حتى لا يختزلوننا إلى “محمد الدرة”
نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء : 6-12-2023
السنة السابعة عشر
العدد: 5940
للتذكرة نشرت فى جريدة الوطن 26/10/2000
آلام…وأوهام
حتى لا يختزلوننا إلى “محمد الدرة”
أما الآلام، فإن مجردالحديث عنها، أو وصفها، أو التذكرة بحجمها فى خبر (مكتوب، أو مسموع، أو مرئى) أو حتى تشكيلها فى قصيد أو تصوير أو نغـم، كل هذا يمكن أن يصير تهوينا من شأنها. بل إن تكرار التأكيد على عمقها وامتدادها (والتغنى بها !! يا قدس !!) قد يعود الحس الموجوع عليها، حتى يصبح أكثر بلادة رغم استمرار صراخ التوجع، أوحتى الاستغاثة.
لقد تعرى المأزق الذى كشفت عنه الأحداث الأخيرة بشكل يحتاج إلى إفاقة شاملة، قبل وبعد الأحداث، قبل وبعد الآلام، قبل وبعد القمم.
ما اكتشفناه ونكتشفه من قسوة، وغدر، ونذالة، وظلم قوى الشر ليس حادثا طارئا، أو جديدا. هم هم نفس الوحوش، ونفس التعصب، ونفس الغطرسة، ونفس الغرور، ونفس الاستعلاء. كل ما فى الأمر أنهم كانوا يمارسون كل هذا بطرق معاصرة تحت شعارات براقة، مع التلويح بآمال واعدة، وكأنهم ليسوا هم الذين أخرجونا من ديارنا المرة تلو المرة، وكأنهم ليسوا هم الذين سـبوا نساءنا وشوهوا أطفالنا، وكأنهم ليسوا هم الذين يتـموا أطفالنا ثم لم يترددوا فى قتلهم فرادى وجماعات.
قبل الأحداث الأخيرة، كان الحوار قد اكتسب نعومة تسمح بدس السم فى العسل. وكذلك تسريب المخدرات فى الإعلام. لكن للزيف عمر محدود.
إن ما فعلته زيارة هذا الوغد القاتل للقدس، فى حماية زبانية ذلك الذئب الغادر هو أمران، الأول: أنهـا كشفت هذا القناع الناعم من محاولات الاقتراب المتسحب المدعى، والثانى:: أنها نزعت الصمام من على فوهة قارورة الغضب فانطلق المارد. انطلق لا ليحقق الآمال بأنه “شبيك لبيك الانتفاضة بين إيديك”، وإنما ليصرخ صرخة النذير أنه “إما الحياة وإما الموت”، ولا يوجد وسط بين الحياة والموت.
تعالوا، إذا أردنا أن نختارالحياة الكريمة دون الموت (الظاهر أوالخفى)، نحسن الاستماع لصرخة هذا النذرير ونحن نتجاوز آلامنا، لا ننساها، ولا نتوقف عندها*
أولا: نبدأ بالتذكرة بما ذكرته فى المقال السابق من ضرورة فهم طبيعة شمول “المواجهة على كل الجبهات”.
ثانيا: لا مفر من إعادة النظر فى ألعاب اللغة وخبث الخطاب، وخاصة بعد أن أصبحا صناعة مصقولة مغيرة تمتطى صهوة وسائل الإعلام الجديدة عبر الشفافية المبرمجة بحساب غامض. وقد يجرنا هذا إلى إعادة تعريف كثير مما نعرف، مثل: معنى الحرب، ومعنى العدو، ومعنى النصر، بل ومعنى الإنسان.
خذ كلمات أخرى تحتاج إلى مراجعة: مثل “العنف” – “الإفراط فى استعمال القوة” – “السلام” – “الأرض” – “الاحتلال” – “المقاومة” – “الخطف” – “الأسر”، كل هذه الكلمات أصبحت تستعمل بشكل غير ما اعتادت أن تعنيه، ولأغراض تتوقف على خبث (أو صدق) من يستعملها، ومدى قدرة أداته. أصبحت مثل الطلقات التى تتوقف آثارها على من الذى يطلقها، وفى أى اتجاه.
رابعا: مراجعة طريقة التعامل مع الزمن، بأن نحذق الغوص فى “الآن” بقدر ما تمتد رؤيتنا إلى ما بعد الأزمة، ومابعد الآلام، وما بعد الحماس مسئولين فى كل حال.
المطلوب منا هو أن نقف طويلا، وكثيرا، أمام كل ما يطرح على وعينا بقصد أوبغير قصد، فلا ننساق وراء لغة لم نساهم فى تخليقها.
إن هذه المجاهدات سوف تسمح لنا أن نكتشف كثيرا مما نردده، بنصف وعى وكأنه الحقيقة، وأيضا قد تنقى مشاعرنا، وتموضع أفكارنا بالقدر الواجب بحثاعن الحقيقية. وفيما يلى تعداد مبدئى لأوهام محتملة أثارتها الأزمة الراهنة.
الوهم الأول: حول اغتيال محمد الدرة.
الوهم الثانى: إنها إسرائيل (أوحتى الصهاينة أواليهود)
الوهم الثالث: إنه باراك، أو: إنه شارون، أو إنه: نتانياهو.
الوهم الرابع: إنها أمريكا.
الوهم الخامس: إنها نهاية الحروب.
الوهم السادس: إن الانتفاضة هى الحل.
سوف أكتفى فى المقال الحالى بالحديث عن الوهم الأول، أعنى مأساة “محمد الدرة” باعتباره الوهم الأصعب، وبالتالى أتوقع مقاومة من القارئ مقاومة حتى يتصور أننى أكتب كلاما لا يفهم. (كالعادة).
أولا: حول اغتيال محمد الدرة
(1) ما الفرق بين قتل طفل، أوقتل عجوز مقعدة على كرسى متحرك، وبين قتل يافع مفتول العضلات، أو موظف أرشيف يعول خمسة أطفال وأخت عانس وأم عجوز؟
(2) أى الأمور أولى بدفع “الإنسانيين” إلى حكم عدل، ونظرة موضوعية: هجوع جثة طفل تحت الثرى فى رحاب رحمة الله بعد أن اختاره إليه شهيدا بريئـا، أم تضور إخوته التسعة جوعا لأن أباهم (أو من هو مثل أبيهم ممن لم يشرف بموت ابنه) لم يعد له مصدر رزق، ولا يستطيع أن يعود إليهم لا بعربة حمراء،ولا بلقمة صفراء التقطها بجوار صندوق قمامة، فنفض عنها التراب وتعمد أن ينسى أين التقطها، ولا ماذا كان عليها، حتى يمكنه أن يقدمها لابنته المصابة بمبادئ سل رئوى بالإضافة إلى سوء التغذية ؟
(3) أيهما أدعى للتعاطف: محمد الدرة الذى انتقل إلى رحاب الله شهيدا أو بريئا لم يشوه، أم طفل فى مثل سنه ولد فى الشتات لا يعرف بماذا يجيب إذا سئل عن هويته، ثم رعب وهو يسمع حديثا بين أبيه وأمه عن أنهما لا يملكان حتى جواز سفر يسمح لهما بالتنقل بين البلاد طلبا للعيش حتى يعولاه؟
(4) أى الأخبار الأولى ألا تنسى، استشهاد طفل فى موقف درامى حقيقى سوف يظهر فى أفلام كثيرة، ومسلسلات مثيرة، أم تشريد عائلات (لا أعرف عددها) أطفالا وكهولا، رجالا ونساء، ثيبات وأبكارا، بعد هدم منازلهم بالبلدوزر لمجرد اشتباه أن حجرا هشا أو طلقة طائشة صدرت من ناحيةبيتهم.
(5) أيهما أكثردلالة: حادث حدث علانية كل ميزته أن الأدوات الأحدث قد نجحت فى تصويره ونقله إلى العالم، أم منظر عمال فلسطينيين (هم بمثابة عم محمد الدرة، أوخاله، أو ابن عمته، أو زوج أخته – مثلا) وهم مختبئون داخل ثلاجة، داخل إسرائيل، حتى لا تراهم السلطات الإسرائيلية، فيرحلونهم إلى قطاع غزة، وهم أحوج ما يكونون إلى القرش الذى يقبضونه من صاحب العمل الإسرائيلى حتى لا تموت أسرهم جوعا. ثم يكتشفونهم فى مخبئهم وقد كادوا يتجمدون من الثلوج المتراكمة فى الثلاجة (نشرهذا الخبر أول أمس فى خمسة أسطر دون مربع، فتذكرت فيلم توفيق صالح المخدوعون).
إن هذه الهيجة التى ركز عليها الإعلام الغربى والشمالى بضعة أيام لا تشير إلى تعاطف حقيقى، أو تعرية صادقة ضد الموقف القهر والسحق والإذلال، والغطرسة التى يمارسها هؤلاء المسوخ شبه البشرية، خاصة وأن نفس هذا الإعلام قد عاد والتف حول المسألة وراح يلقى باللوم على الأهالى الفلسطينيين الجبناء الذين يرسلون أطفالهم إلى الموت بدلا من أن يواجهوا هم أعداءهم وجها لوجه (أى طوبة لدانة، وعصا لقنبلة، ونبلة لمدفع !!!)، ولولا بقية من حياء لاتهموا هؤلاء الأهل أنهم بذلك ينظـمون نسلهم بأثر رجعي، أو هم يتخلصون من الأكبر ليواصلوا الإنجاب بدلا من منظمات منع الحمل !! أليس لمحمد الدرة تسع إخوة وأخوات؟
إن هذه الهيجة هى من نوع الاختزال الذى ساد الفكر الغربى كله، من أول اختزال ظاهرة الوجود إلى غرور الإنسان ورفاهيته، حتى اختزال المرض النفسى إلى خلل فى هذه المادة أوتلك، مارين باختزال الوعى البشرى إلى سلوك محدود ظاهر،واختزال خريطة الإنسان إلى منظومة جيناته (الجينوم).
إن هذه العوطف التى تدفقت علينا (يا حبة عينى – مع الشكر) من الغرب لبضعة أيام هى عواطف ما بعد الخباثـة (كلمة منحوتة من الخبث – قياسا على “ما بعد الحداثة”)، هى رقة من نوع الرقة التى يمكن أن تملأ صحفهم ووسائل إعلامهم لوقوع قطة فى بئر جاف مهجور، يسمعون مواءها ولا يعرفون غور البئر أو محتواه، وهم يملؤون الدنيا ضجيجا يعلنون خشيتهم أن تموت جوعا (يا حرام) قبل أن يحضروا آلات تقنياتهم لسبر غور البئر، ثـم إنقاذها.
إن الناظر بدقة فى التشويه الذى لحق حتى بالعواطف الإنسانية بسبب تسطيح المشاعر، وتسويق الرقة والشعارات اللامعة الباردة الملساء، يمكن أن يلاحظ هذا الزيف فى المواقف الفردية والجماعية. الفردية مثل منظر: امرأة دمثة تلف معطف الصوف حول جسد جرو صغير أو قط سيامى ذكى (أوحتى أرنب ناعم الملمس) وهى تجره وراءها فى حديقة لكسمبرج لتشمسه صباح خريف هادئ.
أما المظاهر الجماعية فيكفى أن نتذكر تفاعل الشعب البريطانى يوم مصرع المأسوف على جمالها ورقتها ومشاريعها الإنسانية الست الغاوية المغوية (الباردة جنسيا فى الأغلب) الأميرة ديانا جدا.
إن الإعلام الحديث، والمنهج الحديث، والبرمجة الحديثة قادرة على أن تختزل المشاعر الإنسانية إلى أسطح أنواع العواطف، وأن تختزل الاهتمامات الإنسانية إلى أكثرها هامشية، وأن تختزل الآمال الإنسانية إلى أقصر الأحلام عمرا وأسرعها تطايرا. وهى هى نفسها (الإعلام، والمنهج، والبرمجة) قادرة على أن تعمل العكس لترتقى بالمشاعر الإنسانية إلى مشاعر أبعد عن البدائية، وأقدر على تحمل مسئوليات الأمانة والوعى والعدل.
يبدو أن الشاعر العربى كان ينبهنا إلى هذا الموقف وهو يردد
قتل امرئ فى غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
لكن الصورة أصبحت أكثر تزويقا حين يكون المقتول طفلا، ومحل القتل هو شارع فى القدس أو غزة، ومع التحديث يصبح هذا القتل جريمة لا تغتفر لمدة أسبوع أو عشرة أيام، ثم هو هو هذا القتل، بعد أن ثبت وتأكد أنه لطفل برئ. هو هونفس الحادث يصبح “مسألة فيها نظر”، تحتاج لوقف العنف من الجانبين (أى والله – هل رأيتم النـبلة التى كنا نصطاد بها العصافير وهى فى يد الشباب الفلسطينى المعتدى جدا؟ ياه !! يا ذا الألم !! إلى متى؟).
أكتفى بهذا القدر فقد زاد الألم وفاض، لكنى أذكـر نفسى بما بدأت به المقال: ما فائدة الألم إذا لم نتعلم أو نستعد أو نتغير أو نتحمل مزيدا من المسئولية ونحن نحاول تعميق النظرة وتدقيق المراجعة؟
قبل أن أنهى المقال أشير فى عجالة إلى بقية الأوهام التى آمل أن أحاول تعريتها فى حديث لا حق.
الوهم الثانى: إنها إسرائيل (أوحتى الصهاينة أو اليهود): وقد قمت بتعرية جزئية لهذا الوهم فى مقالى السابق “المواجهة على كل الجبهات” حين نبهت على “معنى إسرائيل” فى هذه المنطقة بالذات فى هذا الوقت بالذات، وقد أعود لمزيد من التفاصيل.
الوهم الثالث: إنه باراك، أو: إنه شارون، أو إنه: نتانياهو.: يسقط هذا الوهم بمراجعة استطلاعات الرأى العام فى إسرائيل، وموقف جماعات السلام (الآن أو بعد باكر جدا جدا، يا ترى من يعيش !!)
الوهم الرابع: إنها أمريكا: إن النظر المتأنى للأصوات التى امتنعت عن التصويت فى الجمعية العام ةللأمم المتحدة، وتلك التى صوتت ضد تكوين لجنة لتقصى الحقائق من منظمة العفو وأيضا التى امتنعت عن التصويت على تكوين هذه اللجنة، لا بد أن يصله أنها ليست أمريكا وحدها أبدا. أضف إلى ذلك تصريحات السيد بوتين مؤخرا (راعى روسيا وجامى حمى المرحوم ميلوسوفيتش ومحرر الشيشان بطريقته الخاصة!)! يمكن أن يعرف مذا أعنى بأنها ليست أمريكا.
الوهم الخامس: إنها نهاية الحروب: لا توجد نهاية للحروب طالما أن هناك إنسان، وخير وشر، فقط يمكن أن تتغير شكلها وأدواتها ومواقعها ولغاتها. وقد تغيرت إلى ما هو أخبث، وأنذل، وأكثر غدرا.
الوهم السادس: إن الانتفاضة هى الحل: الأمر الذى يحتاج إلى تعريف متجدد للانتفاضة، لا مجرد الاعتمتاد عليها، أوالتصفيق لها، أوالحرص على استمرارها ودعمها.
2023-12-06
عنوان المقال” آلام…و أوهام ” ليس لها من دون الله كاشفة
فما زالت سياسة بص العصفورة متصدرة المشهد و الله أعلم بما يجري و يحدث و يصرف عنه النظر و هو ما يستحق البصر
صناع الأوهام كتروا و ادواتهم صارت أكثر خباثة بتعبيرك المستبصر الواعي يا مولانا الحكيم
كل ما يرد إلينا نحن الشعوب من مفاوضات و مباحثات بزعم محاولات فض الصراع مشكوك فى أمرها و مشكوك فيما وراءها من أهداف
الواقع إن المصالح بتتصالح لدرجة صار بها من الصعب معرفة هو مين مع مين فعلا و ليس ادعاءا و قولا …..
حجب الحقائق و استبدالها باكاذيب و أوهام يتسبب فى تشويه المشاعر و فقدان الثقة يخنق الإحساس ……
اللهم أرنا الحق حقا والهمنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا و الهمنا اجتنابه
يا عمنا يرحمنا ويرحمك الله
تعري الغرب اكثر واكثر (الرسمي) ولكني لا بد ان اذكر انه صراع عقدي بالضرورة . فهم يناصرون اسرائيل لانهم يكرهون الاسلام لا لبس في ذلك. والاسلام الذي اقصده هو الحق . ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ). يا عمنا التدليس علي عينك يا تاجر. والغطرسة علي عينك يا تاجر . والغباء علي عينك يا تاجر. والطحن بالعدمية علي عينك يا تاجر.
الجديد المذهل بقي يا عمنا ان ظهر عندنا الصهاينة العرب ودول من احقر ما يكون .
والجديد المذهل ايضا ان زاد الاغتراب بطريقة مرعبة واختزل الصراع الي مصطلحات ممجوجة مثل حل الدولتين والسلام . فاسرائيل لا تعرف ولا تريد السلام ولا تعرف الا دولة واحدة و تصر علي الا تكون دولة واحدة ( اذا كانت اصلا دولة ).
اسرائيل هي الوجه القبيح المكشوف للغرب الرسمي ورمز كل الاحقاد الدفينة والعلنية لكل ما هو حق .
والعرب والمسلمون اصبحوا فعلا اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون.