الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (43) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (43) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 14-10-2021                               

السنة الخامسة عشر               

العدد: 5157

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)  (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (43)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

43- ‏الساحرة‏ ‏

مرت‏ ‏بى ‏فى ‏خلوتى ‏كالوردة‏ ‏اليانعة‏ ‏فوق‏ ‏الغصن‏ ‏النضير‏، ‏وانهمرت‏ ‏ذكريات‏ ‏تلك‏ ‏الأيام‏ ‏الباهرة‏، ‏وذهلت‏ ‏لسرعة‏ ‏الزمن‏، ‏وكنت‏ ‏شكوت‏ ‏إلى ‏صديقى ‏الحكيم‏ ‏بعض‏ ‏مالقيت‏ ‏فعقب‏ ‏على ‏شكواى ‏قائلا‏.: ‏هل‏ ‏تنكر‏ ‏حظك‏ ‏من‏ ‏دفء‏ ‏الدنيا‏ ‏ونشوتها؟‏ ‏

فعددت‏ ‏الحسنات‏ ‏إقرارا‏ ‏منى ‏بفضل‏ ‏الوهاب‏ ‏

فقال‏: ‏جميع‏ ‏تلك‏ ‏الحظوظ‏ ‏ثمرة‏ ‏لإعراضها

وبعد‏ ‏صمت‏ ‏قصير‏ ‏سألنى: ‏ألا‏ ‏تذكر‏ ‏أثرا‏ ‏من‏ ‏إقبالها؟‏ ‏

فقلت‏: ‏نظرة‏ ‏رضا‏ ‏عابرة‏ ‏تحت‏ ‏النخلة‏!‏

‏ -‏هل‏ ‏تذكر‏ ‏مذاقها؟

‏ -‏أطيب‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏الحظوظ‏ ‏مجتمعة‏.. ‏

فقال‏ ‏بهدوء‏ : ‏لذلك‏ ‏أقول‏ ‏لك‏ ‏إنها‏ ‏سر‏ ‏الحياة‏ ‏ونورها‏.‏

أصداء الأصداء

مثلما‏ ‏أشرنا‏ ‏فى ‏الفقرة‏ ‏السابقة‏ (41) ‏من‏ ‏توقف‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏عند “ما‏ ‏هو‏ “عابر‏”، ‏وعند “ما‏ ‏هو  مصادفة‏” ‏لتبقى ‏حاضرة‏ (‏هى ‏هى ‏ولا‏ ‏أقول‏ ‏آثارها‏) ‏فى ‏وعينا‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏حضور‏ ‏آثار‏ ‏أقدام‏ ‏الفعل‏ ‏المتكرر‏ ‏الرتيب‏، ‏يظهر‏ ‏لنا‏ ‏هنا‏ ‏ملمح‏ ‏آخر‏ ‏يؤكد‏ ‏ما‏ ‏ذهبنا‏ ‏إليه‏ ‏فى ‏فقرة‏ “41”، ‏وهو‏ ‏وقوف‏ ‏محفوظ‏ ‏عند‏ “‏اللحظات‏ ‏الدالة‏”، ‏و‏”‏البوارق‏ ‏المخترقة‏”، ‏و”‏الإشارات‏ ‏والنظرات‏ ‏العابرة‏” ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تدم‏ ‏إلا‏ ‏ثوان‏ ‏معدودة‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏بضع‏ ‏ثانية‏، ‏ونتذكر‏ ‏باشلار‏ ‏فى “‏حدس‏ ‏اللحظة‏”، ‏كما‏ ‏تذكـرنا‏ ‏علاقة‏ ‏محفوظ‏ ‏بالمكان‏ (‏بكل‏ ‏الأمكنة‏) ‏أيضا‏ ‏بــ‏ “‏باشلار‏” ‏فى “‏شاعرية‏ ‏المكان‏”، ‏فهنا‏ ‏يحضر‏ ‏الاثنان‏ ‏معا‏، ‏حدس‏ ‏اللحظة‏ ‏وشاعرية‏ ‏المكان‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏التأكيد‏ ‏على “‏اللحظة‏” ‏أكبر‏، ‏حتى ‏لتصبح‏ “‏سر‏ ‏الحياة‏ ‏ونورها‏” ‏كما‏ ‏يذكرها‏ ‏باعتبارها‏ “‏أطيب‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏الحظوظ‏”، ‏ولا‏ ‏نربط‏ ‏ذلك‏ ‏كثيرا‏ ‏بخبرة‏ (‏عمر‏ ‏الحمزاوى ‏الشحاذ‏) ‏فى ‏صحراء‏ ‏الهرم‏، ‏فلم‏ ‏تكن‏ ‏لحظة‏ ‏بهذا‏ ‏المعنى، ‏ولم‏ ‏تترك‏ ‏أثرا‏ ‏باقيا‏، ‏بل‏ ‏أثارت‏-‏بعد‏ ‏اختفائها‏- ‏بحثا‏ ‏بغير‏ ‏جدوي‏.‏

ثم‏ ‏تأتى ‏الذاكرة‏، ‏فتمد‏ ‏يدها‏ ‏الطويلة‏ ‏القادرة‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏اللحظة‏، ‏فتكثفها‏ ‏وتضاعفها‏ ‏وتجسدها‏ ‏وترققها‏ ‏وتمـر‏ ‏بكل‏ ‏ذلك‏ ‏عليها‏ ‏كالوردة‏ ‏اليانعة‏، ‏لكن‏ ‏الذكريات‏ ‏التى ‏تتابعت‏ ‏نتيجة‏ ‏لحركتها‏ ‏الرقيقة‏، ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏مثلها‏ ‏رقيقة‏ ‏بل‏ ‏جاءت‏ ‏متسارعة‏ ‏منهمرة‏: “‏انهمرت‏ ‏ذكريات‏”، ‏و‏ “‏ذهلت‏ ‏لسرعة‏ ‏الزمن‏”، ‏ولم‏ ‏يستطع‏ – ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏حواره‏ ‏الأمين‏ ‏مع‏ ‏صديقه‏ ‏الحكيم‏ (‏الداخلى: ‏لم‏ ‏يظهر‏ ‏بعد‏ ‏خارجه ولو‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏عبد‏ ‏ربه‏ ‏التائه‏) ‏أن‏ ‏يقيـّم‏ ‏فضلها‏ ‏ويميزها‏ ‏عن‏ ‏الذكريات‏ ‏المنهمرة‏ ‏والمتسارعة‏، ‏وحين‏ ‏نقرأ‏ ‏تعبير‏ “‏ألا‏ ‏تذكر‏ ‏أثرامن‏ ‏إقبالها‏” ‏نتصور‏ ‏أنه‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏الحياة‏ ‏برمتها‏ (‏تذكر‏ ‏تعبير‏ ‏تقبل‏ ‏الحياة‏!!)، ‏ولكننا‏ ‏نكتشف‏ ‏أمرين‏: ‏أولا‏: ‏أن‏ ‏شكواه‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏من‏ ‏إدبارها‏ ‏كما‏ ‏فهمه‏ ‏صديقه‏ (‏الداخلى: ‏تذكـّـر‏) ‏بل‏ ‏كانت‏ ‏مما‏ “‏لقىَ‏”، ‏فى ‏الأغلب،‏ ‏مما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالذكريات‏ ‏المنهمرة‏ ‏المتسارعة‏، ‏ثم‏، ‏ثانيا‏ : ‏أنها‏ ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏الحياة‏ ‏تقبل‏ ‏وتدبر‏ ‏فلا‏ ‏داعى ‏لأن‏ ‏يختزلها‏ ‏فى ‏نظرة‏ ‏عابرة‏ ‏حتى ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏مذاقها‏ ‏أطيب‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏الحظوظ‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الحياة‏ (‏الحقيقية‏) ‏هى ‏هوامش‏ ‏حولها‏، ‏أو‏ ‏هى ‏أرضية‏ ‏تمهد‏ ‏لظهورها‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تـُـلمح‏ ‏إلا‏ ‏عابرة‏، ‏ولم‏ ‏تـُـلقِ‏ ‏إلا‏ ‏نظرة‏ ‏رضا‏ ‏تحت‏ ‏النخلة‏.‏

 

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا
    المقتطف : …وهو‏ ‏وقوف‏ ‏محفوظ‏ ‏عند‏ “‏اللحظات‏ ‏الدالة‏”، ‏و‏”‏البوارق‏ ‏المخترقة‏”، ‏و”‏الإشارات‏ ‏والنظرات‏ ‏العابرة‏” ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تدم‏ ‏إلا‏ ‏ثوان‏ ‏معدودة‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏بضع‏ ‏ثانية‏، ‏ونتذكر‏ ‏باشلار‏ ‏فى “‏حدس‏ ‏اللحظة‏”، ‏كما‏ ‏تذكـرنا‏ ‏علاقة‏ ‏محفوظ‏ ‏بالمكان‏ (‏بكل‏ ‏الأمكنة‏) ‏أيضا‏ ‏بــ‏ “‏باشلار‏” ‏فى “‏شاعرية‏ ‏المكان‏”، ‏فهنا‏ ‏يحضر‏ ‏الاثنان‏ ‏معا‏، ‏حدس‏ ‏اللحظة‏ ‏وشاعرية‏ ‏المكان‏،
    التعليق : يا الله .. .كأنك تعيد قراءة محفوظ وباشلار هنا ،لتعيد قراءة البشر ،كأنك تحركنا نحو زمان كل منا ومكانه ،فننتبه لنعى أننا لسنا عالقين فى الزمان والمكان ،لكننا ننبض بهما .؟! …متى يا مولانا تخرح مدرسة الرخاوى للناس مايمكن وضعه تحت عنوان ” العلاج بالأدب والفلسفة ” ؟!

    • أشكرك يا د. ماجدة على كرم متابعتك، وأرجوك أن تراجعى أن كل ما خطه قلمى، من كل أنواع الكتابة شعرا وقصا وتنظيراً، حتى بما يخص شخصى أو ما يمكن أن يسمى “سيرة ذاتية” هو فيه ما طلبت،
      الناس علاج الناس، والطب النفسى، ظهر إعلاناً عن عجز الناس عن أن يتوجهوا معاً! “إليه”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *