نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 9-11-2023
السنة السابعة عشر
العدد: 5913
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (151)
الفصل الثالث
“إبن حظ”: طفل تائه (يا أولاد الحلال)
فى ثوب كهل يعبد ربه
الأصداء عودة إلى النص:
151- صفحة القلب:
قال الشيخ عبد ربه التائه:
رحت أشاهد قلبى فى مرآة كأسى، فهالنى صفاؤه، وقلت له “من يصدق أنك خفقت بذلك الحب كله؟،. كيف كنت عالما يموج بالنساء والرجال والأشياء؟
ولم يبق من دليل يا قلبى على حقيقة ما كان إلا دموع تفجرت فى الهواء وتلاشت فى الفضاء.
أصداء الأصداء
رفضت هذا الصفاء المزعوم، صفاء القلب- هكذا- ليس مطلبا. الصفاء ليس مزية فى ذاته، بل إنه يكاد يرادف الفراغ والخواء، وهذا ما راع الشيخ لأول وهلة، وكأنه يقول: إن قلبه كان حقيقة قلبه حين كان يموج بكل هذا الحب، وبالرجال والنساء والأشياء، أما هذا الذى بدا صافيا رائقا فهو يكاد يتنكر له.
ثم إنه يعود يبحث عما افتقده، فلا يجد إلا آثارا، أو ذكرى، دموعا تفجرت فى الهواء وتلاشت فى الفضاء
رفضت هذا الجزء الأخير أيضا، لأن الدموع التى هى جزء لا يتجزأ من لحن “الحب كله ” الزاخر بالناس والجمال والنساء، لا تتلاشى فى الفضاء، وإنما هى تذوب فى اللحن الخاص الممتد الذى يعطى للقلب صفاء أكثر شمولا، لا يرتبط بناس دون غيرهم، وإنما يتخلق من نبض الحياة الأشمل الذى يفرز الناس ويتوهج بالوضوح الإيجابى الذى هو الصفاء الخليق برحلة عبد ربه التائه.
لماذا قبلت يا شيخنا عبد ربه أن يكون تلاشى الدموع فى الفضاء تفسيرا لصفاء أدهشك حتى أنكرته، ألم يكن الأولى أن ترفضه صراحة لتحتفظ بعالم يموج بالحياة : نساء ورجالا وأشياء،
صفاء القلب الإيجابى، عند التكامل الأعلى، مقبول، وهو يظل مليئا بالرجال والنساء والأشياء، أما صفاء القلب الفراغ نتيجة لتلاشى الدموع والناس والأشياء فهو ليس صفاء بل عدما.
لعلها لحظة دهشة :وصفت لمحة هروب عدمى لا شك أنه مرحلى، وسرعان ما ستتفتق عن حقيقة صفاء يستحقه شيخنا ويمثله غالبا.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net