نشرت فى مجلة آخر ساعة
بتاريخ: 21-1-2015
المُحلل النفسي الدكتور يحيي الرخاوي: إحنا «لسه» في سنة أولي سياسة
أجرى الحوار: أستاذ/ حسن حافظ
1- كيف تقيم الشخصية المصرية بعد أربع سنوات من بداية أحداث الثورة؟
د. يحيى:
تقييم الشخصية المصرية ليس أمراً سهلا بشكل عام، ولا ينبغي أن نفتى فيه بانطباعات عابرة أو شخصية، وتقييم الشخصية المصرية بعد أربع سنوات غير تقييمها خلال أربع سنوات، وهذا وذاك غير تقييمها خلال أربعين أو ستين سنة مضت، ثم إنه لا يوجد نمط واحد يمكن أن نجمع تحته مصطلح باسم الشخصية المصرية، فالثقافات الفرعية، واختلاف الأعمار، واختلاف الطبقات يلزمنا أن نحذر التعميم طول الوقت، عموما فإن هذه السنوات الأربع كانت فرصة لنتعرف على ما خفى منا، وأيضا لنكتشف قدرات لم نكن نتصور أننا نمتلكها.
2- ما التغيرات التي شهدتها الشخصية المصرية في سنوات الثورة؟ وهل صحيح أن الثورة أخرجت أسوأ ما في هذه الشخصية من طباع؟
د. يحيى:
الذى يقول أن الثورة أخرجت أسوأ ما فى هذه الشخصية من طباع ينبغى ألا يتعجل الحكم، فالتغيرات تجرى بسرعة يصعب ملاحقتها، وحتى الحديث عن ثورة أو ثورتين، يحتاج أن ننتظر لزمن أطول حتى تتم مراحل الثورة الحقيقية قبل أن نتكلم عن ثورات متلاحقة هكذا، لا يمكن اليقين بأن ثورة قد اكتملت إلا بالنجاح فى إرساء معالم دولة مستقرة، ذات أنتاج قوى، قادرة أن تصحح أخطاء الماضى لتسهم فى الحضارة الإنسانية التى يعاد تشكيلها عبر العالم رضينا أم لم نرض، إن ما ظهر مما يسمى “أسوا ما فى الشخصية المصرية من طباع” هو أمر متوقع، وهو ثمن لا بد أن ندفعه ونحن نمر بمرحلة التفكيك التى لم تنته بعد إلى مرحلة إعادة التشكيل، لا توجد ثورة بلا ضحايا، ولا يوجد مكسب ثورى بلا ثمن، حتى الآن وفى حدود أربع سنوات علينا أن نحذر من ترديد مثل هذه الكلمات بسهولة، حتى التعبيرات السائدة ليل نهار عن آثار الثورة وما بعد الثورة وما قبل الثورة علينا أن نتواضع فى ترديدها حتى تتشكل معالم الثورة بمعنى بناء الاقتصاد وبناء الإنسان معا، وهو أمر يحتاج سنين عددا، علينا أن نتحمل مسئولية إعادة تشكيل ناسنا وأنتاجنا مستقلا ، إذن فالقول بأن هذه السنوات اظهرت أسوأ ما فينا هو قول غير دقيق، وعلينا أن نتذكر أن السوء هو طبيعة بشرية موجودة فى كل البشر منذ قابيل وهابيل، منذ الهم الله سبحانه وتعالى النفس البشرية فجورها وتقواها، والذى ينظم الفجور ويبارك التقوى هو الممارسة الايمانية والاجتماعية والثقافية والحضارية المتاحة، فإذا اهتزت كل هذه الممارسات مع غياب الدولة وتشويه الدين وتمزق المجتمع لعدة سنوات، فمن ذا الذى يهذب الشر فينا؟ ثم إن غياب الحس الحضارى أثناء مرحلة التفكيك يجعل العقل البدائى الجمعى هو المتحكم فى تصرفات الجماعات العشوائية، بما يشل العمل ويعطل الإنتاج بما يترتب عن هذا وذاك من مضاعفات
3- ما هي التغيرات الأكثر حسما في مزاج (من الممكن تعريف المزاج) المصريين قبل الثورة وبعدها؟
د. يحيى:
أتعجب من السؤال عن المزاج والحالة الانفعالية بهذا الإلحاح، نحن فى موقف حياتى يتجاوز النظر فى المزاج والبحث عن العواطف الرخوة المزاجية، نحن فى موقف جاد ومؤلم معظم الوقت، ولن يحسم هذا الموقف تطمين سطحى، أو وعود طيارة، الذي يعدل المزاج – ولا مؤاخذة- هو أن يصل الأمان إلى كل خلية من خلايا وجودنا بما يتجلى فى الأسرة والمدرسة والشارع ودور العبادة ومواقع العمل ليل نهار، المزاج عقب الثورات يتعلق بقدر الموضوعية والأمان والانتاج حتى يصل كل ذلك للشخص العادي حيثما كان، وأنا أفضل أن تحل هذه الكلمات عن الأمان والإنتاج محل الكلام عن ، مزاج المصريين هكذا بشكل عام، أتمنى أن تصبح هذه هى الترجمة السليمة لما نعنيه بـ “المزاج المصرى الثورى”، فيتحول الصياح إلى صلاة العمل، وتصبح الفرحة المزاجية هى الطمأنينة للأمن، وتنقلب المطالب الفئوية إلى وعى بالمشاركة، وهذا يحتاج عدلا حقيقيا على كل المستويات، وإن صح ما أشعر به فالمزاج الذى ينتظره كل المصريين بشوق بالغ هو العدل
4- ما الذي يؤثر على المزاج العام؟ وهل يمكن للفن والسياسة أن تلعب دورًا في هذا السياق؟
د. يحيى:
كما قدمت أفضل ألا استعمل تعبير “الذى يؤثر على المزاج” واستبدله بتعبير: “الذى يشكل الوعى العام”، المسألة ليست مزاجا عاما، وإنما هى حالة الوعى الجماعى الذى هو جماع عقول ووجدان وإدراك كل فرد على حدة ثم الامة مجتمعة، وإذا كان الوعى العام قبل أربع سنوات كان قد استسلم إلى الاكتفاء بإلقاء اللوم والتأجيل والاعتمادية والانتظار، فإن الذى نأمل أن ننمية من كل فرد وفى كل اتجاه هو الحزم والإصرار والفعل وحمل الأمانة، مرة أخرى تحت مظلة عدل مطلق، أما دور الفن فهو دور جوهرى وأساسى، شريطة ألا نكتفى بفن التحريض ودغدغة المشاعر، وأن يكون الإبداع الأصيل المستمر هو الدليل على نجاح الثورة على طريق بناء الحضارة.
5- ما رأيك في الحديث عن تفرد الشخصية المصرية عما حولها من بلاد وشعوب؟
د. يحيى:
كل فتاة بأبيها معجبة، وكل شعب بشخصية ناسه فخور لدرجة الغرور أحيانا، لم يعد لائقا فى هذه الأيام ونحن فى القرن الواحد والعشرين مع كل ثورة التواصل والمواصلات الجارية أن نتحدث عن تميز شخصية وطنية بذاتها على تفرد شخصية وطنية أخرى، الفروق الآن تتضاءل بين الأمم، والحدود تكاد تتلاشى نتيجة نشاط التكنولوجية العملاقة التى يعيشها الفرد العادى، التفاهم بالأقمار الصناعية أصبح أيسر من أحلام الخيال العلمى فى القرن الماضى، ولذلك ينبغى أن نحذر من حكاية تميز الشخصية المصرية بشكل خطابىّ نظرى منفصل عن ما هو نحن “هنا والآن”، وحتى التفاخر بالشخصية المصرية التاريخية، برغم أنه من حقنا، فإنه لا ينبغى أن يكون مبررا للتمادى فى فخر لا يدعمه عمل وإنتاج وإبداع طول الوقت، ، لابد أن نعترف أن لكل أمة ما يميزها رغم اشتراكها مع سائر الأمم فى الانتماء إلى الجنس البشرى جغرافيا وتاريخيا.
وكما تختلف بصمات اليد، تختلف سمات الأفراد ولا يوجد فرد مثل الآخر تماما حتى التوائم المتشابهة، وعلى ذلك فإن من حق الشخصية المصرية أن تتميز ولكن ليس بمعنى قرض فصائد الفخر، وإنما بمعنى مدى قدرتها على الإسهام فى المسيرة البشرية جمعاء بالإنتاج والإبداع، وعن نفسى فأنا فخور بهذه الشخصية، لكن ليس لدرجة “إنى لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا” وكلام من هذا، وقد أجريت تجربة على ذلك، وطلبت من عينة من المصريين أن يكملوا الجملة الأولى بعد أن حذفت الثانية، ولم يكرر قول مصطفى كامل إلا عدد قليل من العينة، وليس عندى رغبة أن أذكر بعض الإجابات التى أدهشتنى وهم يكملون: لوددت أن أكون …..، ثم يذكرون أسماء بلاد لم أكن أتصور أنها يمكن أن تخطر على بال مصرى أبدا!!! حتى أحزنتنى بعض الإجابات جدا!! أنا ما زلت أفخر بشخصيتى المصرية ، وأتحسس طبعها الحضارى المنطبع فى خلايا الدناDNA الذى شكل المصريين أجيالا بعد أجيال، وتصلنى قدرتها على الصبر والمثابرة بما يشمل: بعد النظر واحتواء الكوارث، لتقوم منها أقوى وأقدر.
6- كيف تفسر خروج الملايين المصريين في لحظات الاستدعاء التاريخي بصورة مبهرة ثم سرعان ما تختفي؟ هل ذلك راجع لما يتميز به الشعب المصري من مخزون تاريخي؟
د. يحيى:
حين أردت أن أستدرك فى الإجابة على نهاية السؤال السابق لألطف نفى تميزنا، ذكرت التاريخ كما تلاحظ، لكن علينا أن نتذكر أن المخزون التاريخى وحده لا يكفى لتفسير غضب أمة بأكملها فى وقت بذاته، طبعا المخزون التاريخى للشعب المصرى يسمح بالثقة فى قدراته مهما غلبت عليه علامات التدهور والنكوص فى فترة بذاتها، وبالتالى فإن هذه العلاقة بالحياة وبالأرض، وقبل هذا وذاك بالله، هى المحور الجوهرى الذى يمكن العثور عليه فى جوهر الأفراد أو الجماعات المصرية على اختلاف مظاهر عقائدهم وثقافتهم، لكن المتابع للتاريخ لابد أن يلاحظ أن صبر الشعب المصرى يمكن أن يمتد عشرات السنين لكنه حين يفيض به الكيل، يقوم ويقلبها عاليها سافلها وليكن ما يكون
7- من ملاحظاتك الشخصية هل تغيرت طبيعة الأمراض النفسية قبل ثورة يناير وطوال سنوات الثورة؟
د. يحيى:
الحديث عن ظهور أمراض نفسية جديدة أو مختلفة بشكل عام فى فترات الطفرات التاريخية بما فيها التحولات الثورية هو حديث وارد مهم، لكننى أحذر تماما من وصف شعب بأكمله بأنه مصاب بالمرض النفسى الفلانى أو العلانى، فأنا أعتبر مثل ذلك وصفا بعيدا عن الدقة، وقد اعترضت مرارا على من يصف شعبى بأنه مصاب بما أسموه “اكتئاب قومى” لمجرد غلبة الصرامة والجدية فى أوقات الأزمات، كما رفضت بكل حسم الكلام عن الفصام عند مجاميع الناس لمجرد تناقض تصرفاتهم أو مواقفهم فى مواجهتهم لضغوط غامضة ومربكة كل هذا ينبغى أن يتوقف فلا هو علم ولا هو مفيد.
أما عن تغير طبيعة الأمراض النفسية مؤخرا فلا أنا لاحظت ولا زملائى فى حدود علمى أبلغونى بمثل ذلك اللهم إلا فى محتوى الضلالات مثلا أو تزييف الذاكرة بما يتماشى مع الأحداث الجديدة واللغة السياسية الجديدة، لكن يظل الفصام هو الفصام والاكتئاب هو الاكتئاب والقلق هو القلق كلمات تصف أمراضا، ولا تصف شعبا بأكمله
8- لماذا انتشرت الكآبة وعدم التفاؤل بعد الثورة مباشرة رغم عظمة أحداثها؟ أم أن الأمر مرتبط بما حدث فيما بعد على الصعيد السياسي؟
د. يحيى:
بعد الثورة مباشرة كان التفاؤل غالبا، لكن صاحبه الاستعجال فى قطف الثمار، وعندما تأخرت عملية القطاف خصوصا فيما يتعلق بالأمان والعدل ورفع مستوى المعيشة، أصيب الكثيرون بالاحباط ، فضلا عن الآثار المترتبة على ما أصاب هيبة الدولة من اهتزاز وما لحق بالجهاز الأمنى من خلخلة واضطراب قبل ان يتعافى مؤخرا، أما على الصعيد السياسى فلابد من الاعتراف بأننا لم نمارس السياسة بحقها منذ ستين عاما، وبالتالى فنحن ما زلنا فى سنة أولى سياسة وأننا ما زلنا فى سنة أولى روضة KG1 ولا مؤاخذة، والأزمة التى تمر بها الأحزاب الكثيرة الآن دليل على ذلك، وعلينا ألا نلوم أصحاب النوايا الطيبة والحماسة المتوقعة لتكوين الأحزاب، ولكن علينا فى نفس الوقت ألا نستعجل “سلق” تخليق الوعى السياسى حتى لا ينزل الجنين مبتسرا، النضج السياسى يحتاج وقتا، وهو ليس مشكلة عاجلة مثل مشكلة أطفال الشوارع أو أنابيت البوتاجاز
9- هل التفاؤل بالمستقبل في مصر نوع من العبث أم أن له ما يبرره على أرض الواقع؟
د. يحيى:
التفاؤل فريضة لمن بقى على سطح الأرض من أحياء، ولكننى لا أقصد بالتفاؤل مجرد افتراض أن الدنيا بخير وأن الآتى أفضل، هذا يسمى التفكير الآمِل (أى الذى يقلب الأمل واقعا بمجرد التفكير فيه بغض النظر عن تنفيذه) لكننى أقصد التفاؤل المسئول الذى يحمّل من يعلنه أو ينادى به أن يبدأ فى تحقيقه الآن وفورا بدءًا بنفسه وبمن يرعاه، وهذا ممكن، بل إنه هو الآلية الدائمة والمستمرة لبناء الحضارة على المدى الطويل، الحضارة تبدأ بحالة من اليقين بحتم الإسهام فى تطوير الحياة إلى أحسن، الأمر الذى تصاحبه حالة من التقشف النفسى الجاد، وتقديس العمل ، وأن يحمل كل فرد هم كل المجموع، ويواصل العمل لله وللناس بالاتقان والمثابرة طول الوفت، وبغير كل ذلك يصبح الحديث عن التفاؤل إما غفلة أو استسهالا أو اعتماتدية؟
10- البعض يخشى من تزايد الهاجس الأمني لدى عموم الشعب خاصة بعد وقائع الإبلاغ عن صحافي فرنسي وسائحين لتبادلهم حوارات بلغة أجنبية؟
د. يحيى:
من حق الناس أن يشغلهم الحافز الأمنى فهم مهددون من أكثر من جانب: أولا من جانب الارهاب والمهووسين دينيا، وثانياً: من جانب السلطة الحريصة على معرفة كل دبيب نملة حتى توفر الأمان لسائر الناس والمؤسسات، وثالثاً : من التآمر الخارجى المحتمل طول الوقت، والذى يفسر الحديث عنه بالتفكير التآمرى بغير وجه حق،
أما علاقة ذلك بوقائع الإبلاغ عن صحافي فرنسي وسائحين ….إلخ، فليس عندى فكرة عن تفاصيل ذلك، فإن الإعلام مشغول أكثر بأكثر بتداعيات أحداث باريس الأخيرة، وأوربا عامة ، وهذه الإفاقة الغربية الجماعية التى برغم إيجابيتها إلا أنها أعلنت أن البورصة التى يسوق فيها البشر، لها ألف مقياس ومقياس، فكاد القتلة المجرمون يتقاسمون العار مع المحتجين المتحيزين المصنفين للضحايا الغربيين وهم بشر مثل البشر عندنا ومثل ضحايانا، بأثمان تبلغ أضعاف أضعاف جنودنا وأبطالنا وشهداء كل العرب على الناحيتن، أو على كل النواحى.
11- هل لعب الإعلام دوره التنويري أم تحول إلى جهاز لبث الشائعات والبحث عن الفضائح (نموذج حمام باب البحر)؟
د. يحيى:
بصراحة هذا سؤال مهم وموجع، فأنا تصورت، وما زلت أتصور أنه على الإعلام مسئولية تكاد تساوى مسئولية الدولة، وأحيانا أتصور أنها تفوقها، وهذا يجعل نقدنا له واجب وينبغى أن نلاحقه باحترام وشدة فى نفس الوقت، نعم: الإعلام هو الذى يواصل تشكيل الوعى العام أولا بأول وباستمرار، وحين أقول “الوعى العام” أعنى شيئا آخر غير “الرأى العام”، الرأى العام هو الذى يملأ الصناديق وأحيانا يقوم بالمظاهرات، أما الرأى العام فهو الذى يبنى الحضارة ويدعم الاقتصاد ويتحمل المسئولية بل ويحافظ على بقاء النوع البشرى كما حافظت جميع الأحياء التى قاومت الانقراض على بقائها من خلال برامج وعيها العام، فلم يكن عند النوارس والضفادع والثعابين والحمام صناديق انتخابات أو صحف أو فضائيات، لكن كان عندها برامج بقائية حذقت ممارستها حتى بقيت، وهذه البرامج هى ما يقابل الوعى الجماعى عند البشر، وهو غير عقل الجماعة الذى قد ينقلب إلى سلوك القطيع أيضا بفضل تلاعب الإعلام الخبيث به، الإعلام عندنا ركز طوال الأربع سنوات الماضية على إبلاغنا ما يصله ما استطاع- وهذه ليست نهاية مهمته، فقد غلب على أدائه كم هائل من الإثارة والرشوة والتحريض المباشر وغير المباشر بقصد وبغير قصد، وكانت النتيجة هى البلبلة أكثر منها الشفافية، والتهييج وزيادة المطالب العاجلة والفئوية، أكثر منه الانتماء والعمل، الرأى العام المسئول هو نتاج الإعلام المسئول، الرأى العام هو جماع وعى الأفراد من نفس النوع من الأحياء وهل هناك ما يؤثر فى هذا الجُمّاع أكثر من الإعلام؟
12- هل رأى المواطن المصري في الرئيس السيسي مقومات البطل الشعبي؟
د. يحيى:
لم يعد هناك مجال فى القرن الواحد والعشرين سنة 2015 أن نتكلم عن بطل شعبى وكاريزما الرؤساء وكلام مثل هذا، هذه مصطلحات تصلح للهتاف فى مظاهرة أو لملء الصناديق أكثر من صلاحيتها لتوثيق الصلة بين الرئيس الجاد الذى يخدم الناس وهو يبنى شعبه، كل مواطن مصرى الآن هو بطل شعبى إذا وضع همه أن اللحظة التى يملأها بعمل منتج فعلا، يحيى بها نفسه وغيره، بل يحيُى بها الناس جميعا،هذا هو البطل الشعبى سواء جلس فى قصر الاتحادية أو وقف على رأس حقله ممسكا فأسه، أو مدرسا فى فصل مدرسته منشئا أجيال المستقبل.
13- كيف يتحمل الشعب الآن التعثر في بعض الملفات الاقتصادية في عصر السيسي على الرغم من عدم تحملها في عهد المعزول مرسي؟
د. يحيى:
من قال أن الشعب تحملها فى عهد الرئيس المعزول الدكتور مرسى؟ لو كان تحملها لتركه فى منصبه، إنه لم يتحملها فعزله.
ثم ما هو الغريب فى أن يتعثر شعب من الشعوب فى الملفات الاقتصادية الخاصة ببلده فى كل العصور؟ الملف الاقتصادى لأى شعب هو عموده الفقرى، هو الفكرة المحورية التى يبنى عليها كل مقومات وجوده، وخاصة وقد استلم هذا الشعب ملفاته الاقتصادية وهى بلا معالم بعد أن كان قد استولى عليها الهواة والمستغلين.
14- كيف نتعاطى مع شخصية المتطرف؟ هل يكفي الحل الأمني أم أن الحوار هو الحل الوحيد؟
د. يحيى:
الحل الأمنى هو حل ضرورى فى الأزمات الحادة فقط، وأعتقد أننا فى أشدها هذه الأيام، ولكن ينبغى ألا يكون هو الحل الأفضل طول الوقت، بمعنى أنه ينبغى أن نتازل عن أوليته ببعد نظر حقيقى يمتد أثره إلى القدرة على إرساء قواعد الأمان فى الحياة العادية بالقانون والعدل والمؤسسات الطبيعية، وهذا قد يحتاج إلى سنين عددا على مستوى التعليم، والإعلام، والدين، والإبداع، لكن علينا أن نبدأ الآن، وفورا.
15- ما الفرق بين التطرف والتعصب خاصة أن هناك خلط بين المفهومين؟
د. يحيى:
بصراحة شغلنى هذا الخلط من قديم ، حتى نشرت فى الأهرام فى: 14/2/1980 مقالا فى ذلك ، دافعت فيه عن التطرف بمعنى وضوح الموقف وتحديده، وتحمل مسئوليته، وهاجمت فيه التعصب لأنه نوع من الجمود القابل للتفجر فى أى وقت، وقد قلت فى ذلك: “….التطرف هو نقطة قصوى فى حركة مستمرة، وهو بذلك ضرورة حتمية كنقطة فى حركة، ولكنه يمكن ان يكون كارثة مخيفة كنهاية المطاف، والحالة الأخيرة هى التعصب والجمود فالتطرف من حيث المبدأ هو “حركة” لها “آخر”، أما التعصب فهو “جمود” و”انفراد”.، والتطرف عادة ما يكون بالنسبة للمواقف و الأهداف … أما التعصب فهو عادة ما يكون بالنسبة للوسائل و الأشخاص … نبينا الكريم كان متطرفا حين قال معنى: والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على ان أترك هذا الأمر أو أهلك دونه ما فعلت، ولكنه لم يكن متعصبا حين قال: ..ومن دخل بيت أبى سفيان فهو آمن .. اذن فمن الشرف والفخر ان أتطرف فى الحق، ومن الجبن والعار أن أتعصب فأتجمد حتى أتفجر، وقد سبق أن عبر أستاذنا العقاد عن روعة التطرف وجمال وهجه الباعث للحياة حتى ولو كان تطرفا فى التشاؤم، وذلك وهو يدافع عن سوداوية المعرى وشوبنهور بالمقارنة بالبلادة وعدم الأكتراث اللذين يسودان العصر، ” “إلى أن قلت فى ذلك المقال: “.. ولكن دفاعى هذا عن التطرف لايعنى فتح الباب للصياح أو التشنج فما أرجوه من خلاله هو إعلان ضرورة تحديد الملامح كبداية لجدوى الحوار، كما أعلن به حتمية الحركة دفعا للنمو فى مقابل خطورة السكون و الجمود ،سواء سكون بركة الميوعة أم تصلب عمى التعصب، وبألفاظ أخرى لابد من الأعتراف بأن الانسان فى لحظة ما لابد وأن يكون متحيزا الى جانب، ما، وعى بذلك أم لم يع، ومادام الأمر كذلك فالأفضل له أن يعرفه فيعلنه ليستطيع أن يتقدم الى مزيد من التعرف على أبعاده .. وعلى نقيضه بالضرورة، وهنا يصبح تحركه منه محتملا ورائعا وبهيجا.. ومؤلما فى نفس الوقت، أما إذا أنكر تحيزه – على نفسه أساسا – فالخوف كل الخوف أن يكون ذلك تكئه لأن يتمسك بهذا التحيز فى الخفاء فينسحب من الالتزام، ويصير”كل الناس حلوين” وتموت الحركة تحت وهم الحياد
16- هناك غضب بين صفوف الشباب على الرغم من الثورة.. لماذا؟
د. يحيى:
أنا أتفهم غضب الشباب ، لكننى لا أعفليهم من مسئولية التعجل، وتكرار النص (السكريبت) وكثرة الكلام ، وفى نفس الوقت أنا أعذرهم فهم لم يتدربوا على ممارسة السياسة بالمعنى الحر الحقيقى منذ ولادتهم فى عصر لا يستعمل كلمة السياسة فى موضعها اصلا، ثم إنى لا أعتقد أنه يوجد اهمال بحق للشباب، بل إننى أرى أن النفخ فى دورهم أكثر من اللازم قد أساء إليهم أكثر منه أعطاهم حقهم، ولا أحد يمكن أن يُعطى موقعا سياسيا لمواطن لمجرد أنه صغير السن، الشباب هم الذين سوف يفرضون أنفسهم من خلال الممارسة فى الحياة السياسية وغير السياسية، وعلى من يشعر أن له دور أن يقتحم الساحة ولسوف يأخذ حقه ويثرينا.