الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (143)

حوار مع مولانا النفّرى (143)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 1-8-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2892

حوار مع مولانا النفّرى (143)

من موقف: أنا منتهى أعزائى

وقال لى:

العلم على من رأني(1): أضرّ من الجهل

فقلت لمولانا:

تعرف يا مولانا أننى هاجمت وأهاجم وأرفض وأحذر من تلك البدعة المسماة: التفسير العلمى للقرآن أو التفسير العلمى للدين فما بالك بالتفسير العلمى للرؤية المباشرة الكاشفة الضامة المنفرجة، لكننى وأنا أفعل ذلك أحذر أن يمتد هجومى إلى التهوين من كل ما هو علم، وخاصة العلم الذى ليس ضده الجهل، على أن أغلب علماء هذه الأيام لا يكادون يسمعون أن ثم علم هو ليس ضده الجهل، حتى يطردوا قائله من محرابهم المقدس.

علم هذه الأيام يا مولانا اصبح علمين: علم مؤسسى تكلس حتى أصبح أيديولوجية مغلقة لها طقوس وكهنة وكهنوت ومصالح وذخائر وأسلحة، وهو ما أسماه بعض نقاده الأمناء من أهله :”ضلال العلم” Science Delusion(2)، ثـُم العلم المعرفى (الكشف الرحب) الذى ينفع الناس ويمكث فى الأرض، ولعله الأقرب إلى  العلم الذى علّمتنا يا مولانا أنه العلم “الذى ليس ضده الجهل”.

برغم تحذيرك يا مولانا من استسهال وهم رؤيته التى  هى غاية أكثر منها إمكانية، فإنه لا يمكن أن نمنع تصورها عند بعض الكادحين ولو لفترة محدودة بعد كل رحلة أو مرحلة، أو بلاء، فترة يفيق بعدها إلى أن الطريق ما زال مفتوحا، وطويلا، وواعدا أبدا .

مـَنْ هذا الذى يجرؤ أن يزعم أنه رآه؟  أنا لا أنكر صدق من يعلن ذلك بين الحين والحين، لكنه ما دام جادا ومثابرا، فسرعان ما سيكتشف أن عليه أن يواصل الكدح طول الوقت، ولكى يفعل ذلك عليه أن يحذر من أن يفسر رؤيته هذه، أو يفسرونها له، بعلمٍ متاح من النوع الشائع هذه الأيام تحت ما يسمى “التفسير العلمى…” ذلك التفسير السطحى عادة، الاختزالى غالبا، الأحادى فى معظم الأحوال.

الجهل يا مولانا فى هذه الخبرة المرحلية هو الذى يضع ما نسميه “رؤيته” فى موضعها ، فهو الذى ينبهنا إلى ما بقى أمامنا على طريق الغيب،  فيحفزنا إلى مواصلة السعى، كما تَعـَلـّمـْنا وانت تبلغنا عنه كيف أن الحجاب تلو الحجاب تلو الحجاب هو القاعدة، وأن البلاء تلو البلاء تلو البلاء هو كل ما ينتظرنا، فيدفعنا كل ذلك لنواصل،

فهو –الجهل- هكذا: أنفع لنا من العلم التفسيرى الوصى، خاصة فى هذه المرحلة،  لا شك فى ذلك.

 لكن يا مولانا ثـَـمَّة علوم أخرى أحدث وأعمق وأكثر جرأة وأمانة فى نفس الوقت، وهى تدعم، ولا تفسر، هذه الخبرات المتتالية المتواصلة، وإليك على سبيل المثال:

 العلم العرفى العصبى، والعلوم الكموية، (الرياضة والطبيعة والميكانيكا الكموية)، وكل ما هو فى هذا الاتجاه الأعمق والأصعب والألزم، ولا أخفى عليك أن بعض هذه العلوم تساعدنى فى قراءة (وليس تفسير) بعض ما يصلنى من صدق مواقفك، وذلك مثل قوله لك فى نفس هذا “الموقف”

فعل القلب أصل فعل البدن

فانظر ماذا تغرس، وانظر الغرس ماذا يثمر

وهذا ما سوف أحاول قراءته فى حوارنا الأسبوع القادم، وقد حضرنى ما وصلنى من خبرتى، ومن بعض لمحات هذه العلوم الحديثة

مع التأكيد مرة أخرى على رفض التفسير العلمى كما هو شائع حاليا.

[1] – أشرت من قبل إلى عزوفى عن الرجوع إلى بعض الاختلاقات فى النسخ المتاحة، ومع ذلك نظرت حالا بعض ذلك، فوجدت النسخة رقم (6) التى لا حضرنى تحديدها الآن بدقة، تصحح هذا النص إلى ” العلم على من لم يرنى” بدلا من “العلم على من رآنى”، وقد رفضت هذا البديل، وتصورت أن من قام به استبعد أن يكون الجهل هو الذى ينفعل فى تعميق الرؤية ومواصلتها أكثر من العلم، وتعجبت مرة أخرى لتناقض بعض النسخ حتى العكس.

[2] – (نشرة 18-3-2014 العلم السلفى المؤسَّسِى الأيديولوجى  الحديث)،  (ونشرة 19-3-2014 تحرير العلم من الأموال القذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *