الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعتان عن: رأى قديم عن معنى “الشارع السياسى” بمناسبة وصول د. البرادعى

تعتعتان عن: رأى قديم عن معنى “الشارع السياسى” بمناسبة وصول د. البرادعى

“نشرة” الإنسان والتطور

20-2-2010

السنة الثالثة

 العدد: 904

تعتعتان عن:

رأى قديم عن معنى “الشارع السياسى”

(هل يوجد أصلا عندنا شىء بهذا الاسم)

بمناسبة وصول د. البرادعى

تمهيد

انتهزت فرصة أن قصتى القصيرة “هاييتى” قد نشرت فى  الدستور الأربعاء أول أمس، وقد سبق نشرها فى الموقع يوم الأثنين الماضى (يوم إبداعى الشخصى – قصة جديدة – “هاييتى”)، فرفضت تكرار نشرها هنا اليوم برغم تحديث بدايتها، رحت أبحث فى حاسوبى عن تعتعة بديلة تصلح نشرة للموقع اليوم، فكتبت كلمة “شارع سياسى” أملا فى أن أجد تعتعة قديمة بمناسبة عودة الدكتور البرادعى اليوم، خشية أن يتصور سيادته من مهرجان استقباله، الذى قيل أن الأمن الرسمى، والأمن “الوطنى” استعد له باستقبال مضاد (لم اشاهد الاستقبال ولن اشاهده تكريما للرجل)، فقررت أن أعيد نشر هذا الرأى خشية أن يظن سيادته  انه يوجد فى مصر – ولا مؤاخذة – ما يسمى “شارع سياسى”،

****

أولا: التعتعة الأولى:

الدستور: 14 سبتمبر 2005

هل يوجد لدينا ما يسمى الشارع السياسى؟

أكتب هذه التعتعة صباح الخميس قبل اعلان أى شئ من نتائج لسنا فى حاجة إلى إعلانها.

لا أظن أن أحداً من الجيل الذى وجد نفسه فى هذه الدنيا خلال نصف القرن الأخير أو قُبَيْله، لا أظن أن أحداً منهم يعرف ما هو “الشارع السياسى” حقيقة وفعلاً. ربما عاش بعض انتفاضات عقب بعض الهزائم (قبل بيان 30 مارس 1968) أو سمع عن بعض المساخر قبل ذلك (تحريك صاوى أحمد صاوى – النقل العام – ضد محمد نجيب وخالد محيى الدين1954)، ربما سمع بعض صرخات فى ميدان التحرير بعد طول انتظار أو شبهة خيانة (قبل حرب 73)، ربما أرعبته بعض فرقعات أو استغاثات أو اغتيالات او محاولات اغتيالات تمرق كالصواريخ العمياء من تخلخل فراغات اندفاعات اليأس، أو من ثقوب الأمن أو كليهما. كل هذا حدث طوال أكثر من نصف قرن لكن لم يكن أبدا يمثل ما يسمى “الشارع السياسى”.

كما انسحب الناس أثناء ذلك أيضا – إلى الدين وفى الدين، انسحبوا إلى شكل الدين، وتجمعاته وطمأنينته الساكتة المنومة خطأ، حدث ذلك فى العبادات والمظهر والملبس والتفكير على حد سواء، وبدلا من أن يحرك الإيمان وعى الناس إلى الإبداع نحو وجه الحق سبحانه وتعالى، أدّى هذا الانسحاب الأعمى إلى شلل حركية الحوار، كما ألغى تحمل الاختلاف واحتمالات الجدل، لتحل تجمعات الخوف والتعصب والإغارة محل ما يسمى “الشارع السياسى”.

كذلك تكونت التجمعات الصغيرة البديلة: من أول شلل الانتهازية والجوائز، حتى الصالونات الثقافية الخاصة جدا، والخاصة فقط، لتُمثل كل منها “مكلمة” تنفيثية، وخلاص. طبعا يوازى هذه التجمعات لقاءات بالندوات والمحاضرات وفرق تحرير المجلات والصحف، وظلت هذه النشاطات والتجمعات، مستمرة ومسكنة ومتكلمة، دون أن تصب فيما يسمى “الشارع السياسى”.

على الجانب الآخر اتجه بعض الهائمين المُفَرَّغين أصحاب المزاج وأصحاب الدماغ وأصحاب الفن الزائط – من الشباب خاصة – إلى الانتماء إلى ثقافات فرعية، ثقافات الإغماء، داخل جماعات المخدرات، و ثقافات ساعة الحظ التى لا تعوض حول حلقات الديسكو وما أشبه، فأستغنوا بذلك عن السياسة وعن المشاركة فى الهم العام، من أصله، ولم يعرفوا أبداً ما هو “الشارع السياسى”.

ثم ظهر التواصل بالنّت، ليحرك الكلام السياسى أجرأ وأفكه، حيث ظهرت مواقع على مواقع أدت إلى ظهور مواقع مضادة ومواقع مضادة للمضادة، وهات يا دردشة، وائتناس، وتفريغ، وغيظ، ونكت، وسباب، وفضائح، وتحريض، ولكن لم يظهر أى من ذلك فيما يسمى “الشارع السياسى“.

وأخيرا اشتد الحال على أحدهم فصاح، من فرط ما به، أنه “كفاية”: معلنا أنه قد “طفح الكيل”، فترددت الكلمة كالصدى فى وديان مهجورة: “كفاية كفاية كفاية فايه فايه يه يه” وتصور الناس – بما فيهم من صاح – أنهم يقولون كفاية للرئيس، أو للنظام، لكن تسلسلت وراء ذلك كفايات أخرى كثيرة دون استبعاد أغنية فايدة كامل (المغنية لا النائبة) صاحبة السبق أنه: “كفاية شطارة .. ياواد يا سمارة”.

استدراك: أثناء كل ذلك – بالطول – أُعلن عن تكوين ما يسمى أحزاب، أى والله، غير الحزب الوطنى الذى لم يكن أبدا حزبا سياسيا، وإنما قام ويقوم بدوره الرائع “كمتعهد” سرى لتوريد التحركات البديلة المجُهِضة، واجتذاب الكفاءات الإدارية الطموح التى ليس لها دعوة بالسياسة، والتى تدير البلد كإدارة متجر للأدوات المنزلية، فلم يكن “الشارع السياسى” فى بؤرة وعى أى حزب من الناحية العملية، وخصوصا الحزب الوطنى.

ثم هانحن نجد أنفسنا داخل مولد زائط سمى “انتخابات الرئاسة”، مولد عرضت فيه كل الألعاب بكل الألوان من أول بروفات التمثيليات، وألوان الدعاية، حتى ألعاب الحواة المبتدئين، وفوازير قياسات الرأى، فانطلقت جماعات من الشعب يحسبون أن الأمر جدا، وأن الأراجيح سوف تعلو بهم إلى السماء فى إحدى دورات اندفاعها.

فكان ما كان

أقول قولى هذا وأنا أنتظر نتائج فرز الأصوات، تلك النتائج التى نعرفها جميعا والتى لا ينقصها إلا بعض المفاجأت المحسوبة وغير المحسوبة.

وبعد:

وبرغم كل ذلك: هل يا ترى يمكن أن نكتشف معا بعد أن ينفض الموالد، أنه قد ولد شارع سياسى مصرى، ليس من بين التنويعات السابقة أصلاً، وإنما يمكن أن نتعرف عليه فى الأسبوع القادم: من أول “بتباع الخيار” حتى المثقف الذى نزل يهتف فى الشارع دون أن ينظِّر، مرورا بعم “إبراهيم” وهو يدش البصلة أثناء الغدا على رأس الغيط (يعنى الحقل، وهجاؤه حاء قاف لام).

ياليت!!

(برجاء إخطار د. البرادعى حتى لا يبالغ فى حسن ظنه بنا مع الشكر)

****

بعدها بأسبوعين كتبت تعتعة أخرى ربما تكملة لهذه التعتعة هذا نصها:

 ثانيا: التعتعة الثانية:

الدستور: 28 سبتمبر 2005

كيف نرصد نبض الشارع السياسى؟

على المصطبة فى ليالى الصيف، بقهوة أو بدون قهوة، أحيانا حول راكية ذرة نشويها، كان الشيخ محمد أبو عبد الحافظ (كنا ننطقها بالضاد: عبد الحافض) الكفيف الظريف شديد الوفدية حاضر البديهة، وأخشى أن أقول سليط اللسان، لم يدع سعديا أو دستوريا إلا سلخه، وحين ظهرت جماعات من الشباب من الإخوان توقظ الناس قبيل الفجر، وأحس بوعيه أنها ليست هى، هاجمها من باب الاحتياط. ولم تكن ميكروفونات الأذان قد اخترقت حجب الصمت والنوم والظلام والسياسة بعد.

أغلب من أعرف من مكفوفى قريتنا من حفظة القرآن الكريم كانوا بمثابة المقرئيين المحترفين إلا هذا الشيخ الطيب الظريف، لم أكن أعرف له مصدر رزق محدد، ولا حتى أسرة وأولاد، لم أره يطلب أو حتى يقبل من أحد عطاء ما، كان فقيرا عفا فى مسألته الخاصة، لكنه كان دائما حاضرا جهورى الصوت لاذع التعليق فى الأمور العامة، لم يكن يمر حدث سياسى كبيرا أو صغيرا إلا علق عليه، وحين صوروا أحد المرشحين الوفديين وهو يقدم الحذاء للنحاس باشا عقب صلاة الجمعة، هيج أعداء الوفد الناس ضد هذا المرشح مستشهدين بهذا المنظر، ولم يتوان الشيخ محمد ابو عبد الحافض فى طرح تفسير مضاد للموقف بأنه توقير للكبير، وليس مذلة للزعيم ولا تقديسا له، وأن أى ابن يمكن أن يساعد أباه فى العثور على حذائه وتقديمه له بعد الصلاة. لم يكن يترك وحده سادرا فى تعقيباته، وتفسيراته، كان هناك من يوافق، ومن يسخر، ومن يصحح، ومن يثور، ومن يترك المجلس غاضبا.

هذا هو ما عرفت لاحقا أنه ليس إلا “الشارع السياسى”.

نبّهت فى التعتعة السابقة عن الشارع السياسى أنه ليس مجرد الصحف المؤيدة، أو المعارضة، ولا هو الصالونات الثقافية، ولا حتى دردشة النت، ولا حلقات الديسكو ولا انسحاب المتبتلين، ولا فرقعات المهيجين، لم أكن أنفى إسهام أى من ذلك فى حراك الوعى الجمعى، ولكننى كنت أحذر من تصور أن ذلك  هو ما يمثل صحوة أو إسهام الشارع العام  سياسيا، ذلك لأن كل هذا مجتمعا لا يؤثر حقيقة وفعلا فى مجرى إدارة الناس لرعاية مصالحهم  = (إدارة الناس لمصالحهم = السياسة)، وبالتالى هو لا يؤثر فى نتيجة أية انتخابات تأثيرا ذا بال.

الوعى العام يصبح حراكا سياسيا حين يؤثر على قرارات الحكام، وعلى اختيارهم، وعلى أدائهم، وعلى بقائهم، وعلى عزلهم أو قبول استقالتهم، أما هذا الحراك الموقوف عن التفعيل فهو بمثابة المتفرجين على فرق موسيقى البلدية التى كانت تعزف كل أسبوع فى الحدائق العامة أيام زمان، كما كانت تلف البلد فى المناسبات والموالد، وكانت مكونة من عازفين حقيقين قد يصلون إلى خمسة لا أكثر، أما الباقى فكانوا يسمون “لابسى المزيكة”  كل هذه الفئات التى  نفيت أنها يمكن أن تمثل الشارع السياسى إنما يتفرجون ناقدين أو راضين أو مصفقين أو لاعنين فهى فرق تشبه فى النهاية فرقة “مزيكا” الحكومة التى لا يعزف فيها إلا بضعة نفر نعرف أقلهم ونخمن الباقى، أما سائر طاقم الفريق فالأرجح أنهم من “لابسى المزيكا”.

وبرغم كل ذلك، فقد زعمت فى التعتعة السابقة أن ثم احتمال لولادة شارع سياسى بعد ما كان. إذا أردت أن تقيس ذلك على أرض الواقع حاول أن تحسن الانصات لمحتوى الحوار الذى يدور بين اثنين يلعبان الطاولة فى مقهى فى سوق السلاح، أو طالبان يتناولان ساندوتشا أمام كشك فى الحرم الجامعى، أو زوجان يعلقان على بيان الحكومة فى حجرة النوم، أو شابان يتبادلان القفشات بالسيم الجديد السريع الحاسم (اللغة الشبابية) أو ما يدور فى جلسة مصطبة بدون تليفزيون (إن كانت ماتزال موجوده)، أو أحاديث ثلة عمال وهم يوقعون على دفتر الانصراف، أو حديث هامس بين راكبين فى المترو، فإذا وجدت فى كل هذا موضوعاً سياسيا يتجاوز الشكوى واللعن والسخط والسخرية، وإذا شممت فيه رائحة الاستعداد للمشاركة أو لمحت معالم بارقة اقتراح بديل، فاعلم أنك فى بلد فيه ما يسمى الشارع السياسى، أما إذا اكتشفت أن كل هذه الأحاديث ليست إلا أصواتا تتردد دون سياسة، ودون تأثير، وأحيانا دون وعى، فأعلم أين نحن مما يسمى “الشارع السياسى.

لن يتحقق أى من ذلك بالخطب والوعود، ولا بملء أوراق الصحف بالسباب، ولا بنشر الفضائح والمعايرة، ولا بإعلان أرقام كاذبة وأخرى مضحكة (عن الاقتصاد والتعليم والوظائف والفدادين الجديدة)، وإنما يمكن أن يتحقق فقط  بالممارسة والمشاركة على أرض الواقع لمدة طويلة تحت مظلة عدل حقيقيا.

 هل فى ذلك جديد؟

أبدا،

ولكن هل معنى أنه ليس جديدا، أن نكف عن تكراره؟

(برجاء إخطار د. البرادعى حتى يعرف أين نحن، أو من أين يبدأ، أو نبدأ ربنا يخليه!!)

وبعد،

هل تتفضل سيادتكم أن تقرأ معى هذه الأسئلة:

  • هل تغير شىء خلال خمس سنوات؟
  • هل يعرف المرشحون من الأسرة، والثلة، وخارجهما حقيقة ما هو “شارع سياسى”؟
  • إذا كان ليس لدينا شارع سياسى بالمعنى المؤثر، فكم سنة نحتاجها من الممارسة، والتجربة، والخطأ، والأمانة والمحاولة ليتكون لدينا ما يسمى شارع سياسى؟
  • هل حقا قد انتقل الشارع السياسى إلى المدونات، والفيس بوك، والمواقع الخاصة؟ وهل يترتب على ذلك أى شىء حقيقى فاعل

****

ثم أتركك لتطرح أنت أسئلة أخرى، دون إلزامى أو إلزامك بالرد عليها.

حمدً لله على سلامة د. البرادعى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *