الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (108) من موقف العز والكبرياء

حوار مع مولانا النفّرى (108) من موقف العز والكبرياء

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 29-11-2014   

السنة الثامنة

العدد: 2647  

حوار مع مولانا النفّرى (108)   

من موقف العز والكبرياء

أوقفنى فى “موقف العز”:

        وقال لى:

لا يستقل به من دونى شىء، ولا يصلح من دونى لشىء،

وأنا العزيز الذى لا يستطاع مجاورته، ولا ترام مداومته،

 فقلت لمولانا:

هكذا يصلنى التأكيد تلو التأكيد على حتم إحالة كل شىء إليه جملة وتفصيلا، حيث لا وجود لشىء إلا من خلاله، ولا يصلح شىء لشىءٍ إلا به، فتتضخـّم لدىَّ شروط التوحيد، وأرعب من احتمال شرك كدبيب النملة.

هو هو العزيز الذى يعطى لأى وجود واقعه، ويبرر لأى كيان استمراره،

 هذا إذا وعينا بعض ما هو الواقع وما هو الوجود،

ولا ندعى المداومة،

 نقترب ولا نجرؤ على زعم  المجاورة وهو القاهر فوق عباده،

ونروم لكن ذهابا وإيابا حتى لا نعشى بنوره، إ

من ذا الذى يقدر على مداومة مجاورته؟ فلماذا نروم ما لا نقدر عليه؟

………….

      وفى نفس الموقف يكمل مولانا ما قاله له:

أظهرت الظاهر وأنا أظهر منه،

فما يدركنى قربه، ولا يهتدى إلىّ وجوده.

وأخفيتُ  الباطن وأنا أخفى منه

فما يقوم علىّ دليله، ولا يصح إلىّ سبيله

 فقلت لمولانا:

يبدو أنه حين ظهر الظاهر وتعملق ونسى مـَن أظهره، فأنكر قدرات الباطن حتى العدم، ويبدو أنه تصور أنه ما دام ظاهرا هكذا فمن حقه ، وضمن قدراته، أن يقترب من الحق بما هو، وكأنه بحروفه ورسومه ورموزه قادر على أن يهدينا إليه، لكنه هنا يامولانا ينبهك لتنبهنا أنه أظهر من الظاهر وأنه هو الذى أظهره، ويكفى أن الظاهر المغرور بظهوره، قد أنكر الباطن المكمل له، بل المتقوق عليه إذا ما ضل السبيل إليه.

حين استعاد الباطن حقه فى السعى والمعرفة،  بدا له أنه أقدر على التدليل عليه، وهو لا يحتاج إلى دليل، أو أنه أعرف بالسبيل إليه فى خفاء مجتهد ساع، ولم ينتبه إلى أنه أخفى من الخفاء مهما خفى الخفاء، وأنه هو الذى أخفاه.

من فرط ما ساد الظاهر ولمع بريقه ثم تبين قصوره وأحيانا زيفه، كدت أحسب أن السبيل الأسلم هو نهج الباطن، بكل قدراته الإدراكية، وعقوله الوجدانية، ووعيه الأشمل، لكن هأنذا انتبه من خلال ما أنار لك – يا مولانا- فى موقف العز، أنه لا ينبغى أن نطمئن إلى قدرات الباطن وحده مهما اتسع  شمول الإدراك وشحذت عقول الوجدان، وحين لاحت أدلة الباطن أنها دليل عليه، كادت تقع فى نفس خطأ الظاهر وهو يحسب أنه ظهر بنفسه لا بفضله،

الظاهر يطمئن العقل الظاهر، لكنه لا  يهتدى بنفسه إليه وهو أظهر منه

والباطن يتعرف على نبض الطريق إليه، لكنه لا ينبغى أن يكتفى بسبيله الخاص دونه

وليتكاملا، لعل وعسى، دون اختزال الوجود، أو ادعاء الجوار.

لعل هذا يا مولانا بعض ما يؤيده ما تقول أنه قاله لك فى الموقف التالى “موقف الكبرياء”، والكبرياء له وحده، كما العز، والقيومية:

أنا الظاهر الذى لا يكشفه ظهوره

وأنا الباطن الذى لا تراجع البواطن بدرك من علمه

 فقلت لمولانا:

هكذا يتأكد لى يا مولانا ما ذهبتُ إليه حالا من أنه:

 لا  الباطن يدرك مدى وحقيقة وعمق أغوار علمه،

ولا الظاهر قادر على كشفه بظهوره،  ما دام هو لا ينكشف به

ويظل الطريق مفتوحا،

والكدح متصلا،

والغيب واعدا أبدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *