الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعرية زيف واغتراب التواصل بين البشر: (بالإبداع أو المرض)

تعرية زيف واغتراب التواصل بين البشر: (بالإبداع أو المرض)

“يوميا” الإنسان والتطور

26-9-2007

تعرية زيف واغتراب التواصل بين البشر:

(بالإبداع أو المرض)

التواصل بين البشر على كل المستويات، هو إشكالة مفتوحة متجددة، تماما مثل الوعى والحرية والإرادة، وكلما هممت أن أغوص أكثر فى الطبيعة البشرية وجدت نفسى فى وسط هذه الإشكالة حتى أننى اكتشفت أن الحلم الأول “نقد نجيب محفوظ” قراءة أحلام النقاهة(1)” الذى قمت بقراءته نقدا بشكلٍ ما، نقدا لشيخنا نجيب محفوظ “هنا” الخميس الماضى، كان يتعامل مع نفس الإشكالة

ليكن، ولتكن يومية اليوم عن  التواصل البشرى بشكل مباشر.

***

التواصل بين البشر ضرورة وجودية بقائية، ليس فقط لحفظ النوع، وإنما لتأنيس الإنسان تتويجا لمسيرته التطورية الرائعة،

 هو ليس اختيارا ثانويا.

الإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا تواصل مع إنسان آخر،

” طيبْ”..، والحيوان؟

الحيوان يعيش بشكل جماعى منظم، بغرائز بقائية تصل فى رقتها أحيانا إلى ما يمكن أن يتعلم منه الإنسان،  نحن لا نعلم شيئا ذا بال عن الجزء الإرادى فى هذا التعايش “معا ولا عن درجة الوعى بهذا التعايش.

 يتميز الانسان – دون سائر الأحياء التى نعرفها – باكتسابه “الوعى” وما يترتب عليه (وبالذات: من الحرية أو الإرادة أو حمل الأمانة أو ماشابه)

التواصل لا يتم من خلال العواطف تماما أو فقط (خصوصا لمن يتعامل مع العواطف والانفعالات على أنها نوع من “الدوافع” أساسا) وإنما هو يتعلق بحركية الوعى كله، بكل مستوياته:

 نبدأ بما يميز الإنسان من حيث هو إنسان حتى نتعرف على بعض إشكالات التواصل الذى يميز الإنسان إنسانا

الإنسان هو:

(1) هو كائن حى يتمتع بالوعى

(2)  ويعرف ذلك: يعرف أنه واعٍ (الوعى بالوعى)

(3) ولا يكون إنسانا إلا بحركيّةٍ تربط هذا الوعى المركّب بوعى مركب آخر (إنسان آخر) يحمل نفس المواصفات.

على أى مستوى يتم التواصل بين البشر؟

(خاصة التواصل الثنائى الذى أظهر تجلياته التى تتبدى فيما يسمى: “علاقة حب”، وتقليديا: فى “الزواج”؟)

  • هل يتم على مستوى نفعية العقل الممنطق النفعى (صفقات عقلية أو معقلنة؟ صفقات شريفة أو مشبوهة)؟؟
  • أو على مستوى العواطف والانجذاب المتبادل (وهو أرقّ ما يوصف به التواصل)؟؟
  • أو على مستوى الحوار الفكرى والنقاش اللفظى؟
  • أو على مستوى الغرائز والمتعة المنفصلة (رشوة جنس أو تصبيرة عشق فى انشقاقٍ متبادل)؟
  • أو على المستوى الأخلاقى والدينى: العطاء والرعاية والمسئولية والعلانية والأوراق؟
  • أو على المستوى القانونى والشعارات: تنظيم المصالح ، وحقوق الإنسان ، وحقى وحقك، (ومثل هذا الكلام)؟

هذه اسئلة، وليست تصنيفات.

ثم هل يتم هذا التواصل بين إنسان وإنسان(ة) بكل التاريخ الحيوى الذى انتهى به الإنسان ليكون متعددا فى واحد؟ أم يتم بين جزء طافٍ على السطح، وملعونة بقية الأجزاء (= بقية مستويات الوعى)؟

مع تطور المجتمعات ومع تعقد العلاقات تتزايد الصعوبات التى تواجه البشر فى هذه المنطقة (التواصل)، كما تتنوع أشكاله

  • لم يعد التواصل قاصرا على العقد الاجتماعى العام،
  • ولا على تأمين الحقوق والواجبات،
  • ولا على الشبق والالتذاذ،

 بل أصبح لازما لتحقيق إنسانية الإنسان بالمواصفات اللائقة به.

 العلم ما زال عاجزا عن سبر غور هذه المناطق بالقدر الذى يحافظ على استمراريتها، فى اتجاه تأكيد إنسانية الإنسان،

عجز العلم، والتعرية بالإبداع (سلباً وإيجاباً)

لا يوجد عندى حل جاهز – كالعادة – وبالتالى علينا أن نقر أننا فى مأزق يجدر بنا ألا نكتفى إزاءه بالتأجيل أو التجزىء أو التعامى أو التصبير

إزاء عجز العلم عن تقديم حل مناسب تصدى الإبداع بأشكاله المختلفة، سلبا وإيجابا ، خاصة بالحكى الروائى، لتناول  هذه الصعوبة بالفحص والتقليب، دون أن يزعم أنه قام بحلها.

محاولات  الإبداع السلبى بالمرض عرّت التواصل الزائف والمغترب والمجهض.

 معظم المرض النفسى يعلن فشل التواصل العادى الاغترابى، وفى نفس الوقت يعلن فشل هذا البديل المرضى.

 إذا أردنا أن نعّرف المرض النفسى بشكل عام من هذا المنطلق لقلنا:

 إنه “عُسْر علاقاتى، أو فشل علاقاتى، بما يترتب عليه من آلام وشكوك وانسحاب وعزلة”

 وقد أسميته حلاَّ إبداعيا لانه يبدأ برفض الحلول الاستسهالية الظاهرة (السالفة الذكر) لكنه لا ينجح فى طرح البديل

أو هو يطرح بدائل لها من المضاعفات ما لا يصح معها أن نعتبره حلا بحال فهو إبداع سلبى فى النهاية.

محاولات الإبداع الإيجابى تتناول المشكلة بصور مختلفة، وهى لا تقدم حلولا بقدر ما تعرى الصعوبات والزيف والاغتراب أيضا، وهى تقلب الملف طول الوقت على مختلف مستويات العمق، ربما بقدر تعدد  طبقات الوعى.

 ثم إنى رحت أراجع كثيرا مما كتبت فى النقد عموما، فإذا بأغلبها تدور فى هذه المنطقة: تعرية إشكالة التواصل البشرى مع القصور فى حسم حل كامل.(هذا هو دور الإبداع الممكن!)

إذن فماذا يضيف الإبداع (الإيجابى أو السلبى) بما يقوم به من مغامرات  التعرى هذه؟ دون حل؟

هل يترتب على ذلك شئ غير الإيلام وحرق الحلول الجزئية؟ اللذيّة أو الشبقية؟

يا فرحتى أن نحرم الذين يتصبرون بهذه الصفقة، أو تلك اللذة، أو يحتمون بسقف تلك السلطة، أو وعود أوصياء المؤسسات، أو يطمئنون إلى تلك الورقة، أو هؤلاء الشهود،  يا فرحتى حين نحرمهم من راحتهم بإبداعٍ مؤلم، يصف أغلب هذه المهارب الرائعة مرة بالكذب ومرة بالسطحية ومرة بالعمى، فنحرم من يمارسونها من لذتهم ومتعتهم وطمأنينتهم، بما نسميه إبداعاً!!

هل هذا يجوز هكذا؟

 إذا قلنا لا، لا يجوز، باعتبار أن هذا يعنى أن على كلٍّ منا – ومن حقه – أن يحل مشكلة تواصله مع الآخر بما انتهى إليه، فلماذا تتواصل تعرية الواقع هكذا بالمرض أو بالإبداع؟

أذكر القارئ كما قلنا فى يومية (3-9 “نستعمل الواقع، لا نرفضه”) أنه “ليس معنى أننا لا نجد حلا لإشكال صعب، أن نقر الحلول الخطأ إلا أن تكون مرحلة ضرورية للاستمرار  حتى يتخلق الحل الأصح”.

أنا – كالعادة- لا أعرف الحل الصحيح، فأدعوك معى لمواصلة البحث ، فهيا نحاول بدءًا بطرح أسئلة عن أى علاقة بين اثنين، وأكثر مثل:

 (1) هل هى علاقة ثابتة: (علاقة القفل بالمفتاح) أم أنها علاقة حركية قابلة للاحتمالات (كثير منها لا نعرفها).

(2) هل هى علاقة فريدة (ليس كمثلها شىء) أم أنها علاقة ممثـَّلة لأية علاقة أخرى تحمل مقومات حركيتها وصحتها ويمكن تَمَثَّلها فى ظروف أخرى مع شخص آخر، (علاقة عكس: إنت وبس اللى حبيبى)،  مع اختلافات التفصيل والأبجدية والتشكيل ؟

(3) هل هى علاقة نامية باعثة على نمو أطرافها جميعا، وليس نمو طرف على حساب الآخر، علاقة ينمو من خلالها كل طرف على حدة، وأيضا تنمو هى فى ذاتها؟

(4) هل يقاس النمو بمدى الالتصاق واستحالة التخلى، أم بتحقـُّق كل واحد “وَحْدُه- مع الآخر” To be alone with.

(5) هل هى علاقة مؤقتة تفريغية تسكينية (كيميائية لذيذة على جنب)، تنتهى بانتهاء التفاعل الكيميائى، أم أنها علاقة تُخلـِّق من هذا التفاعل مادة جديدة، قادرة على التفاعل بقواعد جديدة؟

(6) هل هى علاقة استغلالية، يستغل  فيها طرف ظالم طاغ (مستعمِـل) طرفا تابعا أو طفيليا طول الوقت (مُستَعْمَل) برضاه أو رغما عنه؟

(7) هل هى علاقة تنتهى عند حدود أطرافها، أم أنها تمتد فينا وبِنَا معاً فى الناس، إلى ما بعد ما لا نعرف، إلى الغيب، إلى المطلق، إلى وجه الله واقعا أوقع من الواقع.

وأسئلة أخرى كثيرة، لا أعرف لها إجابة، وإذا عرفت لها إجابة فأنا لا أعرف ما هو المقياس غير المتحيز الذى يمكن أن نقيسها به،

أتصور أننى بمواصلتى طرْق هذه الإشكالة الممتدة أحاول أن أدعو إلى مزيد من الإبداع اليومى، ومزيد من الصبر، ومزيد  من المحاولات، ومزيد من النقد، حول هذه المسألة لعلنا نعرف بعض معالم الطريق لنكون أكثر إنسانية ورقيا.

ربما وجدنا سبيلا مؤلما طيبا يساعد أن يجد كل منا طريقا يصله بآخر يحاول نفس المحاولة التى تصلهما بالناس فيما يعد به تطورالإنسان دون تأجيل أو مثالية.

كل ما أرجوه هو أن يكون إسهامى المتواضع المتواصل (بالنقد الأدبى خاصة، والنقد العلاجى أحيانا، والنقد الذاتى نظريا وعمليا) مما أنشر بعضه هنا، هو مما يمكننا من معرفة أوضح لمسئوليتنا تجاه هذه الإشكالة.

قبل أن أختم كلمتى بقفز سؤال لا يمكن الهرب منه يقول؟

هل حللتُ أنا شخصيا  – فى حياتى الشخصية – هذا الإشكال؟

طبعا لا؟

إذن فماذا؟

إذن فهذا !!!

يبدو أن هذا كان فى بؤرة وعيى وأنا أفتح على نفسى هذه الفتحة فى كتابة اليوميات

“يوميا: الإنسان والتطور”.

وفى يومية قادمة أعد أن أعرض محاولة قمتُ بها لأتعلم، ونتعلم، – نحن البشر- من بعض أشكال التعايش الثنائى بين الأحياء الأدنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *