الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال (21) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (17) حوار “بلدى” نَفْسِمْراضى!! (سيكوباثولوجى) 1

حالات وأحوال (21) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (17) حوار “بلدى” نَفْسِمْراضى!! (سيكوباثولوجى) 1

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 4-1-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3048

حالات وأحوال (21)

تابع: رحلة التفكيك والتخليق (17)

(بقية نفس المقابلة بتاريخ 28/8/2008)

حوار “بلدى” نَفْسِمْراضى!! (سيكوباثولوجى)  1

تحت مظلة ثقافة الإيمان والوعى الضامّ

المقدمة:

يتصور العامة، والإعلاميون، وكثير من العلماء، وبعض المعالجين أن العلاج النفسى هو تحليل وتأويل يحتاج إلى لغة نفسية خاصة، أو أبجدية تحليلية متميزة، ونحن نعرض اليوم إذ نواصل تقديم جزء آخر من نفس المقابلة – مع ابننا محمد –  ما يدعو لمراجعة كل ذلك.

يواصل الطبيب المعالج تقديم رؤيته، (وليس بالضرورة تفسيره) لأعراض محمد الذى أصبح يتكلم عنها بنفس اللغة النفسمراضية ويفهم (ولا يفهم أى يفهم) ما يريد الطبيب توصيله فيما يخص الفروض المطروحة فى الحوار، يفهمها أسرع وربما أسهل من الأطباء الدارسين حاضرى المقابلة.

من منطلق فرض تنوع “الجوع إلى العلاقة”، المكافئ لتنوع الجوع إلى البشر، يجرى الحوار باستعمال لغة نابعة من ثقافتنا، صالحة لهذا المستوى الثقافى والاجتماعى للمريض بشكل أكثر مباشرة برغم عمقها، وهى لغة (لالغة) ترتبط أيضا، وربما أصلا، بحضور الوعى البينشخصى فى رحاب الوعى الجمعى إلى الوعى المطلق إلى غموض الغيب إلى وجه الله، وكل هذا نراه فى الحوار دون أى ارتباط مباشر بلغة دينية تقليدية، أو ترهيب أو ترغيب بالمعنى المألوف، وهذا المـُنْطلق له علاقة مباشرة بثقافتنا الخاصة غالبا على مستوى الدين الشعبى والإيمان الفطرى أيضا.

وبعد

……………………

انتهى الحوار المنشور الثلاثاء الماضى فى نفس المقابلة كالتالى:

“محمد”: بس أنا عايز أقول حاجه: الحاجات دى (يقصد الخيالات الجنسية) ساعات بتزيد وساعات الحاجات بتقل

د.يحيى: ما هو تبع الجوع للناس، لما يكون مافيش ناس خالص تزيد، لما يبقى فيه ناس بحق وحقيق بتقل.

ونكمل الآن:

……………………

“محمد”: هوّا انا مسئول عن كده؟

د.يحيى: ربنا حايحاسبنا حايحاسبنا، مجنون حايحسبك، نفسانى حايحاسيك، ومن دلوقتى مش بس فى الآخرة.

“محمد”: ياه!!

د.يحيى: ….. زيك زى الجماعة دول، (يشير إلى حضور المقابلة من الدارسين) حايحاسبهم على اللى بيعرفوه وعلى اللى مارضوش يعرفوه، برضه هوّا حايحسبك حيحاسبك، عملت حايحسبك، ماعملتش حايحسبك، مافيهاش فيصال، يعنى على كل اللى انت فيه

“محمد”: ماشى، بس أنا مريض؟

د.يحيى: هو عارف كل حاجه

“محمد”: ماشى، بس حايعذرنى لما اشرح له.

د.يحيى: هوّا مش مستنى شرح، ولا مستنى محامى، ولا وكيل نيابة

التعليق: غالبا فى ثقافتنا نجد حضور “الله” بدءًا من هنا والآن أمرا بديهيا وإيمانيا فى نفس الوقت، ويمكن مواكبة ذلك من منظور الوعى الممتد. مرة أخرى، وكما جاء فى المقدمة: المسألة مرتبطة بالثقافة الشعبية والثقافة الإيمانية المصرية والعربية غالبا، ذلك أنه يبدو أن لهذه الثقافة دور فى الانتماء إلى عملية استعادة الهارمونى، أى الشفاء، ولم أجد فى ممارستى مع ناسنا – إلا نادر– من يعترض على هذه اللغة أو يرفضها، وحتى الذين فى مرحلة الشك يلتقطون جذورها ويستشعرون ربحها فتصلهم جدواها التى لا تتعارض حتى مع شكوكهم (حتى يهتدوا أو لا يهتدون)، لكننى لاحظت أنهم إذا أمكنهم أن يكونوا أوصياء على تفكيرهم ومنطقهم المعقلن، فإنهم لا يملكون نفس قدرة الوصاية على طبقات وعيهم كلها، والتأكيد على مسألة الحساب (حايحاسبنا حايحاسبنا) لا يقصد به هنا، ولا يصل أبدا إلى أنه، حساب الآخرة فحسب، بل حساب كل لحظة إلى آخر اللحظات التى ليس لها آخر.

“محمد”: أنا قصدى إن أنا بازْنِى بعقلى الباطن

د.يحيى: مافيش باطن وظاهر فى الحساب، ما هو الباطن هو إنت برضه، ولاّ حانهرج، خلينا نشيل المسئولية عشان تخف، إوعى تقول الكلام بتاع النفسيين ده تانى، إحنا متحاسبين متحاسبين على اللى جوه واللى بره، الباطن والظاهر، خلينا نعيش واحنا بنعرف ربنا بحق وحقيقى، عشان نِتلم، طبعاً ربنا زى ما حايحسبك حايحاسبنى، يعنى مثلا لو أنا ماجتش إنـِّهـَارْدَ أقابلك كان حايحاسبنى، إنت فاهم إيه، حايحاسبنى على الظاهر والباطن زيك تمام ولاحد حايشفع لى، حتى لو أنت سامحتنى إنى أتأخرت عليك.

“محمد”: ياه!! أهى دى الأصول

د. يحيى: واحنا بنستعين بالأصل والأصول

“محمد”: أنا نِفْسِى وباتمنى

د.يحيى: سيبك من التمنى ده

“محمد”: طيب بلاش التمنى، خلينا فى: أنا نفسى

د.يحيى: خلينا هنا ودلوقتى

“محمد”: أنا نِفسى نِفسى يعنى

د.يحيى: يا جدع أنت سيبك من نِفسى دى، حكاية نِفسى دى ممكن تأجِّـل كل حاجة بتحصل هنا ودلوقتى، احنا مع بعض يبقى نعيش، نحترم كل حاجة فى الثانية دى

“محمد”: فى الثانية دى !! ياه!! واللى فات؟ والتعب اللى تعبته طول عمرى

د. يحيى: أيوه يا محمد يا ابنى عندك حق، أنا لما قريت تانى الكلام اللى فى أوراقك لقيته شَقَى شَقَى، يامحمد من يوم ما أتولدت وأنت شقيان وما مافيش أم، وانت عارف أبوك عمل إيه، الله يخرب بيتك

“محمد”: ولا كان فيه أب ولا فيه نيله

د.يحيى: بالظبط، بس فيه رب، مافيش أب بس فيه رب

“محمد”: أكيد

د.يحيى: مش كفاية أكيد دى، لو واصلالك كنا اتصاحبنا أكثر، والخيالات دى كانت بِعْدت شوية وبقت حاجه تانيه، وكنت ما بقيتش مهزوز وخايف لما تتجوز ومش عارف إيه، ما هو كله مرتبط بكله، باكلمك جد والله 

التعليق: برغم أن الكلام يبدو غامضا مثل “كله مرتبط بكله” إلا أنه يبدو أنه يصل للمريض بسهولة أكثر من المناقشات المعقلنة، كذلك الربط بين حضور الوعى المشترك البينشخصى والوعى العام إلى وجه الله (شعبيًّا وإيمانيا ووعيا!) يعرض على المريض بلا فذلكة علمية ولا تقعير دينى شكل! فيرد المريض ببساطة بما وصله، ويتوثق التواصل.

“محمد”: أنا فاهم

د.يحيى: (يشير إلى الحضور) إمال ليه الدكاترا دول مش فاهمين، هما أحرار، ما هما حيروحوا فى داهيه لو ما اجتهدوش معانا …. أنا بقالى 40 سنه كدهه، ولا ييجى 50 سنة، لما كنت قدهم ما كنش فاهم زيهم، بس تصدق بالله، أنا عرفتها شوية شوية من محمد طربقها وكل المحمّدات.

التعليق: أكرر مرارا أننى أتعلم من مرضاى، وما أتعلمه ليس فقط معلومات عن الصحة والمرض، وإنما معرفة عن الوعى والإيمان والفطرة وحركية الإبداع، برغم أنهم مبدعون فاشلون مُجهضون، وحين أخبر محمد بهذه الحقيقة فأنا أبلغه ما أكرره، وفى نفس الوقت احترم تلقيه الذى لا أشك فى نوعه ولا أبالغ فى قيمته، لكنه دلالة شديدة الأهمية على طريق إرساء علاقة حقيقية.

………….

………….

ونكمل غدًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *