الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال: الحرمان من حق الألم (4)

حالات وأحوال: الحرمان من حق الألم (4)

“نشرة” الإنسان والتطور

26-11-2008

السنة الثانية

العدد: 453                      

حالات وأحوال:

 الحرمان من حق الألم (4)

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

تحريك الوعى قَسْرًا، وأوهام التغيّر

(الإدمان: دفعٌ لنمو كاذب)

مقدمة:

ليكن…!!!!

ولتأخذ “الحالات” معظم مساحة النشرات، ربما يساعدنا ذلك قليلا أو كثيرا، مختصين وغير مختصين، أن نكفّ عن رؤية النص البشرى “من الخارج”، عن رؤية المريض النفسى منفصلاً عما هو نحن، عن الفرجة على المرضى من مسافة.

 هذه الحالات ليست حكيا للتسلية، ولا هى درس للحفظ، هى دعوة متجددة للأصدقاء ليشاركوا، كل بما عنده، أو بما ليس عنده مع أنه عنده، سواء أرسل لنا تعقيبه أو اكتفى بما وصله، الآن ، أو فيما بعد.

نشرنا أحوال هذا الشاب حتى الآن فى ثلاث نشرات (نشرة 11-11-2008 الحق فى الألم: ضد الرفاهية)، (نشرة 12-11-2008 الحق فى الألم 2 الوفرة والرفاهية من الظاهر)، وكنا قد وعدنا فى النشرة الثانية أن نقرأ أقوال عادل بالذات وهو يصف رحلته مع المخدرات، وعلاقته بها، ثم نختم بالتعقيب النهائى كما دار فى اللقاء العلمى الإكلينيكى مضافا إليه ما تيسر بما يسهم فى مزيد من التوضيح.

هذا الجزء الأخير هو ما سوف نحاول تقديمه  فى نشرة اليوم، وأدعو الله أن نتمكن من الانتهاء منه حتى ننتقل إلى حالة أخرى.

 نشرنا فى الحلقة السابقة بعض شكوى عادل مجتمعة متضمنة وصفه لبعض مراحل تعاطيه، وما حول ذلك من احتياج ومشاعر، ونتناول الآن مناقشة بعض ذلك فى محاولة قراءة لهذا النص بما تيسر، كالتالى:

عادل يصف هشاشة ذاته/جسمه/كيانه:

“…..جسمى ماكانش عاجبنى، طويل قوى ورفيع، كنت بالبس بنطلون تحت البنطلون والـ تى شرت تحت الـ تى شيرت علشان أبان احسن، وده فضل معايا لحد 19 سنة وده كان بيخلينى خايف من الناس”.

تعقيب:

مايسمى صورة الجسم “ليس منفصلاً عن صورة الذات”، ولا هو مجرد مرادف له، لكن هل هى صورة مرسومة بخيال العقل، أم هى مخطط  schemaبيولوجى غائر ماثل فى الدماغ، أم أنها كلاهما، يبتعدان أحيانا، ويتطابقان أحيانا؟

 تتكون صورة الجسم، مع تكون صورة الذات، وإن لم يتطابقا بشكل تلقائى، عادل لا ينقص تكوينه الجسدى شىء، وإن كان وزنه يميل إلى النحافة، إلا أنها نحافة يتمناها كل من هو ليس سمهريا، هذه الملابس التى يلبسها تحت الملابس، تعلن بشكل جازم أنه كوّن لجسده (ومن ثم لذاته) صورة” ليست هى”، قليلة هزيلة ضعيفة، ليست هى ما كان يرجو، أو يتمنى، مقارنة بمن حوله من الذين رآهم – من وجهة نظره –  أضخم، وبالتالى أقوى، فهو ضعيف وسط الناس، فهو الخوف أمام الآخرين (الأقوى)، فمن أين يأتى بالتعويض؟ ؟

يأتى من فرط الحركة التى عاناها طفلاً (وهى اضطراب آخر)؟

 يقول عادل:

“… موضوع الحركة الكتير والمشاكل كنت حاببها لأنها بتخلينى مختلف، لكن برضه كنت خايف، ولما ابتديت اجرب المخدرات حسيت انى كبير، صايع، وعندى ثقة فى نفسى. أضرب مخدرات: يبقى حاكلم نسوان، وحايبقى لى مكان وسط الناس اللى أكبر منى لأن معاهم الإمكانيات الأكبر، عربية، فلوس، نسوان”.

اضطراب “فرط الحركة” Hyperkinetic Disorder يصيب الأطفال ويعزى لأسباب متعددة، بعضها عضوى، وهو مشكلة مزعجة، خاصة إذا صاحبه تشتت الانتباه. الأهل يضيقون بفرط الحركة أكثر مما يضيقون بتشتت الانتباهAttention Deficit، الطفل المصاب عادة لا يهمه ما يترتب على اضطرابه هذا، وقد تختل علاقاته مع من حوله لفرط ما يعانون من حركته، أما أن يحب هو حركته ويستعملها لإثبات أنه مختلف، فهو أمر نادر، لكن هذا ما يقوله عادل، ولعل دلالته هى:

إن المسألة ليست فى أن يكون أضخم أو أقوى، وإنما هى أساسا فى أن “يتميز” فردا له معالمه “الخاصة”،  “أن يختلف”.

ما يترتب على فرط حركة مثل هذ الطفل من مشاكل فى المنزل بالذات، يجعل الطفل موضع انتباه زائد، وهو بذلك يؤكد له ضمنا أنه “مختلف” بشكلٍ ما.

لكن هذا  التعويض لم يكن كافيا، لم يغن عادل أن يلاحظه الآخرون لمجرد أنه يتحرك بإفراط، لم يكسبه ذلك لا التميز، ولا القوة التى يتصورها، ولا الهوية التى هى حقه الطبيعى، فيظل خائفا.

  • (لكن برضه كنت خايف).

المسألة إذن ليست فى النحافة، أو فى صورة الجسد/الذات، بقدر ما هى فى الشعور بالضآلة، بالضعف، بالمعنى الأشمل، باللا تميّز، باللاهوية، باللاشيئية.

 فمن أين له ما يشكل به ذاتا متميزة متمايزة (مختلفة)، قادرة (قوية)؟

“من المخدرات،!!!”؟؟…ربما !

 ليكن، وليجرب:

وحصل!!!

 يبدو أن هذه المواد – لسرعة مفعولها، وتأثيرها فى تغيير الوعى، تُـشعر من يتعاطاها أن ثم اختلافا قد ألمّ به، غمره، اختلافا، محددا، إنه يشعر بوضوح أنه ليس كما كان قبلا،  ومن ثم هو يعيش، أو يصف هذه الدراية ويسميها بأسماء مختلفة ، أشهرها “الدماغ”،  ها هو يختلف عن ذى قبل، هو يختلف عن من حوله، فهو مختلف، هو “موجود”، هكذا بسرعة دون متاعب النمو، أو معاناة آلامه، ودون تحديات التعرف على الواقع، ودون صعوبات جدل الآخر، هكذا وجد عادل نفسه “كبيرا” فجأة، وأنه “قوى” بما فى فيه الكفاية:

  • “…ولما ابتديت اجرب المخدرات حسيت إنى كبير، صايع وعندى ثقة فى نفسى”

قامت المواد الإدمانية  بالواجب وزيادة، من البداية لاحت له واعدة بيقين:

  • “…حاكلـّـم نسوان، وحايبقى لى مكان..إلخ”

يبدو أن إشكالة “الوعى بالذات” عند البشر تستسلزم أن يتأكد كل واحد منهم  بأنه “ليس كمثله أحد، ولا هو مثل أحد”، مهما بلغ التشابه، وأيضا: مهما تجلت أمام ناظريه قدوة رائعة، من هنا ساهمت المخدرات عند عادل أن أبلغته أنه ليس مثل “العيال التافهين اللى قده” بل هو ينتمى إلى من هو أكبر وأكثر صياعة:

  • “كنت عاوز أحس بالاختلاف، ما اصاحبش العيال اللى قدى لأنى كنت باشوف الأصغر تافهين وتفكيرهم صغير.”

عادل الذى أعلن فى البداية شعوره بضآلة جسمه، يعود هنا يرى جسمه رؤية أخرى، ليست تحت تأثير المخدرات، لكنه يرى طوله – دون نحافته- جوازا للمرور إلى صحبة من هم أكبر، (أكثر صياعة):

  • “وأنا جسمى كان طويل فكان سهل انى اقعد مع ناس اكبر منى”

 الله!!! إذن هو لا يرى نفسه طول الوقت  ضئيلا كما ذكر سابقا، فأيهما نصدق، أو بتعبير أكثر علمية، فأيهما يصدق هو؟

 فى مثل هذه الأحوال لا ينبغى على المعالج أن يفرح أنه ضبط المريض متلبسا بالتناقض، فيروح يحاول أن يثبت له – أو لنفسه– بطريقة مباشرة، أنه: “هيه! هاهو يعترف بالعكس”..إلخ، وكأن المعالج يرصد التناقض لإثبات وجهة النظر الأخرى، وكأن المسألة هى اختلاف وجهات نظر، كل هذا تسطيح معطـِّل، لا صورة الذات، ولا  مخطط الذات Schema، ولا حتى واقع ما يتجلى لنا من الذات، (أنظر بعد)  لا شىء من ذلك يتعدّل بالإقناع والإثبات والمحاجاة والمنطق……

اضطراب فرط الحركة لوّح لعادل – طفلا – بفرصة للاختلاف، لكنه لم يحقق له ما لوّح به. فجاءت المخدرات المغيّرة للوعى لتعلن إمكانية الاختلاف بشكل لا جدال فيه، وبأسرع وأسهل السبل، ثم إن الاختلاف الذى جاء عن طريقها، جاء بنوع مناسب لاحتياجات المريض، لأنه اختلاف “مرفوض”، “حرام”، “غلط”،…

 وكلما زادت المسافة بين السواء والمفروض والصح، وبين التصرف الذى يرجى منه تأكيد الاختلاف/ ومن ثم تأكيد الذات، كان الجذب إلى هذا التصرف أقوى

  • “بقيت اشوف الناس اللى بتعمل حاجات غلط همّا اللى معروفين، فبقيت أحب الغلط، أبقى ضد المجتمع، ضد الدين، ضد الحكومة”
  • “أنا كنت شايف الشباب اللى بتشرب مثل أعلى لىّ”

لم يكذّب عادل خبرا،

 ولم تخيّـب المخدرات آماله فيما وعَدَتَ به، فى تلك السن الباكرة الحرجة (ثلاثة عشرة سنة).

  • “…بدأت آخد مخدرات وأنا عندى 13 سنة على سبيل التجربة، أخذت بانجو عجبتنى الدماغ، حسيت إنى كده مبسوط ومزاجى رايق، خلانى باعرف اهرّج وحسسنى إنى بقيت صايع، فده حببنى أكتر فيه..”

التجريب بالتباديل والتوافيق ( فالكوكتيل):

 من هذه السن الباكرة استطاع عادل أن يحذق تصنيف كل مادة، وأثرها المختلف [1]  عن غيرها:

مثلا: 

البانجو:  بيخلينى مبسوط ودماغى رايق ، عجبتنى الدماغ.

الحشيش: دماغه هادية (حبيت البانجو أكتر من الحشيش).

أبو صليبة: كانت بتدينى ثقة فى نفسى جامدة، بتخلينى قلبى ميت وماباخفش، يعنى اعرف اخش على حرمة واثبـّـتها

الكودافين: (الحب الكبير- الأب الكبير-  الدهب الاحمر): الدهب الأحمر، الكودافين. أشرب إزازة الكودافين أطلع اخطب مكان حسنى مبارك. كنت باحبه قوى، تماديت فيه قوى وبقى يخلينى مستريح جداً جداً جداً، باقول كلام حلو، هادى جدا،ً أثبتّ النسوان فى التليفون، حلو فى الجنس، بيساعدنى فى المذاكرة، بيخلينى اعرف اقعد وكمان اركز.

وهكذا،

لاحظنا وذكرنا ذلك فى نشرة سابقة: (أدمغة المدمن ومستويات الوعى “1” بتاريخ 23-10-2007)، لاحظنا أن الاستمرار على مادة واحدة يفقدها تدريجيا وظيفتها الأساسية:  “التغيير”،

التغيير:

المواد الإدمانية ليست مطلوبة أساسا للتخميد أو للإثارة، وإنما هى تأتى بالمراد من خلال التغيير، ومن هنا وجب أن نتعلم أن التربية، والوقاية، بل والعلاج، إن لم تُـحقق لهذا الوعى البشرى النامى  مطلبه فى الحركة والتغيير، فهو معرض:

 إما:

   أن يخمد تحت حواجز ووراء  جدران  الكبت والاغتراب والهمود والتكرار والجمود،

 وإما:

 أن يلجأ إلى وسائل مفتعلة تحقق له مطلب التغيير السهل، ولا شىء بعده، إلا الخراب.

 التغيير الطبيعى ليس مطلوبا للتغيير ذاته، وإنما هو يعلن حركية الحياة، واضطراد النمو،

صحيح أن أى تغيير قد يحقق فى ذاته بهجة الدهشة، لكن الدهشة ليست غاية فى ذاتها، بقدر ما هى – فى الظروف الصحيحة الصحية – إعلان “لبداية” لتغيير نوعى إبداعى نمائى.

 المواد الإدمانية تنجح فى إحداث التغيير أسرع وأوضح، لكنه تغيير بدايته هى نهايته، فهى الدائرة المغلقة، أولها فى آخرها، فإذا تكررت هى هى مدة طويلة، فقدت وظيفتها فى تحقيق هذا النوع من التغيّر.

من هنا نرى المدمن وهو يتنقل بين المواد الواحدة تلو الأخرى، ليس لينتقل من مادة ذات فاعلية قليلة إلى مادة ذات فاعلية كبيرة، بقدر ما هو يريد أن “يغير الصنف”، “ليغير حالة الوعى”، ومن هنا تبدأ، بشكل تلقائى حركة الخلط (الكوكتيل).

  • “….شوية وبدأت اخد معاه سومادريل، وبرنكلاز، شريط وشريط مع الإزازه مع الحشيش والبانجو وده لمدة سنتين..”
  • “…ولمّا غـِلى الكودافين من 2001 اتعرفت على البودرة. فى الأول حرق وبعدين حقن، لما قالوا دماغها أحلى وأقوى وصلت لـ 3/4 جرام فى اليوم، أعمل مشاكل، أدخل المستشفى، ومِشِى النظام على كده….”

نتذكر كيف لاحظنا فى الحالة التى عرضناها فى النشرة السابقة (الحرمان من الحق فى الألم والرفاهية المسامحة) أن “التغيير” الذى يحدث نتيجة الانسحاب (التوقف عن التعاطى) يُحدث “دماغا” يطلبها المدمن أحيانا، فيتوقف مؤقتا بإرادته ليعانى آلام الانسحاب فى مقابل أن يشعر بهذا التغيير.

 نحن هنا نرى عادلاً وقد بدأ يمارس آلية “التغيير فى المحل”، فهو يفعلها  وهو يدور حول نفسه فرحا بالتباديل والتوافيق والخلط (الكوكتيل) بشكل نشط متغير، رجح له من هذه السن المبكرة أن “هذا هو الحل”.

الطاقة والسعادة:

  • جرّبت إكستازى من سنة 99 مرة واحدة بعدين دخلت فيها 2001 فى مصر، مش حاقولك يخليك أسعد إنسان، هو بيزود هرمون السعادة لأقصى درجة، بقيت أحس إنى أسعد إنسان فى الدنيا، وكل حاجة محلولة، وتدينى طاقة جامدة قوى تخلينى أرقص، أسميها حبوب الرقص، 3 – 4 حبايات لما تكون موجودة عمرى ما قلت لها” لأ”،لحد دلوقتى.

لا يوجد تناقض حقيقى بين نفيه أن الإكستازى يجعله أسعد إنسان، وأن نفس المادة جعلته الأسعد بعد أن زودت هرمون السعادة لأقصى درجة، وكأنه بهذا  التعبير الثانى قد أكد سلبية حضور السعادة سابقة التجهيز.

الوعى بالطاقة المفرج عنها ، هو غير توجيه وتوليد الطاقة الحيوية.

أهمل الأطباء (وكثير من العلماء) موضوع الطاقة الحيوية وحركيتها وتوجهها، ربما لصعوبة دراستها، هذه إشكالة لا يمكن الوفاء بشرحها الآن، لكن يمكن أن نوجز بعض ما يفيد مما يتعلق بها كالتالى:

  • حركة النمو تحتاج للطاقة، وهى فى نفس الوقت تُـنتج طاقة،
  • طاقة الحياة، حالة كوننا بشرا، هى زخم الوجود والتطور، وهى هادفة غائية مبدعة بغض النظر عن إمكانية رصدها على أنها طاقة.
  • لايمكن حبس هذه الطاقة الطبيعية فى داخلنا طول الوقت، مادمنا أحياء،

الطاقة التى يتحدث عنها عادل هنا هى دفقات من مخزون قسرا، وهى تختلف فى أحوالها وتوظيفها والشعور بها باختلاف عوامل شتى، لكنها فى النهاية عبثية الانطلاق سلبية النتائج تكاد تكون – فى ذلك – عكس الطاقة النمائية الخلاقة (برجسون مثلا).

 حين يعثر شاب فى هذه السن على ما يشعره بزخم وروعة حركية هذه الطاقة أو بدائلها، حتى لو كان سما هاريا، فإنه يعتبر أنه وجد ضالته، ويروح يستقبل تلك الطاقة بكل هذه الفرحة، بغض النظر عن افتعال إطلاقها،  أو قصر عمرها.

  • أما الكوكايين فهو أحسن مخدر أخدته فى حياتى، الدماغ العالية قوى،حب الناس، بابقى اجتماعى، يديك ثقة قوية قوى فى النفس، يحسسك إنك أعظم إنسان فى الدنيا ماشى على الأرض، وفيك طاقة قوية جداً

لأن هذه الطاقة، فى الأصل ظهورها هنا بتحريك كيميائى قصير العمر، هى طاقة حيوية تميز بها الإنسان كائنا واعيا لا تتم أنسنته إلا بعلاقة حقيقية بآخر، فإن هذه الطاقة – من حيث المبدأ-  تحركنا نحو الناس “فيحب الناس بعضهم بعضا، ليكونوا بشرا”/ فإذا لم تتوجه هذه الطاقة إلى غايتها فى عملية نمو طبيعية، فإنها تُـكبت ، أو تنزاح إلى أهداف اغترابية تستوعبها لذاتها.  المواد الإدمانية قادرة أحيانا على أن تحركها فجأة أو بسرعة من كهفها السرى، لتعلن طبيعتها، دون فاعليتها الحقيقية،  برغم انحراف مسارها اغترابا،

قدرة هذه المواد على التحريك السريع لهذه الطاقة مع دراية بحركية توظيفها نحو الناس، يعلنها عادل هنا بفرحة طاغية، دون أى وعى بأنه تحريك مصطنع، عمره محدود.

 الذى يجعل هذا التحريك مصطنعا هو زيف انبعاثه، وليس طبيعة الطاقة التى أطلقها.

تـُـقمع هذه الطاقة – كما أشرنا – حين يحال بينها وبين شحن الآخر بها (العلاقة بالموضوع) وفى نفس الوقت لا تكون ثمة فرصة لها أن تساهم فى أن  تبدع الذات، أو تفيد “معنى” فى الأداء والكلام والتشكيل،

البديل عن إطلاق هذه الطاقة الحيوية فى مسارها الطبيعى هو أن  تطلق فى نطاق محدود، إلى ناحية جانبية، من ثقب الاغتراب (إن صح التعبير)،  لتحقيق مكاسب على السطح، لا تصب فى العملية النمائية التواصلية، مثل النجاح للنجاح، أو الثروة التراكمية، أو السلطة فى ذاتها…الخ

وفى كلا الحالين (الكبت ، والنشاط الاغترابى) تستمر الحياة راتبة عادية، ناجحة، أو ناجحة جدا جدا جدا بمقاييس نجاحات السوق!

يصل إلى عادل ، ومثله، أن هذا النجاح ليس نجاحا، أو أنه لا يعنيه، ثم يكتشف بالصدفة، أو بالمحاولة والخطأ، أنه استطاع بمادة سحرية أن يفجّرها هكذا فجأة، فيحب الناس، وهو يتصور أنه حقق بشريته حين توجهت الطاقة إلى ما يلوح له أنه وجهتها  الطبيعية: “الناس”، “حب الناس”

ما أسهل ذلك وأغباه!!

 يُعَلن ذلك الغباء حين تنطفئ الطاقة بانتهاء مفعول ما أشعلها اصطناعا.

فهو يحتاج إلى التزود بمزيد من الوقود باستمرار، مع أنه واقف فى المحل طول الوقت، دون نمو، ودون علاقة حقيقية بالناس، ودون تحقيق حتى ذاته التى لا تتحقق إلا بناس حقيقين لم يوجدوا أبدا فى حياته.

……………

ويتكرر ذلك، وغيره ، طول الوقت، فى كل مكان، وبكل المواد:

“وجربت L.S.D والماشروم. فى أمريكا وهولندا، كنت مدمن إكسات فى أمريكا فتاجرت فيها سنة من حبى فيها علشان أجيب فلوسها، كنت باطلّـّع حق 3 – 4 حبايات فى اليوم، حبى للمخدرات كان بيخلينى كل ما نروح بلد احب اجرب المخدرات فيها، أهلى يتفسحوا ويستمتعوا بطريقتهم يلفوا على أماكن سياحية ويلفوا موانى العالم وأنا ألف أدور على المخدرات، ماأروحش بلد إلا لما اطلع مخدرات منها، انزل المناطق الشعبية اشوف ضريب ألاغيه تطلع مخدرات، كنت باسيب أهلى فى فرنسا وأسافر هولندا، كل الخبرات عشتها”.

أصبح الموضوع (الآخر) هو المخدرات وليس الناس، الناس هنا ماثلون فقط فى خلفية الصورة، لكن لا بأس من التعرف على تنويعاتهم، وتشكيلاتهم بالمرة، هكذا كان نشاط عادل وهو يسافر مع أهله بلاد الله لخلق الله، وهو يمارس خبراته الخاصة مع المخدرات والناس والاختلاف مقارنة بالأهل الذين يتجولون بين الأماكن والأشياء، دون مخدرات، دون ناس، مع أنهم أيضا “على سفر” (كما يتصورون).

  • يمكن موضوع السفر بوّظنى اكتر، كنت باشوف بلاد جديدة، انفتاح اكتر، دماغى فيها تقاليد وعادات بلاد كتير، بقيت اركز فى الناس: الناس بتاكل إزاى؟ بتتعامل إزاى؟ بتتبسط إزاى؟.

ذكّرتنى هذه الجملة بالذات بموقف إدمانى السفر شخصيا، وأنا أصر أن أقود سيارتى بنفسى طول الوقت، وأواصل اكتشاف الطبيعة والناس والتعرف عليهم  من جديد، دائما من جديد،  حتى لو كان نفس الطريق، ونفس الناس. تماما كما أنك لا تستطيع أن تنزل نفس النهر مرتين، أنت لا تستطيع أن تقطع نفس الطريق مرتين، يحدث ذلك لى سواء كان السفر فى الداخل أو فى الخارج من أول وجديد.

وجدت أننى لو عقبت على هذا المقطع الأخير من أقوال عادل،  فقد أحتاج أن أعيد ذكر ما كتبته فى أجزاء ترحالاتى الثلاثة (الترحال الأول)، (الترحال الثانى)، (الترحال الثالث)، وهو عمل ما بين السيرة الذاتية وأدب الرحلات، فاسمحوا لى أن أكتفى الآن  بالإشارة إليها فى الموقع، أذكر أننى فى بداية الجزء الأول  “الناس والطريق”،  ذكرت ما يكاد يطابق ما قاله  عادل تنويعا  للسفر، وتصنيفا له، وخاصة إشارته إلى ما يفعله هو ، فى مقابل ما  يفعله أهله.

 تعاطى المواد الإدمانية هى سفر آخر، له نفس المواصفات تقريبا، مع الاختلاف فى دائرية الحركة وسُـمّية الوقود. كثير من المدمنين يصفون خبرتهم فى التعاطى بصفات السفر، (يسمونها أحيانا “تـِرِبّايَة” من  TRIP أو “سحلة”  إذ يعنون بها رحلة دوائرية مُـجَهّلة..إلخ)

*****

مقتطفات من التعقيب فى نهاية اللقاء العلمى الإكلينيكى

(بعد التعديل للاختصار، ومع بعض التوضيح )

أنا قلت كل اللى عندى … ما أظنش إنه مختلف كتير عن اللى انتوا قلتوه إلا فى التسمية،  الولد ده زى ما يكون نشأ فى فى شبكة علاقات مزيفة، حاجة كده زى قلتها، محصلتها فى النهاية فراغ خادع vacuum  يعنى طلع وسط مجتمع صاخب ملان “بالمافيش”، عشان كده هو  “ماتوجدشى” من أصله، “ما كانشى”، ماينفعش أبدا إننا نتوقع إنه يبقى عنده “ذات” من أصله، فراح يا عينى يفعّص فى نفسه ويحاول يرسم صورة لها، ما عرفشى يشخبط غير صورة مش هيّا: مرة مشوهة، ومرة مزيفة، لحد ما لقى المواد (الإدمانية) دى قدامه،  زى ما يكون لقى ألوان شدته، قعد يلعب بيها ويشخبط ، ويلوّن ويفرح، وهوه مش واخد باله إن كله على الورق اللى بيتشرمط فى الآخر، كان فاكر إنه بيرسم ذاته، يعنى بكده حايخلق له ذات، أو حتى مشروع ذات، أهو  يبقى عنده “صورة ذات” وخلاص.

الجدع ده  ماخدش فرصة تبقى له ذات من أصله، لازم حصلت حاجة من بدرى بدرى خلته كده،

صورة الذات دى مش مجرد صورة عقلية، ساعات بتبقى كده، لكن غالبا بتبقى غائرة متداخلة فى “مخطط” راسخ بيتشكل بيولوجيا باستمرار. إنتو مش عارفين  الدكتورة ماجدة الماجستير بتاعتها كانت عن الموضوع ده، بس أنا ما كنتش مشرف ولا حاجة، إنما الموضوع ده شدنى تمام، وانا باكتب كتاب الأعراض symptomatology إللى ما اتنشرشى لحد دلوقتى إلا فى صورة مسودة، احترت فى الحكاية دى، لأنى لقيت فيه فرق بين صورة الذات ، وبين “مخطط” Schema الذات،

 أنا بتولد وأنا ذاتى مرسومة هنا (يشيرد. يحيى  إلى دماغه)، زى صباع رجلى ما هو مرسوم فى الإنجرام بتاعه، يعنى باتولد وعندى مرسوم فى دماغى، ويمكن فى كل خلايا جسمى،  مشروع مخطط لما هو: “ذاتى”، وبعدين الصورة دى تتدعم  بقى باللى يوصل لها من برّاها، يعنى  بالاعتراف بالمشاركة،  بالمواكبة،  بالحاجات دى. المسألة دى  مش ألفاظ بتتقال، يعنى ما هياش شعارات إن الأم لازم تحب إبنها وكلام من ده، ما هياش حسن نية وعواطف ماسخة، الحاجات دى بتتبنى واحدة واحدة بالممارسة الحسية العملية، لو المسألة كلام وعواطف مش هيه ممكن تتكون صورة بديلة للذات، حاجة كده معمولة  من “أنت نور عينى”، و”انت أحلى واحد” “دا زى القمر”..،  وكلام من ده، كل  ده يعمل صورة مسطحة، زى قشرة من برّة ، زى ما تكون ملزوقة من برّه على البنى آدم .

الذات الحقيقية، خلقة ربنا، بتبتدى بالاعتراف بالانفصال، أنا اتكلمت عن وظيفة السبوع قبل كده ميت مرة (نشرة 22-1-2008 طقوس “السبوع” وجدلية الانفصال/الاتصال) وازاى هو تعميق لوعى الأم بإن اللى كان جواها أصبح مشروع كيان مستقل، بعدين  الحكاية بتتأكد من خلال التواجد البشرى الجسدى اللحمى “اللصيق – المفارق” ، طول الوقت،  وده أظن وظيفة الرضاعة الطبيعية المتقطعة، كل ده مصدره الأساسى هو  أم بحق وحقيق، أم سايبة طبيعتها “تقول”،  الاعتراف هنا بيتم بالحوار بين جسد وجسد،  من خلال الرضاعة وكل حاجة، وبعدين ييجى دور  الرؤية من على مسافة، كل ده بيحدد مخطط الجسد اللى العيل مولود بيه، وهوه بيعمل كده بتتحدد الذات معاه تقريبا، ما فيش حد اتولد من غير “مخطط جسد وذات”، كأنهم واحد، إذا ما حصلتشى الخطوات دى، يتنى المخطط كاشش زى ما نزل العيل بيه من بطن امه تقريبا، ويتبِنِى حواليه -على مسافة-  صورة للذات أو للجسد، صورة  أى كلام، وبعدين الصورة دى ممكن تبوظ أكتر من خلال الرسائل السلبية اللى بتوصل لها من الألفاظ المجوفة، والعلاقات المزيفة، وحتى الألوان اللى بيرسم بيها الواحد ياعينى صورة لنفسه بنفسه، تطلع ألوان مغشوشة، تبهت أو تتغير بسرعة، الرسايل اللى بتوصل للواحد من الصورة دى، وبتوصل للصورة منه ومن غيره،  بتبقى مغلوطة ومضروبة وبشعة، وساعات ما توصلشى بشكل واعى زى الجدع ده، ساعات توصل مستخبية تحت الوعى الظاهر، إنما تعمل عمايل مهببة.

فيه رسايل تانية بتوصل من جوه ، يمكن من المخطط الكاشش، بتوصل فى نفس الوقت توصف وتعلق  على اللى جارى، وساعات بتبلغ الواحد حقيقة الموضوع، زى ما تكون بتقوله “إنت مش موجود”، “إتصرف”، والمسألة ممكن تقف عند المرحلة دى وتفضل كده  طول العمر فى حدود العادى، ولا من شاف ولا من درى،  بس ساعات زى حالة عادل كده، الواحد يلاقى سكة قريّبة تزغلل عينه، وتشاور له، ولو بالصدفة، إن فيه حل قوام قوام، يقوم يوصل له إنه ممكن يعمل له “ذات” قوام قوام، ذات خايبه حوالين نواة مصنوعة، وتقعد الذات اللى هى شبه الذات، أو بديل الذات،  تتدعم برسائل غلط، رسايل  توصل له من جوّه ومن بره مشوهة ومضروبة، زى ما تكون بتألف رواية قص ولزق، فكرة غلط، على صورة مش هيه، على قلة دعم من بره، على عدم اعتراف بأى احتمال استقلال حتى بعد ما الواحد يكبر، تكبر الذات الخايبة دى معاه وتحل محله، وهى  زى قلتها، يمكن قلتها احسن، تقعد تكبر مهما تكبر، لكن صاحبها يشعر بيها بكل ضعفها وتشويهها، ذات مصنوعة أى كلام، مضروبة، ما هو ما فيش حاجة اسمها كبران من غير حوار يوجع، وتهديد، ورجوع، وكلام من ده، عشان كده لما فى المقابلة قالى أنت عايز توجعنى، تصورت إن وصل له حاجة.

…….

ملحوظة: نشرت كل المقابلة مع المريض فى الحلقة الأولى (نشرة 11-11-2008 الحق فى الألم: ضد الرفاهية) ونورد منها هذا الجزء مرة ثانية لأهمية دلالته:

د. يحيى: مادام اتولدت يبقى تتوجع عشان تكبر، وتعمل علاقة أو أى حاجة عشان كده باقولك حاول معايا، مع وجعى.

المريض: مش عارف اعمل ايه يعنى دلوقتى.

د. يحيى:أنا باعزم عليك بحاجة محددة بسيطة لكن صعبة جدا، أنا متصور إن أهلك ما عندهمش فكرة عن ده من أصله

المريض: عن اللى واجعنى؟

د. يحيى: لأه، عن الوجع اللى عمره ما طلع، ولا حتى ياعينى عند أبوك ولا أمك أيها فكرة عن لزومه، مع إنه خلقة ربنا، طول ماهو بعيد وملغى، يبقى شديد أكتر، ويتقلب حاجة تانية

المريض: أنا أخاف أتوجع

د. يحيى: صح، لأنه بعد ما اتكتم زاد عن حده قوى قوى، بقى بيخوف، وأظن انت بتخاف تتوجع لأن لما بتيجى تتوجع تلاقى نفسك لوحدك، ماحدش يقدر يتوجع لوحده يا عادل،  ينسحق، عشان كده قلت لك “معايا”، حاول على قد ما تقدر، عندك كل الحق انك تخاف تتوجع، بس ياترى صدقتنى انى باحاول معاك، على الله الخوف يقل شوية صغيرة، يقوم الوجع يطلع سِنّه صغيرة على قدنا دلوقتى

 ……..

المريض: فترة صمت (طويلة دقائق،  حتى قال:) . . . أنا اتخنقت كده

د. يحيى: قلنا من غير كلام

المريض: فترة صمت أخرى (دقائق أخرى، حتى قال:) .. ينفع كده؟!!

د. يحيى: بس شايفك خايف

المريض: مش أوى

د. يحيى: هوّا إيه اللى ينفع

المريض: بأقول ينفع اللى أنا عملته كده، أنا حاولت بصراحة

د. يحيى: أنا مصدقك، ما هو مافيش حل تانى، أنا متهيألى أبوك عمره ماسمح لك  بده، هو يوجعك معلش، أبوك عمره ماسمح لنفسه ولا لأمك، ماقدروش يستحملوا ألمك، يستحملوا وجعك، لأنهم همّ نفسهم ما استحملوش نفسهم، أنا آسف، احنا غوطنا…

 تكملة التعقيب:

الظاهر أن الوجع اللى احنا بنشاور عليه بييجى  لما الواحد يحاول يعمل علاقة، هوّا هوّا  الحزن اللى بنتكلم عليه، الوجع ده بقى ييجى لما  البروجرام اللى الواحد اتولد بيه، يبتدى يتحرك فى الاتجاه الصحيح، ده وجع له شكل صح، لكن لما الواحد يلاقى مافيش أى حد بيلاغيه، بيعترف بيه ، بيتوجع معاه، بيبقى وجع شكل تانى، وجع مكتوم،  ينطفى، ويبعد، يستخبى، وكل سنة وانت طيب.

أبوه طبعا مش هايسمح بأى شىء من ده، مش حايقدر،  عشان أب زى ده، بالزيف ده،  راجل جميل جدا جدا،  كريم وطيب ومش عارف إيه، أنا شميت ريحة من كلام دكتور نبيل لما بيقول إنهم عملوا مجتمع مزيف، هنا  مزيف مش يعنى كداب، لأ، يعنى “اللى هو مش هوه”،  عشان كده لما قلت للعيان وجع بحق وحقيق، وصل له حاجة،  بس هو حتى لو يتحرك صح دلوقتى هايروح فين؟  مين ده  إللى هايسمح له؟  ولا مين اللى هايعترف بأحقيته فى الحركة ؟ لازم واحد يكون  بيتحرك معاه،  العلاقة من غير حركة ماتبقاش موجودة، العلاج بياخد باله من الحكاية دى، مفروض يعنى، الحركة عادة بتبقى رحلة تجريب، تحسيس، الواحد  بيشوف حاينفع ولاّ بلاش منه، ماتقدرش تعمل علاقة من الوضع جالسا، لازم طالع داخل، طالع داخل. كونه بعد ده كله يطلع حاجة مايطلعش، ماعرفش، ماضمنشى، إحنا وشطارتنا.

انتم شايفين حاجة فى اللى حصل معاه، لاحظتم  الابتسامة بتاعته جرى فيها إيه؟ أنا أظن كلنا اتخدعنا فيها الأول لأنها شديدة الرقة،  ابتسامة  مش بلهاء لا معنى لها، لأه،  دى ابتسامة اجتماعية مصنوعة من أروع ما يكون، إنما ما تعملشى علاقة طبعا.

لما تقرا الكلام  الكتير اللى بيتردد عن السعادة والذكاء العاطفى، والكلام الغريب اللى بيكتبوه ده عمال على بطال،  يتهيأ لك إن دى هى الابتسامة المطلوبة لتمشية الحال، أعتقد إن  الخواجات بيبالغوا فى قيمة الحكاية دى قوى، وتلاحظوا ان العيلة دى متعاصة خواجات، على تدين من الظاهر، واخدين الحكاية من برّه من الناحيتين، السلبى من هنا، على السلبى من هنا، يمكن تخدعنا كلنا ابتسامة زى دى، وأعتقد أن تصرفاتهم كلها سواء  الخواجاتية أو الدينية هى تعبير عن اللى انا عايز أقوله ده.

المستوى ده من العيشة عبارة عن ألعاب  مصنوعة، حاجة كده  ناجحة ومقبولة ومعترف بيها وممضى عليها وخلاص، ييجى  واحد منهم يتحرك أيها حركة كده أو كده بعيد عن قواعد الألعاب دى، يشطبوا عليه ، لو هوا لسه عيل ويحس بخنقة القفص من بدرى، يبتدى يلعب لعبته بعيد، وبختك يا بو بخيت، تيجى فى إيده إزازة مكسورة، موس،  سكينة، سم هارى، يحركه بعيد عنهم حركة زايفة، يتهيأ له إن دى الحركة اللى حاتنقذه، وعينك ما تشوف إلا النور.

يمكن ده يفسر كل السطحية بتاعة العيلة دى، كل الفراغ الهِوّ اللى شاورنا عليه فى الأول، والوصف المرَحْرَحْ بتاع كويس جدا جدا جدا: طيب جدا جدا جدا، وكريم جدا جدا جدا، وامه بتحبه جدا جدا جدا، وكله من ده، وهات انشغال  بالفلوس والسفريات وكأنهم عايشين،  أظن التدين اللى موصوف  فى ورقة  المشاهدة (الشيت) حسب ما وصل لنا ممكن  يتحط  فى نفس المستوى من النفعية والصفقات، الحاجة اللى باين إنها ضعيفة جدا هنا هى الوصلة بين الناس دول وبين الناس اللى بحق وحقيق، ما شفناش حاجة تدل على إن الناس فى وعيهم بصحيح، الوصلة دى اللى مفروض بينهم وبين الناس باين عليها  ضعيفة خالص، إذا اتوجدت من أصله.

طيب احنا حانعمل إيه دلوقتى؟..

يمكن بعد المقابلة دى نلاقى نقطة بداية، أنا مش متأكد إيه اللى حايفضل منها، إنما ربنا موجود وأدى احنا بنحاول، بس المصيبة إن الفشل اللى فات فظيع، تمانتاشر مرة مستشفيات!! يا خبر!! والواد عنده أربعة وعشرين سنة؟!!، إيه ده؟ 

إنتم بتخلوا المدمنين يكتبوا مشاعرهم وكلام من ده، أنا ما ليش خبرة زيكم بصراحة، إنتم ناجحين ما فيش شك، بس الحالة دى عايزة حاجة تانية، ما تنسوش إنه دخل عندنا أظن خمس مرات من التمنتاشر دول،  لما تيجى تشتغل معاه لازم تعمل حساب الفشل السابق، ولا إيه؟  يمكن الواد ده لو كتب مشاعره يروح فى ستين داهيه ، حايخدع نفسه ويخدعنا، حاجة كده زى ابتسامته ونجاح أبوه، مشاعر إيه اللى حايكتبها وهما خبوا مشاعره كلها  تحت البلاطة، وما فاضلشى يا عينى غير الفرقعات اللى بتطلعها السموم دى، و”هرمون السعادة”، و”باحب الناس كلهم”، و”الكلام الفارغ ده”،

 الولد ده معظم اللى اتعمل فيه مش تبعه حتى النجاح، النجاح النسبى فى الدراسة مش تبعه ، وهوه خدها من قاصرها وما نجحشى، حتى الجنس ، حاجات كده طيارى، واقدر أثبّت النسوان  وكلام من ده، فيه حاجات كتير ناقصاه،  ويمكن ده اللى خلى د. نبيل وعبده يحتاروا فى مشاعرهم تجاهه،  فيه ذات زائفة أو يمكن ذوات زائفة داخلة فى  بعضها ناتجة من لعبة اجتماعية ناجحة جدا بالمقاييس العادية، قوم جه إعلان فشلها مجسد فى إدمان الجدع ده، إللى قدر يوافق من العيلة على قيم النجاح الظاهرى دى عدّى زى امه واخته،  خدوها هيه هيه ونجحوا بيها،  اللى مشى  الناحية التانية يعنى عادل أعلن فشلها، بس هوه اللى دفع تمن الفشل، دا جو طرى مايع برغم النجاح، والفسح والسفر برّه والفلوس، ده جو كله بيفوّت لكله، جنس سماح، شُرب سماح،  ضرب سماح،  بوليس سماح،  كله تفويت، والفشل بيزيد، والتفويت بيزيد، وخُدوه عالجوه زى ما انتو عايزين، وكإن المشكلة بقت مشكلتنا احنا، واحنا اللى عايزين نعالجه عشان يخف، مش همَّ.

أ. عبده: مش عاوز تتكلم حضرتك شوية عن أخته؟

د. يحيى: الحقيقة اخته دى حدوتة لوحدها، يتهيأ لى ما فيش وقت، إنما هى عموما مشّت حالها لوحدها بطريقتها الخاصة جدا، لا اشتكت ولا حاجة،  وعمالة بعد ما اتحجبت اتحزّقت، وهات يا بادى ولابسة ملط والحمد لله،  يعنى لما كانت مش محجبة كانت مش مبيّنة أى حاجة،  ولما اتحجبت بيّنت كل حاجة، أنا ما عنتش فاهم حجاب يعنى إيه. طيب خلينا نمسك أخته بقى ونحطها فى وسط الفرض ده، تعالى ندور فين الزيف اللى فيها؟

الفترة اللى قعدت تدى فيها دروس وتحفظ وتحفّظ القرآن كله،  إمسكها كده وشوف فين اخته اللى بحق وحقيق،  ناجحة حسب ما باين؟ صحيح هى حلوة، وذكية، ومتدينة، لكنها بعيدة، ونازلة أحكام  وإرشاد، دى حتى وهى  مستغرقه فى الدين راحت لمّت نفسها على حتة مُـزّة  بالحجاب، واللى عاجبه،  فين أخته بقى فى كل ده، قول لى فين؟ أنا فى تصورى دى واحدة  تُستعمل من الظاهر، لا أكثر، يعنى تحطها وسط كل نجاحاتها دى فى وسط أودة وتلف حواليها تقول الله حى عباس جى، أنا آسف لكن ده اللى وصل لى.

إنت تمسك العيلة دى فرد فرد، تلاقى الفرق بين عادل وبينهم إن ما حدش منهم وعى بالقضية اللى عادل اتورط فيها لما اكتشف إنه ما لوش ذات، وبعدين لما حاول إنه يرسم لنفسه “ذات” عملها بألوان مية باهتة، على ورق منيل بستين نيلة، ومع إن الألوان بتلمع فى البداية إلا إن كله مؤقت، زى ما قلنا الألوان بهتت والورق بيطير. كل الباقيين ما وعيوش  بهذا الإهمال وهذا التشويه وهذا الإلغاء للذات الحقيقية،  بس استمروا،  والمسألة اتغطت بالنجاح والفلوس والدين، قشور الدين المصنوعة مش الدين الحقيقى.

 الجدع ده لما انكسر من بدرى، يمكن بفضل فرط الحركة طفلا، ومحنة مرضه بالسكرى وهو صبى جزئيا، والباقى زى ما شفنا، باقول الواد لما اتكسر من بدرى أعلنها بالهباب اللى عمله فى نفسه ده، ودا بيعلن من ناحية خيبته،  ومن ناحية تانية بينبهك وانت بتعالجه  إنك ما تحاولشى تعمله أو تدفعه إنه يبقى  زى اخته  أو أهله عموما، إنت  لو حاولت تعمله  زى اخته حاتفشل فشل ذريع، يمكن التمانتاشر مرة اللى دخل فيهم المستشفيات وخرج زى ما دخل، غلطوا الغلطة دى، واحنا مسئولين عن فشل خمسة من دول زى ما انت عارف، الخطة تبقى من الأول مركزة على إنه لابد يطلع حاجة مختلفة عنهم بشكل ما،  دينه يبقى مختلف، ألمه يبقى مختلف، ربنا يبقى مختلف، يبقى ربنا بحق وحقيق، يجوز الاختلافات تبان بسيطة بس نوعية،  وخلى بالك لازم تراجع نفسك فى الحالات دى، يمكن حد فى العيلة، الأب بالذات مش عايزه يخف بجد، إنت عارف حكاية يعْيَا بالنيابة، ويضرب بالنيابة، ويهلس بالنيابة، أنا مش حاشرحها تانى، إنما اللى جوا جوا الأبهات أو الأمهات دول بيعمل عمايل مهببة من ورا الكل، الواد ده عايز ينفد بجلده، لا يمكن حايرضى يرجع للقفص  المتهشم ده.

 المهم إن مهما الحكاية بانت مقفلة، فيه ربنا، وفيه نقطة بداية لاحت زى ما شفتوا، واحنا وشطارتنا، وربنا يسهل، . وشكراً بقى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *