الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (25) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (25) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 17-6-2021                                  

السنة الرابعة عشر                 

العدد: 5038

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (25)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏‏25- ‏هيهات‏ ‏

ما‏ ‏ضنت‏ ‏علىّ ‏بشيء‏ ‏جميل‏ ‏مما‏ ‏تملك‏، ‏فنهلت‏ ‏من‏ ‏ينبوع‏ ‏الحسن‏ ‏حتى ‏ارتويت‏، ‏ولكن‏ ‏البطر‏ ‏بالنعمة‏ ‏قد‏ ‏يرتدى ‏قناع‏ ‏الضجر‏، ‏ومن‏ ‏أمارات‏ ‏خيبتى ‏أنى ‏فرحت‏ ‏بالفراق‏، ‏وعلى ‏مدى ‏طريقى ‏الطويل‏ ‏لم‏ ‏يفارقنى ‏الندم‏، ‏وحتى ‏اليوم‏ ‏يرمقنى ‏هيكلها‏ ‏العظمى ‏ساخرا.

 أصداء الأصداء

لم‏ ‏يظهر‏ ‏الهيكل‏ ‏العظمى ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏إلا‏ ‏لما‏ ‏كانت‏ ‏أشباح‏ ‏الخراب‏ ‏تتجه‏ ‏نحو‏ ‏المدينة‏، (‏فقرة‏ 20) ‏فلماذا‏ ‏ظهرت‏ ‏الجميلة‏ ‏هنا‏ ‏هيكلا‏ ‏عظميا‏ ‏ساحرا‏‏؟

‏ ‏أظن‏ ‏الجميلة‏ ‏هنا‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏الحياة‏ “‏كلها‏” ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏خدعة‏ ‏اللذة‏، ‏فاللذة‏ ‏تتعمق‏ ‏وتروى ‏بالخداع‏ (‏بالعمي‏) ‏على ‏مستوى ‏ممتع‏، ‏لكنها‏ ‏لا‏ ‏ترتقى ‏بنا‏ ‏إلى ‏التكامل‏ ‏المتناغم‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏شملت‏ “‏الكل‏” ‏وكانت‏ ‏على ‏مستوى ‏متفتح‏ ‏متجدد‏ ‏ليس‏ ‏له‏ ‏نهاية‏، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏اللذة‏ ‏المحدودة‏ ‏الأولى ‏قد‏ ‏ارتوت‏ ‏حتى ‏الثمالة‏ ‏كما‏ ‏يقال‏، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏بدا‏ ‏لى ‏كم‏ ‏أن‏ ‏بها‏ ‏شيئا‏ ‏ناقصا‏، ‏شيئا‏ ‏يجعلنا‏ ‏نقول‏ “‏كفي‏”، ‏ليس‏ ‏هذا‏ ‏هو‏، ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الـ‏ “‏كفي‏” (‏ولتكن‏ ‏ضجرا‏) ‏تجعلنا‏ ‏نفرح‏ ‏أنها‏ ‏توقفت‏، ‏ونتصور‏ ‏أننا‏ ‏سننتقل‏ ‏منها‏ ‏إلى ‏اللذة‏ ‏المتكاملة‏ ‏الأرقى ‏والفرحة‏ ‏الأعم‏، ‏لكن‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏فى ‏أغلب‏ ‏الأحيان‏ ‏أن‏ ‏تتوقف‏ ‏اللذة‏ ‏الحسية‏ ‏المنفصلة‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏لا‏ ‏تتولد‏ ‏اللذة‏ ‏المتكاملة‏ ‏حسا‏ ‏ووجدانا‏ ‏ووصلا‏، ‏فلا‏ ‏نحن‏ ‏نستطيع‏ ‏استعادة‏ ‏الأولى، ‏ولا‏ ‏نحن‏ ‏تهيأنا‏ ‏لامتلاك‏ ‏الثانية‏، ‏فتصبح‏ ‏الأولى ‏شبحا‏ ‏بعيدا‏ ‏ساخرا‏، ‏ويظل‏ ‏الندم‏ ‏يعلن‏ ‏خيبة‏ ‏التخلى ‏قبل‏ ‏ضمان‏ ‏الأخرى. ‏

‏(‏ملحوظة‏: ‏التخلى ‏والهجر‏ ‏هنا‏ ‏ليس‏ ‏إراديا‏ ‏من‏ ‏ناحيتنا‏، ‏بل‏ ‏الأكثر‏ ‏احتمالا‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏اللذة‏ ‏الحسية‏ ‏هى ‏التى ‏تذهب‏ ‏نتيجة‏ ‏للعجز‏ ‏عن‏ ‏الاكتفاء‏ ‏بها‏، ‏وأيضا‏ ‏نتيجة‏ ‏لعدم‏ ‏تقييمها‏ ‏لذاتها‏، ‏حق‏ ‏قيمتها‏).‏

 

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *