الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (27) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (27) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 1-7-2021                         

السنة الرابعة عشر                 

العدد: 5052

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)  (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (27)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏27- ‏الزيارة‏ ‏الأخيرة

لولا‏ ‏المعلم‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏ ‏لضاع‏ ‏كل‏ ‏وافد‏ ‏على ‏المدينة‏ ‏القديمة‏، ‏يستقبل‏ ‏الوافدين‏ ‏فى ‏مقهى ‏المعز‏، ‏ثم‏ ‏يفتح‏ ‏لكل‏ ‏مغلق‏ ‏الأبواب‏، ‏وكان‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏أحد‏ ‏أولئك‏ ‏الوافدين‏، ‏ما‏ ‏لبث‏ ‏أن‏ ‏ألحقه‏ ‏بوظيفة‏ ‏مساعد‏ ‏بواب‏، ‏فحمد‏ ‏الرجل‏ ‏ربه‏ ‏على ‏الرزق‏ ‏والمأوى ‏وحثه‏ ‏على ‏الرشد‏ ‏والتدبير‏ ‏حتى ‏زوجه‏ ‏من‏ ‏بنت‏ ‏الحلال‏، ‏وجعل‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏يزوره‏ ‏فى ‏المقهى ‏من‏ ‏حين‏ ‏لآخر‏ ‏إعترافا‏ ‏بفضله‏ ‏وإحسانه‏، غير‏ ‏أنه‏ ‏لما‏ ‏استغرقه‏ ‏العمل‏ ‏وتربية‏ ‏الأولاد‏ ‏ندرت‏ ‏زياراته‏ ‏حتى ‏انقطعت‏، ‏وقبل‏ ‏الرجل‏ ‏الحياة‏ ‏بحلوها‏ ‏ومرها‏، ‏وتصبر‏ ‏حتى ‏وقف‏ ‏الأولاد‏ ‏على ‏أقدامهم‏ ‏وانطلق‏ ‏كل‏ ‏فى ‏سبيل‏،‏

ومع‏ ‏تقدم‏ ‏السن‏ ‏شعر‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏بأنه‏ ‏آن‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏يستريح‏ ‏وينفض‏ ‏عن‏ ‏رأسه‏ ‏الهموم‏، ‏وفى ‏فراغه‏ ‏تذكر‏ ‏المعلم‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏ ‏فشعر‏ ‏بالخجل‏ ‏والندم‏ ‏وصمم‏ ‏على ‏زيارته‏ ‏داعيا‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏يجده‏ ‏متمتعا‏ ‏بالصحة‏ ‏والعافية‏. ‏وقصد‏ ‏مقهى ‏المعز‏ ‏وهو‏ ‏يعد‏ ‏نفسه‏ ‏للاعتذار‏، ‏وطلب‏ ‏العفو‏، ‏لاحظ‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏نظرة‏ ‏ما‏ ‏حل‏ ‏بالمقهى ‏من‏ ‏تجديد‏ ‏وفرنجة‏ ‏فى ‏الأثاث‏ ‏والخدمة‏ ‏والزبائن‏ ‏ولم‏ ‏يعثر‏ ‏لصاحبه‏ ‏على ‏أثر‏، ‏ووضح‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏أحدا‏ ‏لم‏ ‏يسمع‏ ‏به‏، ‏وظهر‏ ‏عجوز‏ ‏يسرح‏ ‏بالمسابح‏ ‏والبخور‏، ‏وكان‏ ‏الوحيد‏ ‏الذى ‏تذكره‏، ‏والوحيد‏ ‏الذى ‏يعرف‏ ‏منزله‏ ‏بالإمام‏، ‏ولا‏ ‏يعرف‏ ‏عنه‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏، ‏ولم‏ ‏تحل‏ ‏تلك‏ ‏الصعوبات‏ ‏بين‏ ‏الرجل‏ ‏ورغبته‏ ‏فمضى ‏من‏ ‏فوره‏ ‏إلى ‏الإمام‏، ‏كان‏ ‏يقوده‏ ‏شعور‏ ‏قوى ‏بالوفاء‏، ‏وبأنه‏ ‏ذاهب‏ ‏إلى ‏غير‏ ‏رجعة‏..‏

 أصداء الأصداء

أطـلت‏ ‏علىّ “‏أولاد‏ ‏حارتنا‏ “‏من‏ ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏فعبد‏ “‏الدائم‏” ‏وقهوة‏ ‏المعز‏”، ‏واحتمال‏ ‏اختفاء‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏ ‏فى “‏مقابر‏” ‏الإمام‏، ‏وما‏ ‏حل‏ ‏فى ‏قهوة‏ ‏المعز‏ ‏من‏ ‏تجديد‏ ‏مفرنج‏، ‏بحيث‏ ‏بدا‏ ‏أن‏ ‏المقهى ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يذكر‏ ‏أو‏ ‏يحتاج‏ ‏لا‏ ‏إلى “‏الدائم‏” ‏ولا‏ ‏إلى “‏المعز‏”، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يغرى ‏بتصور‏ ‏هجوم‏ ‏محفوظ‏ ‏على ‏من‏ ‏يدعى “‏موت‏ ‏الله‏” (‏نتشة‏ ‏مثلا‏) ‏أو‏ ‏الاستغناء‏ ‏عنه‏، ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏بديل‏ ‏له‏ ‏إلا‏ ‏هذا‏ “‏اللاشيء‏” ‏الذى ‏ملأ‏ ‏القهوة‏ ‏بالقبح‏ ‏والنسيان‏،‏

إلا‏ ‏أن‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏الذى ‏يعرف‏ ‏أن‏ “‏كله‏ ‏من‏ ‏عند‏ ‏الله‏”، ‏والذى ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏يعترف‏ ‏بالفضل‏، ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يشاركهم‏ ‏فى ‏الإنكار‏، ‏أو‏ ‏النسيان‏ ‏أو‏ ‏الغفلة‏، ‏وإفاقته‏ ‏هنا‏ ‏وعودته‏ ‏للبحث‏ ‏عن‏ ‏صاحب‏ ‏الفضل‏ ‏يذكرنا‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏بالبحث‏ ‏الذى ‏شغل‏ ‏محفوظ‏ ‏طوال‏ ‏رحلة‏ ‏إبداعه‏، ‏بدءا‏ ‏من‏ “‏زعبلاوي‏”  ‏ثم‏ ‏الطريق‏،‏مارا‏ ‏بأولاد‏ ‏حارتنا‏ ‏فالحرافيش‏، ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏هو‏ ‏ذكرنى ‏بمعنى ‏الحديث‏ الشريف ‏الخاص‏ ‏بصهيب‏، ‏وكيف‏ ‏أن‏ ‏صهيب‏ ‏قد‏ ‏خلط‏ ‏الإيمان‏ ‏بلحمه‏ ‏ودمه‏، ‏وأنه نسى لكنّه ‏‏إذا‏ ‏ذُكِّـرَ‏ ‏ذكر‏، ‏وهنا‏ ‏يذكر‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏فضل‏ ‏المعلم‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يذكــره‏ ‏أحد‏، ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏رفض‏ ‏أن‏ ‏يستسلم‏ ‏للإنكار‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏النهاية‏،‏

العودة‏ ‏هنا‏ ‏للاعتراف‏ ‏بأنه‏ “‏كله‏ ‏من‏ ‏عند‏ ‏الله‏” ‏هى ‏أقل‏ ‏درامية‏ ‏من احتمال‏ ‏عودة‏ ‏عرفة‏ ‏لمحاولة‏ ‏إحياء‏ ‏الجبلاوى، ‏لأن‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏لم‏ ‏يشترك‏ ‏فى ‏إنكار‏ ‏فضل‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏، ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏إلغاء‏ ‏وجوده‏.‏

وأخيرا فإن‏ ‏الفقرة‏ ‏لا‏ ‏تنتهى ‏بلقاء‏ ‏بين‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏والمعلم‏ ‏عبد‏ ‏الدائم‏ ‏فى ‏القهوة‏ ‏أو‏ ‏فى ‏الدنيا‏، ‏لكنها‏ ‏تعد‏ ‏بلقاءٍ‏ ‏ما‏، ‏فالآخرة‏ ‏خير‏ ‏وأبقى‏، ‏وليكن‏ ‏اليقين‏ ‏به‏ ‏والاعتراف‏ ‏بفضله‏ ‏سبيلا‏ ‏للقائه‏ ‏بعد‏ ‏اللحاق‏ ‏به‏ ‏عبر‏ ‏مقابر‏ “‏الإمام‏”.‏

ويظهر‏ ‏الموت‏ ‏هنا‏ ‏وكأنه‏ ‏الوفاء‏ ‏والحنين‏ ‏إلى ‏النهاية المفتوحة، ‏دون‏ ‏رجعة‏ -‏طبعا‏- ‏إلى ‏هؤلاء‏ ‏الناكرين‏. “‏كان‏ ‏يقوده‏ ‏شعور‏ ‏قوى ‏بالوفاء‏، ‏وبأنه‏ ‏ذاهب‏ ‏إلى ‏غير‏ ‏رجعة‏.”‏

 

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *