الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (73) الفصل‏ ‏الثانى: ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (73) الفصل‏ ‏الثانى: ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 12-5-2022                                  

السنة الخامسة عشر

العدد: 5367

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (73)

الفصل‏ ‏الثانى

فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!‏

الأصداء

‏73 – ‏الحنين

‏”‏كنت‏ ‏ألقاه‏ ‏فى ‏الخلاء‏ ‏وحيدا‏ ‏يحاور‏ ‏الناى ‏ويعزف‏ ‏لجلال‏ ‏الكون‏، ‏قلت‏ ‏له‏ ‏يوما‏ “‏ما‏ ‏أجدر‏ ‏أن‏ ‏يسمع‏ ‏الناس‏ ‏ألحانك‏” ‏فقال‏ ‏بامتعاض‏ “‏إنهم‏ ‏منهمكون‏ ‏فى ‏الشجار‏ ‏والبكاء‏”! ‏فقلت‏ ‏مشجعا‏: “‏لكل‏ ‏امرئ‏ ‏ساعة‏ ‏يحن‏ ‏فيها‏ ‏إلى ‏الخلاء‏”.‏

أصداء الأصداء

علاقة‏ ‏محفوظ‏ ‏بالخلاء‏ ‏علاقة‏ ‏خاصة‏، ‏تحتاج‏ ‏لدراسة‏ ‏خاصة‏، ‏الخلاء‏ ‏عند‏ ‏محفوظ‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏يحيط‏ ‏بالمقابر (ملحمة الحرافيش)‏، ‏وأحيانا‏ ‏يكون‏ ‏فى ‏الطريق‏ ‏الصحراوى (‏الشحاذ‏)، ‏وأحيانا‏ ‏لا‏ ‏يتحدد‏ ‏له‏ ‏مكان‏ ‏أصلا‏، ‏وإنما‏ ‏يتردد‏ ‏فى ‏اتساع‏ ‏الداخل‏، ‏وتتردد‏ ‏الأصداء‏ ‏بين‏ ‏ترامى ‏الخلاء‏ ‏الخارجى ‏وحركة‏ ‏الخلاء‏ ‏الداخلى، ‏وعموما‏ ‏فإن‏ ‏الخلاء‏ ‏عند‏ ‏محفوظ‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏أبدا‏ ‏فراغا‏، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏دائما‏ ‏مليء‏ ‏بالوعد‏ ‏والحركة‏ ‏اللذان‏ ‏يكملان‏ ‏ويتجاوزان‏ ‏الحدود‏ ‏المحدودة‏ ‏ظاهرا‏، ‏وفى ‏هذا‏ ‏الخلاء‏ (‏الخارجى ‏والداخلى ‏معا‏) ‏يتولد‏ ‏شوق‏ ‏ما‏، ‏شوق‏ ‏إلى ‏المطلق‏، ‏إلى ‏الله‏، ‏إلى “‏المابعد‏”، ‏فى ‏الحرافيش‏ ‏تلاشى (‏اختفى) ‏عاشور‏ ‏الناجى ‏فى ‏الخلاء‏ ‏الخارجى ‏إذ‏ ‏التحم‏ ‏معه‏، ‏فى ‏حين‏ ‏كانت‏ ‏التكية‏ ‏تمثل‏ ‏الخلاء‏ ‏الداخلى ‏المليء‏ ‏بالحركة‏ ‏الحيوية‏ ‏والأنغام‏.‏

وفى‏ ‏الخلاء‏ ‏هنا‏ (‏أكرر‏: ‏الذى ‏هو‏ ‏ضد‏ ‏الفراغ‏) ‏يحدث‏ ‏الشيء‏، ‏وبما‏ ‏أن‏ “‏الشيء‏ ‏هو‏ ‏الشيء‏”، ‏فلا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نفصـِّل‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏ألفاظ‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يُختزل‏ ‏أو‏ ‏يشوه‏، ‏ورؤية‏ ‏وجه‏ ‏الله‏ ‏سبحانه‏ ‏وتعالى – ‏عند‏ ‏المتصوفة‏ – ‏والحوار‏ ‏الممكن‏ ‏معه‏ ‏فى ‏الداخل‏ ‏والخارج‏ ‏تتمان‏ ‏فى ‏رحاب‏ ‏الخلاء‏ ‏الداخلى ‏والخارجى ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏، ‏وهذه‏ ‏المناجاة‏ ‏بين‏ ‏كون‏ ‏الداخل‏ ‏وكون‏ ‏الخارج‏; ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تغلق‏ ‏على ‏نفسها‏، ‏فهى ‏تتردد‏ ‏أنغاما‏ ‏حوارية‏ ‏على ‏الناى: ‏لتقربنا‏ ‏من‏ ‏جلال‏ ‏الكون‏ ‏لا‏ ‏لننفصل‏ ‏عن‏ ‏الناس‏، ‏ثم‏ ‏نعرف‏ ‏أنه‏ ‏يعز‏ ‏على ‏من‏ ‏يطلب‏ ‏وجهه‏ ‏تعالى ‏هكذا‏ ‏أن‏ ‏تظل‏ ‏الرؤية‏ ‏حكرا‏ ‏عليه‏، ‏فيتمنى ‏أن‏ ‏يبلغ‏ ‏الرسالة‏، ‏فلماذا‏ ‏يحرم‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التعيين‏ ‏المباشر‏، ‏ويجيء‏ ‏الرد‏ ‏بلومهم‏ (‏كما‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏الشحاذ‏: ‏إن‏ ‏كنت‏ ‏تريدنى ‏فلم‏ ‏تركتنى) ‏وينصب‏ ‏اللوم‏ ‏على ‏أنهم‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏لايريدون‏، ‏هم‏ ‏مشغولون‏ ‏بالشجار‏ ‏والبكاء‏، ‏لاحظ‏ ‏لم‏ ‏يقل‏ ‏مشغولون‏ ‏بالدنيا‏، ‏أو‏ ‏جمع‏ ‏المال‏، ‏والإشارة‏ ‏هنا‏ ‏إلى ‏الشجار‏ ‏والبكاء‏ ‏لها‏ ‏دلاله‏ ‏خاصة‏ ‏لأنهما‏ ‏قيمتان‏ ‏غير‏ ‏مرفوضتين‏، ‏فالشجار‏ ‏جزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏حركة‏ ‏الحياة‏ ‏وأكل‏ ‏العيش‏، ‏والبكاء‏ ‏حق‏ ‏للتعبير‏ ‏عن‏ ‏الألم‏ ‏أو‏ ‏الأسى ‏أو‏ ‏الفقد‏، ‏وما‏ ‏إلى ‏ذلك‏، ‏إذن‏ ‏هم‏ ‏مشغولون‏ ‏بما‏ ‏يشغل‏ (‏وليس‏ ‏بما‏ ‏لايستحق‏)، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فهذه‏ ‏الرؤية‏ ‏اليقين‏ ‏التى ‏تأبى ‏أن‏ ‏تقتصر‏ ‏على ‏صاحبها‏، ‏تعذر‏ ‏الناس‏ ‏المشغولين‏ ‏وتقرر‏ ‏أنه‏ ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏الانشغال‏ ‏فالحنين‏ هو ‏إلى ‏اللحن‏ ‏الصادر‏ ‏عن‏ ‏الحوار‏ ‏الداخلى ‏الخارجى، ‏ثم إن‏ ‏الخلاء‏ ‏الداخلى/الخارجى، ‏لايختفى ‏أبدا‏ ‏أو‏ ‏نهائيا‏ ‏مهما‏ ‏اشتد‏ ‏الشجار‏، ‏وعلا‏ ‏البكاء‏.

‏(‏لا‏ ‏أحد‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يقرأ‏ ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحيط‏ ‏به‏ ‏جو‏ “‏زعبلاوي‏” “‏والطريق‏” “‏وعاشور‏ ‏الناجى ‏الكبير‏ ‏فى ‏الحرافيش‏”، ‏ثم وجـْد‏ ‏عمر‏ ‏الحمزاوى ‏فى ‏الصحراء‏، (‏فى ‏الشحاذ‏) ‏وريح‏ ‏الجـبلاوى ‏فى ‏أولاد‏ ‏حارتنا‏).‏

__________

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

 

12 تعليق

  1. الياببسة

    يتخلق في بحار عميقة
    يجد نفسه فيها
    يبحث عن أصله
    عن وصله
    ينظر حوله
    لا يجد الاجابة
    يستبصر
    تفتح كوة
    يعرف منها
    طريق الصراط
    يمشي غريبا
    وحيدا
    يكابد صراطا يتلولب
    كي يستقيم اليه
    في اتجاه واحد
    اتجاه الكوة

    يمضي عنيدا
    يجد أغلبهم يدورون
    علي شواطئ
    تطمس علي أعينهم
    فلا يستطيعون مضيا
    ولا يرجعون..
    يدرك مأساة الوجود
    لا يستطيعون حيلة
    ولا يهتدون سبيلا
    لا يركبون البحر
    من يركب البحر
    لا يخشي من الغرق

    البحر هو السبيل
    هو الصراط
    هو العقبة
    وفي أعماقه
    أسرار الوجود

    من يصر علي الشواطئ
    ستذروه الرياح
    ولن يكون
    وليدفع ثمن اختياره
    عدم اختياره.

  2. دكتوري العزيز شكرا لحضرتك
    النشرة دي خلاتني ابص لرويات د.نجيب محفوظ بشكل مختلف و لمستني جدا

    • عندك حق
      هى تستأهل طول الوقت، طول العمر
      وأتمنى أن تعرفى محاولاتى النقدية المتلاحقة عن بعض أعماله، وهى فى موقعى يمكنك الحصول عليها بالروابط التالية Link كأمثلة:
      1) “دراسات نقدية أحدث فــى نجيب محفوظ” (2017)
      2) “قراءات فى: نجيب محفوظ” ( ط3 2017)
      3) “أصداء الأصداء تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية” ( ط2 2017)
      4) “حديث الصباح والمساء”‏ يكشف: جدل الإنسان المصرى مع ثوراته عبر قرنين
      5) تشكيلات الخلود بين “ملحمة الحرافيش”، و”حـضرة المحترم”
      6) “عن طبيعة الحلم والإبداع” (دراسة نقدية) “أحلام فترة النقاهة” نجيب محفوظ (2009)

  3. لفت النظر ان الانشغال بالشجار والبكاء انشغال بما يشغل وليس بما لا يستحق رائع.

  4. هل هناك علاقه ارتباطيه بين الخلاء الداخلي والخلاء الخارجي؟

  5. د.محمود عبدالغني

    وصلني “الإنهماك” في الشجار والبكاء كأنه الرفض.
    الشجار والبكاء كما حدثتنا هما من عادية التجاوب مع الحياة ومن حقوقنا الأصيلة ولكن كان الإنهماك بمعنى الرفض دلالة فوات فرصة الإنصات لألحان جلال الكون والتعرف على الخلاء ودلالته.
    كأنه دعوة لتخطي “ما أبغض قفا الحياة” للنظر والتأمل والقبول الفعال فنكون بحق جديرين فنسمع ونعي.
    أما الربط الذي أبلغتنا إياه عن ما هو خلاء داخلي وخارجي وما يمثله في إبداع محفوظ فيحتاج للتدبر والعودة له لعله ينفتح.

  6. ‏صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف : ثم‏ ‏نعرف‏ ‏أنه‏ ‏يعز‏ ‏على ‏من‏ ‏يطلب‏ ‏وجهه‏ ‏تعالى ‏هكذا‏ ‏أن‏ ‏تظل‏ ‏الرؤية‏ ‏حكرا‏ ‏عليه‏، ‏فيتمنى ‏أن‏ ‏يبلغ‏ ‏الرسالة‏، ‏فلماذا‏ ‏يحرم‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التعيين‏ ‏المباشر‏، ‏ويجيء‏ ‏الرد‏ ‏بلومهم‏ (‏كما‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏الشحاذ‏: ‏إن‏ ‏كنت‏ ‏تريدنى ‏فلم‏ ‏تركتنى)
    التعليق : تعجبت من أسلوب اللوم هذا ،هو لا يلومنا مهما تعددت دوراتنا فى الإقبال والإدبار ،فهو الكريم الحليم اللطيف الخبير السميع العليم ،أظن أن أن اللوم هو حيلة نفسية نلعبها نحن لنبرر ضيق الخلاء : داخلنا وخارجنا

    • أعتقد أن مقتطف محفوظ “إن كنت تريدنى فلم تركتنى” لا يُفهم بعيدا عن السياق الذى كُتب فيه فى نهاية الرواية، حالة كون الشحاذ “عمر الحمزاوى” يفيق إلى بُعْدِه عن ربه، وهو يكتشف عمق حاجته إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *