يا مولانا هم أهل الحق، والحق يحتاج للقوة ليتحقق، وعلى أهل القوة أن يأخذوا بها ليحققوا الحق بأن يركبوها لنصرة العدل، فيُسِّيُرونَهَا، فتسير بهم، لا تسيِّرُهُمْ، فإن أخذتْهم فعليهم أن يلقوها من وراء ظهورهم، لا ليستغنوا عنها وإنما ليتأكدوا أنهم هم الذين يركبونها ويدفعونها، وليس أنها هى التى تأخذهم وتوجههم، أهل القوة هم أبعد من يكونون عن الطغيان وعن أن يستغنوا عن مصدر القوة الأول والأوحد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
رحت يا مولانا أدافع عن “العدوان” غريزة رائعة وإيجابية للبقاء وإعادة تشكيل الحياة (الإبداع) لأنها من صنع الله، ورفضونى من كل حدب وصوب: “كيف أدافع عن العدوان”؟، وكلما قلت لهم إنه “خلقة ربنا” مثله مثل “الجنس” وأن كل ما علينا هو أن نحسن استعماله فى موقعه لصالح الحياة والإبداع، خافوا من الكلمة واعتبروا العدوان مرادفا للعداوة والعدوانية وهو ليس كذلك، الآن يا مولانا وبفضلك انتبهت إلى أننى كنت أدافع عن “القوة” لا عن “العدوان”، وعذرت ما وصلهم نظر لسوء سمعة لفظ “العدوان”، الآن أستطيع أن أتحدث بشجاعة أكثر عن “غريزة القوة” بدلا من غريزة العدوان، لأزيل اللبس، فهذا ما كنت أعنى طول الوقت، ولو أننى ما زلت متحفظا على مبدأ “البقاء للأقوى” لأنه يشير إلى قوة إهلاك المختلف الأضعف، وما خَلَقَنَا الله لهذا، ولا أبقى سبحانه مَنْ أبقى من الأحياء بهذا، حيث تأكد لى مؤخرا من خلال العلم الأحدث فالأحدث أن البقاء – بفضله وكرمه – هو “للأقدر تكافلا”، فإن أصروا أن يتمسكوا بهذا المبدأ، فليعيدوا النظر فى تفسيرهم لكلمة “القوة” لتصبح قاصرة على هذه القوة: “الحق” “العدل” “الحياة” إليه.
خاتمة وتأجيل: تذكرت يا مولانا أن الله سبحانه خاطب عديدا من أنبيائه والصالحين من عبادة بأن “يأخذوا القوة”، وبالقوة، وليس فقط أن يتحلوا بها، ولهذا حديث آخر لعله قريب.