الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (8) موقف وراء المواقف

حوار مع مولانا النفّرى (8) موقف وراء المواقف

نشرة “الإنسان والتطور”

الجمعة: 29-12-2012

السنة السادسة

العدد: 1947

 

حوار مع مولانا النفّرى (8)

موقف وراء المواقف

أوقفنى وراء المواقف:

وقال لى:

“الكون موقف”

وقال لى:

“كل جزئية من الكون موقف”

فقلت لمولانا:

يبدو أن ما هو “موقف” هو أقوى وأعمق وأدق مما هو مخاطبة، بودى لو قام باحث بالمقارنة بين مواقفك يامولانا ومخاطباتك ليدلنا على الفرق أو الفروق.

أنا؟ لا، عذرا لا أنا أستطيع، ولا أنا أريد أن أتلقى ما ألقاه فى وعيك إلا شعرا خالصا.

 كل كلمة من كلماته إليك تصلنى قادرة بذاتها على اقتحام وعيى مباشرة، توصِّل ما تَوصِّل وكفى،

 وحتى هذه المحاولة الآن وأنا أخاطبك يا مولانا وقد توقفتُ عن شجاعة ومخاطرة مخاطبته مباشرة، أقوم بها ضد مقاومة بالغة، وأنا أتذكر رفض إبنى محمد لمثلها أو قريبا منها، لكننى، – بعد أن سمحت لى يا مولانا بالانتقاء – وجدتنى أتذكر ما سبق أن كتبته عن الوساوس، واضطراب الوسواس القهرى مستهديا بكلماتك، وكيف أنك حللت لى (لنا) إشكالا علميا وإيمانيا بشجاعة ما فتح الله به عليك وأنت تتلقى إلهاماته.

منذ خمس سنوات بالتمام (29/12/2007)، وبعد خمس شهور فقط من ظهور هذه النشرة كتبت نشرتين متتاليتن عن كيف نستفيد من بعض ما وصلنا منك مما “قاله لك” عن الوسواس، فتعلمنا كيف نرحب بالوسواس مرة، ونحاوره مرة، ونتحداه دون مقاومته مرات، وبالتالى كيف نستفيد من كل ذلك نحن الأطباء النفسيين فى مساعدة من نسميهم مرضى بهذا الاضطراب بالذات “الوسواس القهرى”، عدت أقرأ النشرتين وهما (نشرة 29-12-2007 العدد: 120 “الوسواس القهرى فى رحاب مولانا النفرى”)، (نشرة 30-12-2007 العدد: 121 “أهلا بالوسواس القهرى، لتَجَاوُزُهْ”)  وإذا بهما، برغم ما أصابهما من خفوت “حركية الشعر” لحساب التفسير والشرح، لهما نفع كبير فعلا فى ممارستى، فقد تحسن موقفى من هذا الاضطراب خلال هذه السنوات الخمس، فخطر لى أن أقوم بتحديث هاتين النشرتين، مادمتُ قد رجعت إلى هذا المنهج المرفوض منى ومن غيرى،

 ما رأيك يا مولانا؟

لا، دعنا نؤجل ذلك الآن.

شدنى هذا الأسبوع من “موقف ما وراء المواقف” عبارة “كل جزئية من الكون موقف”، فرحت بها لأننى اقتربت من مشكلة متعلقة، قابلتها وأنا أغوص فى ملف الإدراك فى وحدات الزمن المتناهية الصغر، وأنا عاجز عن توصيل ما أريد، وإذا بك تلهمنى الآن أن كلمة موقف قد تكون مرتبطة بهذه الوحدة الزمنية التى تجذبنا إليها قاعدة “هنا والآن” أثناء العلاج الجمعى (أيضا أنا ó أنت“).

لم أكن منتبها فى البداية (منذ أربعين سنة) إلى قيمة هذه القاعدة بدرجة كافية اللهم إلا انها كانت تجنبنا التمادى فى البحث عن الأسباب دون طائل، أو فيما يعطلنا “الآن”، وعن فكرة التفريغ والتنقيب بالكلام عن الخبرات المؤلمة الماضية، و”الفضفضة” و”أطلّع اللى جوايا”، ومثل هذا الكلام الذى زاد تسويقه من الشائع عن التحليل النفسى (وبعض المسلسلات).

حين قرأت اليوم أول هذا الموقف: الكون موقف وكل جزئية من الكون موقف وصلنى يا مولانا فضل العلاج الجمعى الذى أمارسه على معرفتى، وتأكدت لى علاقة ما هو “موقف” بهذه الوحدات المتناهية فى الصغر،سواء فى الزمن أو فى السلوك، وحضرنى من بعيد فكرة الهولوجرام والمونوجرام، وكيف أن كل جزء مهما صغر يمثل الكل وأن الكل ليس إلا تآلف هذا التكرار للتحقق والتعميق فالاتساع والتكثيف، ثم إننى اقتربت قليلا من طبيعة “الوعى” التى مازالت تحيرنى.

لعل التركيز فى هذه الجزئية المتناهية الصغر التى عشتها معه يا مولانا فانفتح لك الكون وأنت تتلقى إيحاءاته هى  ما تعنيه كلمة “الموقف” الذى أتصور أنك وقفته وسميت هذه الإلهامات باسمه، فى نفس الوقت فإن من عايش هذه الجزئية المتناهية الصغر سواء فى الزمن أو فى مواجهة وعى الآخر (بقية القاعدة “أنا ó أنت) فقد عايش مطلق الامتداد فى الكون به، ومن هنا يتواجد مشاركا فى تشكيل ما اسميته “الوعى الجمعى” الذى هو قاعدة الانطلاق إلى الوعى الكونى توجها إلى وجه الله سبحانه وتعالى.

أكرر بحذر شديد التذكرة بحضور ربنا معنا أثناء جلسة العلاج الجمعى، ويصلنى أن أغلب أفراد المجموعة من أطباء متدربين ومرضى وشخصى يشعرون به بشكل حقيقى ملموس ومفيد “هنا والآن” دون استعمال أية لغة دينية تقليدية، بل لعل العكس هو الصحيح، فأنا أتعمد أن أتجنب أستعمال هذه اللغة المباشرة، لأنه غالبا بمجرد أن اذكر اسم الله سبحانه وتعالى – مثلا – أجد الذى حضر فى وعى الغالبية هو ما سبق أن وصل للحاضرين من دروس الترهيب والترغيب، وأحيانا من خطب الاغتراب واللفظنة فى حين أن الوعى الجمعى الذى يتشكل ليوصلنا إليه يتزايد أمامنا رأى العين حاضرا  متجددا أبدا، فيجعلنا أقرب وأقدر على استيعاب حضور الله سبحانه بشكل يكاد نعيش من خلاله أنه اقرب لنا من حبل الوريد فعلا، هذا على اختلاف بعضنا عن بعض فى الدين أحيانا، وهكذا يتواصل التفاعل وتشكيل وعينا الجمعى، ونتذكر أحيانا كيف نجتمع عليه ونفترق عليه بهذا المعنى المرتبط بمستويات الوعى وتصعيدها، وأن العلاقة فيما بيننا لم تعد بين أفراد وبعضهم البعض فحسب، بل بين كل فرد وبين ما يجمعنا حوله، وهو ما اسميته فعلاً، لا مجازا الوعى الجمعى، الذى يصلنى (يصلنا) أكثر وضوحا وعمقا من تواصل وعى كل فرد مع فرد آخر.

هذا ما وصلنى من بداية هذا الموقف يا شيخى الجليل وهو هو ما أفهمنى أكثر قليلا معنى ودلالة استعمالك يا مولانا لهذا اللفظ “موقف”، وأيضا لفعل “أوقفنى”.

يبدو أنه فى المخاطبات، وعلاقتى بها لم تبدأ بعد، يختلف الأمر: إذ تأتى المخاطبة منه مباشرة بـ “يا عبد” والأرجح أن يجد الباحث الذى أشرت إليه فى أول النشرة دلالة ذلك.

أكتفى اليوم بهذين السطرين مرة أخرى.

الكون موقف

وكل جزئية فى الكون موقف

يا ترى من يستطيع أن يركز بدرجة كافية تسمح لحدس اللحظة ( بلغة باشلار) أن يحيط به، وهى بكل هذا الصغر، فإذا بها تملأ الكون حالة كونها موقف أيضا، وتتحرك دوائر الداخل والخارج من خلال مواجهة وعى بعضنا بعضا حوله، فنتوجه و”نحن” تحت رحمة مظلته، مشهرِين أسهم الكدح إليه، تتمحور حول “لا إله إلا الله” طول الوقت، طول المدى.

هل يجوز هذا يا مولانا أم أننى تجاوزت حدودى

ولم لا؟

فقد علمتنا التجاوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *