الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (149)

حوار مع مولانا النفّرى (149)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت12-9-2015

السنة التاسعة

العدد: 2934

 حوار مع مولانا النفّرى (149 

 ما زلنا فى “موقف الليل”(3)

ما هو “الليل” ؟ وما علاقته بالنوم والحلم والغيب والوعى ؟؟

وقال مولانا النفرى أنه:

وقال لى:

الجهل حجاب الحجب وحاجب الحجاب وليس بعد الجهل حجاب ولا حاجب، إنما الجهل قدّام الرب فإذا جاء الرب فحجابه الجهل، فلا معلوم إلا الجهل أنه لا يبقى من العلم إلا أنه مجهول، ما هو هو لا مجهول هو إنه، فيما تعلم منى وما تعلم بى وما تعلم لى، وما تعلم من كل شىء فأنفه بالجهل، فإن سمعته يسبّحنى ويدعو إلىّ فسد أذنيك وإن تراءى لك فغط عينيك، وما لا تعلم فلا تستعلم ولا تتعلّم، أنت عندى وآية عنديتى أن تحتجب عن العلم والمعلوم بالجهل كما احتجبت، فإذا جاء النهار وجاء الرب إلى عرشه جاء البلاء فألق الجهل من يديك وخذ العلم فاصرف به عنك البلاء، وأقم فى العلم وإلا أخذك البلاء.

فقلت لمولانا:

هى فقرة واحدة، شعرت بطولها وثقلها ، بقدر ما شعرت بنورها، وعونها، فاسمح لى يا مولانا ولأول مرة أن أقوم بتنظيم الأسطر بما يسهل لى أن أقول ما عنّ لى، وسوف أقوم أيض بتشكيل بعض الكلمات كما قرأتها بعد إذنك، هكذا:

وقال لى الجهل حجاب الحجب وحاجب الحجاب وليس بعد الجهل حجاب ولا حاجب،

 إنما الجهل قدّام الرب فإذا جاء الرب فحجابه الجهل،

 فلا معلوم إلا الجهل أنه لا يبقى من العلم إلا أنه مجهول

 ما هو هو لا مجهول هو إنه، فيما تعلم منى وما تعلم بى وما تعلم لى

 وما تعلم من كل شىء فأنفـِهِ بالجهل

 فإن سمعتـَه يسبّحنى ويدعو إلىّ، فسـدَّ أذنيك،

 وإن تراءى لك فغطِّ عينيك

 وما لا تعلم فلا تستعلم ولا تتعلّم،

 أنت عندى، وآية عنديتى أن تحتجب عن العلم والمعلوم بالجهل، كما احتجبتُ

فإذا جاء النهار وجاء الرب إلى عرشه جاء البلاء فألق الجهل من يديك،

 وخذ العلم فاصرف به عنك البلاء

وأقم فى العلم وإلا أخذك البلاء.

 فقلت لمولانا:

  كل هذا كان فقرة واحدة يا مولانا، فهل قدّرتَ موقفى؟

 أرجو أن تقبل اعتذارى على ما أقدمتُ عليه اليوم مما نهيت نفسى عنه فى حوارك، وحتى  فى حوارى مع الله من قبل، وذلك منذ بدأت دخول هذا الابتلاء (كما علمتنا شرف البلاء، وروعة الابتلاء).

ومع ذلك، ولأهمية استكمال ما وصلنى مما قاله لك فى هذا الموقف، ولارتباطه باجتهاداتى هذه الأيام فى مناطق بالغة العسر ، جاءت هذه المقدمة –نشرة – لما أنوى استكماله فيما بعد:

أنت تعلم يا مولانا  أننى أقف بين يدى “موقف الليل” هذا  للأسبوع الثالث على التوالى, كما تعلم أن ما أحاورك به بصفة عامة : يضىء لى طريق “المنهج”، بصفة عامة،  وهو يتكامل مع ما أحاوله فى نقد النص البشرى (العلاج ونموِّى الشخصى)، وفى نقد النص الأدبى وفى بعض ما أتطرق إليه من لمحات يمكن أن تكون إبداعية،

اليوم يا مولانا وجدتـُنى مضطرا إلى ما اضطررتُ إليه لأنه لاح لى أنه قد ينير لى طريقى فى الملفات الأخرى التى فـُتحت علىّ هذه الأيام وأنا أحاول قراءة النص البشرى، لابد أن حيرتى قد وصلتك أكثر هذه الأيام وأنا منشغل فى طبيعة الحلم، ومستوياته، وعلاقاته بمستويات الوعى، وبالإبداع، وعلاقة كل ذلك بالغيب، وما يفتحه علينا من فتوحات وأنوار ومفاجآت وأسرار، أكتشفُ اليوم بفضل الله وفضلك بعض ما قد يعيننى فى كدحى المستمر:

أكتشف، بل أتذكر، ولا أعرف كيف غاب ويغيب عنى وعنهم هذه الحقيقة البسيطة : أن الليل وهو ثـُلـُث الحياة البشرية كلها!!

 فهل نحن نعرف عنه ومنه ما يستحق وما نستحق؟

 بل إننا لا نسعى إلى أن نتعرف عليه إلا من بعض ما يظهر لنا منه (بعده عادة) : وهو ما يسمى “الحلم”، وأيضا نحن ننستنتج بعض وظائفه من تجارب قاسية تسمى: “تجارب الحرمان من النوم” (وصحتها بعد أن وصلنى ما وصلننى الآن منك: تجارب الحرمان من الليل !!)،

  فقد وصلت  يا مولانا – حتى الآن – إلى أن هذا الذى يظهر لنا ونسميه “الأحلام”:  ليس سوى ما نقوم بتشكيله مما تبقى على سطح وعىٍ بينِىّ (بين النوم واليقظة) أثناء عملية الاستيقاظ، فتراجعتْ قيمة ما نحكى من أحلام إلى موضع شديد التواضع بالقياس إلى حقيقة ما يجرى ، وعمق ما يتشكل، حتى شبَّهت زخم أصل الأحلام بالمحيط بكل ما يحوى، ثم شبَّهت الأحلام التى نحكيها بما يمكن أن نصنعه من عرائس وألعاب من هذا الزبد الطافى فوق سطح هذا المحيط.

اليوم أكتشف يا مولانا، وبمحض المصادفة تقريبا،  أن المحيط الذى أسميته بالتقريب:  زخم اصل الأحلام، (وأحيانا : الحلم بالقوة، وأحيانا الحلم بالفعل) ليس تماما هو ذلك، المحيط كما بلغنى اليوم فى هذا الموقف الرائع هو “الليل” بكل ما يحوى مما نعرف، ومما نحاول أن نعرف، ومما لا نعرف، ومما يستحيل أن نعرفه.

يا لِله !!!!

هل معنى  ذلك أن كل ما كنت أحكى عنه طوال محاولة غوصى فى هذا المحيط كان مجرد اجتهاد استنتاجى لما يحدث أثناء ما نسميه “نوم الريم” أو النوم الحالم (نوم حركة العين السريعة) باعتبار أن النشاط الحلمى يتركز أثناء النوم فى هذا الطور الذى يحدث دوريا لمدة عشرين دقيقة كل تسعين دقيقة؟

 طيب إذن ماذا يحدث فى السبعين دقيقة بالتناوب؟

 أشرتُ فيما سبق فى ملف الأحلام  إلى أن هناك نوعا آخر من الأحلام تحدث فى هذه السبعين دقيقة الخالية من حركة العين السريعة،  لكنها أبعد تناولا وأكثر غموضا،  فأنتبه اليوم من خلال فضل عنوان هذا الموقف، ومن خلال طرْق بابه فى الأسابيع الماضية إلى أن الليل بكل ما يحوى هو ما ينبغى الانتباه إليه ونحن نقرأ النص البشرى بنبضه ودوراته طول الوقت.

أنتبهُ بفضلك، وأحمد الله على حفزه لحواراتي معك فى الوقت الذى أعاين الابتلاء فى هذه المنطقة من  وجود النص البشرى وحركيته وجدله ورحلة نموه إليه، أنتبه يا مولانا إلى ما يلى من بديهيات:

أولا: مرة أخرى : “الليل” يمثل ثلث العمر كله .

ثانيا: نوم الريم (نوم حركة العين السريعة): يمثل ربع هذا الثلث فقط

ثالثا: “الليل” أقرب إلى زخم الجهل المعرفى الذى لم يكف عن تنبيهك إليه

رابعا: “الليل” هو وعىٌ قادرٌ حركىٌّ جدلىٌّ نشِط: طول وقته

خامسا: النوم ليس إلا ساترا جزئيا لبعض ما يدور بالليل وفى الليل

سادسا: “الليل” لا يبدأ بغروب الشمس، ولا ينتهى بشروقها، ولكنه طور من نبض الكون يتواكب بعضه مع بعض دورات الكون الأوسع، ونحن لا نعرف طبيعة تفاصيل العلاقة بين هذا وذاك بأى درجة من التفصيل

سابعا : “الليل” هو أقرب إلى ما هو “الغيب” ، وكل ما نعرفه على ما يجرى فيه، أو ما يمكن أن يجرى فيه، هو ضرب من الغيب، علينا حدْس بعضه بعقولنا القلبية وغيرها، وهو يجذبنا للسعى فيه وإليه.

وبعد

أكتفى بهذا القدر اليوم، وأرجو أن أواصل بعض شرح ذلك الأسبوع القادم

والله المستعان

الحمد لله

وشكرا يا مولانا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *