نشرة “الإنسان والتطور”
23-7-2012
السنة الخامسة
العدد: 1788
تعتعة التحرير
هل هى حمل أمانة الناس، أم تقسيم تورتة الحكم؟
السيد الرئيس، ومعظم من حوله، وأغلب من ضده يطالبونه بأن يكون أكثر انفتاحا وسماحا وقبولا ودعوة لمشاركة أكبر عدد من الفرقاء فى إدارة البلاد، وهو يحاول أن يسمع هذا، ويطبطب على ذاك، وأن يحضن فلانا هنا، ليقبل علانا هناك، ولو تناقض الموقف فلا مانع عنده من أن يسمع الكلام فيتبعه متحمسا، ثم يسمع ضده فيتراجع عنه، باسما فَيُرضى من أشار، ومن اعترض، كلُّ بدوره مثلما حدث فى مسخرة مجلس الشعب الأخيرة، وهذا طبع مصرى طيب والسلام!!.
سمعت مثلا قديما بدا لى قبيحا خاطئا يقول: “الندل يوْعد ويوْفى والكريم يوعد ويخلف”، رفضته متعجبا، لكننى فهمت مؤخرا أن “يِوْعِدْ” فى المثل إنما تعنى “يَتَوعّد”، وليس “يِعَدْ”، رئيسنا كريم “يوعد ويخلف”، بمعنى آخر قاله صلاح جاهين وهو يتساءل: الكدب فين والصدق فين يا ترى؟ محتار حاموت الحوت طلع لى وقال: هوّا الكلام يتقاس بالمسطرة؟
هذا الرئيس واحد من ناس بلدنا، فيه كل طيبتهم وحنيتهم وتفويتهم وحداقتهم وخيبتهم، يحاول ألا “يزعل أحدا”، احترمت قدراته المتناسبة معنا، تابعت أداءه وهو يتصرف بتلقائية الفلاح على رأس حقله، يريد أن يسقى أرضه، أولا قبل جفاف الترعة، ثم تفرج أو لا تفرج على بقية الأراضى، ودعوت له أن يتخطى هذه المرحلة بسلام، مثلما فعل فى “بلاد بره” تلميذا فأستاذا، لكن يبدو أنه زوّدها حبتين:
إحلف اليمين فى التحرير: “والله فكرة!” واحلفه ثانية فى المحكمة- “كله خير وبركة”، أحلف لكن بدون تصوير “ربنا أمر بالستر”!! لا ينفع لابد من تصوير: “ماشى”!!، هذا الرجل الطيب مواطن مصرى جميل، وكريم، لا يريد أن يرفض أحدا، ولا أن يزعل جنس مخلوق، حتى أنه خلع نفسه من حزب جماعته خلع أبى موسى الأشعرى سيفه من غمده – ثم أعاد نفسه إلى الحزب دون الأخوان، إعادة عمرو بن العاص لمعاوية “ما تفرقش”،
لماذا يحاول الرئيس أن يرضى جميع الأطراف هكذا؟ ومن ذا الذى يستطيع أن يرضى جميع الأطراف دون أن يكون نصابا أو منافقا وأنا متأكد أنه لا هذا ولاذاك؟ ولماذا يريد “جميع الأطراف” من جانبهم أن ينتهزوها فرصة وهم يشاركون هذه العملية المائعة التى يمكن أن تمسخ كل المحاولات الجادة للخلاف الضرورى لتفريخ الإبداع وليس بالضرورة للصراع، كل واحد منهم يريد قطعه من “تورتة الحكم” مع أنه لم يفز ولو بقرعة “التمبولة”،
المسئولية جسيمة، وقد “اتسع الفتق على الراتع”، والثوب قد بليت خيوطه من الفتوق والخروق وكلما تَعِدُ رقعه قطع هنا، زاد الفتق هناك لم يعد الثوب يحتمل لصق أى قطعة عليه مهما كانت “متينة” إلا على حساب فتق فى الجانب الآخر، الأمر يحتاج إلى استبداله كله بثوب جديد متين محدد الألوان، معروف المصدر، ثوب له صاحب يفخر بصنعه وهو يتباهى بعرضه، وأنه مصنوع من نسيج ناسه، ثوب منسوج بخيوط من وعى ناس تعرت عوراتهم بالاحتقار والتهميش، ثوب يتداخل بعضه فى بعضه لتكون أمه، ثوب مخيط بخيوط من صلب العدل بإبر ماس الإيمان.
استلم السيد الرئيس الثوب المهترئ مهلهلا ممزقا مفتقا مقطعا، ووجد أنه ثوب متسع عليه، لكنه لم يأخذ باله وهو يتعثر فى طياته الممزقة أنه بهذا الاتساع وهذا التلف معا، وحين فحصه ووجده باليا، مليئا بالفتوق والخروق، نظر فى جعبته، فلم يجد ما يعينه وحده على رتق هذه الرتوق والخروق، وبدلا من أن يحافظ عليه، وينسل خيوط نسيجه الأصيل ليصنع منها ثوب جديدا الجديد، راح يلملم بقاياه إلى بعضها البعض لعلها ترتق خروقه، وكل حرصه ألا تطير منه بقايا قطعه فيتعرى هو أولا، وكأن غاية مراده هو أن يتجنب اللوم أنه عجز عن إصلاح الثوب أو تجديده، لم يهتم حتى أن ينظر فى المحلات والسوبر ماركات العملاقة الغيلان العالمية، وهى تعرض البدائل البلاستيكية الزاهية (مع أنها قابلة للاحتراق حتما) بديلا عن عباءات الشعوب المهلهلة إعدادا للوقود البشرى الحيوى القادم، نسى أنه حتى لو أتقن بعض المساعدين الرتق، وتمزق الثوب الناحية الأخرى، فإننا لن نجد فى موضع الرتق الخائب من نلومه أو نحاسبه ، لأنه يمكن أن يسلمنا الرقعة التى قام باستعمالها فى الرتق فنجد أنها متينة فى ذاتها على حساب كل الثوب، (وهكذا يضيع دم الوطن بين القبائل!!)
ما هذا؟
على من يتصدى لتولى الحكم أن يظهر كما هو بما هو، ترشح السيد الرئيس عن العدالة والحرية، ليمثل العدالة والحرية وهى تقود البلد، جاء من الإخوان المسلمين ليعبر عن فكر ومنهج الإخوان المسلمين منذ ثمانين عاما، أو ثمانية أيام، أوعدة قرون، خلاص، لا يوجد أى معنى آخر لأى من ذلك، ولا هو أمر يجعل من يقوم به أن يخجل أو يتردد، لا ينبغى أن يتخلى أحد عن تاريخه “لإرضاء جميع الأطراف”، يجوز أن يكون الائتلاف اضطرارا حين لا يحصل حزب ما على الأغلبية المطلقة (مجرد أكثر من 50%) فيضطر إلى الاستعانة بحزب صغير يتفق معه فى الخطوط العامة مع بعض الاختلاف فى التفاصيل، قد يكون الائتلاف ضروريا بعيدا عن مسئولية الحكم المباشر المسئول حين يكون الأمر خاصا بالتخطيط لمستقبل الأمة مثل ما هو الأمر فى اللجنة التأسيسية للدستور، أما أن يكون موقف الرئيس حالة كونه حاكما منفذا هو هكذا طول الوقت “إرضاء جميع الاطراف”: الجيش، وميدان التحرير، وشباب الإخوان، وشيوخ الإخوان، والسلفيين، وشوية ثوار، والملك عبد الله خادم الحرمين، وربنا بالمرّة، فهذا هو الخطر الجسيم.
على الرئيس أن يعلنها بصراحة:
أنا من الإخوان، أمثل حزب الحرية والعدالة، وهذا هو ما اخترتمونى من أجله، وبصفتى هذه، ونحن-الاخوان- لنا فهم محدد عن الإسلام، نعلن بعضه الآن وسوف ترون بقيته بعد حين حين تطمئنون أننا لا نمثل الماضى، ولا نعطل الاقتصاد ، ولا نقهر الإبداع، وسوف أتبع كذا وكيت فى التعليم والإعلام والأمن والسياحة والسياسة الخارجية، وسلوك الشارع، وتنمية القيم والأخلاق، إيمانا واحتسابا، ولا أريد منكم إلا النصيحة عن بعد، أو عن قرب دون ضغط أو انتظار مجاملة، فدعونى أعمل، وأدعو لى أن اتمم دورى بما أستوعبه منكم، والديمقراطية – بكل عيوبها – بينى وبينكم، إن أحسنتُ فأحسنتُم استعمالها فقد تثيبونى على ما فعلت، أو تسلموا الراية لمن يستطيع أن يتحدد بدوره أفضل منى – منا- ويقوم بما لم اقدر عليه.