الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / جذور إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (من الإبداع) وقفة ضرورية (2)

جذور إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (من الإبداع) وقفة ضرورية (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 27-5-2018

السنة الحادية عشرة

العدد: 3921

عودة إلى:

جذور إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (من الإبداع)

وقفة ضرورية (2)

 أواصل اليوم نشر مقتطفات من حوار الجمعة حول ما نشر من فصول رواية الواقعة (ثلاثة فصول) لتوضيح كيف أعانتنى مهنتى على محاولة سبرغور النفس الإنسانية، ثم كيف يمكن النقد أو الحوار حول النص أن يفيد الممارس (الطبيب النفسى والمعالج النفسى) فى مهنته بما ينير بصيرته أكثر من الحفظ والتسميع.

وسوف أخصص هذه النشرة لابنتى صاحبة الفضل “د. مريم سامح” كمثال لمشارِكـَةْ واحدة عبرت بصدق عن ما حرّك فيها النص، كما كادت تحيط بما أردت توصيله والحوار حوله، وقد انهيت نشرة أمس بتعقيب لها الذى لن أعيده اليوم، بارك الله فيها.

يدور كل الحوار أساساً حول الفصل الثانى من الرواية، وهو الذى بيدأ مع يصف رحلة عبد السلام المشد للعلاج بدءًا بالممارس العام علما بأن الخط العام للرواية هو رؤية المريض لأطبائه من مختلف التخصصات، ووصف المريض للأطباء والمستشارين الواحد تلو الآخر، فكما كما نشخص مرضانا نحن الأطباء فهم يشخصوننا.

نبدأ اليوم فى هذا الحوار بزيارة عبد السلام لعيادة ممارس عام يعلق لافته “أمراض نساء وأطفال”.

****

الجزء الأول من الفصل الثانى:

 “إمّا أنْ تعودَ… أو: نقتلكْ” (رواية الواقعة)

د. مريم سامح

المقتطف: فوجدتنى ‏أنظر‏ ‏إلى ‏اللافتة‏ ‏المعلقة‏ “‏أخصائى ‏أمراض‏ ‏نساء‏ ‏وولادة‏ ‏وأطفال”، ‏أشعر‏ ‏بسعادة‏ ‏غريبة‏ ‏لأنى ‏متأكد‏- ‏بشكل‏ ‏ما‏ – ‏أن‏ ‏مابى ‏لا‏ ‏يتعدى ‏هذه‏ ‏التخصصات‏ ‏الثلاثة‏، ‏إذن‏: ‏فأنا‏ ‏الشخص‏ ‏المناسب‏ ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏المكان‏ ‏المناسب،

التعليق: “اضحكتنى، ومين أكّد له؟! هذا الواقع: أنه ست، وأنه طفل بيلعب، وأنها مشروع ولادة جديدة؟

د. يحيى:

هذا التأكيد على هذه الحركية النشطة يذكرنا بما نكرره أن “واقع الداخل”، خاصة فى المرحلة النشطة للجنون، هو “واقع آخر”، لا هو خيال شاطح، ولا هو “لا شعور” غامض، بل هو واقع رائع بكل معنى كلمة رائع، ومريع ومرعب أيضا، وهذا ما يستقبله المريض بشكل مؤكد قبل أن يصبح ضلالات أو هلاوس.

د. مريم سامح

المقتطف: “ما‏ ‏زالت‏ ‏نظرة‏ ‏الممرض‏ ‏تتابعنى، ‏تلك‏ ‏النظرة‏ ‏التى ‏نظرها‏ ‏إلىّ ‏بشك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أخذ‏ ‏حراراتى ‏وهو‏ ‏يعلن‏ ‏نتيجة‏ ‏مقياس‏ ‏الحرارة‏، ‏قائلا‏: “‏ستة‏ ‏وثمانية” (‏كدت‏ ‏أرد‏ ‏عليه‏: ‏أربعتاشر‏”)

التعليق: الحوار اللى داير جوه دماغه اشعر به، و أحيانا كان يدور داخلى شبهه، و استمتع به ادبياً، وهو بيحرك جوايا شعور بتواضع “غريب!” تجاه المرضي، وتخيل الحوار الذى قد يكون يدور فى داخلهم.

د. يحيى:

هذا الذى تشعرين به يا مريم: هو من أهم علامات صدق خطوات نموك عبر المهنة والتلقى المبدع، شكرا.

د. مريم سامح

المقتطف: يبدو‏ ‏أنه‏ (1) ‏لم‏ ‏يسمعنى، ‏كان‏ ‏مجرد‏ ‏تلطف‏ ‏عابر‏ ‏يسمح‏ ‏له‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏يعرينى ‏ويضع‏ ‏آلاته‏ ‏على ‏جسدى ‏وكأنه‏ ‏يبحث‏ ‏عن‏ ‏شىء ‏يمكن‏ ‏العثور‏ ‏عليه‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أنه‏ ‏مشغول‏ – ‏على ‏أحسن‏ ‏الفروض‏ – ‏بعدد‏ ‏الكشوف‏ ‏المتبقية فى الصالة‏، ‏أو‏ ‏بميعاد‏ ‏زوجته‏ ‏التى ‏تنتظره‏ ‏أمام‏ ‏الكوافير‏، ‏كنت‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏أخشى ‏التمادى ‏فى ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التصور‏ ‏وأتهم‏ ‏نفسى ‏بسوء‏ ‏الظن‏، ‏أما‏ ‏اليوم‏ ‏فأنا‏ ‏أكاد‏ ‏أقرأ‏ ‏أفكاره‏.

التعليق:  “اتعجب كثيرا مما رأيته فى بعض المرضي، و هو الوعى الذهانى psychotic awareness، و بحثت لكى افهم اكثر عنه لكن ربما بحثى لم يكن وافياً، فهلا ترشدنى لأكتشف اكثر تلك المنطقة.

د. يحيى:

قبل سنوات طويلة في بداية رحلتى كنت قد أخطأتُ وأنا استعمل مثل هذا المصطلح ليدل على الحدس (الصادق نسبيا) الذى يصاحب بداية الذهان وذلك حين حسبت أن مصطلح سيلفانو اريتى “البصيرة الذهانية” Psychotic Insight إنما يشير إلى مثل هذه الخبرة، لكن بعد مراجعة ومتابعة، عرفت خطئى وهو أن سيلفانو أريتى كان يشير إلى بصيرة زائفة تأتى الذهانى الفصامى بالذات (عادة فجأة) في أول مراحل مرضه بعد مرحلة “الربكة المبدئية”، وهذه البصيرة تفسر له كل ما أصابه بمنظومة ضلالية محكمة، فتزول الربكة ويحتد الذهان (أو الفصام) ثم يرسخ ويستتب.

هكذا صحـَّحـْتُ نفسى حين عرفت أن هذه البصيرة الزائفة ليست سوى منظومة ضلاليه تحل محل الربكة المبدئية، فما هى إلا علامة على مزيد من تطور المرض تفسِّـر أعراض الحيرة والغموض والتغير بضلال ثابت منقضّ، وأن هذه البصيرة المرضية نفسها ما هى إلا خدعة وجزء لا يتجزء من مسيرة الذهان نحو الاستقرار الأخطر، فصححت الخطأ الذى وقعت فيه وبدأت استعمل تعبير Awareness of the psychotic وهذا قريب من استعمالك هنا وهو أقرب إلى ما يعيشه الذهانى قبيل أو قبل البداية فى تنشيط الحدس الصادق، وكشف الداخل، برغم أن العملية ذهانية، علما بأنها هى هى  مشتركة بين الذهان والإبداع بشكل ما،

هذا وأعتقد أن استعمال كلمة “بصيرة” insight برغم وصفها بـ”الذهانية” لم يكن موفقا من “أريتى” مع كل احترامى وتقديرى.

د. مريم سامح

المقتطف: “لو قالوا لى ألف مرة ومرة  قبل أن يحدث ما حدث ‏إن‏ ‏الإنسان‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسهم‏ ‏فى ‏اختلال‏ ‏توازنه‏ ‏لهزأت‏ ‏بهم‏ ‏واعتبرتهم‏ ‏قساة‏ ‏القلوب‏ ‏جهلة‏، ‏أما‏ ‏بعد‏ ‏تلك‏ ‏الكلمة‏ ‏ذلك‏ ‏الصباح‏، ‏وبعد‏ ‏أن‏ ‏دار‏ ‏رأسى، ‏وأفرغ‏، ‏وامتلأ‏، ‏وانقلب‏ ‏عاليه‏ ‏سافله‏، ‏عرفت‏ ‏أن‏ ‏وراء‏ ‏الأمور‏ ‏أمورا‏، ‏وحمدت‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏أحدا‏ ‏لا‏ ‏يعلم‏ ‏هذه‏ ‏الهواجس‏ ‏وإلا‏ ‏اتهمونى ‏بالتمارض‏ ‏والادعاء، ‏لو‏ ‏كنت‏ ‏أعلم‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏ستكون‏ ‏بمثل‏ ‏هذا‏ ‏العنف‏ ‏والرعب‏ ‏والسخرية‏ ‏والغرابة‏ ‏لما‏ ‏سعيت‏ ‏إليها‏ ‏أبدا‏، ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أسع‏ ‏إليها، بل‏ ‏هى ‏التى ‏سعت‏ ‏إلىّ.. ‏ولكن‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ “‏هي”.. ‏ليست‏ ‏إلا‏ أنا”.

التعليق: حرّكت داخلى التوقف و السكون و رؤية اللى جوه بدلاً من الهروب منه. للأسف أغلب الأحيان ارى نفسى اهرب منها وهى قابعة داخلى تتحرك و تتساءل، و اتلكك بالمشغولية. بل افكّر أيضاً أن هذا من أسباب توقفى عن التمعن و الرد على النشرات.

د. يحيى:

رحلات الدخول والخروج وعمليات التداخل والتكثيف هكذا هى نتيجة للتلقى المحيط الأمين لهذه الخبرات، وهى من علامات حركية الداخل واستعداده للتشكل على مسار النمو، وهى لا تحتاج منـّا لأكثر من الاعتراف بها دون تـَمّعنْ وإلا انقلبت عقلنه أو “مكلمة”، أعنى انقلبت إلى حديث عنها بدلا من معايشتها، ثم إنها هي هي أيضا تصبح عرضا مرضيا إذا تسارعت وتشتت وانحرفت ونكصت، كما حدث بعد ذلك مع عبد السلام.

د. مريم سامح

المقتطف: يشرق‏ ‏وجه‏ ‏أمى ‏بالفرحة‏ ‏النسائية‏ ‏الخاصة‏ ‏التى ‏تـُرَى ‏على ‏وجوه‏ ‏نسوة‏ ‏ذلك‏ ‏الزمان‏ ‏حين‏ ‏تصل‏ ‏قفشاتهم‏ ‏إلى ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ ‏الخاصة‏ ‏التى “‏تدغدغ” ‏وجدانهم‏ ‏وتهيئهم‏ ‏لأعمال‏ ‏الليل‏ ‏الممتعه‏ ‏فى ‏تسليم‏ ‏وانتصار‏ ‏معا”.

التعليق: المقطع ده من أوله جميل.

د. يحيى:

لعله واقعى ودقيق وصادق، وليس “جميلا” بالذات،

 أو لعلك التقطت الدقة والصدق والعمق باعتبارهما جمالا من نوع خاص.

د. مريم سامح

المقتطف: “كل‏ ‏الناس‏ ‏تعرف‏ ‏أشياء‏ ‏أخرى ‏غير‏ ‏الحقيقة‏ ‏التى ‏أعيشها‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏، ‏كنت‏ ‏مثلهم‏، ‏وكنت‏ ‏أحس‏ ‏أن‏ ‏حبهم‏ ‏هوالحب‏، ‏وأن‏ ‏أدبهم‏ ‏هو‏ ‏الأدب، ‏الآن‏ ‏أعيد‏ ‏النظر‏ ‏وأنا‏ ‏فى ‏رعب‏ ‏الوحدة‏ ‏ودهشة‏ ‏الغريب، ‏تأكدت‏ ‏أن‏ ‏شعورى ‏نحو‏ ‏آمال‏ ‏ليس‏ ‏شاذا‏ ‏ولا‏ ‏بشعا، ‏إنه‏ ‏مجرد‏ ‏تفجير‏ ‏شىء ‏موجود‏ ‏منذ‏ ‏عهد‏ ‏سحيق‏، ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏كنت‏ ‏أتجنبها‏ ‏وأعاملها‏ ‏بشىء ‏من‏ ‏الجفاء، ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أميز‏ ‏ذلك‏ ‏الشىء ‏المختبئ‏ ‏بين‏ ‏أحشائى ‏نحوها‏، ‏وإن‏ ‏كنت‏ ‏دائما‏ ‏أخشى ‏نظراتها‏ ‏الثاقبة‏ ‏التى ‏تتخطى ‏حدودك‏ ‏الظاهرة‏ ‏لتستقر‏ ‏بين‏ ‏ضلوعك‏ ‏مباشرة، ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏كنت‏ ‏أحتمى ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الفيض‏ ‏المقتحم‏ ‏بمزيج‏ ‏من‏ ‏الحياء‏ ‏والتبلد‏ ‏والجفاء”

التعليق:  وصلنى هروبى من حركة مشاعرى تجاه من حولى بالجفاء أو باللياقة الزائدة.

د. يحيى:

لا تبالغى يا مريم فى وصف ما وصلك ويصلك حتى لا تـُسـْتـَدْرجين إلى درجة من العقلنة تصبح وصية على الرسائل الكلية التى قد تصلك دون حاجة إلى أن تعرفيها بهذا التحديد،

أنا أرجـِّـح أن ما وصلك هكذا بهذا الشكل المكثف الغامض هو ما يعيق زملاءك ويعيقك أحيانا عن التعليق.

د. مريم سامح

المقتطف: “‏لم‏ ‏أتمكن‏ ‏من‏ ‏قراءة‏ ‏الأخبار‏ ‏العادية‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏تجذبنى ‏قبلا‏ (‏البخت‏ ‏والإعلانات‏ ‏والوفيات‏ ‏وأخبار‏ ‏الإصلاح‏ ‏الوظيفي‏) ‏ينجذب‏ ‏نظرى ‏إلى ‏المواضيع‏ ‏التى ‏كنت‏ ‏أضعها‏ ‏تحت‏ ‏بند‏ ‏الكلام‏ ‏الفارغ‏ ‏والضحك‏ ‏على ‏الدقون‏: “‏انتحار‏ ‏الفكر‏ ‏الجديد”، “‏المد‏ ‏الثورى ‏فى ‏العالم‏ ‏الثالث”، “‏مخاطر‏ ‏المجاعة‏ ‏وانقراض‏ ‏الإنسان”، ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏العناوين‏ ‏تصيبنى ‏بالإعياء‏، ‏أما‏ ‏الآن..‏؟!! “

التعليق: يا دكتور أنا هقلق على نفسى علشان أنا شبه عبد السلام فى حاجات كتير، اكتبها و أنا مبتسمة.

د. يحيى:

برجاء إعادة قراءة ردى على التعليق السابق

ثم إن شعورك بوجه الشبه هكذا هو دليل على قدرتك الصادقة على التقمص، وهو راس مال ممارستنا المهنية الفنية العملية كما كررت مرارا.

****

الجزء الثانى من الفصل الثانى:

 “إمّا أنْ تعودَ… أو: نقتلكْ” (رواية الواقعة)

د. مريم سامح

المقتطف: “أطير‏، ‏يملؤنى ‏الخوف‏، ‏أتحسس‏ ‏جناحَىّ ‏فلا‏ ‏أجدهما‏، ‏أبدأ‏ ‏فى ‏السقوط‏، ‏الرعب‏ ‏من‏ ‏التهشيم‏ ‏يملؤنى، ‏تبتعد‏ ‏الأرض‏ ‏عنى، ‏أتمنى ‏السقوط‏ ‏حتى ‏الموت‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الرعب‏ ‏بلا‏ ‏نهاية‏، ‏أصرخ‏ ‏أصرخ‏ ‏أصرخ‏، ‏تهزنى ‏زوجتى، ‏أصحو‏، ‏أنظر‏ ‏فى ‏عينيها”.

التعليق: وصف الحلم و مشاعر عبد السلام اثناءه جعلنى أرى بصورة اعمق و اقرب ما قرأته فى كتاب السيكوباثولوجى عن الاحلام اثناء النوبة الذهانية الحادة، و بصراحة شعرت بعدة مشاعر ربما اعمقها الخوف، فهى خبرة صعبة و مملوءة بالوحدة و التهديد، و لا اخفى عليك شعورى بالشفقة رغم علمى بكرهك لها، و شعرت بالخجل أنى أحيانا اتعامل مع المرضى بسطحية لا ترقى إلى مستوى خوفهم، أو ربما لا تراه! صعب يا دكتور الكلام ده من غير اختبار له!

د. يحيى:

بصراحة يا مريم يبدو أن ما كان يهمنى أن يصل من هذا المقطع هو سرقة القارئ لتصديق أن وصف الحالم للحلم وهو أثناء الحلم يجعلنا نصدق أن “للحلم وعى مختلف”، وأن ذلك، ومثل ذلك، يحدث في وعى خاص فعلا: لا هو وعى اليقظة ولا هو وعى النوم، وأنه عند الذهانيين والأطفال وإرهاصات الإبداع يحدث بحيث يجرى تداخل بين مستوى وعى الحلم ووعى اليقظة،

أما الحلم المحكى بعد اليقظة فهو أبعد ما يكون عن هذه المنطقة، وقد بينت ذلك بالتفصيل فى أطروحتى عن الأحلام  وفى نقدى للأحلام (كتاب: عن طبيعة الحلم والإبداع “أحلام فترة النقاهة” نجيب محفوظ) دار الشروق 2006

ولا أذكر أننى قلت ذلك بأى تفصيل فى كتابى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”، (شكرا إذا أشرتِ لى على الصفحات).

د. مريم سامح

المقتطف: “‏أقول‏ ‏لهم‏ ‏إنى ‏نسيت‏ ‏اسمى ‏وإنى ‏أتعرف‏ ‏على ‏الألوان‏ ‏لأول‏ ‏مرة‏ ‏فى ‏حياتى”.

التعليق: اشاركه بفرحتى باعادتى التعرّف على اشياء كثيرة و اكتشافها بطعم مختلف الآونة الأخيرة. وقد وجدت أن فى هذا طاقة رهيبة تدفعني! إذ كل يوم يحمل اكتشافا جديداً!

د. يحيى:

إن الاحتفاظ بالقدرة على الدهشة هى من أهم علامات حيوية الحركة النمائية، وقد تناولت ذلك باكرا (1980) (2) فى مقال لى بالأهرام بعنوان “فضيلة الدهشة” يمكنك الرجوع إليه.

كما تناولته مرة أخرى بشكل أبسط وأوضح فى أرجوزتى للأطفال عن “الحق فى الدهشة” على لسان طفل يخاطب أباه قائلا:

-1-

بتشوف الحاجة ازاى دايما زى ما هيّهْ؟

وأنا كل مرة باشوفها يعنى مش هيه

هوّا انت يا خويا  عنيك ديّه

مش همّا تمام زى عـْنَـيــّه؟

-2-

أنا بافرح باللى باشوفه جديد

بالشكل دهُهْ:  دنياىَ بتزيد

وانت عمال بتعيد وتعيد

وانا كل مرة بلاقى نفسى ف دنيا ثانيه

يعنى الساعة بتبقى عندى مليون ثانيه

-3-

طب جرّب مرة تتأمل حاجة شايفها

من غير ما تقول ما انا عارفها

حاتشوف زيى ويمكن أكتر

حاتلاقى الألوان تتغير

وحاجات تكبر وحاجات تصغر

وحاتعرف من غير ما تفكر

ربنا موجود … الله أكبر

د. مريم سامح

المقتطف: “‏كل‏ ‏شىء ‏تغير‏، ‏كل‏ ‏شىء ‏تغير”، ‏حقيقة‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏فيها‏ ‏جدال‏ ‏حتى ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏ترعبنى”،

التعليق: اطمئنانه بعد تسليمه أرانى أن الخوف فى الذهان له وجه آخر.. مش كله خوف.

د. يحيى:

عندك حق

البدء بالدهشة ثم الفرحة بالدهشة ثم الخوف من المجهول الذى قد تتكشف عنه الدهشة ثم الخوف من الآتى من التغيير إلى غيب غائب فى غاية المسار…الخ” كل هذا وغيره، هو بعض ما يقوم النص بإثارته،

فهل عندى حق يا مريم أن أعتقد أن مثل هذا النص الأدبى يسهل لنا مهمة التدريب حتى نتعلم كيف نقرأ داخل المريض باحترام وصبر وتعلـّـم؟

****

الجزء الثانى من الفصل الثانى: “إمّا أنْ تعودَ… أو: نقتلكْ” (رواية الواقعة)

د. مريم سامح

المقتطف: “‏ربما‏ ‏اختلف‏ ‏نوع‏ ‏الحب‏ ‏والكره‏ ‏أو‏ ‏هدفهما‏ ‏أو‏ ‏معناهما، ‏أنا‏ ‏الآن‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أحب‏ ‏مثلا‏ ‏ولكنى ‏لا‏ ‏أجد‏ ‏من‏ ‏أحبه‏، ‏ وفى ‏أحوال‏ ‏أخرى ‏أخاف‏ ‏أن‏ ‏أحب‏ ‏بهذه‏ ‏الدوافع‏ ‏الجديدة‏ ‏لأنى ‏أحس‏ ‏أنها‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏، ‏ربما‏ ‏أكثر‏ ‏صراحة‏ ‏وربما‏ ‏أكثر‏ ‏وقاحة‏”،

التعليق:  الله!

د. يحيى:

الله عليكِ يا ابنتى

(ثم إضافة إلى ما جاء فى بريد الجمعة)

يعتقد كثير من الناس يا مريم أن المريض النفسى متبلد المشاعر على طول الخط أو على الناحية الأخرى مندفع فى الاستجابة إلى انفعالاته البدائية بعنف وقسوة دائما، ولعلك لاحظت هنا العكس تقريبا، فعبد السلام يقول “أنا الآن أستطيع أن أحب” وكأنه حين كان سويـّْا لم يكن يحب، وحين يكتشف المريض ضحالة ما كان يمارس من عواطف قبل الخبرة، يتعرف على وجدانه من جديد فيشعر أنها مشاعر من نوع آخر، فهو يلتقط الفرق بين القدرة على الحب، وزعم الحب أو الكلام عنه، وأيضا هو يبدأ فى ممارسة بحث جديد لموضوع الحب “لا أجد من أحبه”، وكذلك يشعر بالخوف من هذه المشاعر التى لم يـَعـْتـَدْها “أكثر صراحة أو أكثر وقاحة” (هل لاحظتِ دقة الوصف).

د. مريم سامح

المقتطف: “‏أن‏ ‏مخى ‏مازال‏ ‏قادرا‏ ‏كما‏ ‏كان‏، ‏على ‏شرط‏ ‏ألا‏ ‏أضبطه‏ ‏متلبسا‏ ‏بالعمل‏،”

التعليق: المذاكرة من غير تركيز.

د. يحيى:

هذه الفكرة (أو النظرية أو الأطروحة أو الفرض): “المذاكرة من غير تركيز”  التى استشهدتِ بها يا مريم تعقيبا على هذه الجملة تحتاج بعض الشرح منى:

هذه الفكرة أصبحت تمثل لى ثروة هائلة فى الممارسة، وكثير من أبنائى وبناتى الطلبة الذين يشكون من “عدم التركيز” يصدقونها ويمارسون آلية ما اسميه “التحصيل بدون تركيز”، لكن الأهل عادة يتعجبون منها ويرفضونها بشدة، وحين أواصل التأكيد على أن المخ البشرى يركز بالرغم من وصاية صاحبه، يزداد  رفضهم فأتمادى شارحا أن الذى يعطل التركيز هو التركيز على التركيز، فلا يفهمون أكثر ، فأسأل أحد الوالدين هل أنت تمشى على قدم واحدة، أم على قدمين، فيقول: “قدمين طبعا”، فأقول له مازحا “بل إنك تمشى على قدم واحدة ثم الأخرى بالتبادل ” وهكذا، ولو أنك تمشى على قدمين لرحت تقفز (مثل الغراب أحيانا) وأستشهد برباعية صلاح جاهين وأن الذى يراقص الدنيا ينساب معها دون تركيز وأنه لو ركز على مشيته هذه لارتبك وتعثر

غمـّـض عينيك وارقص بخفة ودلعْ

الدنيا هىَّ الشابّة وأنت الجدع

تشوف رشاقة خطوتك تعبدك

لكن أنت لو بصيت لرجليك .. تقع

****

الجزء الثالث من الفصل الثانى:

 “إمّا أنْ تعودَ… أو: نقتلكْ” (رواية الواقعة)

د. مريم سامح

المقتطف: “أين‏ ‏ذهبت‏ ‏هذه‏ ‏الأشياء‏ ‏جميعا‏ ‏من‏ ‏عقلى ‏طوال‏ ‏عشرين‏ ‏سنة‏، ‏ماذا‏ ‏حدث‏ ‏لى ‏وأين‏ ‏كنت‏ ‏طوال‏ ‏هذه‏ ‏المدة؟ ‏كيف‏ ‏نسيت‏ ‏تماما‏ ‏كل‏ ‏شئ؟ ‏كيف‏ ‏غفوت‏ ‏حتى ‏نمت‏ ‏عشرين‏ ‏سنة؟”

التعليق: عودته لحياته و نفسه جميلة.

د. يحيى:

لا أظن أن هذه عودة إلى حياته أو نفسه، بل لعلها كشف عن مستوى آخر من الوعى هو المستوى الذى يتعرى فيطلق نقده، ورفضه عادة، على المستوى السائد فى الحياة العادية التى أصبح يراها بمثابة التنويم الجماعى، وهذا ما ينكشف بأثر رجعى بالإبداع أو بالمرض أو بالصدمة، وللأسف فإن هذا هو هو ما يمكن أن يـُخـْتـَزَل بلغة الأعراض إلى: “ظاهرة (وأحيانا) ضلال: تغير الشعور بالواقع!!Derealization  .

وقياسا دعينا نتذكر قول على بن أبى طالب “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا” ثم نقيس عليه ونقول: “أغلب الناس فى تنويم جماعىّ، فإذا جنّ أحدهم انتبه، لعلنا ننتبه! وربنا يستر”!

د. مريم سامح

المقتطف: “‏كيف‏ ‏تنقلب‏ ‏الأفعال‏ ‏إلى ‏أسماء؟ ‏المصيبة‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏لى ‏هو‏ ‏نفس‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏لسعيد‏ ‏عبد‏ ‏الراضى (‏شاعر‏ ‏اتحاد‏ ‏الطلبة‏) ‏وعبد‏ ‏المهيمن‏ ‏المنقبادى (‏قائد‏ ‏المظاهرات‏) ‏وسعاد‏ ‏زهران‏ (‏راكبة‏ ‏الدراجة‏ ‏محطمة‏ ‏التقاليد‏) ‏وسميحة‏ ‏عبد‏ ‏الوارث‏ (‏الحالمة‏ ‏بالجنة‏ ‏على ‏الأرض‏) ‏وسناء‏، ‏وفتحى، ‏وعبد‏ ‏الودود‏، ‏وسميه‏ ‏رمضان‏ (‏الشابة‏ ‏الحاجة‏ ‏ذات‏ ‏الإيشارب‏ ‏والحماس‏ ‏لإرجاع‏ ‏الكون‏ ‏إلى ‏أصله‏)، ‏كلهم‏ ‏استبدلوا‏ ‏الأسماء‏ ‏الخمسة‏ ‏بالأفعال‏ ‏الخمسة‏، ‏ولم‏ ‏يبق‏ ‏منهم‏ ‏إلا‏ “‏التهامى ‏محمود‏” ‏الذى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏احتفظ‏ ‏ببعض‏ ‏الأفعال‏ ‏حية‏ ‏فمازلت‏ ‏أسمع‏ ‏بعض‏ ‏تعليقاته‏ ‏بالصدفة‏ ‏على ‏برامج‏ ‏الموسيقى ‏التى ‏لا‏ ‏أفهمها.

‏”‏الله‏ ‏يخرب‏ ‏بيوتكم‏”.‏

……………………

……………………

من ذا‏ ‏الذى ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يوقظ‏ ‏فىّ ‏الأفعال‏ ‏الخمسة؟ ‏كيف‏ ‏أهرب‏ ‏ثانية‏ ‏إلي”‏الأسماء” ‏الساكنة‏ ‏المستقرة؟ ‏كنت‏ ‏أعيش‏، ‏وهم‏ ‏جميعا‏ ‏مازالوا‏ ‏يعيشون‏، ‏فلمصلحة‏ ‏من‏ ‏أرجع‏ ‏وحدى ‏وأفيق‏ ‏من‏ ‏خدر‏ ‏الأسماء‏ ‏لأواجه‏ ‏أفعالا‏ ‏تتحدانى ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أفعل‏ ‏شيئا؟”  ‏وماذا‏ ‏سيكون‏ ‏مصيرى ‏حين‏ ‏أعجز‏ ‏عن‏ ‏الاستمرار‏ ‏فى ‏لعب‏ ‏هذا‏ ‏الدور‏ ‏المزدوج؟ ‏

التعليق: نعمل إيه بقي؟؟؟ الجرعة كبيرة يا دكتور، و انا بقرا حاسة إنى عايزة اقولك كفاية تقليب. صحيح مش ممكن حضرتك تتناول أجزاء من القصة تانى بجرعة اخف شوية، أنا مش عارفة اعبّر بس أظن حايوصلك.

د. يحيى:

لعل هذا هو ما جعلنى أعاود نشر الرواية بهذا التجزئ الذى قد يشوهها،  كل فصل ينشر على ثلاثة أيام، وكل ثلاثة فصول تجمع بعد ذلك لمن يريد أن يجمعها، ومع ذلك فها أنت تشكين من “جرعة التقليب”،

 بصراحة أنا أخشى من أى تدخل لاحق فى الأصل الذى كتبتُه من حوالى نصف قرن، وهأنذا أعيد اكتشافه معكم.

د. مريم سامح

المقتطف: “وكأنها‏ ‏خافت‏ ‏هى ‏الأخرى ‏من‏ ‏أن‏ ‏يتحرك‏ ‏شىء ‏فى ‏داخلها،”

التعليق: وصلنى منها شيء كبير، ربما يتعلق بالجانب الإيجابى للمرض النفسى و تأثيره على من حول المريض، كما نقول نحو ولاف افضل.

د. يحيى:

ربما يكون هذا فضل مرضانا علينا حين يتحرك فينا ما عجزوا هم أن يوجهوه إلى غايته الإيجابية فنصبح مديونين لهم، وعلينا أن نواكبهم… إلى برّ السلامة وليس فقط إلى حظيرة العادية، ما أمكن ذلك.

وبعد

هذا ما جاءت طزاجة وأمانة ابنة واحدة وهى تحاول صابرة مغامرة،

 فلعل فيه دعوة لمن يتردد فى الدخول إلى الحوار حتى نتعلم جميعا معا.

[1] – يقصد الممارس العام الذى استشاره عبد السلام في أول رحلة العلاج.

[2] – يحيى الرخاوى “فضيلة الدهشة” جريدة الأهرام‏: 24 ‏/1/‏ 1980 ‏

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *