الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (23) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (23) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 3-6-2021                                  

السنة الرابعة عشر                 

العدد: 5024

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (23)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

23 – ‏العقاب‏ ‏

رآه‏ ‏ماثلا‏ ‏أمامه‏ ‏كالقدر‏، ‏غاب‏ ‏طويلا‏ ‏ولكن‏ ‏لم‏ ‏ينحن‏ ‏له‏ ‏ظهر‏ ‏أو‏ ‏يرق‏ ‏بصر‏، ‏بسرعة‏ ‏انقضاض‏ ‏الزلزال‏ ‏جرى ‏شريط‏ ‏الذكريات‏ ‏الدامية‏، ‏وسحب‏ ‏وراءه‏ ‏صورة‏ ‏أسرته‏ ‏البريئة‏ ‏التى ‏عرفته‏ ‏مثالا‏ ‏للاجتهاد‏ ‏والرزق‏ ‏الحلال‏ ‏جاهلة‏ ‏ما‏ ‏وراء‏ ‏ذلك‏. ‏

‏-‏ اتفقنا‏ ‏على ‏أن‏ ‏نفترق‏ ‏إلى ‏الأبد‏ ‏

فقال‏ ‏الزائر‏ ‏بهدوء‏: ‏للضرورة‏ ‏أحكام‏ ‏وإنى ‏مهدد‏ ‏بالإفلاس‏ ‏

وقال‏ ‏لذاته‏ ‏إن‏ ‏طوفان‏ ‏الابتزاز‏ ‏يبدأ‏ ‏بقطرة

– ‏كنا‏ ‏شريكين‏، ‏فما‏ ‏يصيبنى ‏يصيبك‏ ‏

فقال‏ ‏الزائر‏: ‏عند‏ ‏اليأس‏ ‏أقول‏ ‏على ‏وعلى ‏اعدائى ‏يا‏ ‏رب‏!‏

‏ ‏أسرته‏ ‏هى ‏ما‏ ‏يهمه‏، ‏حتى ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الانتحار‏ ‏هو‏ ‏الحل‏.‏

 أصداء الأصداء

صحوة‏ ‏الضمير‏ ‏متأخرا‏ ‏بعد‏ ‏طول‏ ‏غياب‏، ‏أو‏ ‏قل‏ ‏بعد‏ ‏طول‏ ‏تغييب‏، ‏أو‏ ‏بعد‏ ‏طول‏ ‏تنويم‏، ‏هى ‏من‏ ‏أقسى ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يواجه‏ ‏المرء‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏حياته‏، ‏وقد‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏استبعاد‏ ‏الضمير‏ ‏ثانية‏ ‏إلا‏ ‏بزوال‏ ‏الكل‏ ‏معا‏ :‏فهو‏ ‏الإنتحار‏.‏

إلا‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏بهذه‏ ‏السهولة‏، ‏فكيف‏ ‏يصاب‏ ‏الضمير بالإفلاس؟ ‏وبالتالى ‏يعود‏ ‏يبحث‏ ‏فى ‏دفاتره‏ ‏القديمة‏ ‏حتى ‏يعثر‏ ‏على ‏عنوان‏ ‏صاحبه‏، ‏فينقض‏ ‏عليه‏ ‏كالقدر؟‏.‏

‏ ‏المفروض ‏أن‏ ‏فاعلية‏ ‏الضمير‏ ‏هى ‏أن‏ ‏يظل‏ ‏ضميرا‏ ‏يحاسب‏ ‏ويثرى ‏من‏ ‏خلال‏ ‏اتباع‏ ‏أوامره‏، ‏أمآ‏ ‏إذا‏ ‏شل‏ ‏هكذا‏، ‏حتى ‏بفض‏ ‏اشتباك‏ ‏غير‏ ‏مفهومة‏ ‏تفاصيله‏، ‏أو‏ ‏بإجازة‏ ‏طويلة‏ ‏إلى ‏أجل‏ ‏غير‏ ‏مسمى، وبمجرد‏ ‏أن‏ ‏يفيق‏ ‏إلى ‏فساد‏ ‏الصفقة‏، ‏أويمل‏ ‏من‏ ‏الإجازة‏،  ‏يشعر‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏الخاسر‏‏، ‏فهو‏ ‏الإفلاس‏.‏

هذا‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏وصف‏ ‏الضمير‏ ‏هنا‏ (‏إن‏ ‏صح‏ ‏الفرض‏) ‏بأنه‏ “‏كالقدر‏” ‏هو‏ ‏وصف‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الضمير‏ ‏الإنسانى ‏هو‏ ‏حضور‏ ‏فطرى ‏أساسى، ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏نتاج‏ ‏تربية‏ ‏سليمة‏، ‏أو‏ ‏تدين‏ ‏مثابر‏، ‏أو‏ ‏تقمص‏ ‏بـ‏ “‏والد‏ ‏أخلاقي‏” ‏أو‏ ‏بمجتمع‏ ‏ملتزم‏ (‏الأنا‏ ‏الأعلي‏)، ‏وبهذا‏ ‏الوضوح‏ ‏تصبح‏ ‏الفضيلة‏ (‏والضمير‏) ‏طبيعة‏ ‏جاهزة‏ ‏للانقضاض‏ ‏كالزلزال‏ ‏مهما‏ ‏طال‏ ‏السكون‏ ‏الظاهرى‏.‏

الأمر‏ ‏الآخر‏ ‏الذى يمكن أن ‏نستلهمه‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الطبيعة‏ ‏الجاهزة‏ ‏هو‏ ‏قدرتها‏ ‏على ‏الاحتفاظ‏ ‏بعنفوانها‏ ‏مهما‏ ‏طال‏ ‏الزمن‏، “‏لم‏ ‏ينحن‏ ‏له‏ ‏ظهر‏ ‏أو‏ ‏يرق‏ ‏له‏ ‏بصر‏”، ‏كذلك‏ ‏فإن‏ ‏تصوير‏ ‏هذا‏ ‏الزائر‏ ‏بأنه‏ ‏حضر‏ ‏منقضا‏ ‏كالزلزال‏ ‏هو‏ ‏حدس‏ ‏بطبيعة‏ ‏الإفاقة‏ ‏النوعية‏ ‏ضد‏ ‏كل‏ ‏حسابات‏ ‏التخدير‏ ‏الذاتي‏.‏

 

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *