نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 11-5-2013
السنة السادسة
العدد: 2080
حوار مع مولانا النفّرى (27)
مع مختارات د. توفيق رشد عن التأويل حجاباً (5 -؟)
مقدمة:
مازلنا مع انتقاءات د. توفيق رشد (المغرب) تحت ما أسماه “مديح الجهل والحيرة”، وإن كنت بدأت اكتشف أن هذا العنوان غير مناسب لما جمعه، ومع ذلك أكثر الله خيره، ونواصل.
(1) وقال لمولانا النفرى من “موقف المراتب”
وقال لى:
إذا جَاءَكَ التّأويلُ فَقَدْ جَاءَكَ حِجَابِى ….
فقلت لمولانا:
وقفت طويلا أمام محاولات “تفسير” كلام الله عز وجل (علوم تفسير القرآن الكريم عموما)، وشعرت بأن هناك وصاية – أستغفر الله – ولو حسنة النية على كلامه عز وجل، يقوم بها كل من يحاول هذه المحاولة الخطرة، (التفسير) وقد تأكد لى ذلك مؤخرا وأنا أقرأ تدريبات شيخى نجيب محفوظ، حين تطفو على ظاهر وعيه آية كريمة، فأرجع إلى تفسيرها (أو تأويلها!) فيبعدنى هذا (أو ذاك) عن ما وصلنى منها، ومن شيخى وهى تطفو على وعيه، فأتمهل، ولا أستسلم وأنتظر حتى تدخل إلى وعيى بدون وصاية، فيصلنى منها ما يلهمنى إلى سبيل أرحب وأحنى واشرق وأبقى، فأفرح، لا يحول بينى وبين ذلك مناسبة النزول ولا وصاية التفسير، ولا أصنام المعاجم، ثم إنى أحذر يا مولانا أن أفتى أو أعلن أو أعمم أيا من ذلك، فأنا لا أملك شجاعتك، لكنى أعلم يقينا أن الله سبحانه سوف يجزينى خيرا عن هذا الذى ملأ وعيى، وأنه سوف يعاقبنى إن أنا اتبعت عقلا أعرف قصوره بكل وسائلى الأحدث فالأحدث، ولا أنكر أن هذا العقل الوصى يتهمنى بالقصور والتقصير بمقايسه فأحتكم إلى ما يكرم بشريتى، ويقربنى من ربى، وأتذكر كيف يعرف الأطفال ربهم/ربنا دون شرح أو تقديم، بل وقبل نزول القرآن الكريم عليهم، وكيف يختمه الطفل يا مولانا فى كتاب القرية وسنه دون التاسعة، كما أتذكر إيمان العجائز وما قاله لك يا مولانا فى “موقف الاختيار”:
وقال لى:
أُذكرنى كما يذكرنى الطِّفْلُ، وادْعُنِى كما تدعنى المرأة
فيصلنى إيمان العجوز الجميلة وهى تمثل إيمان العجائز وهى تدعوه وهى على يقين من الاستجابة، ثم إنى وصلت أخيرا يا مولانا – كما تعلم – إلى ما أردده بحذر أيضا من أنه يبدو أن القرآن الكريم هو “وعى خالص” وهو يخاطب وعينا بكل مستوياته، كما أنه يصل إلى كل العقول التى احتواها ويحتويها جسدنا ودماغنا ووجداننا عبر تاريخ الحياة، فيحركنا إليه دون حاجة إلى كل هذه الوصاية التفسيرية التى تبعدنا عنه، أو على الأقل تبعدنى أنا.
وقد تدعم هذا الفرض: “أن القرآن وعى خالص”، مما شاهدته أيضا حين يقرأه من لا يعرف العربية أصلا، وذلك حين عاينت فى بعض مساجد اسطنبول والاسكندرونة، من يتلوه وهو لا يكاد يعرف العربية فكدت أقرأ على وجهه كيف وصله وعيا صرْفاً وهو يواصل القراءة،
الآن أستطيع أن أفهم، أعنى “أدرك” أوضح مخاطر هذه الوصاية: من التفكير على الإدراك ثم الوصاية من الألفاظ على التفكير ثم الوصاية من المعاجم على الألفاظ،
الحمد لله يا مولانا، ولكن من يستطيع معك صبرا حتى يرى التأويل حجابا فعلا؟ وهو كذلك!!.
حين رجعت إلى تاريخ علاقة “التأويل” “بالتفسير”: وجدت أنهما كانا لفظين مترادفين (أبو جعفر الطبرى مثلا) لكن يبدو أن المحدثين فضلوا الفصل بينهما ليختص التفسير “برفع الإبهام” عن اللفظ، ويختص التأويل “بدفع الشبهة” عن اللفظ أيضا، بصراحة لم أجد فرقا كبيرا، وعرفت قصور اللغة وخطورتها على المعنى إن هى أصبحت لها اليد العليا، ومع أن تأويل الشىء مشتق من “أول” الشىء أى إرجاع الشىء إلى أوله أى إلى اصله وحقيقته، فمن ذا الذى يستطيع ذلك حتى ولو كان شاعرا، فتكون النتيجة هى العكس حتى قد يصل الأمر بالتأويل إلى أن يقترن بابتغاء الفتنة و”ابتغاء تأويله” لا قدر الله.
إذن ماذا؟
عندما جرؤت فى بداية سيرى فى ركابك يا مولانا أن أخاطب ربى مباشرة مستلهما شجاعتك وأنت تتلقى ما يلقيه فى وعيك، فيما أسميته فى البداية “حوار مع الله” تناولت هذا الموقف نفسه كاملا دون أن أجتزؤه كما فعل صديقنا د. توفيق رشد، كان الموقف كله واسمه موقف “المراتب” يقول:
وقال لى:
إذا جاءك التأويل، فقد جاءك حجابى الذى لا أنظر إليه
ومقتى الذى لا أعطف عليه
فقلت له (لربى) (حوار مع الله) (النشرة بتاريخ 7-4-2012 موقف المراتب)
التأويل ليس إلا حروف مرصوصة تحول بينى وبين نور ما بين الحروف الأصل
حين تصبح حروف التأويل شواهد ظلام العقل الحاجب، تحول دون وصول نور هديك إلى أصحابه الأحوج إليه كما هو، بما هو
لا أعرف كيف سيلقاك أوصياء التأويل وما هى حجتهم أن تطغى حروفهم على نبض وعينا فى رحابك
أحيانا أشفق عليهم وأعجب لمن يتبعهم فيحرم نفسه من بهر الأصل ونور العقول/القلوب/الجلود/الحركة معا
الحروف الأسوار الستائر، غير الحروف الإشارات المنائر
أستعمل الحروف ولا أسمح لها أن تستعملنى
أحيك بها حبال وصلك لتحل محل من يحيط بها ستائراً لعقلى
الحروف حبال الوصل: هى منارات الإشارة إلى الطريق
الحروف الهادية تستلهم نورك، لا تدعى اكتشاف قصدك
إذا كنت أنت لا تنظر إلى هذا الحجاب التأويلى فأى عمى يغرينى باتباعه
وإذا كنت أنت تمقته ولا تعطف عليه فهذا يكفينى مبررا لرفضه
كله إلا أن يصيبنى بعض مقتك
أو أن أحرم من دفء عطفك
*****
عودة إلى حوار مع مولانا النفرى:
صديقنا ومحبك يا مولانا د.توفيق رشد لم يكمل كلمات الموقف فيما انتقاه واكتفى بما بدأت به اليوم حوارى معك يا مولانا به.
هذه المقارنة بين حوارى مع الله، وحوارى معك جعلتنى أتساءل لماذا عدلت عن مواصلة حوارى مع ربى، وانتقلت إلى حوارى معك أنت، لقد بررت هذه النقلة بأننى خشيت أن أكون قد وضعت نفسى فى موضع أكبر منى، كما رعبت مما حاوله بعض أصدقائى وأبنائى من محاولات التقليد بما لم أرض عنه حين لم تصلنى منهم حبات العرق ورائحة الثوب، فتوقفت عن حوارى مع الله مكتفيا بالحوار معك.
ثم ها هى الفرصة تلوح للمراجعة.
هل تشجعنى يا مولانا أن أعود للحوار معه مباشرة، فأعفى نفسى وأعفيك من مسخ الشعر بما هو ليس شعرا؟
أم أواصل الحوار معك فرحا بسماحك، محترما قدراتى راجيا شفاعتك، ويكفينى هذا؟
ما رأى الأصدقاء والقراء يا ترى؟