الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة : هل أنت مثقف؟

تعتعة : هل أنت مثقف؟

نشرة “الإنسان والتطور”

28-3-2009

السنة الثانية

العدد: 575

تعتعة

هل أنت مثقف؟

‏ ماذا‏ ‏نقصد‏ ‏بكلمتى‏ “‏الثقافة‏”‏ و”المثقف“؟‏ ‏وهل‏ ‏المجلس‏ ‏الأعلى ‏للثقافة‏ (‏مثلا‏) ‏هو مجلس‏ ‏مثقفين‏ (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وفتحها‏) ‏أم‏ ‏هو‏ ‏مجلس‏ ‏مثقـِّفين‏ (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وكسرها‏)‏؟‏ ‏وهل‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏ثقافة تشير‏ ‏إلى نفس ما تشير إليه  ‏كلمة‏ “‏مثقف‏” ‏أم‏ ‏أن‏ ‏الاختلاف‏ ‏قائم‏ ‏حسب‏ ‏السياق وبناء الكلمة؟ ولماذا تترادف كثيرا – عند الخاصة وأكثر عند العامة-  كلمات ليست مترادفة مثل: المثقفون والتنويريون والمبدعون والعقلانيون وأحيانا المتفلسفون، ونادرا الفلاسفة؟

المسألة قديمة حديثة، ثمَّ كتاب صغير، نال من الشجب والرفض بقدر ما نال من الترحيب والتقريظ، هذا الكتاب تناول هذه المسألة بإفاضة، كتبه ت. س. إليوت بعنوان “ملاحظات نحو تعريف الثقافة”، ترجمة د. شكرى عياد، وهو يحتاج لنقد مستقل.

أصل‏ ‏الكلمة‏ ‏العربية‏ “‏ثقف‏”، ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏كل‏ ‏الاستعمالات‏ ‏الأحدث‏ ‏لتشكيلاتها‏. “‏ثـقف‏”: (‏تعنى‏) “‏صار‏ ‏حاذقا‏ ‏فطِنا‏،” ‏و‏”‏ثقف‏” ‏الشىء‏ ‏ظفر‏ ‏به‏ (‏واقتلوهم‏ ‏حيث‏ ‏ثقفتموهم‏) ‏أما‏ “‏الثقافة‏” ‏بمعنى‏: ‏العلوم‏ ‏والمعارف‏ ‏والفنون‏ ‏التى ‏يـطلب‏ ‏فيها‏ ‏الحذق،‏ ‏فهى ‏مـحدثة‏ (‏الوسيط‏). ‏

هذا‏ ‏التوجه‏ ‏المعجمى ‏الأخير والأحدث‏ ‏هو‏ ‏الاستعمال‏ ‏الغالب‏ ‏لألفاظ‏ ‏الثقافة‏ ‏والمثقفين حاليا‏. ‏لكن‏ ‏للأمر‏ ‏وجوه‏ ‏أخرى‏. ‏الكلمة‏ ‏المقابلة‏ ‏بالإنجليزية‏ (‏وبالفرنسية‏) Culture ‏تحمل‏ ‏نفس‏ ‏الإشكال ‏تقريبا‏، ‏فهى ‏من‏ ‏ناحية‏ (1) ‏تعنى ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏صفوة‏ ‏من‏ ‏الذهنيين‏ ‏المتميزين‏ ‏الحاذقين‏ ‏المبدعين‏، ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى‏ (2) ‏تشير‏ ‏إلى ‏صفات‏ ‏مشتملة‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏تجمعهم‏ ‏لغة‏ ‏واحدة‏ ‏ويحيط‏ ‏بهم‏ ‏وسط‏ ‏اجتماعى ‏وبيئى ‏معين‏. ‏وقد‏ ‏بدأ‏ ‏استعمال‏ ‏لفظ‏”‏الثقافة‏” ‏فى ‏العربية‏ ‏بالمعنى ‏الأول‏ (‏الصفوة‏ ‏الحاذقة‏ ‏الماهرة‏ ‏المبدعة‏) ‏ثم‏ ‏امتد‏ ‏استعماله‏ ‏إلى ‏المعنى ‏الثانى (‏الوعى ‏المحيط‏ ‏المميز‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏البشر‏)، ‏فماذا‏ ‏يفعل‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ‏وهو‏ ‏يتلقى ‏المعنيين‏ ‏متداخلين‏ ‏دون‏ ‏تمييز‏؟‏

مثلا: حين يقرأ هذا العادى عناوين كتب أو أبواب أو مقالات ‏مثل‏: “‏مستقبل‏ ‏الثقافة‏” ‏أو ‏”‏تطور‏ ‏الثقافة‏”، ‏أو‏ “‏صفحة‏ ‏الثقافة‏”، ‏أو‏ “‏أزمة‏ ‏المثقفين‏” ‏أو‏ “‏اغتراب‏ ‏المثقفين‏”، أو حتى “وزارة الثقافة”، ‏هل‏ ‏يصله ‏نفس‏ ‏المعنى ‏الذى ‏يصله وهو يقرأ أو يسمع عن “‏ثقافة‏ ‏العولمة‏” ‏أو‏ “‏ثقافة‏ ‏المعلوماتية‏” ‏وأيضا ‏‏”‏ثقافة‏ ‏الإنترنت‏”‏ و”ثقافة الإدمان”، و”ثقافة الميكروباس”؟ ما الحكاية بالضبط؟

 الثقافة‏ ‏فى واقع نبض الجماعة (الخاصة فالعامة)‏‏ ‏هى ‏جُماع‏ ‏وعى ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏بقعة‏ ‏جغرافية‏ ‏معينة‏، ‏فى ‏فترة‏ ‏تاريخية‏ ‏بذاتها‏، ‏وجُماع‏ ‏الوعى ‏هذا‏ ‏يشمل‏ ‏اللغة، ‏والعادات،‏ والدين، ‏والأعراف،‏ ‏والتقاليد، ‏والقيم‏، ‏كما يشمل غلبة‏ ‏أنواع‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏نشاطات‏ ‏ملء‏ ‏الوقت‏ ‏وتوجُّهات‏ ‏الإنجاز‏. ‏نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يشير‏ ‏‏إلى “‏فئة‏ ‏بذاتها‏”، ‏ولا‏ ‏إلى ‏أية ‏خصوصية‏ ‏فى ‏الحذق‏ ‏والفطنة‏. ‏وبالتالى ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏تحديد‏ “‏صفوة”‏ ‏بذاتها‏، ‏هذا‏ ‏المعنى ‏يسمح‏ ‏لأى ‏منهم‏ ‏لثقافة‏ ‏ما‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مشروع‏ ‏مثقف‏، ‏لأن‏ ‏المثقف‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏التحديد‏”: “‏هو‏ ‏أى ‏واحد‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يستوعب‏ ‏وعى ‏جماعته‏ ‏ويمثلهم‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏. ‏هو‏ ‏نموذج‏ ‏لجماعته‏ ‏ولسانها‏، ‏ما‏ ‏ظلَّ‏ ‏يصدُقُ‏ ‏فى ‏الانتماء‏ ‏لها‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يساهم‏ ‏فى ‏تحديد‏،وتجديد، ‏هويتها‏.‏ 

حين‏ ‏نقبل هذا التعريف فإننا نفتح الباب لأى واحد‏ أن ينظر فى نفسه ليتعرف على صفة “مثقف” فيه، فإن وجد أنه يستوعب وعى جماعته، ويعمل على تطويرها فهو “المثقف” يستوى فى ذلك “الرجل الطيب الناصح” لا يفك الخط، والعالم، والسياسى، ‏والإعلامى، ‏والتربوى، ‏والواعظ، ‏والحرفى مبيض المحارة، وشيخ المنصر، وفتوة الحى، وشيخ المسجد، والقس. إن أى شخص يمثل ناسه وهو  يمارس‏ ‏وجوده‏ بينهم منهم لهم ‏بوعى ‏يقظ‏،، إنما ‏ ‏يقوم ‏بدوره ‏ ‏الفاعل‏ ‏فى ‏جماعته‏، وينميها، وغالبا ما يقودها، هو المثقف الذى نعنيه.

 لو صح ذلك، فعلينا أن نبحث عن تصينف آخر للمثقف المكتبى الوصى على الثقافة الأعلى، فمن كان منهم ‏يمثل وعى ناسه هناك فى الأعلى فهو كذلك، أما حامل مفاتيح الثقافة وجداول ضرب أبجديته، فأليق به أن نسميه “الذهنى”، “أو المعقلن”، ولنعترف له بفضله أنه أحسن واحد جدا، لكن ليس من حقه، من هذا المنطلق، أن يحتكر لفظ المثقف لو سمحتم.

‏ ‏الرسل‏ ‏عليهم‏ ‏السلام‏ قاموا بهذا الدور فى أعلى تجلياته لأنقى أهدافه بدءا بجماعتهم التى نزلت عليهم الرسالة وهم أحد أفراداها، امتدادا لسائر البشر، الرسل بعد أن استوعبوا وعى ناسهم، راحوا ‏ ‏يبلغون‏ ‏رسالات‏ ‏ربنا‏ ‏لإنقاذ‏ ‏البشرية‏ ‏من‏ ‏التخثر‏ ‏وإنقاذ‏ ‏النوع‏ ‏الإنسانى ‏من‏ ‏الانقراض‏.

 ‏الفرق‏ ‏الجوهرى ‏هو‏ ‏أن‏ المثقف المعاصر ‏يقوم‏ ‏بدوره‏ ‏الهام‏ ‏جدا‏ ‏فى ‏دائرته‏ ‏الصغيرة‏ ‏مهما اتسعت إلى أوسع فأوسع، ‏وهو‏ ‏ليس‏ ‏مكلفا‏ ‏تحديدا‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏رب‏ ‏العالمين‏ ‏بهداية‏ ‏كافة‏ ‏البشر‏، ‏لكن‏ ‏إسهاماته‏ ‏المسئولة، وجدله المتصل مع ناسه والزمان إلى وعود الحياة، هما ما يميزه.

والدعوة عامة!

(نروجو للمعارضين نوما هادئا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *