جريدة التحرير
29-12-2012
تعتعة التحرير
ثم ماذا بعد الموافقة…..؟
حين أعلنت موقفى الذى بدا متناقضا حيث اعترفت فيه أننى أدليت بصوتى فى الاستفتاء بعدم الموافقة “لا” فى حين أننى دعوت الله وأنا أضع ورقة التصويت فى الصندوق أن تكون النتيجة النهائية “نعم”، دهش منى كثيرون، ولم يفهمنى كثيرون، وعذرنى كثيرون بحجة أننى “نفساوى بقى”، هذا ما حدث: قلت «لا» للدستور احتراما لموقفى الشخصى، لكننى دعوت الله وأنا أضع الورقة فى الصندوق أن تتم الموافقة بـ«نعم» من أجل مصر، لا من أجل «الإخوان» ولا من أجل الرئيس ولا من أجل هذا الدستور بالذات، ذلك أننى قدرت أن رفض هذا الدستور سوف يجرنا إلى سنة أخرى على الأقل من الكلام والمناقشات، والتوفيق، والتلصيق، والمراسيم الجمهورية المؤقتة المرتعشة والظالمة والمليونيات الموضوعية، والمليونيات المضادة، وتضيع مصر أكثر فأكثر، أنا قلت «لا» ودعوت “نعم” حتى أسهم فى توازن الكفة واقتراب الأرقام فقط، والرأى عندى هو: إما عودة إلى دستور 71 مع تعديل 5 أو 6 مواد، وإما عمل لجنة لا يزيد عددها على عشرين ولا يمثل فيها أى تيار سياسى بأكثر من شخص واحد ثم نرى، وبما أن مثل هذه الأفكار فات أوانها فلتكن موافقة الأغلبية – دون شخصى الفقير إلى الله – هى الحل!!.
لقد صوت بـ “لا” لأنها الشهادة التى سيحاسبنى الله عليها، شهادة على وثيقة لا يصح أصلا أن تقدم لكل الناس بكل هذه المواد ليجاب عليها بنعم أو لا، هذه استهانة بالمنطق، وتجاوز للموضوعية، واستتفاه بالعقول، وتجاوز فى حق العدل سبحانه وقد كانت “لا” هذه هى تعبير عن موقفى من “الأسلوب” أكثر منها تعبيرا عن موقفى من المحتوى الذى لم أدرسه بحيث أقف أمام ربى شاهدا أمينا وأنا أوافق عليه، المهم شاركت فى هذه الاحتفالية المفرغة من المعنى، المستهينة بأبسط قواعد الموضوعية والعدل، أما دعائى لربى أن تكون النتيجة الكلية “نعم” فكانت دعوة لمصر، ليس لأن هذا الدستور فيه خير كثير لمصر، ولا للإسلام، ولا للناس، ولكن لأن مصر تحتاج إلى التقاط الأنفاس بعد أن طالت ما تسمى “المرحلة الانتقالية”، وتركزت طريقة التعبير فى خطاب الشوارع والميادين، حتى باتت تهدد بتقويض سائر مؤسسات الدولة التى لم تتكون بعد بشكل قادر، حتى المؤسسات التى قاومت التفكيك والتشويه مثل مؤسسة القضاء الشامخة، نالها من الشارع، ومن داخلها، ما لا يليق، كما نالها من استهانة السلطة واجترائها، ما يؤخر أى استقرار فى أى بلد إلى أجل غير مسمى.
الآن وقد ظهرت النتائج شبه النهائية فهمت نفسى أكثر، ذلك أن التصويت بـ”نعم” قد ترتبت عليه فرحة من حق أصحابها، خاصة وهم لا يعرفون الحساب جيدا ولا يعرفون أن عدد من أدلوا بأصواتهم هو الثلث فقط “16,695 مليونا” من اجمالى الذين لهم حق الانتخاب وهم: “51,331 مليونا”، وأن من هؤلاء نحو “10 ملايين و655 ألفا” صوّت بنعم….الخ، فلم الفرحة ؟ ودستور من هذا؟ دستور عشرة ملايين من خمسين مليون ناخبا أم دستور تسعين مليون مواطنا؟ ومع ذلك فأنا مازلت فى جانب هذه النتيجة حتى لو ثبت تزوير بعضها بما لا يغير النتيجة النهائية.
كل ما ترتب على الموافقة هو بضع مظاهر فرحة وأخرى احتجاجية، لا أتصور أنها سوف تصل إلى ما يسمى الحرب الأهلية، أما التصويت بـ”لا” فكان سوف يخيف السلطة الحاكمة ويهددها أن كرسى الحكم يهتز من تحتها، وبالتالى كان سيصلها إنذار أنها سوف تفقد الفرصة التى انتظرتها عشرات السنين، ليست بالضرورة فرصة الاستيلاء على السلطة، ولكن مع افتراض حسن السنية، ربما الفرصة لتحقيق، أو على الأقل لتختبر، برامجها ونواياها على أرض الواقع، وبالتالى كنت أتوقع مع رفض الدستور، أن يضاء النور الأخضر بطريق مباشر أو غير مباشر للمليشيات المنتمية والمأجورة فتشتعمل الحرب، لذلك دعوت الله أن يجنبنا ذلك مهما كان الثمن، وقد استجاب الله لدعائى، وفى نفس الوقت شعرت أن صوتى لم يذهب هباء حتى تصورت أنه رجح كفة محافظة القاهرة لتعلن أغلبية هذه المحافظة بالذات (وأنا منهم) رفضها لهذا العبث الجارى.
بعد كل ذلك خطرت لى عدة توصيات للناس قبل السلطة من أهمها:
(1) أن نتوقف عن المزايدة بدماء الشهداء الأبرار ودموع أمهاتهم الثكالى.
(2) أن نتوقف جميعا عن التدخل فى أحكام القضاء نهائيا من أعلى رأس فى السلطة حتى آخر مواطن فى الشارع ما لم تنشأ محاكم ثورة، (التى أحذر منها) فنلتزم أيضا بقوانينها المحددة وأحكامها.
(3) أن نستقر على أسلوب آخر للتغيير، وليكن الأسلوب الذى مازلت أعيبه والمسمى الديمقراطية.
(4) أن نعيد النظر فى المقاييس التى نقيس بها خطوات الثورة السابقة والجارية، صحيح أنها “ثورتنا المعجزة” و”ثورتنا الجميلة” وثورتنا “غير المسبوقة” فى التاريخ…الخ، إلا أن التكرار بهذا الشكل كاد يفقد هذه الألفاظ بريقها ويفرغها من نبضها.
5) أن نبحث فى الانجازات التى تمت على كل المستويات بدءًا بالمستوى الاقتصادى، ثم نرى أين نحن، وأين حكامنا وأين الثورة، ثم ماذا؟.
6) أن نعيد النظر فى تفسير الربيع العربى والخريف العربى والشتاء العربى والصيف العربى بحسابات متصلة بما يجرى فى العالم، فنُدخل فى “جدول ضرب” حساباتنا: معالم الاستقلال الاقتصادى، والتبعية الظاهرة والخفيه وموقع اسرائيل كأعدى أعدائنا فعلا، ببركة أمريكا الراعية الكبرى.
7) أن ندرس وبسرعة لماذا لا تقوم فى الصين اضرابات فئوية، وكيف غزت الصين العالم بإنتاجها، وهددت أصدقاءها وأعداءها بقنبلتها الذرية، وحتى لا نعزو نجاح الصين إلى الشيوعية المعدّلة، دعونا ندرس تفاصيل أحوال الهند، والبرازيل، وماليزيا أيضا.
8) أن ننتبه إلى عظمة عطاء ديننا مثل أى دين لم يتشوه، ودوره الحضارى الذى يحتاجه العالم وليس فقط مصر. ومرة أخرى ننتبه وننبه أن الشريعة ليست هى الاسلام . ولا الاسلام هو الإيمان “قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا….” ولا الإيمان هو غاية المطاف فهو فى البداية والنهاية طريق إلى الله.
9) أن نتعهد التعليم بعد أن وصل إلى كارثة حالية، وتهديد بخراب مستقبلى لا حدود له
10) أن نبدأ فورا فى التخطيط لتنمية الإبداع على كل المستويات.
وبعد
إن لم يحقق ذلك، أو بعض ذلك نتيجة التصويت بـ “نعم” فسوف أحمد الله أننى قلت “لا” برغم أنه سبحانه وتعالى بكرمه وفضله قد استجاب لدعائى.