الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد: ديمقراطية كى جى ون (3 من 3) : من روضة الديمقراطية إلى المعهد العالى للدفاع التآمرى!!

تعتعة الوفد: ديمقراطية كى جى ون (3 من 3) : من روضة الديمقراطية إلى المعهد العالى للدفاع التآمرى!!

نشرة “الإنسان والتطور”

10-4-2011

السنة الرابعة

العدد: 1318

تعتعة الوفد

ديمقراطية كى جى ون (3 من 3)

من روضة الديمقراطية إلى المعهد العالى للدفاع التآمرى!!

كان لى قريب فلاح طفل ثائر، وكان سيدنا يحفّظه القرآن الكريم مع والدى طفلا، وتوقف مستقبله على أن يردد وراء “سيـّدنا” فى الكتاب الآية الكريمة “رُبَـمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ” ، لكن الطفل أصرّ أن يشدد باء “ربَـما ” لتصبح “ربّما” بخلاف ما جاء بنص التنزيل الكريم، ويصرّ “سيدنا” على تصحيحه طبعا، لكن الطفل العنيد رأسه وألف سيف ألا يستجيب لسيدنا، وهات يا مدّ على الفلكة بلا طائل، حتى يئس الطفل، ويئس سيدنا، وذهب إلى عم والدى (كان جدى قد مات)، وقد قرر أمرا، وقال له بحسم نهائى: “يا خالْ: أنا كرهت العلم والتعليم”، وتوقف عن الدراسة نهائيا.

 وتمضى أربعون عاما  تقريبا، ويتخرج والدى من دار العلوم ويعمل ويشترى أرضا، ثم يكبر زميله الطفل إبراهيم ليصبح “عم ابراهيم”، عاملا زراعيا أجَرِيّا باليوم، وأتعرف على علاقتهما ذات يوم، وعم ابراهيم يعزق الأرض عندنا فى عز الشمس  مع أجراء آخرين، ووالدى يباشر العمل وراءهم،  وهو فارد  الشمسية يتقى الشمس، وإذا بأبى يداعبه فى حضورى قائلا: يعنى يا ابوخليل كان جرى إيه لو كنت سمعت كلام سيدنا وقريتها “ربَـما”، ، مش كان زمانك صاحب أرض زيّى وماسك شمسية بدال حـَنـْية ضهرك عالفاس كده؟ فى عز “نقرة القيالة ” فيرد “عم ابراهيم”، “جرى إيه يا توفيق افندى، الله!!! الحمد لله،  كل واحد بياخد نصيبه”، ويضحكان معا، وأسأل والدى عن مغزى هذا الحوار، فيحكى لى الحكاية السالفة الذكر.

هذا هو الفلا ح الجميل الذى يستأهل كل مقاعد مجلس الشعب وليس فقط  50 %، منها،  لا أعتقد أن أى دستور فى العالم، أو عبر التاريخ، قد حوى مثل هذه المادة، مهما بلغت اشتراكيته، المسألة ليست فى حذف هذه المادة أو إثباتها، بل فى دلالة استمرار التعامل مع وعى الناس بهذه الطريقة السطحية، مع أن تعريف الفلاح أو العامل ظل إشكالة  لغوية إجرائية قانونية طوال ستين عاما، الذى يريد أن يعرف تعريفا لمن هو فلاح، إن لم تكن أتيحت له مثلى فرصة بمثل هذا: فليقرأ رواية “لحس العتب” لخيرى شلبى، أو “أيام الإنسان السبعة”.  حتى فلاح رواية  “الأرض” لعبد الرحمن الشرقاوى لم يكن فلاحا مصريا خالصا، فبعضه مستورد.

تذكرت حكاية عم ابراهيم: هذا الفلاح الأبى العنيد، وأنا اتراجع فى روضة أطفال الديمقراطية من كى جى تو (2002) إلى كى جى ون (2011) برغم تعرفى مؤخرا على ديمقراطية حقيقية من خلال ميدان التحرير ثم يوم الاستفتاء (19 مارس) ، لكننى ما كدت أتقدم أملا فى الانتقال إلى سنة أولى ابتدائى فى مدرسة الديمقراطية ، حتى صدر البيان الدستورى يوم الخميس الماضى، فقفزت من فوق سور المدرسة، وعدوت إلى شيخى نجيب محفوظ شاكيا، وقلت له: “يا خالْ نجيب، أنا كرهت الانتخابات والدستور”، وقررت، برغم كل الإيجابيات ألا أعود إلى مسخرة صناديق الانتخاب الفردى، أو نكته العمال والفلاحين، وحين سألنى شيخى كيف سأواصل نموى السياسى وأنا لا أفك خط الديمقراطية  هكذا؟ قلت له إننى سوف “أحوّل المسار”، إلى أن يحقق الإنسان المعاصر بإبداعه المتجدد آلية أخرى تحترم وعى جموع الناس، ولا تركز على دغدغة غرائزهم بالتعاطف الزائف، أو ظاهر التدين.  نظر إلىّ شيخى مشفقا، وقال، ألم أقل لك دائما: “إن مضاعفات وأخطاء الديمقراطية لا تصححها إلا الديمقراطية”، قلت له  “لا تخف علىّ، فلن أستسلم أبدا لما هو أسوأ منها، سواء كان حكم العسكر الدائم  أم حكم الحزب الواحد، أم الفرد الأوحد”، قال: “لقد فرحت بك حين أعادك ميدان التحرير  إلى مدرسة الديمقراطية طائعا مختارا، وأملت فيك خيرا”، “قلت “: … لكن ديمقراطية ميدان التحرير شىء آخر، فهى تعقد فى حوش المدرسة، وليس فى فصولها، ولكن ما أن عين الناظر تلو الناظر، حتى خاب أملى”.  قال لى:” ألم تستعجل؟” قلت :” البيان الدستورى واضح”، قال :” هذا بيان مؤقت”، قلت :”إن به كل معالم ما هو قديم، إن عيبا واحدا لا يتفق مع المنطق السليم، يفسد كل ما سواه، إقرار الانتخاب الفردى دون القائمة ، ثم هذه النسبة التى دافعوا عنها بأنها من “رائحة عبد الناصر” تكفى أى منهما للحكم على البيان، أليس الرئيس مبارك من رائحة عبد الناصر؟ ألم يتذكر أحدهم كيف كان يتم الانتخاب الفردى بعيدا عن ميدان التحرير بكل ما يعنى؟!! وهل يمكن أن يتم بغير ما كان يتم به؟

قال شيخى:” مازلت عنيدا ، أنا مشغول على مستقبلك الديمقراطى”: قلت له: “لقد مهد  البيان  السبيل لديمقراطية العائلات والقبائل والمصالح والوعود بالجنة وربما العلاج على نفقة الدولة !!”

سألنى شيخى:” ما اسم هذا المعهد الذى حوّلت إليه المسار؟ وأين يقع ؟”  قلت له اسمه: “المعهد العالى للتدريب  التآمرى لحفظ الحياة وحفظ النوع” ، سأل: “وهل اطلعت على المقررات؟ ” قلت: “إنها تتضمن البرامج التآمرية البيولوجية التى حفظت بقاء من تبقى من الأحياء حتى الآن (واحد فقط من كل ألف عبر تاريخ الحياة، ومن بينهم الجنس البشرى) ، إنه يدرس كيف نترجم هذا البرنامج التطورى الرائع الذى حافظ على الحياة، إلى ديمقراطية أصدق، تختبر الوعى العام، ولا تكتفى بألعاب العقل الظاهر المنقاد  فى كثير من الأحيان بغرائز الخوف والتحيز” قال شيخى ” لكن التفكير التآمرى يبرر سلبياتنا حين نضع اللوم على  الغير أكثر مما يحفزنا نحن على الخروج مما وصلنا إليه، قلت له: هذا هو التفكير التبريرى لا التآمرى، إن الذين يصفون دفاعنا عن استقلالنا  بأنه تفكير تآمرى يتغافلون عن الذين يمارسون تفكيرا استغلاليا استعماريا وهم يوهمونا أنه “التفكير العالمى الجديد”!!!، وأنهم بهذا التفكير الأحادى المغـِير  يحذقون استعمال تكنولوجيا الإبادة الذكية بأسماء حركية أو أسماء تدليل  علمية أو سياسية وقائية أو استباقيه”ثم أضفت:” الأحياء التى بقيت حتى الآن، يا خالْ،  لم تبق بسبب ذكاء خططها الخمسية أو بسبب الحصول  على أعلى الأصوات فى صناديق انتخاب البقاء، أو لنجاحها فى زيادة الدخل القومى بناء عن توصيات البنك الدولى للنمل أو للذباب أو للفيلة أو للفهود أو حتى للقرود والسحالى، (وكلها من الأحياء التى قاومت الانقراض)، ولكنها بقيت لأنها استطاعت أن تحل شفرة البقاء بآليات الصراع البيولوجية  المتاحة من أول الحصول على المواد الأساسية لاستمرار الحياة، حتى التكافل مع الطبيعة المحيطة  والأحياء الأخرى الأذكى تآمريا.

قال شيخى: وما علاقة ذلك بكل ما جرى ويجرى، من أول انتفاضة شباب 25 يناير التى ألحقتك ولو لهذه الفترة القصيرة بمدرسة الديمقراطية؟

قلت له: لقد انتهت المساحة المتاحة للمقال تقريبا، ولم يبق ما يسمح إلا بالخطوط العريضة للمقال القادم.

قال: فما هى خطوطك العريضة  لكى أطمئن عليك حتى الاسبوع القادم؟

قلت: أنا أتصور أن الثورة إبداع حيوى: هى حمل ناجح فولادة واعدة، ومثل كل إبداع هى معرضة لإجهاض محتمل، الثورة تعلن ولادتها باندفاعة  إفاقة جماعية،  ثم تتطور بقدر ما أعدّ لها قبلها، وأيضا بقدر ما  يستطيع مبدعوها أن يحافظوا على توجهها حتى تكتمل.  الإبداع الذى هو حمل طبيعى حتى لو كان سفاحا يظل مشروع ثورة رائعة، ثم إنه حتى لو تم الوضع طبيعيا دون مضاعفات، فلا بد من رعاية الطفل لينمو حتى يصبح  ثورة يافعة قادرة محيطة؟

قال شيخى: وما علاقة ذلك بالتفكير التآمرى؟

قلت: التفكير الحريص على البقاء يلزمنا أن نتساءل: يا ترى ماذا جرى هكذا فجأة لشعوب المنطقة العربية ليفيقوا حتى يبدوا وكأنهم هكذا مرة واحدة انتظموا فى سلسلة متتابعة مذهلة من انتفاضات تهدف إلى أن تطيح بحكام كانوا ظلمة طوال عقود (أو قرون)، وظلوا ظلمة حتى تاريخه؟  هل هى صلاة جماعة تستجيب لأذان “حى على الحرية”؟ أم أنها أنفلونزا الطيور الثائرة تنتقل عبر موجات الأثير لتصيب ناس المنطقة بأعراض تشبه الثورة؟  وحتى لو صح هذا الاحتمال الأخير فعلينا أن نعرف أننا نستطيع أن نحولها من خلال التعرض للإصابة إلى تخليق  مناعة تطورية مناسبة، ومن ثمَّ: إلى ثورة حقيقيه ممتدة.

قال شيخى : ….إياك إياك أن تشوه ما جرى بأن تعزوه إلى عوامل خارجية كما زعم البعض، هؤلاء الشباب لا جدال فى نقائهم وتلقائيتهم

قلت:  من حقنا أن نفرح لهبوط درجة حرارة الظلم، واختفاء طفح بثور التعذيب، ونحن نترحم على أرواح شهدائنا معترفين بالجميل، متعاهدين على الاستمرار،  ولكن علينا أساسا أن نرعى طفل الإبداع الجماعى حتى تنمو الإنبعاثة إلى ثورة. إن المرض النفسى يمكن أن يحل محل الإبداع الثورى مالم تستثمر الخطوات الأولى للإبداع فى الحفاظ على التوجه حتى يكتمل، مظاهر المرض قد تتفاقم بالتداوى بالديمقراطية القديمة التى انتهى عمرها الافتراضى أو بالديمقراطية المغشوشة المستوردة حديثا، باهظة الثمن، كما قد تظهر أعراض التسمم بالأفكار الدوائية المسمومة تسليما، والمسرطنة تبعية؟

قال: وهل سوف تدرس طرق الوقاية من كل هذا فى معهدك الجديد؟ 

قلت: لست متأكدا، لكنك أنت  الذى علمتنا ألا نيأس وألا نستسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *