الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (144)

حوار مع مولانا النفّرى (144)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 8-8-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2899

 

حوار مع مولانا النفّرى (144)   

وقال مولانا النفرى فى موقف:

أنا منتهى أعزائى

    أنه: وقال لى:

                     فعل القلب أصل فعل البدن

                     فانظر ماذا تغرس، وانظر الغرس ماذا يثمر

فقلت لمولانا:

أنهيت حوارى معك يا مولانا الأسبوع الماضى بالإشارة إلى أن العلم المعرفى العصبى، والعلوم الكمَوِيّة (الكوانتية)، وكل ما هو فى هذا الاتجاه الأحدث والأصعب والالزم، أصبحت تدعم وتفسر مثل هذا الحدس المعرفى الإدراكى الذى يدعونا للإيمان بالغيب، واحترام الجهل المعرفى، ومن ثـَمَّ الإدراك بالقلب، وبالجسد، ضد احتكار قشرة العقل التجريدى الطاغى لوظائف المعرفة والتفكير بالإثبات الخطـّى، والحجج المفهومية، والتجريد المصقول.

كررتُ يا مولانا كثيرا، حتى حوارى معك الاسبوع الماضى :أن أخشى ما أخشاه أن يصل إلى قارئ حوارنا اليوم، أو أى يوم، أننى أدعم حدْسك واستلهامك بهذه العلوم الأحدث، وهى هى العلوم التى يشجبها العلم المؤسسى السلطوي الأيديولوجى، ويتهم من يمارسها أو يقتنع بمعطياتها بالهرطقة، بمعنى الكفر بالعلم المؤسسى المُمَنْهَج بشروطهم، لذلك احتطت يا مولانا، ومن البداية، فأنهيت حوارى الأسبوع الماضى معك قائلا ” .. مع التأكيد مرة أخرى على رفضى التفسير العلمى (للنصوص الأصل!)(1) كما هو شائع ..إلخ”.

الحق يا مولانا يدعم بعضه بعضا لا يفسره واحد بالآخر،  صحيح، كما يكرر لى إبنى أن “الحق لا يحتاج دليلا من غيره”، لكن هذا الدعم الذى أقدمه هنا، والذى أعنيه: ليس دليلا ولا تأويلا ولا تفسيرا، لقد خطر لى أن أستعمل لهذا الدعم مصطلحا أنسب هو “المعرفة الموازية”، ولكننى لم أتمسك به، لأن المتوازيان لا يلتقيان، فخطر لى بديل آخر وهو “المعرفة المتكاملة” أو المتكافلة، لأن كل معرفة من منظومةِِ كشفٍ وخبرة نور أو عقل قلب: إنما تكلمها معرفة من منظومة أخرى تتوجه نفس التوجه إلى ملتقى واحد فى الغيب، وكلها  تدور حول محور ضامٍّ إليه.

وبعد

أنت تبلغنا يا مولانا هنا أن القلب أصل فعل البدن، فيحضرنى ما وصلنى من منظومات متكاملة، متاكافلة كانت أصل فهمى، ففروضى عن دور الوجدان فى الإسهام فى اعتمال المعلومات،(2) حين يأخذ الوجدان موقعه فى فعل المعرفة، لا ينفصل عن أى خلية من خلايا الجسد بما فى ذلك خلايا المخ، دون تحديد المخ مركزا أوحدا لنشاط ما يسمى عقلا فيحتكر هذه التسمية له دون سواه.

الوجدان (القلب) هو أصل جوهرى فى فعل المعرفة، وهو  يسهم برسائله فى فعل العقل المخىّ الفوقىّ، ولا يحل محله، وحين توصف معرفته بـ”الفعل” فإن الرسالة تحمل لنا دعوة أن نغير موقفنا من المعرفة للمعرفة، أى:من  المعرفة العقيم.

يصب فعل القلب (الوجدان) العارف إذا ما تخلص من الأقفال التى أغلقوه بها، يصب فى نبض الجسد كله، وليس فقط فى الدماغ أو المخ، فتلحقنا بعض العلوم الأحدث  تؤكد لنا كيف أن الجسد هو مشاركٌ حيوى فى الإبداع، وأن الفلسفة منغرسة فيه(3)،

كما يذكرنا الإيمان كيف أنه إذا صدق واحتوى وشمل والتحم بالوجود الكلى لأى كادح مثابر، وُصف هذا الساعى بأنه “خلط الإيمان بلحمه ودمه..”

حين ينبعث نبض المعرفة نورا حركيا جدليا، يتناغم مع فعل الجسد ، فيدعم كل منهما، ومن غيرهما على نفس الطريق إلى نفس الغاية، بعضه بعضا، يصبح إبداع الجسد فعلا متـَّسِقا مع كل الوجود إليه.

هذا بعض ما وصلنى اليوم يا مولانا من خصوصية استعمال لفظ “فعل” بالذات، لأن: “القلب حين يعرف: يفعل، وحين يفعل يؤمن”، وكل هذا مجتمعا هو صفة كيف تعقل القلوب:….”فتكون لهم قلوب يعقلون بها”.

الاتصال المتبادل بين القلب العقل والجسد المبدع يضع القلب فى بؤرة حركية الإيمان، فيكون هو  الأصل الثابت الذى تمتد فروعه فى السماء

حين تصبح المعرفة بالقلب فعلا تكون أصلا لفعل الجسد العارف المبدع، فتؤتى أكلها كل حين، وليس لمرة واحدة فى موسم حصاد بذاته.

حين نظرتُ من خلال كل ذلك إلى الثمر المتخلـِّق  من فعل الغرس الغائر، عرفت كيف يكون فعل القلب هو أصل فعل البدن إلى كل خلية، وذرة، وما دون الذرة، وما بعد الذرة  فى كل الوجود.

عذرا يا مولانا

عذرا يا محمد يا إبنى!

[1] – ما بين قوسين مضاف إلى أصل ما ورد الأسبوع الماضى

[2] – وأنت تعرف يا مولانا  كم أفضت فى تقديم ذلك إلى من يهمه الأمر (نشرة 6-10-2014)، والعقل البيولوجى (نشرة 25/8/2014 “التطور والعواطف والعقل البيولوجى”)

[3]- Lakoff, George and Johnson, Mark. Philosophy in the Flesh: The Embodied Mind and its Challenge to Western Thought. New York: Basic Books, 1999. 

“الفلسفة منغرسة فى الجسد”. تأليف جورج لاكوف , مارك جونسون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *